الفصل والوصل بین الجریمة الانضبـاطیـة والجنائیة | ||
الرافدین للحقوق | ||
Article 7, Volume 25, Issue 81, December 2022, Pages 202-245 PDF (809.13 K) | ||
Document Type: بحث | ||
DOI: 10.33899/arlj.2022.176176 | ||
Authors | ||
مروان حسین احمد* ; مریم محمد احمد | ||
کلیة القانون والعلوم السیاسیة/ جامعة کرکوک | ||
Abstract | ||
یجب الاعتراف بالفصل بین نظامی التجریم والانضباط احدهما عن الأخر کقاعدة عامة مع التسلیم بتقیید نظام الانضباط ببعض ما یقرر فی نطاق القواعد العامة للعقاب، ویترتب على هذا الاستقلال باعتراف مستقل للجریمة الانضباطیة عن الجریمة الجنائیة وان کان هناک ترابط بینهما مع القبول بأن الکثیر من مبادئ القانون الجنائی تجد مجالاً لها فی التطبیق فی المجال الانضباطی، کأسباب الإباحة؛ لذا یتحد العقاب الجنائی مع الانضباطی فی غایة واحدة هی حمایة النظام الجنائی. | ||
Keywords | ||
الجریمة الجنائیة; التحقیق الاداری; العقوبة الانضباطیة | ||
Full Text | ||
الفصل والوصل بین الجریمة الانضبـاطیـة والجنائیة-(*)- The Separation between Disciplinary and Criminal Offenses and its Interaction
(*) أستلم البحث فی 19/3/2019 *** قبل للنشر فی 26/3/2019. (*) received on 19/3/2019 *** accepted for publishing on 26/3/2019. Doi: 10.33899/arlj.2022.176176 © Authors, 2022, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license (http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص یجب الاعتراف بالفصل بین نظامی التجریم والانضباط احدهما عن الأخر کقاعدة عامة مع التسلیم بتقیید نظام الانضباط ببعض ما یقرر فی نطاق القواعد العامة للعقاب، ویترتب على هذا الاستقلال باعتراف مستقل للجریمة الانضباطیة عن الجریمة الجنائیة وان کان هناک ترابط بینهما مع القبول بأن الکثیر من مبادئ القانون الجنائی تجد مجالاً لها فی التطبیق فی المجال الانضباطی، کأسباب الإباحة؛ لذا یتحد العقاب الجنائی مع الانضباطی فی غایة واحدة هی حمایة النظام الجنائی. الکلمات المفتاحیة: الجریمة الجنائیة، التحقیق الاداری، العقوبة الانضباطیة. Abstract Disciplinary procedures may overlap with criminal procedures. However, the separation must be recognized between the two systems as criminal charges are different from disciplinary offences. Despite the fact that the general principles of criminal law are applicable to disciplinary sanctions such as the permissibility principle, the criminal offences interact with disciplinary when they aim to protect the criminal justice system. Key words: criminal offense, administrative investigation, disciplinary punishment. المقدمـة تؤدی الدولة باعتبارها. شخصا معنویا عاما الدور الرئیسی فی الجهاز الإداری، وهی فی سبیل قیامها بهذا الدور تحتاج إلى من یعبر عن إرادتها، والتعبیر عن هذه الإرادة لا یتم إلا عن طریق الأشخاص الطبیعیة والمتمثلین بالموظــفین العمومیین. وقد تناولت التشریعات العراقیة الخاصة بالوظیفة والموظــف، تعریف الموظــف ومن ثم بیان شروط تعیینه والواجبات الملقاة على عاتقه والمحظورات الواجب الامتناع عنها وحالات انتهاء الوظیفة وغیرها من القواعد المتعلقة بالوظیفة العامة، فالموظــف العام وحسب ما جاء فی المادة (1/ثالثا/) من "قانون انضباطَ موظفی الدولة والقطاع العام رقم (1.4) لسـنة 19911 المعدل" "الموظــف بأنه: "کل شخص, عهدت إلیه وظیفة, داخل ملاک الوزارة أو الجهة غیر المرتبطة. بوزارة". تتعدد القوانین التی تختص بشؤون الوظیفة العامة و تحکم الموظــف العام فی العراق فبالإضافة إلى "قانون انضباط, موظفی الدولة والقطاع العام" السابق ذکره، هناک "قانون الخدمة المدنیة رقم (24) لسنة 1960 المعدل وقانون رواتب موظفی الدولة والقطاع العام رقم (22) لسـنة 2008 "و"قانون التــقاعد المــوحد رقـــم (90) لسـنة 02014"، ومن هذا یتبین أن الموظــف یحتل مرکزاً متمیزاً عن المرکز الذی یحتله الفرد العادی، إلا إنه على الرغم من وجود هذه القوانین فإن ذلک قد لا یشکل مانعاً من قیام الموظــف بارتکاب مخالفات أو أخطاء أثناء ممارسته وظیفته حیث تشکل هذه المخالفات ما یسمى بــ "الجـــریمة الانـــــضباطیة" أو "الجریمة التأدیبیة" والتی تؤدی إلى المساس بمصلحة المرفق العام مما یستوجب کنتیجة لذلک فرض العقوبات الانضباطیــة علیه والتی قد تصل فی بعض الأحیان إلى إنهاء علاقته الوظیفیة وذلک بحسب جسامة الفعل المرتکب من قبله، وقد یرتکب أفعالاً جرمها المشرع بمقتضى نصوص عقابیة داخل أو خارج عمله تنعکس بصورة مباشرة على وظیفته فیؤدی إلى إثارة مسؤولیته الجنـائـیة والانضباطیة، کما أن المشرع قد جعل من صفة الموظــف العام فی بعض الجرائم ظرفاً مشددا للعقوبة الجنـائـیة لأن الإخلال بواجبات الوظیفة العامة یمثل إخلالاً وخرقاً .للهدف الذی وجدت الوظیفة, العامة لتحقیقه المتمثلة فی تحقیق المصلحة العامة. أهمیة الدراسة: تظهر أهمیة هذه الدراسة من خلال تسلیط الضوء على الجریمة الانضباطیــة وتحدید علاقتها بالجریمة الجنـائـیة لأن هنالک العدید من المشاکل التی تثور بصدد هذه العلاقة مما یستوجب وضع الحدود الفاصلة بین الجریمتین من خلال معرفة أرکان کل منهما والقوانین التی تخضعان لها لأن تقسیم الجرائم إلى جرائم جنائیة خاضعة للقوانین الجنـائـیة وأخرى انضباطیة خاضعة للقوانین الانضباطیــة أو التأدیبیة یصبح أمراً صعبا فی کل مرة یتدخل فیها المشرع ویعدل الحدود الفاصلة بینهما وذلک بسبب التطور الحاصل فی فهم الجریمة الجنائیة، فقد یتم إدخال بعض الأفعال الموجودة فی نطاق التأدیب إلى نطاق التجریم مما یؤدی إلى أن تکون الجریمة الانضباطیــة لیس فعلا خاطئا فقط بل إثماً وذنباً أیضاً. مشکلة الدراسة: سوف نحاول فی هذه الدراسة الإجابة على التساؤلات الآتیة:
منهج الدراسة: تم اعتماد المنهج التحلیلی لنصوص القانون وأحکام المحاکم وآراء الفقهاء ومقارنته بالتشریع المصری. هیکلیة البحث: سنتناول موضوع بحثنا من خلال تقسیمه الى مبحثین، المبحث الاول یتطرق الى مفهوم الجریمة الجنائیة والجریمة الانضباطیة، والثانی یخصص لبیان الوصل والفصل بین الجریمتین الانضباطیة والجنائیة وفی الخاتمة سنبین أهم النتائج والتوصیات التی توصلنا الیها. المبحث الأول مفهوم الجریمة الجنـائـیة والجریمة الانضباطیة من أجل بیان مفهوم کل من الجریمة الجنـائـیة والجریمة الانضباطیــة التی یرتکبها الموظــف العام فإنه لابد من تعریف کل منهما وبیان أرکانهما، وعلیه فسوف نتناول هذا المبحث فی مطلبین، نخصص المطلب الأول لتعریف الجریمة الجنـائـیة وبیان أرکانها، أما فی الثانی فسوف نخصصه لتعریف الجریمة الانضباطیــة وبیان أرکانها. المطلب الأول تعریف الجریمة الجنـائـیة وبیان أرکانها إن تعریف الجریمة الجنائیة وبیان الأرکان اللازم توافرها لقیامها یقتضی تقسیم هذا المطلب إلى فرعین نخصص الفرع الأول منه لتعریف الجریمة الجنـائـیة ونبین فی الثانی الأرکان اللازم توافرها لتحقق وقوع الجریمة. الفرع الأول تعریف الجریمة الجنائیة لم یضع المشرع الجنائی تعریفا للجریمة الجنـائـیة فی معظم التشریعات و ذلک یرجع إلى أنه لا فائدة ترجى من وضع تعریف عام للجریمة، لأنه قد حدد مسبقاً الجرائم بموجب نصوص خاصة وبین أرکانها والجزاءات التی تفرض نتیجة ارتکابها، وعلیه فإن محاولة وضع تعریف جامع مانع لن یأتی شاملاً لکل المفاهیم المطلوبة کما أنها لا تکون مانعاً من إدخال مفاهیم جدیدة کانت قد خرجت من قصد المشرع، لذلک فقد تعددت التعاریف التی وضعها فقهاء القانون الجنائی للجریمة فمنهم من عرفها وفقاً للمعیار الشکلی الذی یربط بین الجریمة والقانون فیعرف الجریمة بأنها: "کل فعل أو امتناع عن فعل صادر من إنسان مسؤول ویقرر له القانون عقاباً أو تدبیراً احترازیاً")(، بینما عرفها آخرون وفقاً للمعیار الموضوعی والذی یرکز على جوهر الجریمة بقولهم بأن الجریمة:" الواقعة الضارة بکیان المجتمع وأمنه وسلامته")(، ومنهم من جمع بین المعیارین السابقین فعرف الجریمة بأنها:" سلوک إنسانی معاقب علیه بوصفه خرقاً أو تهدیداً لقیم المجتمع أو لمصالح أفراده الأساسیة أو لما یعتبره المشرع کذلک ووسیلة هذا النص الجنائی")(. ویبدو من خلال عرض التعارف السابقة أن التعریف الذی یجمع بین المعیارین الشکلی والموضوعی هو من أنسب التعاریف التی یمکن الأخذ بها لتعریف الجریمة. على إن قیام المشرع بتحدید الجرائم ووضع جزاءات محددة لکل جریمة لا یعنی أن الجرائم مختلفة کلیا فیما بینها، بل توجد مظـاهر تشابه فیما بینها تتمثل بالقیـــــام بفعل أو الامتناع عنه (السلوک الإیجابی أو السلبی) وضرورة توفر القصد من ارتکاب الجریمة وأن یکون الفعل مجرماً بمقتضى القوانین)( وهذا ما یمثل الأرکان التی تقوم علیها الجریمة والتی سنعرضها فی الفرع التالی.
الفرع الثانی أرکان الجریمة الجنائیة تقوم الجریمة الجنـائـیة بتوافر رکنیها (المادی والمعنوی) إلا أن بعض الفقهاء قد أخذوا بالتقسیم الثلاثی لأرکان الجریمة عندما أضافوا إلیها رکن ( الشرعیة)، وعلیه سوف نبحث فی هذا الفرع لهذه الأرکان تباعاً. أولا/ الرکن المادی: یتمثل الرکن المادی فی النشاط المکون للجریمة سواء کان هذا النشاط متمثلاً بفعل ایجابی أم سلبی، ویجب أن یکون هذا النشاط ظاهراً للعیان خارجاً إلى الوجود سواء کانت الجریمة تامة أم وقفت عند حد الشروع، فالقانون لا یعاقب على النیات التی تدور فی خلجات النفس ولا تتخذ مظهراً خارجیاً، وعلیه فإنه یستلزم لتوافر هذا الرکن وجود عناصره التی تتمثل بالسلوک الإجرامی، والنتیجة، وعلاقة السببیة)(. 1- السلوک الإجرامی: یتمثل فی النشاط المادی الخارجی للجریمة، ویختلف هذا النشاط بالنسبة لکل جریمة عن غیرها، ففی جریمة القتل یتمثل السلوک الإجرامی فی فعل إزهاق الروح وفی جریمة السرقة تظهر فی فعل الاختلاس، کما یتحقق هذا السلوک عند امتناع الجانی عن القیام بفعل أوجب القانون القیام به کما هو الحال فی الامتناع عن تقدیم بیان الولادة إلى السلطات المختصة)( وعلیه فإن هذا السلوک یتواجد فی کل مرة یخل فیها بالتزام قانونی أو اتفاق وبخلافه لا نکون أمام جریمة حتى وإن کان تصرف الشخص فی هذه الحالة یعتبر امتناعاً من وجهة نظر دینیة أو أخلاقیة)(. 2- تحقق النتیجة: ویقصد به الأثر الذی یترکه السلوک الإجرامی والذی یضر بمصلحة أو حق أحاطه المشرع بالحمایة، على أن تحقق النتیجة الضارة لیست جوهریة لقیام الرکن المادی فی جمیع الجرائم حیث أن هنالک جرائم یتحقق رکنها المادی دون انتظار النتیجة کما هو الحال فی جریمة حمل سلاح بدون إجازة( ). 3- الرابطة السببیة: وتمثل حلقة الوصل بین السلوک الإجرامی والنتیجة الضارة فتقوم هذه الرابطة عندما یصبح فعل الجانی سبباً لحصول النتیجة، وتحکم الرابطة السببیة نظریتین هما نظریة تعادل الأسباب ونظریة السبب الکافی. ومؤدى النظریة الأولى هی أن العوامل التی ساهمت فی إحداث النتیجة تقوم على أساس المساواة لأن کل کانت لازمة لحدوث النتیجة، فإذا ترتب مع سلوک الجانی عوامل أخرى تتعلق بالمجنی علیه کضعفه أو مرضه السابق فإن الجانی یظل مسؤولا عن جریمته حتى لو کان مساهمته فی الجریمة محدوداً لأنه وفق حجج مؤیدی هذه النظریة أن سلوک الجانی هو الذی أعطى العوامل الأخرى قوتها وأدت بالتالی إلى إحداث النتیجة إلا إذا ثبت أن سلوک الجانی لم یکن سبباً لوقوع النتیجة)(. أما بالنسبة إلى النظریة الثانیة (السبب الکافی) فهی تقوم على التمییز بین نوعین من العوامل التی تتزامن مع فعل الجانی وهی (العوامل المألوفة) والتی مع مراعاتها یصلح أن یکون سلوک الجانی سبباً لحصول النتیجة، والنوع الثانی هی (العوامل الشاذة) والتی تقطع بتوافرها مسؤولیة الجانی وتکون کافیة لوحدها لتحقق النتیجة)(. وقد أخذ المشرع العراقی بنظریة تعادل الأسباب ولکن ضیق من نطاقها عندما جعل سبب انتفاء العلاقة بین سلوک الجانی وتحقق النتیجة مقیدة بشرط کفایة السبب الطارئ وحده دون أن یضیف علیها شرط الاستقلال الذی تضیفه نظریة تعادل الأسباب)( وذلک عندما نص فی المادة ( 29 ) من قانون العقوبات العراقی (111) لسنة 1969 على: "1- لا یسأل شخص عن جریمة لم تکن نتیجة لسلوکه الإجرامی ولکنه یسأل عن الجریمة ولو کان قد ساهم مع سلوکه الإجرامی فی إحداثها سبب آخر سابق أو معاصر أو لاحق ولو کان یجهله 2- أما إذا کان ذلک السبب وحده کافیا لإحداث نتیجة الجریمة فلا یسال الفاعل فی هذه الحالة إلا عن الفعل الذی ارتکبه"، وقد أخذ القضاء العراقی فی تطبیقاته ما نص علیه المشرع فی هذه المادة حیث کان لنظریة السبب الکافی حضورا واسعا فی قراراته بخلاف نظریة تعادل الأسباب)(. ثانیاً/الرکن المعنوی: یتمثل هذا الرکن فی (القصد الجنائی) الذی یفترض وجود علاقة نفسیة بین الفاعل وفعله والنتیجة التی ترتبت على فعله والتی تکون نابعة عن إرادته الآثمة الحرة فی ارتکاب الجریمة أی أنه یعلم بأن الفعل الذی یقوم به غیر مشروع ومعاقب علیه قانونا ورغم ذلک تتجه إراداته إلى ارتکابه، والأصل أنه لا جریمة بدون رکن معنوی لأن هذا الرکن هو الذی یحدد مسؤولیة الجانی ویحقق للعقوبة أغراضها الاجتماعیة ویضمن العدالة)(. والرکن المعنوی یقوم على عنصری العلم والإرادة، ویتمثل العلم فی قدرة الإنسان على فهم طبیعة أفعاله وقدرته على تقدیر نتائجها، ویمثل هذا العنصر أساس القصد الجنائی لأن الفعل الجرمی یتجرد من الصفة العمدیة إذا انتفى هذا العنصر حتى ولو کانت هنالک إرادة فی ارتکابه لأن القصد الجنائی یدل على إرادة واعیة وهذا القصد لا یکتمل إلا إذا علم الجانی بکل العناصر المعتبرة واقعا و قانونا فی فعله الإجرامی لأن العلم بالقانون مفترض افتراضا غیر قابل لإثبات العکس ولا یعتد بالجهل بالقانون)(، أما الإرادة أو (حریة الاختیار) فهو قدرة الإنسان على توجیه نفسه للقیام بعمل معین أو الامتناع عنه، وتبعا لمدرسة حریة الاختیار فإن الإرادة مفترضة لدى الإنسان حیث أن باستطاعة الإنسان أن یسیطر على دوافعه وان یختار السلوک الذی یراه مناسبا فإذا أساء الاختیار ترتب مسؤولیته الجزائیة إلا إذا کان فاقدا لحریة الاختیار بسبب عارض ما عندئذ تنتفی مسؤولیته لانتفاء أهلیته بسبب فقدان الإرادة )(. وقد تناول المشرع العراقی تعریف الرکن المعنوی فی المادة (33/1) من قانون العقوبات العراقی رقم (111 لسنة 1969 المعدل) والتی جاء فیها: "القصد الجرمی هو توجیه الفاعل إرادته إلى ارتکاب الفعل المکون للجریمة هادفاً إلى نتیجة الجریمة التی وقعت أو أیة نتیجة جرمیة أخرى"، وقد انتقد البعض هذا التعریف على أساس أن المشرع العراقی قد رکز فیها على إرادة الفاعل المتجه نحو إحداث الجریمة دون الإشارة إلى وجوب علمه بها، بینما یرى آخرون أن اکتفاء المشرع بإیراد کلمة الإرادة مرده إلى أن الإرادة تفترض العلم، ولغرض قطع الشک بالیقین فإننا نتفق مع الجانب الذی یرى نرى إعادة صیاغة نص الفقرة المذکورة من قبل المشرع لتکون شاملة لعنصری الإرادة والعلم. ثالثا/ الرکن الشرعی: لا یمکن تجریم أی فعل مالم ینص علیه القانون فمبدأ الشرعیة یقضی أنه (لا جریمة ولا عقوبة إلا بنص)، فإذا وجد نص قانونی یسبغ الصفة غیر المشروعة على الفعل ولم یقرنه بسبب من أسباب الإباحة أو مانعا من موانع المسؤولیة عد ذلک الفعل مجرماً)( وقد ثار الخلاف بین الفقهاء حول حقیقة هذا الرکن ومدى إمکانیة اعتباره رکناً من أرکان الجریمة، حیث ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار الرکن الشرعی هو النص القانونی المطبق على الفعل فی حین اعتبره آخرون أنه یتجلى فی الصفة غیر المشروعة للفعل وبهذا فإنه یکون متمیزاً عن الرکن المادی فی الجریمة على اعتباره تکییفاً قانونیاً وفی ذات الوقت یتمیز عن الرکن المعنوی باعتباره ذات طبیعة موضوعیة لا ترتبط بإرادة الفاعل)(، ونرى أنه فی کلتا الحالتین فإن الرکن الشرعی یمثل وجوداً قانونیا یضفی على الفعل أو الامتناع عن الفعل صفة عدم المشروعیة. أما من حیث مدى اعتباره رکناً من أرکان الجریمة، فإن البعض أنکر اعتبار الرکن الشرعی رکناً من أرکان الجریمة لأن هذا الرکن یمثل نص التجریم وهو الذی یخلق الجریمة فکیف یکون الخالق جزء من المخلوق؟ بینما تمسک آخرون باعتباره رکناً فی الجریمة وبرروا موقفهم بالقول بأن الشرعیة لا تعنی التثبت من نصوص التجریم لأنه یضیف على الفعل صفة عدم المشروعیة فقط بل لأنه یحدد معالمه وعناصره ویضفی علیه النموذج القانونی)( وبذلک یکون لهذا الرکن عناصره المتمثلة فی انطباق الفعل على نص یجرمه و عدم توافر سبب من أسباب الإباحة) (. وبدورنا نتفق مع الرأی الذی یؤید اعتبار الرکن الشرعی رکناً من أرکان الجریمة، فالفعل یعتبر مجرماً بنص القانون وقد یقیده القانون بسبب من أسباب الإباحة فیزیل عنه صفة عدم المشروعیة وهو لا یعنی فقط تجریم أو عدم تجریم الفعل بل تکییف الفعل مع النموذج القانونی وتحلیله بصورة یجعله مؤثرا على الرکنین المادی والمعنوی. المطلب الثانی تعریف الجریمة الانضباطیــة وأرکانها تهدف الوظیفة العامة إلى خدمة المواطنین وتحقیق المصلحة العامة)( وذلک من خلال تکلیف القائمین بها (الموظــفین) لتحقیق هذا الهدف ضمن قوانین وأنظمة معمولة بها فی هذا الإطار، وهذا ما یستلزم بطبیعة الحال وجود جملة من الواجبات التی یجب الالتزام بها من قبل الموظــفین سواء کانت (ایجابیة) یستلزم القیام بها أو کانت (سلبیة) یستوجب الابتعاد عنها وتجنبها، وبخلاف ذلک تتحقق مسؤولیة الموظــف عن الإخلال بواجبات وظیفته)(. والبحث فی هذا المطلب یستوجب منا أن نقسمه إلى فرعین، نخصص الفرع الأول منه لتعریف الجریمة الانضباطیة، أما الفرع الثانی فسوف نتناول فیه أرکان هذه الجریمة. الفرع الأول تعریف الجریمة الانضباطیـة)( لبیان تعریف الجریمة الانضباطیة سوف نتطرق أولاً إلى تعریف الفقه ثم القضاء، ذهب جانب من الفقه إلى تعریف الجریمة الانضباطیــة بأنها: "کل فعل أو امتناع یرتکبه العامل ویجافی واجبات منصبه")( وعرفه آخرون بأنه: "إتیان الموظــف لفعل یعتبر إخلالا بواجباته بوصفه موظفاً عاماً مما یستوجب فرض عقوبة معینة علیه")(. أما القضاء فقد عرف الجریمة الانضبـاطیــة فی العدید من أحکامها ومنها ما جاء فی حکم المحکمة الإداریة العلیا المصریة حول تحدید المخالفة التأدیبیة بأنها: "الخروج على مقتضیـــــات الواجب الوظیفی")( وفی حکم آخر لها ذهبت إلى القول بأنه: "من المسلم به أن مناط المسؤولیة التأدیبیة هو إخلال الموظــف بواجباته واللوائح أو القواعد التنظیمیة العامة أو أوامر الرؤساء الصادرة فی حدود القانون أو یخرج على الوظیفیة إیجابا أو سلبا أو إتیانه عملا من الأعمال المحرمة علیه، فکل موظف یخالف الواجبات التی تنص علیها القوانین مقتضى الواجب فی أعمال وظیفته أو یقصر فی تأدیتها بما تطلبه من حیطة ودقة وأمانة أو یخل بالثقة المشروعة فی هذه الوظیفة إنما یرتکب ذنبا إداریا یسوغ تأدیبه، أما إذا انعدم المأخذ على السلوک الإداری للموظف ولم یقع منه أی إخلال بواجبات وظیفته أو خروج على مقتضى الواجب فلا یکون ثمة ذنب إداری وبالتالی لا محل لجزاء تأدیبی")( أما الهیئة الموسعة فی محکمة التمییز الاتحادیة فقد عرفتها بأنها:" ارتکاب الموظــف إثما إداریا نتیجة إخلاله بواجبات وظیفته")(. وعلیه یمکن أن نعرف الجریمة الانضباطیــة بأنها: "السلوک المخالف الذی یقترفه الموظــف سواء کان ذلک متمثلا بالقیام بفعل أو الامتناع عنه من شأنه أن یمثل خروجاً على الواجب الوظیفی". وهنا یثور التساؤل حول نطاق المخالفة التی یرتکبها الموظــف ویعرضه للمساءلة، فهل یقصد بها تلک المخالفات التی ترتکب فی حدود الوظیفة فقط أم أنها تشمل الأفعال التی یرتکبها خارج حدود وظیفته أیضاً؟ للإجابة على هذا السؤال فإنه لابد من تحدید الأفعال المخالفة التی وقعت خارج حدود الوظیفة وتلک التی وقعت خارج المرفق.
أولا/ الأفعال المخالفة التی وقعت خارج حدود الوظیفة: ذهب جانب من الفقه إلى توسیع نطاق الجریمة الانضباطیــة عند تعریفه لها، حیث جعلها شاملة للأفعال التی یرتکبها الموظــف بعد انتهاء خدمته والتی یمکن مساءلته علیها بموجب نص خاص)( إلا أن جانب آخر من الفقه لم یؤید هذا الاتجاه معللین موقفهم فی أن مسؤولیة الموظــف بعد انتهاء خدمته هی مسؤولیة استثنائیة ذات نطاق ضیق ولا یمکن المساءلة عنها إلا بموجب نص خاص)(. ونحن نؤید ما ذهب إلیه أصحاب الاتجاه الثانی والمتضمن عدم مساءلة الموظــف بعد انتهاء خدمته الوظیفیة إلا فی حالة وجود نص خاص یلزمه بالقیام بفعل أو الامتناع عنه وقد کان موقف المشرع العراقی واضحاً بهذا الخصوص عندما نص فی المادة (4/سابعا) على التزام الموظــف بـ " کتمان المعلومات والوثائق التی یطلع علیها بحکم وظیفته أو أثناءها إذا کانت سریة بطبیعتها أو یخشى من إفشائها إلحاق الضرر بالدولة أو بالأشخاص أو صدرت إلیه أوامر من رؤسائه بکتمانها ویبقى هذا الواجب قائما حتى بعد انتهاء خدمته ولا یجوز أن یحتفظ بوثائق رسمیة سریة بعد إحالته على التقاعد أو انتهاء خدمته بأی وجه کان". ثانیا/ الأفعال المخالفة التی وقعت خارج حدود المرفق: من البدیهی القول بأن الموظــف هو مواطن عادی یحق له حریة التصرف فی حیاته الخاصة شأنه فی ذلک شأن باقی المواطنین، لکن الأفعال الخاصة به والتی یقوم بها خارج حدود الدائرة التی یعمل فیها یجب أن لا تؤثر سلباً على وظیفته بصورة تؤدی إلى الإخلال بالثقة الواجبة علیه، خاصة إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار بأنه من شروط التوظیف والاستخدام أن یکون المتقدم حسن السیرة والسلوک )( فالمشرع العراقی قد حرص على استبعاد سیء الصیت والذین لا یشهد لهم بالخلق الحسن من التعیین فی الوظائف العامة لحمایة المرفق والمواطنین فی ذات الوقت من الخطر الذی قد یؤسسه تعیینهم )(، کما أوجب على الموظــف أن یحافظ على کرامة الوظیفة وأن یمتنع عن کل ما من شأنه المساس بهذه الکرامة سواء کان ذلک فی أثناء أداء الوظیفة فی ساعات العمل الرسمیة داخل المرفق أو خارج أوقات العمل الرسمی)(. والأفعال التی لا تلیق بالموظــف العام والی لا یجوز ممارستها حتى فی خارج أوقات العمل تکون إما أفعالاً معاقب علیها بمقتضى قوانین جنائیة، أو أفعالاً تخالف عادات المجتمع وتکون مؤثمة کإدمان الخمر ولعب القمار وارتیاد أماکن لا تناسب شخصیة الموظف العام)(، فالفعل الخاطئ الذی یقع خارج حدود الوظیفة و تعتبر فی الوقت نفسه إخلالا بکرامة الوظیفة یجب أن یکون مساویاً فی أثره للفعل المخالف للموظف والذی یقع أثناء ممارسة الوظیفة ولیس الفعل الذی یخشى من أثره فی المستقبل، وعلة ذلک تکمن فی أن الموظــف یتمتع بضمانات ومزایا کثیرة فی وظیفته وفی مقابل هذه المزایا یجب علیه أن یبتعد عن کل ما من شأنه الإخلال بهیبتها)(.
الفرع الثانی أرکان الجریمة الانضباطیة یستلزم لقیام الجریمة الانضباطیــة توافر أرکان معینة، وقد ثار خلاف فی الفقه حول هذه الأرکان، فبینما یرى البعض أنه یستلزم لقیام الجریمة الانضباطیــة توفر الرکنان (المادی والمعنوی)، یرى جانب آخر أنه لا یشترط لقیام هذه الجریمة توافر الرکن المعنوی، وسوف نتناول بیان هذین الرکنین تباعاً. أولا/ الرکن المادی: یقصد بالرکن المادی فی الجریمة الانضباطیة (الخطأ) الذی یقترفه الموظــف، سواء کان هذا الخطأ سلبیاً وذلک بامتناعه عن القیام بواجب مفروض علیه، أو ایجابیاً یتمثل بالقیام بفعل مخالف للالتزام المفروض علیه، أی أنه یستلزم لتحقق هذا الرکن ارتکاب المخالفة وذلک بالخروج على مقتضى الواجب الوظیفی)( أو الشروع فی ارتکابها، فإذا اقتصر سلوک الموظــف على مجرد التفکیر فی المخالفة أو فی الجریمة فلا نکون أمام جریمة انضباطیة لأن هذا التفکیر لم یخرج إلى حیز الوجود، وکذلک بالنسبة للأعمال التحضیریة أی الأعمال التی تتوسط التفکیر بالجریمة والبدء فی تنفیذها أو الشروع فیها فهو الآخر لا یشکل جریمة ولا یعاقب علیه إلا إذا کان العمل التحضیری یکون جریمة مستقلة فی ذاتها)( کما هو الحال فی قیام الموظــف بالاحتفاظ بأوراق أو رسمیة أو انتزاعه من الملفات المخصصة لحفظه حتى لو کانت تلک الأوراق خاصة بعمل سبق وأن کلف به بصفته الشخصیة)(. ویجب لقیام الرکن المادی أن یکون الفعل محدداً لأن جهة الإدارة وان کانت تتمتع بحریة فی تحدید عناصر الجریمة الانضباطیــة فإنها ملزمة فی ذات الوقت بأن تتخذ قرارها بناء على وقائع محددة قام الموظــف بارتکابها وثبتت فی حقه وأن تستند فی قرارها على أسباب صحیحة وحقیقیة مستمدة من اصول تنتجها واقعاً وقانوناً فلا یمکن أن تقوم الجریمة الانضباطیة على الحدس أو على الشائعات وإلا فإن قرار الإدارة بتجریم الفعل یکون فاقداً لسببه القانونی جدیرا بالإلغاء)(، کما یترتب على وجوب کون الفعل المخالف محدداً أنه لا تقوم الجریمة الانضباطیـة فی حالة ما إذا کانت التهمة مشاعة بین عدد من الموظــفین ولم یتوصل القاضی إلى تحدید الفاعل)(. وأخیراً فأنه یجب الإشارة أنه لا یعتبر إخلالا بواجبات الوظیفة ممارسة الموظــف حقا مشروعا مقرر له بمقتضى القانون والدستور کحق الشکوى وحق التقاضی، فلا یجوز مساءلته إذا لجأ إلى الشکوى نتیجة ظلم لحقه من رؤسائه أو نتیجة اختلافه فی الرأی وخاصة فی المسائل التی تتحمل أکثر من رأی وذلک لعدم توفر الرکن المادی الجریمة )(. ثانیاً/ الرکن المعنوی: إن الجریمة أیاً کانت طبیعتها لیست واقعة مادیة بحتة، فلا یکفی أن یخالف الموظــف واجباته الوظیفیة حتى یعرض نفسه للمساءلة الانضباطیــة إنما یجب أن یصدر الفعل المخالف عن إرادة واعیة مدرکة أحاطت بمضمون هذا الفعل، فنکون فی هذه الحالة أمام جریمة انضباطیة عمدیة أو قد یصدر الفعل المخالف عن إرادة واعیة ولکنها غیر محیطة بمضمون الفعل فنکون أمام جریمة انضباطیة غیر عمدیة ویبقى الموظــف مسؤولا عن جریمته إلا إذا ثبت انه قام بالتثبت و التحری وبنى اعتقاده على أسباب معقولة )(. وبذلک فأنه لا یعتد بالرکن المعنوی قانوناً إلا إذا صدر عن إنسان متمتع بإرادة کاملة، وعلیه إذا ارتکب الموظــف فعلاً مخالفاً تحت تأثیر قوة قاهرة وحالة إذا ارتکب فعله طاعة لأوامر رئیس تجب علیه طاعته إذا توافرت فیه الشروط القانونیة، بأن یصدر الأمر مکتوبا إلیه من الرئیس وقیامه بتنبیه الرئیس کتابةً بعدم قانونیة الأمر الصادر وکذلک حالة ما إذا کان هنالک سوء إدارة للمرفق فلا یسأل الموظــف على فعله والأخطاء التی تقع منه فی هذه الحالة )(، ونفس الحکم یسری فیــــــما إذا کان الموظـــــف مریضاً مرضاً یمنعه من إطاعة أوامـر رئیســــه على أن یقیم الدلیل على ذلک)(، على أنه یجب الأخذ بنــظر الاعتبار أن ادعاء الجهل بالقوانین والأنظمة واللوائح لا یعتد به کعذر للإعفاء من المسؤولیة)(. ویذهب بعض من الفقه)( بأنه لا یشترط لقیام الجریمة الانضباطیــة توافر الرکن المعنوی حیث انه من الممکن التسلیم بضرورة توافر هذا الرکن بالنسبة للجرائم الانضباطیــة المقننة فقط والتی تنحصر فی الجرائم التی نص علیها المشرع علیها فی القوانین من الجنـائـیة کالرشوة، أما بالنسبة للجرائم التی لم یتم تقنینها فإن الرکن المعنوی فیها لا یعتبر رکناً مستقلاً ویکفی لتحقق شرعیة العقاب أن یثبت أن الموظــف قد ارتکب فعلاً خاطئاً بدون عذر. ومن جانبنا نؤید الرأی الذی یعتبر الإرادة رکناً فی الجریمة الانضباطیة، فإذا توافرت الإرادة بأن قصد الموظــف ارتکاب الفعل وأراد النتیجة فتکون الجریمة الانضباطیــة عمدیة وإذا ارتکب الفعل بحسن نیة ولم یقصد إحداث النتیجة یکون مسؤولاً عن جریمته غیر العمدیة إلا إذا اثبت الموظــف انه حسن النیة وقام بالتثبت والتحری وکان اعتقاده مبنیا على أسباب معقولة عندئذ تنتفی مسؤولیته عن جریمته الانضباطیــة. ثالثا/ الرکن الشرعی: لاحظنا سابقاً عند البحث فی مجال الجریمة الجنـائـیة أن المبدأ فیه (لا جریمة ولا عقوبة إلا بنص أو بناء على نص) فالمشرع یتولى تحدید الأفعال المجرمة ویقرر العقوبات لها، ولکن هل یطبق هذا المبدأ فی مجال الجریمة الانضباطیة؟ فیما یتعلق بالجریمة الانضباطیــة فإن المشرعین العراقی والمصری لم یحددا المخالفات أو الأفعال غیر المشروعة على سبیل الحصر)( ولا یوجد اتفاق فی الفقه والقضاء یحدد الأفعال المجرمة للموظف وبالتالی لا تخضع الجریمة الانضباطیــة لمبدأ (لا جریمة إلا بنص))( بینما نجد تحدیداً للعقوبات التی تفرض على الموظــف إذا خالف واجبات وظیفته أو قام بعمل من الأعمال المحظورة، ولا یجوز للإدارة أن تفرض غیر العقوبات المحددة قانوناً)( وبذلک فإن الجریمة الانضباطیــة تخضع من حیث العقوبة إلى مبدأ الشرعیة أی (لا عقوبة إلا بنص) وتفرض العقوبة بحسب جسامة الفعل المرتکب من قبل الموظــف. وقد ثار الخلاف بین الفقهاء، فمنهم من یرى أن الجریمة الانضباطیــة یقتصر على رکنین بینما یرى آخرون أن الجریمة الانضباطیــة تخضع لمبدأ الشرعیة ویرون أن مصادر الرکن الشرعی للجریمة الانضباطیــة تتمثل فی نص قانونی أو قاعدة تنظیمیة تحدد مجموعة من الواجبات أو المحظورات أو یمکن إسناد هذه الجرائم إلى العرف الإداری)( . ونرى من جانبنا أن الجریمة الانضباطیــة تتکون من الرکنین (المادی والمعنوی) على أن لا یفهم من عدم خضوع الجریمة الانضباطیــة لمبدأ (لا جریمة إلا بنص) منح الإدارة اختصاصاً شبه تشریعی فی تحدید ما یعد وما لا یعد جرائم انضباطیة إنما یجب أن تکون سلطتها سلطة تکییف لا تقریر وخاضعة فی ممارستها لهذه السلطة إلى رقابة القضاء. المبحث الثانی الاستقلال والتشابک بین الجریمتین الانضباطیة والجنائیة الجریمة التی یرتکبها الموظف العام والتی یمکن ان تؤدی إلى انهاء علاقته الوظیفیة اما ان تکون جریمة انضباطیة واما ان تکون جریمة جنائیة وقد یکون الخطأ المنسوب للموظف یشکل جریمة تأدیبیة وجریمة جنائیة فی نفس الوقت کارتکاب سرقة أموال عامة او تزویر فی مستندات او الاعتداء على الرؤساء او الزملاء بالضرب او السب لذا وجدنا من المناسب بحث الموضوع فی مطلبین نتناول فی الاول أثر الاستقلال بین الجریمتین وفی الثانی أثر التشابک بین الجریمتین وکالاتی:- المطلب الاول الاستقلال بین الجریمة الجنـائـیة والجریمة الانضباطیة سوف نقسم هذا المطلب الى ثلاث فروع نتناول فی الاول منها الاستقلال بین کل من الجریمتین عن الاخرى وفی الثانی منها أراء وحجج المؤیدین لاستقلال الجریمة الجنـائـیة عن الجریمة التأدیبیة والنتائج المترتبة علیها کمطلب ثالث. الفرع الاول الاستقلال بین کل من الجریمتین عن الاخرى من المقرر تشریعاً وفقاً وقضاء استقلال الدعوى التأدیبیة عن الدعوى الجزائیة، ویبدو هذا الاستقلال واضحاً فی اختلاف النظام القانونی الذی یخضع له کل منهما، ویؤکد نظام الوظیفة العامة أن هدف الدعوى التأدیبیة هو إصلاح الموظف وردعه , إذ یجب علیه أن یعمل على احترام واجباته الوظیفیة وأن یکون مخلصا فی عمله فی أن الهدف الرئیسی من إیقاع العقوبة الجزائیة على مرتکب الجریمة الجزائیة هو حمایة المجتمع وأمنه واستقراره . وکما معلوم ان الجریمة الجنـائـیة یحکمها مبدا لا جریمة ولا عقوبة الا بنص، ولم یکتف المشرع فی بعض الدول بالنص على هذا المبدأ فی القوانین العقابیة بل نص علیه فی الدستور امعانا فی تأکید اهمیته الا ان هذا المبدأ لا یسری فی المجال الانضباطی الا على العقوبة الانضباطیــة اما الجرائم الانضباطیــة فأنها غیر خاضعة له حیث یکتفی المشرع بسرد امثلة لهذه الجرائم. ویعود السبب فی ذلک إلى تنوع واجبات الوظیفة ونسبیتها لأنها تستمد من المرکز القانونی للموظف وان تحدیدها یؤثر على فاعلیة الادارة. ویظهر الاستقلال واضحا بین الجریمتین عندما یرتکب الموظــف فعلا یکون جریمة جنائیة واخرى انضباطیة فی وقت واحد. حیث تخضع الجریمة الانضباطیــة لنظام قانونی مستقل عن النظام القانونی للجریمة الجنائیة فمن حیث الهدف نجد ان النظام الانضباطی یهدف إلى ضمان حسن سیر المرافق العامة بانتظام واستمرار بینما یهدف النظام الجنائی إلى حمایة المجتمع. ومن حیث اساس المسؤولیة فان الجریمة الجنـائـیة هو اخلال بواجب یکفله قانون العقوبات بنص خاص فی حین ان اساس المسؤولیة عن الجریمة الانضباطیــة هو الخطأ الوظیفی. کما ان الجریمة الجنـائـیة یمکن ان یرتکبها أی فرد فی المجتمع بینما ینحصر نطاق الجریمة الانضباطیــة فی شریحة معینة من المجتمع. ومن حیث دعوى المسؤولیة والاختصاص فان الدعوى الناشئة عن الجریمة الجنـائـیة تملکها الدولة ویباشرها الادعاء العام وتختص بها المحاکم الجنـائـیة فی حین تملک السلطة الاداریة الدعوى الناشئة عن الجریمة الانضباطیــة وتباشرها هیئات انضباطیة تشکل لهذا الغرض. ومن صور استقلال کل من الجریمتین عن الاخرى ان فعل الموظــف قد یعد جریمة انضباطیة ولکنه لا یعد جریمة جنائیة ویصح العکس ایضا فی بعض الاحوال ومن ثم فان قرار أی من الجهتین الانضباطیــة او الجنـائـیة بحق الموظــف یستقل عن قرار الجهة الاخرى فقد لا یعد الفعل جریمة جنائیة ومن ثم لا یعاقب جنائیا فی وقت ترى فیه السلطة الانضباطیــة ان الفعل نفسه یشکل جریمة انضباطیة فتفرض علیه احدى العقوبات الانضباطیــة المنصوص علیها فی القانون وتستقل کل من الجریمتین عن الاخرى فی الوصف والارکان والتکییف والاثار وغیر ذلک مما لا یتسع نطاق البحث للخوض فی تفاصیله.
الفرع الثانی حجیة المؤیدین للفصل بین الجریمتین الجنـائـیة والانضباطیة الأصل أن المسؤولیة الانضباطیة مستقلة عن المسؤولیة الجنائیة التی قد یتعرض لها الموظف العام وهذا الاستقلال قائم حتى وإن کان هناک ثمة ارتباط بینهما، ومن ثم فإن قیام أی من المسؤولیتین الانضباطیة أو الجزائیة لا یتعارض مع قیام الاخرى، ویشمل استقلال المسؤولیة الانضباطیة وصف المخالفة الانضباطیة وتحدید أرکانها کما یمتد إلى تحریک الإجراءات الخاصة بها، ومن المقرر، وکقاعدة عامة، أن الإجراءات الجنائیة لا توقف الإجراءات الانضباطیة وترتیبا على ذلک یمکن تحریک إجراءات المسؤولین الانضباطیة والجزائیة معا ضد الموظف العام فی وقت واحد وعن فعل واحد دون أن یعد ذلک تعددا أو ازدواجا فی المسؤولیة، إذ إن لکل مسؤولیة نطاقها الذی تعمل فیه، وبالرغم من هذا الاستقلال، فإن المشرع الاردنی لم یقرر الاخذ بتحریک الإجراءات الجنائیة والتأدیبیة معا وفی آن واحد وعن ذات الوقائع المادیة . بل سارت القوانین الوظیفیة فی نهج أیراد أمثلة من واجبات الموظــفین والأعمال المحرمة علیهم ثم أردفت هذا الأمر بنص عام یقضی بالعقاب انضباطیا على کل أخلال بواجبات وکرامة الوظیفة العامة او الخروج عن مقتضیاتها ولم تحدد هذه القوانین الجزاء لکل فعل من هذه الافعال وإنما ترکت أمر تقدیرها للسلطة الاداریة أو الانضباطیــة لتمدد مقدار ما یستحقه من عقاب جزاءً لما أرتکب من افعال مؤثمة وفقاً لنظر السلطة التأدیبیة وما تقرره. حیث لا یجوز أثبات الجریمة الجنـائـیة استنادا فقط الى تحقیقات الادارة ولا یترتب على صحة الأجراء الاداری أی أثر بالنسبة للأجراء الجنائی. فالأصل أن التحقیق الجزائی لا تأثیر له على التحقیق الاداری ولا على سیر الدعوى فی المحاکم الاداریة لعدم النص فی القوانین بشکل صریح على مسألة التعطیل او تعلیق التحقیق الاداری والدعاوی الاداری على التحقیق الجزائی، فمحکمة التحقیق قد طلبت من وزارة الصحة الأذن بمحاکمة (أ) وفق المادة (29) من قانون العقوبات لذلک فقد کان على اللجنة الانضباطیة أن تنظر فی طلب الأذن وتتخذ بشأنه القرار اللازم وفق صلاحیاتها القانونیة قبل البت فی القضیة الانضباطیة وحسمها، وحیث أن اللجنة لم تقم بذلک مما أخل بقرارها المعترض علیه، لذا قرر المجلس إلغاء قرار لجنة الانضباط وإعادة القضیة للسیر فیها وفق أحکام المادة (25) من قانون الانضباط ... وصدر القرار بالاتفاق فی 7/6/1979. کما ذهب مجلس الشورى فی أقلیم کوردستان العراق عندما أبدى رأیه المرقم (17/2011) فی (18/4/2011) المتضمن (أن التحقیق الجزائی لا یتوقف على التحقیق الاداری حتى اذا کان التحقیق الاداری والتحقیق الجزائی یجری حول نفس فعل الموظف فی وقت واحد وذلک لاستقلال التحقیق الجزائی عن التحقیق الإداری). أذن یمکننا القول بأن تشکیل اللجان التحقیقیة یکون داخل الوزارة المعنیة بأمر التحقیق وبذلک فأن عمل اللجان التحقیقیة ینحصر بالتحقیق مع منتسبی الوزارة المعنیة والتی یتبع لها الموظف مالیاً وإداریا وتنظیمیاً فمثلاً لا یمکن للجنة تحقیقیة مشکلة فی وزارة النفط بالتحقیق مع موظف تابع لوزارة التجارة او وزارة العدل وهکذا حیث ان هذا التحقیق یمثل تجاوزاً على اختصاصات تلک الوزارة ومخالفاً للقانون علماً ان الموظف المخالف یخضع للتحقیق عند ارتکابه مخالفة تأدیبیة حتى لو تم انتهاء خدماته لأی سبب کان حیث لا یمنع ذلک من مساءلته تأدیبیاً وهو ما أشارت الیه (م/22) من قانون انضباط موظفی الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991. ویمکن للجنة التحقیقیة ان تشمل تحقیقها الموظف سواء کان على الملاک الدائم او المؤقت وهو ما أشار الیه قرار مجلس قیادة الثورة المنحل رقم (603) لسنة 1987 وقرار محکمة قضاء الموظفین المرقم (99/2006) فی 18/12/2006 علماً انه اذا وجدت اللجنة التحقیقیة ان فعل الموظف المخالف یشکل جریمة جزائیة فیجب على اللجنة ان توصی بإحالته إلى المحکمة المختصة وهو ما نصت علیه (م/10)البند (ثالثا) من قانون انضباط موظفی الدولة والقطاع العام المرقم (14) لسنة 1991 المعدل. ومن المؤیدین لهذا الاتجاه الفقیه (جیز) والذی یذهب الى الانفصال التام والتعارض فیها بین القانونین الجنائی والانضباطی فالغرض من السلطة الانضباطیــة ینحصر فی سیر المرفق العام عن طریق توقیع عقوبة على الموظــف أو فصله من الوظیفة مؤقتاً أو نهائیاً ففکرة العقاب بناء على العدالة لا توجد أطلاقاً والخطأ التأدیبی یکشف عن رغبة الموظــف فی الضرر او إرادة الخروج على القوانین الاجتماعیة للنظام العام . أو مجرد رعونة او إهمال أو سوء تصرف او موقف سلبی ضار بسیر المرفق العام سیراً حسناً ومن هنا کان التمییز الجوهری بین الجریمتین الجنـائـیة والتأدیبیة والفرق بینهما واضحاً فی طبیعة کل منهما ولیس فی مجرد درجة جسامة المخالفة وبالتالی فأن الخلط بین الجریمتین یعتبر خطأ رئیساً وذلک لان العقاب التأدیبی الذی یوقع على أعمال الادارة یختلف کلیاً عن العقوبات الجنـائـیة التی توقع على المخطئ عن نفس الفعل الذی عوقب عنه تأدیبیاً. الفرع الثالث النتائج التی تترتب على استقلال الجریمة الجنـائـیة عن الجریمة الانضباطیة تنهض المسؤولیة التأدیبیة فی مجال القانون الاداری, فقضاء التأدیب قضاء خاص بالموظفین ویترتب على مخالفة الواجبات الوظیفیة المناطة بالموظف العام, ویترتب على ذلک توجیه العقوبة التأدیبیة او الانضباطیة المناسبة للمخالفة ,وقد تترتب المسؤولیة الجنائیة والاداریة او التأدیبیة معاً کأن یخالف الموظف واجبات وظیفته بارتکاب جریمة منصوص علیها فی قانون العقوبات او أیا من القوانین الجنائیة, بالتالی تلحقه العقوبة الاداریة والجنائیة فی حالة ثبوتها, کما لا یمنع من فرض العقوبة الإداریة او التأدیبیة فی حال عدم ثبوت الجریمة الجنائیة.، فیترتب على مبدأ استقلال الجریمتین لا یسری نظام وقف تنفیذ العقوبات بالنسبة للعقوبات الانضباطیة وذلک لان هذا النظام خاص بنوع من الجرائم وهو (الجنح والجنایات) فضلاً عن أنه لا یمکن تطبیق هذا النظام فی المجال التأدیبی دون نص القانون الذی یسمح بذلکبإمکان السلطة التأدیبیة أتخاذ الأجراءات وإیقاع العقوبة الانضباطیة ودون انتظار الحکم فی المحاکمة الجنـائـیة وما یسفر عنها من حکم یجوز الجمع بین عقوبتین أو أکثر عن الجریمة الواحدة المرتکبة دون أن یعتبر ذلک ازدواجا فی العقاب عن فعل واحد، أذ لا تحجب المسؤولیة او العقوبة الموقعة عن إحداهما المسؤولیة أو العقوبة الموقعة عن الأخرى. أما بخصوص حجیة الحکم الجزائی القاضی بإدانة الموظف العام على جهة الإدارة, فقد أشـارت المادة(227/أ) من قانون أصول المحاکمات الجزائیة العراقی رقم (23) لسنة 1971 المعدل , إلى إنه یکون للحکم الجزائی البات بالإدانة حجة فیما یتعلق بتعیین الواقعة المکونة للجریمة ونسبتها إلى فاعلها ووصفها القانونی. کما أشار مجلس قیادة الثورة (المنحل) فی إحدى قرارته إلى إنه " یعد المحکوم علیه من العاملین فی الدولة والقطاع الاشتراکی موظفاً کان أم عاملاً مفصولاً من الخدمة مدة بقاءه بالسجن على أن یعاد المحکوم علیه من العسکریین ورجال الشرطة والموظفین والعمال والمستخدمین إلى الخدمة العامة بعد خروجه من السجن إلا إذا فقد شرطاً من شروط التعیین ولا یحرم من تولی الخدمة العامة نهائیاً , وإذا وجد مانـع من إعادته إلـى العمل الـذیفصل منه فیعین فی عمل أخر فی الدولة أو القطاع الاشتراکی. المطلب الثالث مدى الفصل بین النظامین الجنائی والانضباطی أن استقلال القانون التأدیبی عن القانون الجنائی لم یعد محل خلاف فی الفقه أو القضاء إلا أن ذلک لا یعنی الانفصال التام بینهما وإنما هناک تداخل مرجعه أن الفرد الواحد کما أنه عضو فی الأمة أو المجتمع الکبیر، فالدولة تهتم بحفظ الأمن والنظام فی المجتمع کله، وفی نطاق الوظیفة العامة تهتم الادارة بحسن سیر العمل وانتظامه. فالجریمة الجنائیة لا تقوم من دون توافر رکن مادی، وهذا الرکن المادی له عناصره التی من ضمنها یجب أن یکون هناک سلوک صادر من الفاعل، وهذا الأمر هو الأخر لا یختلف فی الجریمة الانضباطیة، فالأخیرة لا یمکن قیامها مستندة الى مجرد النوایا، لان القانون لا یأخذ بالنوایا حتى ینسب للفاعل جریمة، بل یجب أن تکون هناک مادیات للجریمة وبذلک تشترک الاثنتان الجریمة الجنائیة والانضباطیة بأن یکون هناک رکن مادی قوامه السلوک الصادر من الفاعل، الخطأ والذنب، والذی یکون عامل جذب بینهما بالرغم مما تتصف به فکرة الذنب أو الخطأ فی المجال التأدیبی من مرونة وتنوع یصعب معه ضبطهما على نحو ما تضبط فی المجال الجنائی. وبناءً على ذلک تعد الجریمتان وجهان لعملة واحدة وأن وضع حدود جامدة وفاصلة بینهما أمر صعب فالاستقلال لا یعنی الانفصال التام المطلق والکامل وإنما یعنی الاختلاف فی الجوهر مع قیام نقاط التقاء مشترکة وذلک أن قیام الجریمتین یکون على أساس الخطأ والذنب والذی یکون عامل جذب بینهما بالرغم مما تتصف به فکرة الذنب أو الخطأ فی المجال التأدیبی من مرونة وتنوع یصعب معه ضبطهما على نحو ما تضبط فی المجال الجنائی. فالفقیه جیز (Jeze) کان موقفه بالانفصال بین النظامین فیعتقد أن التأدیب تنحصر غایته فی تحسین سیر المرفق العام، بتوقیع الجزاء على الموظف المخالف لقواعد هذا النظام، فالخطأ التأدیبی – فی نظره- لیس بالضرورة أن یکشف عن نیة الموظف أو رغبته فی الضرر أو إرادة الخروج عن القوانین الاجتماعیة للنظام العام، أنما قد یکون مجرد سوء تصرف أو اهمال أو رعونة أو موقف سلبی ضار بسیر المرفق العام، فالفارق بین النظامین یکمن فی الطبیعة لا مجرد درجة وجسامة المخالفة، ولهذا فالعقاب الانضباطی الواقع على الموظف یختلف عن العقاب الجزائی الذی یقع علیه. ومن الفقهاء فمنهم من الفقهاء الذین اتخذوا موقفا وسطا بین الجریمتین الفقیه (فالین)من اتخذ موقفاً وسطاً بین وحدة الجریمتین واستقلالهما ویستندون فی ذلک على أن القانون التأدیبی ینتمی الى ذات أسرة قانون العقوبات فکلاهما یهدف لتحقیق احترام القواعد المنظمة لجماعة معینة عن طریق العقاب فالتأدیب الاداری یرمی الى تحقیق أهداف موازیة لأهداف قانون العقوبات وهی تأمین النظام داخل نطاق جماعة منظمة معینة، وکل جماعة منظمة من حقها أن تعاقب الخارجین على النظام من أعضائها وبهذا فإن القانون التأدیبی یعد قانوناً عقابیاًوالخطأ الذی یعاقب عنه تأدیبیاً تعتبر عناصره المکونة له خروجاً على النظام الاجتماعی وهو ذات المعنى المألوف فی نطاق قانون العقوبات وهذا التشابه هو الذی أدى الى إدراج القانون التأدیبی ضمن نطاق القانون العام وأدى الى وحدة الأساس القانونی فی العقاب فی الحالتین, ولکن هذا التشابه بین القانونین فی نظر جانب آخر من الفقه لا یؤدی الى الاندماج بینهما وانصهارهما معا فی بوتقة واحدة بل یبقى لکل من القانونین ذاتیته، فالمنظومة التی یستهدف القانون التأدیبی الى حمایتها هی إدارة الدولة ولیست الدولة ذاتها والأعضاء الذین یخضعون للتأدیب هم الموظــفون وحدهم، والعقوبات التی تفرض علیهم تمسهم فی مجال الوظیفة فقط. لذلک یمکننا القول لا یمکن فصل الجریمتین بشکل مطلق عن بعضهما مع الاخذ باختلافهما من حیث الطبیعة والارکان والعقوبات . المطلب الاول الوصل بین الجریمتین الجنـائـیة والانضباطیــة سنقسم هذا المطلب الى وحدة الجریمة الجنـائـیة والانضباطیــة کفرع أول ومن ثم نعرج الى أراء وحجج المؤیدة لفکرة وحدة الجریمتین بفرع ثانی وعلاقة التحقیق الإداری بالتحقیق القضائی بفرع ثالث . الفرع الاول وحدة الجریمتین الجنـائـیة والانضباطیة على الرغم من استقلال کل من الجریمتین عن الاخرى فان ذلک لا ینفی وجود تشابک بینهما، اذ یکفی القول ان عقوبة انضباطیة کالفصل یمکن ان تکون احیانا عقوبة تبعیة لعقوبة جنائیة. وقد یشکل الفعل المنسوب إلى الموظــف جریمتین فی وقت واحد، احداهما جنائیة والاخرى انضباطیة وهنا یکون للإدارة وفقا لسلطتها التقدیریة ان توقع العقوبة الانضباطیــة دون انتظار نتیجة ,المحاکمة الجنائیة، وهذا ما نصت علیه المادة السابعة من قانون انضباط موظفی الدولة والقطاع الاشتراکی رقم 14 لسنة 1991. کما ان قرارات الافراج والبراءة لا تؤثر بالضرورة فی القرارات الانضباطیــة ولا تمنع من تطبیق العقوبة الانضباطیة. وهذا ما سار علیه نهج المشرع العراقی فی قانون الانضباط رقم 104 لسنة 1991 وما استقر علیه القضاء فی العراق ومصر. ویتجلى التشابک بین الجریمتین فی مدى حجیة الحکم الجنائی على سلطة التأدیب والاثار الانضباطیــة التی تترتب بحکم القانون على الحکم وهو تشابک فی تفاصیل کثیرة بحیث جعل جانبا من الفقه یغالی فیها إلى حد ینکر فیه استقلال کل من النظامین الجنائی والانضباطی عن الاخر ویفترض التطابق الکامل بینهما وهو افتراض غیر صحیح ویجب استبعاده مثلما یجب استبعاد افتراض الاستقلال التام بین النظامین کما لا یمکن التسلیم بافتراض ذهب الیه البعض ومفاده ان فکرة الجریمة الجنـائـیة تطغى على فکرة الجریمة الانضباطیة. ولذلک یمکن الاعتراف باستقلال نظامی التجریم والتأدیب احدهما عن الاخر کقاعدة عامة مع التسلیم بتقید نظام التأدیب ببعض ما یتقرر فی نطاق الشریعة العامة للعقاب . ویترتب على ذلک نتیجتان: الاولى: ان استقلال النظام الانضباطی عن النظام الجنائی یوجب الاعتراف بکیان مستقل للجریمة الانضباطیــة عن الکیان الجنائی حتى ولو حصل بینهما تشابک. والثانیة: ان تغیر النظام الانضباطی احیانا بما یتقرر فی نطاق العقاب الجنائی لیس معناه اهدار ذاتیة النظام الانضباطی او استقلاله، ذلک انه اذا بدا فی بعض الاحیان طغیان اعتبارات النظام الجنائی فی المجال الانضباطی فانه طغیان عارض لیس من شانه اهدار کیان الاثم التأدیبی دائما وهو یصاب فقط بنوع من السبات القانونی یفیق منه بمجرد استنفاذ سلطات العقاب الجنائی اختصاصاتها، وهذا ما یفسر تمتع هیئات التأدیب بسلطة تقدیریة فی ان تحاسب تأدیبیا على ما یکون الموظــف قد برئ منه جنائیا وکذلک سلطة هذه الهیئات فی عد بعض الجرائم الجنـائـیة(التی ترتکبها خارج العمل) ذات صلة او منقطعة الصلة بالغایات التی یحمیها التأدیب حیث لا تنظر إلى هذه الجرائم الجنـائـیة الا من زاویتها التأدیبیة. هذا وان نطاق بحث الموضوع فی هذا الفرع لا یتسع لمزید من التفصیل.
الفرع الثانی أراء وحجج المؤیدة لفکرة وحدة الجریمتین یرى أصحاب القانون العام الى تکییف دور کل من العقاب الجنائی والانضباطی بشکل مختلف فیرى المؤیدین لفکرة وحدة الجریمتین وجهان لعملة واحدة وذلک بحکم انتمائهما لطائفة الافعال المؤثمة التی تقوم على معنى الذنب أو الأتم الذی یستوجب الزجر والردع ومن اهم انصار المتبنین لفکرة وحدة القانونین التأدیبی والجنائی وفی النهایة وحدة الجریمتین هو اتجاه العمید (Duguit) ویرى أن الجریمة التأدیبیة تختلف عن الجریمة الجنائیة من حیث الشکل فقط وسوف یأت الوقت الذی تتولى فیه جهات قضائیة (بمعنى الکلمة) تحدید الأخطاء التأدیبیة المعاقب علیها والعقوبات التأدیبیة التی یجوز توقیعها عند ارتکاب هذه الأخطاء على سبیل الحصر مما یؤدی الى التطابق التام بین القانون التأدیبی والقانون الجنائی, وهذا الرأی فی مؤداه النهائی یدل على وحدة کلا الجریمتین الانضباطیــة والجنـائـیة, فکل من سلطة التأدیب وسلطة العقاب الجنائی یفسرها سلطة الدولة الآمرة أو سلطة المعترف بها للجانب القوی من الجماعة لغرض احترام القواعد القانونیة عن طریق التهدید بالعقاب. فهو یرى أن الفروقات بین النظامین الجنائی والانضباطی فروقات من صنع المشرع أی أنها فروقات وضعیة, ولذلک هی تتنافر مع الطبیعة الحقیقیة للتأدیب فالعقاب التأدیبی هو نوع من أنواع العقاب الجنائی الا أنه لم یصطبغ بالصبغة القضائیة بصورة کاملة فهو یماثل بین التأدیب والعقاب. وقد أید جانب من الفقه المصری، وذهب الى ان القانون الانضباطی ما هو الا قانون جنائی من حیث أساسه وموضوعه وغایته، وأن القانون الانضباطی یقصر تطبیقه على الموظف وهذا هو الفارق الوحید بینهما وما سلطة الانضباط الا مظهر جدید للسلطة الجزائیة فی نطاق القانون الجنائی العام، وما من فارق کبیر بین عقوبة إداریة وأخرى قضائیة أو بین جریمة إداریة وأخرى جنائیة . واستناداً لفکرة الوحدة بین الجریمتین الجنـائـیة والانضباطی سلکت بعض الدول نهجاً مزجة بین النظامین الانضباطی والجنائی حیث اعتبرت الجرائم الانضباطیــة من الجرائم المعاقب علیها بموجب قانون العقوبات ومن هذه الدول السوید.
الفرع الثالث علاقة التحقیق الإداری بالتحقیق القضائی یمکن القول إن هناک اوجه اختلاف وتشابه بین التحقیق الإداری والقضائی فالتحقیق الإداری یهدف الى معاقبة الموظف المخالف عن المخالفات التأدیبیة اما التحقیق الجزائی یحقق فی الافعال التی تنطوی على جریمة جزائیة ولکن بالرغم مما تقدم یجب ان یکون هناک نوع من التعاون بین سلطة التحقیق الإداری وسلطة التحقیق القضائی سیما وأنهما یهدفان إلى الوصول إلى اهداف مشترکة تتمثل فی اکتشاف الحقیقة وعلى الرغم من استقلال التحقیق الاداری عن الجزائی وهذا ما یستشف به من نص (م/10) من قانون انضباط موظفی الدولة رقم 14 لسنة 1991 المعدل الا انه یجوز للإدارة ان توقف اجراءات التحقیق الاداری فی الحالات الغامضة وغیر الواضحة والتی لا یمکن البت فیها الا من خلال التحقیق الجزائی. هذا من جهة ومن جهة أخرى فأنه یجب على الإدارة ومن خلال التحقیق الإداری ان تحیل الموظف المخالف إلى القضاء (التحقیق القضائی) إذا وجدت إن الفعل المرتکب من قبله یشکل جریمة جزائیة وفقاً لنص (م10/ثالثاً) من قانون انضباط موظفی الدولة والقطاع العام المعدل رقم 14 لسنة 1991 اما عن علاقة التحقیق الاداری بالقرار القضائی فأنه من المسلمات ان على الادارة الالتزام بکافة الاحکام الجزائیة استناداً لأحکام قانون المحاکمات الجزائیة المرقم 23 لسنة 1971 المعدل ویمکن ایجاز عدة شروط حتى یکون الحکم الجزائی ملزماً للجهات المدنیة والاداریة وهی:
ویمکن تلخیص حجیة الحکم الجزائی بالفرضیات التالیة:
الخاتمـة توصلنا من خلال بحثنا الموسوم (الفصل والوصل بین الجریمة الانضباطیة والجنائیة) الى عدة نتائج ومقترحات ندرجها فیما یأتی:- أولاً /النتائج :
ثانیا/ التوصیات :
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) First- legal books: 1- Dr. Akram Nashat Ibrahim, General Rules in the Penal Code, National Library, Baghdad, 1998. 2- Dr. Muhammad Bakr Qabbani, Kuwaiti Administrative Law, Kuwait University Press, 1975 3- Dr. Ramses Behnam, The General Theory of Criminal Law, Manshet al-Maarif, Alexandria, 1968. 4- Dr. Suleiman Ibn Al-Tamawi, Administrative Judiciary, Disciplinary Judiciary, Dar Al-Fikr Al-Arabi, Cairo, 1978. 5- Dr. Sherif Youssef Khater, Principles of Administrative Law, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 2011. 6- Dr. Abdel Azim Abdel Salam and d. Mansour Mohamed Ahmed, Administrative Judiciary (Disciplinary Judiciary) i 1, Dar al-Fikr al-Arabi, Cairo, 1999. 7- Abdel Ghafour Yacoub Yousef, The Origins and Skills of Administrative Investigation, Zain Human Rights Publications, Lebanon, 2014, p. 88. 8- Abdul-Sattar Al-Bazarkan, The Penal Code, The General Section between Legislation, Jurisprudence and the Judiciary, 1st Edition, without a place of publication, 2004. 9- Abdel-Wahhab Al-Bandari, Disciplinary and Criminal Responsibility for Civil Workers in the State and the Public Sector, International Press, Cairo, 1972 10- Dr. Ali Hussein bin Khalaf and d. Sultan Jaj Abd al-Qadir al-Shawi, General Principles in the Penal Code, Atak for the Book Industry, Cairo, without publication year. 11- Dr. Ali Khattar Shatnawi, Studies in the Public Service, University of Jordan Publications, 1998. 12- Ali Khalil Ibrahim, The Crime of the Public Official Subject to Discipline in Iraqi Law, A Comparative Study, Al Dar Al Arabiya, Baghdad, 1985. 13- Dr. Ghazi Hanoun Khalaf, Memorizing the Criminal Intent in the Crime of Premeditated Murder, Al-Halabi Publications, Beirut, 2012. 14- Dr. Muhammad Jawdat Ibn Al-Malt, Disciplinary Responsibility of the Public Employee, Dar Al-Nahda Al-Arabiya, 1967. 15- Dr. Muhammad Zaki Abu Amer and d. Suleiman Abdel Moneim, General Section of the Penal Code, New University Publishing House, Alexandria, 2002. 16- Dr. Muhammad Asfour, The crime of the public servant and its impact on his disciplinary status, Dar Al-Jalil for printing, 1963 17- Dr. Muhammad Sami Al-Shawa, Administrative Penal Law (The Phenomenon of Reducing Punishment), Dar Al-Nahda Al-Arabiya, Cairo, 1996. 18- Dr. Mohamed Sayed Ahmed Mohamed, The proportionality between disciplinary offense and disciplinary punishment, Modern University Office, Alexandria, 2008. 19- Dr. Muhammad Ali Badir, d. Mahdi Yassin Al-Salami, d. Issam Abdel-Wahab Al-Barzanji, Principles and Provisions of Administrative Law, Al-Atek for the Book Industry, Cairo, without publication year. 20- Dr. Nawaf Kanaan, Disciplinary System in the Public Service, Ithra for Publishing and Distribution, Amman - Jordan, 2008, p. 30. Second/ Letters and Theses: 1- Dr. Ayman Muhammad Abu Shaleeb, The Impact of Criminal and Disciplinary Sentences on the Job Relationship - A Comparative Study, PhD thesis, Cairo University, Egypt, 2017, p. 299. 2- Muhammad Mukhtar Othman, Disciplinary Crime between Administrative Law and Public Administration Science, PhD thesis, Ain Shams University, 1973. 3- Tariq Faisal Mustafa Ghannam, The Relationship Between Disciplinary Crime and Criminal Crime, Master Thesis, An-Najah University, Palestine, 2016 Third / magazines: 1- Eng. Anas Mahmoud bin Khalaf Al-Jubouri, Ashraf Mahmoud N. Khalaf Al-Jubouri, the relationship between criminal offense and disciplinary offense, research published in the Journal of Tikrit University for Legal and Political Sciences, Issue (8) Year 2. 2- Prof. Sabah Misbah Mahmoud, Lect. Muammar Khaled Abdel Hamid, The Relationship between the Criminal and Disciplinary Systems, Tikrit University Journal of Law, Year (1), Volume (1), Issue (2), Part (1), 2016. 3- Taha Al-Sheikhly, The Relationship between Remote Crime and Disciplinary Crime, Al-Haqqi Journal, Third and Fourth Issue, Tenth Year, Al-Hurriya Printing House, Baghdad. 4- Dr. Naim Attia and Hassan Al-Fakhani / The Modern Administrative Encyclopedia of the Principles of the Supreme Administrative Court and the Fatwas of the General Assembly of the State Council from 1985-1993 / Edition 1994-1995 / Part 1. Fourth / Laws and Set of Provisions: 1- Civil Service Law No. 24 of 1960. 2- Iraqi Penal Code No. 111 of 1969, as amended. 3- Iraqi Code of Criminal Procedure No. (23) of 1971, as amended 4- Law No. 47 of 1978 on Civilian Workers in the State. 5- Law No. 14 of 1992 on State Employees and the Public Sector Discipline, as amended. 6- Unified Retirement Law No. (9) of 2014. 7- A set of legal principles decided by the Supreme Administrative Court. | ||
References | ||
أولا/ الکتب القانونیة :
12. علی خلیل إبراهیم، جریمة الموظــف العام الخاضعة للتأدیب فی القانون العراقی، دراسة مقارنة، (الدار العربیة، بغداد، 1985) .
15. د. محمد زکی أبو عامر ود. سلیمان عبد المنعم، القسم العام من قانون العقوبات، (دار الجامعة الجدیدة للنشر، الإسکندریة، 2002). 16. د. محمد عصفور, جریمة الموظف العام وأثرها فی وضعه التأدیبی, (دار الجلیل للطباعة, 1963). 17. د. محمد سامی الشوا, القانون الاداری الجزائی (ظاهرة الحد من العقاب ), دار النهضة العربیة, القاهرة, 1996). 18. د. محمد سید أحمد محمد، التناسب بین الجریمة التأدیبیة والعقوبة التأدیبیة، (المکتب الجامعی الحدیث، الإسکندریة، 2008). 19. د. محمد علی بدیر، د. مهدی یاسین السلامی، د. عصام عبد الوهاب البرزنجی، مبادئ وأحکام القانون الإداری، العاتک لصناعة الکتاب،( القاهرة، بدون سنة نشر).
ثانیاً/ الرسائل و الأطاریح :
ثالثاً/ المجلات:
رابعا/ القوانین ومجموعة الأحکام :
| ||
Statistics Article View: 347 PDF Download: 270 |