حالات الانتحار فی ناحیة بعشیقة لسنة 2021

حالات الانتحار فی ناحیة بعشیقة  لسنة 2021-^(*)-

Suicides In Bashiqa district for the year 2021

المستخلص

عرف الإنسان ظاهرة الانتحار منذ القدم فقد عالجتها قوانین بلاد ما بین النهرین مثل اورنمو ولبت عشتار واشنونا وشریعة حمورابی، کما عرفتها الشرائع الیهودیة والمسیحیة وحرمتها جمیعا و منعتها القوانین الحدیثة، اما فی المجتمعات العربیة والاسلامیة یجد الدین الإسلامی فی الانتحار انه من الکبائر التی تدخل صاحبها النار وتخلده فیها. ویشیر علماء الدین الى اهم الأسباب التی تؤدی للانتحار هی انعدام الوازع الدینی، فعندما یفتقر الشخص إلى الإیمان بالله تعالى وبأن هناک یوم حساب ، یکون الانتحار امرا یسیرا والتخلص من الجسد وسیلة للتخلص من الالم النفسی، وأن الإقدام على أذیة النفس محرمة بکافة الأشکال والطرق ووسائل مهما کانت صغیرة، فهذا یجعل یرى من إنهاء حیاته انتهاء لمشاکله وهمومه. المشاکل وعیوب النفسیة مثل الاکتئاب أو العزلة والابتعاد عن الناس، فکثیرا ممن یقدمون على الانتحار یکون السبب هو عدم الشعور بالأهمیة، والاعتقاد بعدم رغبة من یحیطون بهم بوجودهم، والتعرض للضغوطات النفسیة المختلفة0

الکلمات المفتاحیة: انتحار، العراق، نینوى، بعشیقة، القانون.

Abstract

Man has known the phenomenon of suicide since antiquity. It was treated by the laws of Mesopotamia, such as Urnammu, Ishtar, Ashnona, and the Code of Hammurabi , As defined by the Jewish and Christian laws and forbidden by all of them and forbidden by modern laws, but in Arab and Islamic societies the Islamic religion finds in suicide that it is one of the major sins that enter the owner of the fire and immortalize in it .                                                                                                                

          Religious scholars point out to the most important reasons that lead to suicide is the lack of religious faith. When a person lacks faith in God Almighty and that there is a Day of Judgment, suicide is an easy matter and getting rid of the body is a way to get rid of psychological pain . And that self-harm is forbidden in all shapes, ways and means, no matter how small, this makes him see the end of his life as an end to his problems and worries. Psychological problems and defects such as depression or isolation and distance from people. Many of those who commit suicide are the reason for not feeling important, unwillingness of those around them with their presence, and exposure to various psychological pressures

Key words: Suicide, Iraq, Nineveh, Bashiqa, law

المقدمـة

إن الحصول على البیانات التفصیلیة عن حالات الانتحار عالمیا لیست من السهولة لأسباب مختلفة، رغم ذلک فان منظمة الصحة العالمیة نشرت بیانات تفصیلیة عن جرائم الانتحار فی مختلف مناطق العالم وقد اشارت المنظمة فی تقریرها الى الاتی: یلقى ما یزید على 800 الف شخص حتفه سنویا جراء حالات الانتحار فی عموم مناطق العالم، فی حین یجرب ما یزید عن هذا العدد الانتحار دون ان ینجحوا بذلک (أی الشروع فیه)، وأشارت منظمة الصحة العالمیة ان الانتحار هو السبب الرئیسی الثانی للوفاة لدى الفئة العمریة ما بین 15- 29 عاماً عالمیا _حسب تحدیث سنة 2018،وتعتمد أرقام أکبر منظمة صحیة عالمیة إلى حساب عدد المُنتحرین من بین کل 100 ألف نسمة فی دول العالم المختلفة، ویبلغ متوسط مُعدل الانتحار فی مختلف مناطق العالم الى (10.6) أشخاص لکل 100 ألف شخص.

کما تفید أحدث أرقام مُنظمة الصحة العالمیة بشأن الانتحار، وفقًا لآخر تحدیث لها یرجع إلى 5 أبریل (نیسان) 2018، جاء ترتیب الدول العربیة من الأعلى حتى الأقل لعام 2017 على الشکل التالی السودان: 16.4، المغرب: 5.3، الیمن: 3.6، الإمارات: 3.2، موریتانیا: 2.6، تونس: 2.3، الأردن:1.9، الجزائر: 1.8، لیبیا: 1.7، مصر:1.7، العراق:1.6، عمان:1، لبنان 0.9، سوریا:0.4، السعودیة 0.4:  فاکثر الدول العربیة بحالات الانتحار هی السودان واقلها هی السعودیة.

لا یمکن دراسة ظاهرة الانتحار بجوانبها المختلفة فی بحث موجز ینشر فی مجلة قانونیة لذا اخترنا جزئیة محددة تتمثل بازدیاد حالات الانتحار على المستوى الوطنی فی العراق ومنها محافظة نینوى واخترنا منطقة بعشیقة تحدیدا سنة 2021 ولارتباط الموضوع بجزئیة محددة  سنتناول الموضوع فی النقاط الاتیة:

اولا:  ظاهرة الانتحار فی العراق

اما حالات الانتحار فی العراق فأنها تعد من الدول التی ترتفع فیها هذه الحالات بشکل متزاید عام بعد اخر حسب الاحصائیات الرسمیة الصادرة من مجلس القضاء الاعلى وغیرها، وبمقاربة تلک الأرقام مع إحصاءات حالات الانتحار فی دول مجاورة کالأردن فی السنوات اللاحقة، ومع أخذ عدد السکان بنظر الاعتبار (40 ملیوناً فی العراق، 10.5 ملیون فی الأردن) فتظل الأرقام فی العراق أعلى بأکثر من ضعفین. فقد سجلت 283 حالة انتحار فی الأردن للفترة ما بین 2015 و2017، بحسب احصائیة رسمیة لإدارة المعلومات الجنائیة فی الأمن العام، بواقع 113 حالة لعام 2015، و40 حالة انتحار عام 2016، و130 حالة لعام 2017. اما فی العراق فقد شهد عام 2020 تسجیل 298 حالة انتحار فی عموم محافظات العراق. وکان عدد الذکور (المنتحرین) بلغ 168 والإناث 130.

نشر مجلس النواب العراقی بحث بعنوان: [انتشار الانتحار فی العراق (أسبابه، مقترحات)]. ورد فی هذا “البحث ” التالی: تشیر الاحصائیات بازدیاد هذه الظاهرة فی العراق بشکل کبیر خلال الأعوام العشرة الماضیة و بحسب احصائیات ل (مجلس القضاء الأعلى) بلغ مجموع حالات الانتحار خلال الفترة الواقعة من (2003 ـ 2013) م ب (1532) حالة انتحار اذ سجل عام 2013 م (439) حالة و عام 2012 (276) حالة مما یمثل اعلى معدل سنتین بالنسبة لحالات الانتحار. ((هذه الأرقام وردت مجلس النواب بکتاب مجلس القضاء الأعلى، دائرة العلاقات العامة والشؤون العام، العدد:797، التاریخ10.02.2014)).

وبلغ مجموع حالات الانتحار بحسب إحصائیة ل (وزارة الداخلیة) للفترة من (2003 ـ 2013) (906) حالة وأعلى معدل حالات للانتحار کان فی عام (2012) ب (182) حالة تلیها عام 2011 ب (153) حالة. ((هذه الأرقام وردت بکتاب وزارة الداخلیة، (الى مجلس النواب، الأمانة العامة، دائرة البحوث)، الکتاب المرقم 383، العدد 1643، التاریخ 18.03.2014)).

وبمقارنة تلک الأرقام مع ما سجلته المفوضیة العلیا لحقوق الإنسان للفترة بین 2015 و2017 والبالغة أکثر من 3000 حالة، نکتشف تضاعف حالات الانتحار مرات عدة. تعد محافظة ذی قار (375 کلم جنوب العاصمة بغداد) والتی یقرب تعداد سکانها من ملیونی ونصف الملیون نسمة، إحدى المحافظات التی تمتاز بالطابع العشائری والدینی، وترتفع فیها حالات الانتحار بشکل کبیر، فبحسب المفوضیة العلیا لحقوق الانسان، ان 225 شخصاً لقوا حتفهم نتیجة الانتحار خلال عامی 2017 و2018، فی عموم محافظة ذی قار، أی بمعدل 9.3 حالة انتحار لکل شهر،. وتصف الدراسة وضع العراق الحدیث بأنه مرّ بأربعة عقود من الحروب والعقوبات والصراعات الأهلیة، إذ عانى نصف عدد السکان الذین شملتهم الدراسة الاستقصائیة للصحة النفسیة فی العراق التابعة لمنظمة الصحة العالمیة, 2009، من حادثة صادمة واحدة على الأقل) ووجد الاستطلاع نفسه أن معدل انتشار أی اضطراب لمدى الحیاة -باستثناء الاضطرابات الذهنیة- هو 18.8%. والجدیر بالذکر أنه یوجد فی العراق 206 أطباء نفسیین، و3 مستشفیات نفسیة، و23 وحدة نفسیة وهی قلیلة جدا بالقیاس الى عدد السکان البالغ حوالی 40 ملیون نسمة حسب التقدیرات.

وکشفت مفوضیة حقوق الإنسان فی العراق، عن ارتفاع الوفیات جراء الانتحار فی 2020 بنسبة 8.5 بالمئة على أساس سنوی، فی تصاعد متکرر للعام الرابع على التوالی. اشارت إن "المفوضیة سجلت تصاعدا فی حالات الانتحار بالعراق خلال 2020 بلغت 644 حالة، مقارنة مع 594 حالة فی 2019". ویسجل العراق ازدیادا فی حالات الانتحار للعام الرابع على التوالی؛ إذ سجلت البلاد وفاة 519 شخصاً بسبب الانتحار فی 2018، و422 حالة فی 2017، وفق أرقام المفوضیة.

وبشأن أبرز دوافع الانتحار، اشار التقریر الى أنها تنوعت بین "الأسباب الاجتماعیة والنفسیة والاقتصادیة"، إضافة "لعامل الفقر وتداعیات الحروب وتدهور واقع حقوق الإنسان.

ومن الدراسات العملیة التی اجریت فی العراق دراسة تحت عنوان ((الدراسة الوطنیة الأولى للانتحار فی العراق لعامی 2015 و2016)) وشارک فیها مجموعة من المختصین، ((شملت الدراسة هذه (13) محافظة من أصل 18 فی العراق، وان الوضع الامنی غیر مستقر فی محافظتی الأنبار ونینوى ولم تشمل المحافظات الثلاثة التابعة لحکومة إقلیم کردستان والنتائج التی خلصت الیها الدراسة:

کانت هناک نحو 290 حالة انتحار فی عام 2015 (نسبة الذکور إلى الإناث)هی 1,26و357 حالة فی عام 2016 (نسبة الذکور إلى الإناث( 46 ,1) وبلغ معدل الانتحار لکل 100 ألف نسمة (1،9) فی عام 2015،ونسبة (31 ,1) فی عام 2016. وکانت حالات الانتحار بعمر 29 سنة أو أقل تمثل  نسبة (9 , 67) %من جمیع الحالات.

وکانت الطریقة الأکثر شیوعا للانتحار هی الشنق( 41 %) تلیها الأسلحة الناریة( 4، 31)% والحرق (2’19)% وفی حوالی (1’24)% من الحالات تم الابلاغ عن وجود اضطرابات نفسیة للمنتحرین، وکان التشخیص الاکثر شیوعا هو الاکتئاب ( 9،53)%وفی معظم الحالات (1،82)% لم تکن هناک حالات سابقة. وأفادت التقاریر بان أقلیة صغیرة  فقط قد أصیبت بصدمة نفسیة (5، 15)% أو مشکلات مالیة (4،  12)% أو إساءة معاملة للأطفال (2.2)%.

وحسب تقریر وزارة الداخلیة العراقیة لسنة 2021 بلغت حالات الانتحار فی عموم محافظات العراق 772 حالة وهی زیادة کبیرة فی حالات الانتحار بالقیاس الى السنوات السابقة.

والخلاصة التی توصلت الیها هذه الدراسة ان معدل الانتحار فی العراق اقل من المعدل العالمی، وان نسبة کبیرة من المنتحرین کانت بأعمار الشباب وکان التوزیع بین الجنسین متساویا تقریبا فی هذه الفئة العمریة، وربما کانت العوامل الاجتماعیة والثقافیة قد ادت دورا فی هذه الانماط، وجاءت معدلات الاضطراب النفسی وتعاطی المخدرات اقل من تلک التی ابلغ عنها على الصعید العالمی، ویمکن لهذه النتائج ان تفید الاستراتیجیة الوطنیة لمنع الانتحار)).

ترجع المنظمات الدولیة والجهات المختصة دوافع الانتحار فی العالم إلى أسباب عدة، نفسیة واجتماعیة واقتصادیة، وهو لا یختلف عما یدور فی الوطن العربی والمنطقة، اما ظاهرة الانتحار فی عموم العراق فیرجعها الکثیر من المختصین الى عدة اسباب تتمثل بالوضع الاقتصادی وانتشار ظاهرة المخدرات وتعاطی الحبوب وجرائم الشرف و الامراض النفسیة وغیرها وهی لا تختلف عن غیرها من دول العالم.

وعلى رغم ارتفاع مؤشر الانتحار فی العراق، بدءاً من عام 2003 صعوداً إلى عام 2021، إلا أن ذلک، یبقى ضمن إطار الحد الطبیعی بل هو منخفض قیاساً بمؤشر الانتحار فی دول العالم، والذی یصل فی أوروبا إلى 11.4 لکل 100 ألف شخص وهو متوسط حالات الانتحار بالعالم وهو رقم لا یمثل ظاهرة خطیرة، فهو اقل من رقم القتلى بسبب حوادث الطرق أو قتلى النزاعات العادیة الجانبیة واقل من قتلى الأخطاء الطبیة وربما اقل من قتلى الاطلاقات الناریة فی الاحتفالات.

ثانیا: اسباب وطرق حالات الانتحار

تتعدد الاسباب والمسببات التی تودی الى الانتحار، وکذلک الطرق المستخدمة للفعل، والتی تتعدد بتعدد الاشخاص واعمارهم واجناسهم ودرجة ثقافتهم ومقدار الضغوطات الاجتماعیة المحیطة بهم والوسائل المتاحة لهم لاستخدامها لإتمام الفعل وبقدر تعلق الامر بالبحث سنتناول وبشکل موجز اهم الاسباب التی تؤدی الى حالات الانتحار ثم اهم الطرق المستخدمة للفعل، على التوالی: 

أ: اسباب الانتحار

نذکر منها الاتی:

1. الخوف من الفضیحة او العار عن فعل ارتکبه او وقع علیه من الغیر.
2. التخلص من حیاة الذل و الشعور بالظلم.
3. التخلص من مرض عز شفاؤه، منها الامراض المزمنة او الامراض المستعصیة، أو الاصابة بأمراض عقلیة یتعذر علاجها.
4. فشل فی الدراسة او الرسوب فی الامتحانات النهائیة.
5. قصة حب وغرام فاشله.
6. بسبب الحسد والغیرة وعدم القدرة على تقبل الاختلاف والقدرات الشخصیة والفروق الفردیة.
7. خسارة اموال او عقارات او غیرهما.
8. ادمان المخدرات وتعاطیها والمشروبات الکحولیة من الاسباب الحدیثة التی تدفع الاشخاص للانتحار.
9. الانتحار لأسباب سیاسیة فالشعور بالخیبة او الفشل السیاسی او تغیر الاوضاع السیاسیة العامة.
10. البطالة وعدم وجود فرصة عمل للشباب والحرمان والفقر والعوز والحاجة. 
11. عدم الاستقرار فی الحیاة الزوجیة والضغوطات المستمرة والشعور بعدم القدرة على التغیر. 
12. ظواهر الشعوذة والسحر وخلق حالة نفسیة لدى الشخص تدفعه لارتکاب الفعل.
13. العزلة والوحدة الاجتماعیة فالإنسان کائن اجتماعی بطبعه والانفراد والوحدة تعد من الامراض النفسیة.
14. ضعف الوازع الدینی وعدم الایمان بوجود الثواب والعقاب فی حیاة ثانیة.
15. اسباب اخرى قد ینفرد بها الشخص مهما کان نوع الضغط النفسی الذی یشعر به.

ب:  طرق واسالیب الانتحار

إن طرق واسالیب الانتحار متعددة نذکر اهمها کالاتی‌:

1. الانتحار بواسطة الاسلحة الناریة وعادة ما یستخدمها الرجال لصعوبة استخدامها من النساء عادة.
2. الانتحار غرقا بإلقاء النفس فی الانهار ویستخدمه کلا الجنسین.
3. الانتحار شنقا وعادة ما یستخدمه الرجال لصعوبة استخدامها من النساء عادة.
4. الانتحار حرقا بواسطة صب النفط الابیض او البنزین او أی مادة قابلة للاشتعال على الجسم وهو اسلوب تستخدمه النساء عادة لسهولة استخدام المادة، وسرعة الانتهاء من المعاناة التی تشعر بها الضحیة.
5. الانتحار بواسطة تناول جرعات عالیة من المخدرات او الادویة او الحبوب او المواد السامة ویستخدمه کلا الجنسین.
6. الانتحار بأسلوب القفز من المناطق العالیة وعادة ما یستخدمه الرجال لصعوبة استخدامها من النساء عادة.
7. الانتحار بإلقاء النفس امام وسائل النقل کالقطار او السیارات وعادة ما یستخدمه الرجال لصعوبة استخدامها من النساء عادة.
8. الانتحار عن طریق قطع احد الشرایین والنزف حتى الموت  وهو ما تستخدمه عادة النساء لسهولة استخدامها.
9. اسالیب اخرى.

ثالثا:  الانتحار فی نینوى

مع ازدیاد حالات الانتحار فی عموم انحاء العراق فی الآونة الأخیرة وانتشارها فی محافظة نینوى، حاولت تتبع حالات الانتحار فی منطقة بعشیقة من الناحیة القانونیة وبیان اهم اسبابها والطرق والوسائل المستخدمة فیها وتنحصر عینة البحث بالدعاوى المسجلة فی دار القضاء فی بعشیقة لسنة 2021 والبالغة عددها (4 دعاوى) و ناحیة بعشیقة (القصبة وقراها البالغة 54 قریة) والتابعة الى قضاء الموصل، وعموم سکنة المنطقة عینة البحث من مکونات مختلفة، اغلبهم من الآیزدیین والمسیحیین والمسلمین من الکرد والعرب والشبک من العراقیین، وتم الاستعانة بالإحصائیات الرسمیة المسجلة فی المحاکم التابعة الى مجلس القضاء الاعلى فی المنطقة وهی الجهة الرسمیة الوحیدة التی یحق لها الاعلان عن ذلک، وکذلک بذلت جهدا شخصیا لمعرفة اسباب وطرق حالات الانتحار من المقابلات الشخصیة مع المدعیین بالحق الشخصی للمجنی علیهم (الضحایا من المنتحرین).

کان الاعتقاد القدیم یقضی بعدم وجود حالات انتحار فی المدن الصغیرة والقرى والاریاف والمجتمعات المحافظة الى ان واقع الحال والتطبیقات العملیة والدراسة المیدانیة اظهرت خلاف ذلک بالأرقام والحالات وتنوعها واسالیبها لذلک ستتناول اهم اسالیب وطرق و أعداد حالات الانتحار فی منطقة بعشیقة من خلال اعداد الحالات المسجلة فی دور القضاء التابعة الى مجلس القضاء الاعلى وتحدیدا فی بعشیقة فی سنة 2021  وفق التفصیل الاتی:

أ:  المقدمة

بعشیقة، ناحیة تابعة لقضاء الموصل بمحافظة نینوى شمال العراق، وتقع شمال شرق مدینة الموصل على بعد 12 کم منها وتقع فی سهل نینوى، وتعتبر من المناطق الزراعیة، وتشتهر بزراعة الزیتون. أغلب سکان منطقة بعشیقة هم من الآیزیدیین ویسکنها أیضاً نسبة من مسلمین العرب والمسیحیین والشبک حیث أن سکان القرى المحیطة بمرکز الناحیة من الشبک والعرب والکرد وقریتین من الترکمان. معظم سکان البلدة یتکلمون اللغة العربیة.

تبلغ مساحة ناحیة بعشیقة (497) کم2، ویبلغ التعداد السکانی فیها (146,000) الف نسمة، حسب إحصاء 2020، بموجب کتاب مدیریة ناحیة بعشیقة بالعدد 1593 فی 6/10/2021، وتقع فیها مرکزین للشرطة المحلیة (بعشیقة وخور سیباط) رغم اتساع رقعتها الجغرافیة وتمتاز المنطقة بالهدوء والاستقرار ولم تشهد المنطقة ایة خروقات امنیة ولم تطالها العصابات الارهابیة بعد تحریرها سنة 2017، ومع کل ذلک وقعت فیها خلال سنة 2021 (اربع حالات انتحار).

سوف نتناول هذه الحالات بشی من التفصیل فأثناء العمل بصفة قاضی التحقیق فی دار القضاء فی بعشیقة خلال هذا العام 2021،تم التحقیق فی هذه الحالات واثناء ذلک کنت ادون بصورة مستقلة فی دفتر الملاحظات الاسباب الحقیقیة للانتحار والتی قد لا تکون ذا اهمیة تحقیقیة فالسبب النفسی او عقدة المرض او الرغبة فی الانتحار دون وجود مشکلة حقیقیة او الرغبة فی لفت الانتباه او غیرها من الاسباب لا تعد فعلا جرمیا بحد ذاته ولیس مثارا فی التحقیق ولکن یمکن بحثه من خلال البحوث المسحیة والدراسات العلمیة لمکافحة حالات الانتحار وشیوعها والتقلیل منها علمیا واجتماعیا.

ب:  حالات الانتحار المسجلة فی بعشیقة

الحالة الاولى/ (ز- غ -  ح)/ تاریخ الحادث  16/2/2021.

امرأة تبلغ من العمر 19 سنة، متزوجة حدیثا من حبیبها، ولدیها طفل واحد، الحالة المادیة جیدة، یعمل الزوج منتسب شرطة، اقدمت الضحیة على الانتحار شنقا داخل الدار بسبب اهمال الزوج لها 0 وقع الحادث فی قریة الدراویش التابعة الى ناحیة بعشیقة، حسب اقوال المدعیین بالحق الشخصی: لا توجد وجود ایة مشاکل حقیقیة بین الحالة وبین زوجها ولم یقدموا شکوى فی الامر، وبعد تدوین اقوال الزوج: ذکر بانه کان یعلب لعبة الکترونیة فی هاتفه الخلوی (لعبة البوبجی) مع اصدقائه وان زوجته (الحالة) طلبت منه مساعدته فی رعایة الطفل اثناء عملها لأعداد وجبة الفطور و انصرفت عنه، الا انه بقی مشغولا باللعبة (من صباح الیوم حتى الساعة الثانیة عشر ظهرا) وبعد سماعه صوت الطفل بالبکاء واستمرار ذلک لفترة طویلة (حوالی ساعة) وانتهاء اللعبة، وجد زوجته منتحرة شنقا فی هول الدار ورغم قطعه الحبل الملفوف حول رقبتها ومحاولة انقاذها الا انه فشل فی ذلک 00– حسب استمارة تشریح الجثة الصادرة من دائرة الطب العدلی ان سبب الوفاة وجود حز رقبی اسقل الذقن غیر کامل الاستدارة وتبین وجود کسر فی عظم الامی وان سبب الوفاة الشنق برباط - تم الاخبار عن الحادث ان المدعیین بالحق الشخصی لم یطلبوا الشکوى والتعویض ولم تجد المحکمة ایة اثار جرمیة فی محل الحادث او اثار شدة خارجیة على جثة المجنى علیها وتم غلق التحقیق لوقوع الفعل قضاءً وقدرا0

ان الصورة التی ذکرناها فی (الحالة الاولى) والمتمثلة بإهمال الزوج زوجته والتسبب بالوفاة، قد یعد (فعل الاهمال) لدى البعض من الافعال المتعلقة بدفع الاخر للانتحار او التسبب فی انتحار الاخر، الا ان مجرد (الاهمال) لا یعد من صور التحریض على الانتحار ولا من صور المساعدة علیه، لذا فأنه غیر مجرم وفقا للقانون العراقی (قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969)، رغم بشاعة هذا الفعل وخطورته على من تقع علیه، فمن یتسبب فی انتحار اخر، او یدفعه بأفعال غیر مشروعة على الانتحار، هو اقرب الى القتل منه الى شیء اخر .ولکن مجرد اهمال الزواج لزوجته لا یعد تحریضا على الانتحار ولا یعد سببا لأقدام الضحیة على الانتحار ومن السهولة التخلص من هذا الاهمال باستخدام الوسائل الکفیلة بأنهاء المشاکل الزوجیة بسهولة 0الا ان الضحیة تجد بان الانتحار والاقدام الى الموت هو الوسیلة الوحیدة لأنهاء المعاناة 0وبالتالی لا تجریم لفعل المهمل قانونا.

الحالة الثانیة /( أ- م -  ع)  / تاریخ الحادث  29  /  8  / 2021

امرأة تبلغ من العمر 18 سنة، متزوجة حدیثا من ابن عمها، الحالة المادیة جیدة، وقع الحادث فی قریة الروش بیان التابعة الى ناحیة بعشیقة، حسب اقوال المدعیین بالحق الشخصی:  المشکلة حقیقیة بین الحالة وبین زوجها، ان الزوج قام بتطلیق الضحیة خارج المحکمة بدون أی سبب مما دفعها ذلک للانتحار، وقال اهل الزوج ان اخلاق ابنهم سیئة ولدیه علاقات مشبوهة مع النساء، قامت الضحیة بالانتحار عن طریق صب مادة النفط الابیض على جسمها  فی دار اهلها فی الحمام الذی کانت اغلقته بأحکام ورغم محاولة انقاذها الا الجهود فشلت فی ذلک،– حسب استمارة تشریح الجثة الصادرة من دائرة الطب العدلی ان سبب الوفاة ان نسبة الحروق فی جسم الضحیة هی 100% تم الاخبار عن الحادث وتم غلق التحقیق لوقوع الفعل قضاءً وقدراً.

ان الصورة التی ذکرناها فی (الحالة الثانیة) والمتمثلة بأقدام الرجل على تطلیق زوجته بدون سبب منها والتسبب بوفاة الزوجة المطلقة، قد یعد (فعل الزوج بتطلیق زوجته بدون سبب من الضحیة) لدى بعض النشطاء من منظمات حقوق المراءة من الافعال المتعلقة بدفع الاخر للانتحار او التسبب فی انتحار الاخر، الا ان مجرد (تطلیق الزوجة) لا یعد من صور التحریض على الانتحار ولا من صور المساعدة علیه، لذا فأنه غیر مجرم وفقا للقانون العراقی(قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وقانون الاحوال الشخصیة رقم 188 لسنة 1959،فی حال تحقق شرائطه القانونیة لا اهمیة لذکرها هنا)، رغم بشاعة هذا الفعل وخطورته على الزوجة فقد تعتبره بعض النساء من ابشع الافعال وفی قمة الخیانة الزوجیة قیام الزواج بتطلیقها دون سبب، وفعل کاف یتسبب فی انتحار الزوجة، او فعل یدفع الزوجة بأفعال غیر مشروعة و الانتحار، و هو اقرب الى القتل منه الى شیء اخر .ولکن من الناحیة القانونیة فان مجرد تطلیق الزواج زوجته لا یعد تحریضا على الانتحار  ولا یعد سببا لأقدام الضحیة على الانتحار ومن السهولة التخلص من هذا الفعل باستخدام الوسائل الکفیلة بأنهاء المشاکل الزوجیة بسهولة والمطالبة بالتعویض المادی قانونا. الا ان الضحیة تجد بان الانتحار والاقدام الى الموت هو الوسیلة الوحیدة لأنهاء المعاناة وبالتالی لا تجریم لفعل المطلق قانونا..

ومن الدعاوى المعروضة على القضاء العراقی والتی تتقارب بالسبب فی الحادث، واقعة حدثت فی محافظة کربلاء، تتضمن قیام الزوج بالزوج من زوجة ثانیة فأقدمت الزوجة الاولى على الانتحار فوجدت محکمة الجنایات ان فعل الزوج ادى بالزوجة للانتحار  واعتبرت الفعل تحریضا على الانتحار وبالتالی حکمت علیه وفق المادة 408/1 من قانون العقوبات وهو توجه غیر سلیم، اذ ان محکمة التمییز الاتحادیة اصدرت قرارها الآتی: ((وعند عطف النظـر علـى القرارات الصادرة مـن محکمـة جنایـات کربلاء الهیـاة الثانیـة، قد جاءت غیر صحیحة ومخالفة لأحکام القانون وقد اخطأت المحکمة بشأنها تطبیق القانون تطبیقا سلیما اذ استندت المحکمة بقرارها بإدانة المتهم وفق احکام المادة 408/1 من قانون العقوبات، على الاستنتاج واسباب غیر قانونیة لان الثابت من وقائع الدعوى تحقیقا ومحاکمة ان المتهم المدان انکر ما اسند الیه من اتهام فی کافة أدوار التحقیق والمحاکمة ولم ینهض فی الدعوى أی دلیل قانونی یدحض انکاره وان اقدامه على الزواج من زوجة ثانیة وهو حقاً اجازه الشرع والقانون واخبار زوجته الأولى المجنى علیها بذلک والتی اقدمت لاحقا على الانتحار لا یعتبر صورة من صور التحریض او المساعدة على الانتحار الذی یشترط توافره باعتباره الرکن المادی لهذه الجریمة حین لم یتأکد من مجریات التحقیق والمحاکمة ارتکاب المتهم إیاه (أی الرکن المادی للجریمة)، وبالتالی فان ما توفر فی الدعوى والتی اقتصرت على اقوال المدعین بالحق الشخصی تکون غیر کافیة وغیر مقنعة لإدانة المتهم المذکور والحکم علیه وفق مادة الاتهام سیما وان التقریر الطبی التشریحی للمجنى علیها لم یظهر وجود أی شدة خارجیة على جسم المجنى علیها بتاریخ الحادث مما ینفی ادعاء المدعین بالحق الشخصی بهذا الخصوص)).

الحالة الثالثة /(  ر- ل - أ)/ تاریخ الحادث   22/7/ 2021.

امرأة تبلغ من العمر 23 سنة، متزوجة حدیثا من ابن عمها، ولدیها طفلان، الحالة المادیة جیدة وتعیش فی دار العائلة الکبیر الذی یضم شقیق الزوج وعائلته ووالدتهم، ولأسباب تعذر معروفتها اقدمت الضحیة على الانتحار حرقا فی دار الزوجیة لیلا، وقع الحادث فی قریة السماقیة التابعة الى ناحیة بعشیقة، حسب اقوال المدعیین بالحق الشخصی عدم وجود ایة مشکلة حقیقیة بینها وبین زوجها ولم یقدم المدعیین بالحق الشخصی شکوى فی الامر، وبعد تدوین اقوال الزوج: ذکر بان الحیاة مع زوجته الضحیة کانت طبیعیة مثل باقی الازواج ولم تحدث ایة مشاکل یوم الحادث او قبله، اما والد الضحیة (المدعی بالحق الشخصی) فذکر بانه کان فی ضیافة ابنته لیلة الحادث ولم یشعر بای سلوک مختلف من ابنته، وبعد عودة والدها الى داره، فی وقت متأخر من اللیل قامت الضحیة بالانزواء و صب مادة النفط الابیض على جسمها فی الحمام الذی کانت اغلقته بأحکام ورغم محاولة انقاذها بعد الحادث بساعات الا ان هذه المحاولات فشلت– حسب استمارة تشریح الجثة الصادرة من دائرة الطب العدلی ان سبب الوفاة ان نسبة الحروق فی جسم الضحیة هی 100%  - تم الاخبار عن الحادث وتم غلق التحقیق لوقوع الفعل قضاءً وقدرا 0 رغم محاولة معرفة الاسباب الحقیقیة للانتحار الا انه تعذر ذلک وامتنع المتواجدین فی محل الحادث من الالاء بای معلومات اضافیة.

 الحالة الرابعة  /(ع-ر-ح) / تاریخ الحادث   4 /  6  / 2021

رجل یبلغ من العمر 40 سنة مقتدر مالیا، اعزب، منتسب شرطة، ومستقر عائلیا  مع عائلته (والدته وشقیقاته واشقائه)، بعد ان تناول الرجل مع اهله وجبة الفطور، انتقل الى غرفته واقفل بابها وسمع الحاضرین صوت اطلاقة ناریة من غرفته وبعد کسر باب الغرفة ووجدوا ابنهم مقتولا فی داخلها، اذ ان الضحیة قد انتحر بأطلاق النار على نفسه اسفل وجهه ببندقیة کلاشنکوف، –وقع الحادث فی بحزانی– حی راس العین  التابعة الى ناحیة بعشیقة، حسب استمارة تشریح الجثة الصادرة من دائرة الطب العدلی ان اسباب الوفاة کسور فی عظم الجمجمة مع بروز الدماغ الى الخارج وتهتک الانسجة بمقذوف ناری - تم الاخبار عن الحادث وتم غلق التحقیق لوقوع الفعل قضاءً وقدراً.

ذکر المدعیین بالحق الشخصی: ان الضحیة لم تکن لدیها ایة مشاکل اجتماعیة فی الحیاة یوما. ورغم طلب العائلة منه الزواج  وتکوین اسرة الا انه کان یرفض ذلک. وتعود سبب الحالة الى الامراض النفسیة 0وعدم عرض الضحیة على معالج نفسی او مراجعة وحدة طبیة نفسیة وعدم عرضه على طبیب نفسی 0فمن جهة یعد مراجعة الطبیب النفسی او المعالج النفسی من الامور غیر المرغوب فیها اجتماعیا، حیث یرفض الشخص فی المجتمع العراقی ان یوصف بالمریض نفسیا وهی نظرة اقل ما یقال عنها فکرة هدامة ومدمرة، فلأنسان یتعرض للأمراض النفسیة والعضویة على حد سواء، ویستوجب من الاسرة والفرد والمجتمع معالج الضحیة لا اهمالها. ومن جانب اخر فان العراق یفتقر اسالیب معالجة المصاب بأمراض نفسیة وعدد المعالجین والاطباء النفسیین قلیل جدا، وتفتقر معظم الاقضیة والنواحی ومعظم المحافظات منها ویجب على السلطات الصحیة والتنفیذیة الالتفات الى مثل هذا الحالات مستقبلا فصحة المجتمع من صحة الفرد فیها.

ج: نتائج الدراسة موضوع البحث

اولا: شملت الدراسة رقعة جغرافیة واسعة من محافظة نینوى بمساحة واسعة وهی ناحیة بعشیقة (القصبة وقراها البالغة 54 قریة)والتابعة الى قضاء الموصل، وعموم سکنة المنطقة عینة البحث من مکونات مختلفة، أغلبهم من الآیزدیین والمسیحیین والمسلمین من الکرد والعرب والشبک من العراقیین.

ثانیا: عدد الحالات عینة الدراسة هی (4) اربع حالات خلال سنة 2021، لاحظت انخفاض معدل حالات الانتحار فی بعشیقة بالنسبة الى عدد سکانها المرتفع وهی اقل من النسبة الدولیة ( 10.6) أشخاص لکل 100 ألف شخص.

ثالثا: عدد الذکور هی 25% بواقع (الحالة الرابعة) حالة واحدة فقط وعدد الاناث 75 % بواقع ثلاث حالات (الاولى والثانیة والثالثة)، فنسبة الانتحار لدى الاناث اعلى منه عند  الذکور.

رابعا: اسالیب الانتحار تتمثل باستخدام ثلاثة وسائل تحدیدا، اما باستخدام الحبل فی حالات الشنق (الحالة الاولى) او استخدام السلاح الناری مسدس حالة واحدة (الحالة الرابعة) او استخدام النفط الابیض فی حالتان (الحالة الثانیة والثالثة)،ولم تقع حالات انتحار بالأسالیب الاخرى.

خامسا: اسالیب الذکور فی الانتحار هی استخدام السلاح الناری حالة واحدة (الحالة الرابعة) اما اسالیب الاناث فتغلب علیها الانتحار اما بالشنق (الحالة الاولى) او بالحرق باستخدام مادة النفط الابیض (الکاز) فی حالتان (الثانیة والثالثة) لسهولة اللجوء الیها لدى الاناث.

سادسا: اما دیانة المنتحرین فعدد المسلمین (3) ثلاث حالات والباقی (1) حالة واحدة من الیزیدیة ولا توجد ایة حالة انتحار لدى المسیحیین وهو دلیل على سلامة الصحة النفسیة لدى ابنائهم فی هذه المنطقة، وترفع نسبة الانتحار بین ابناء المسلمین الشبک تحدیدا حیث ان معظم الحالات منهم (الاولى والثانیة والثالثة).

سابعا: اسباب الانتحار تکون فی الغالب ناتجة عن حالة نفسیة تمر بها الحالة اثناء الصدمة اما من خبر مفجع مثل حالة تطلیق الزوج للضحیة بالنسبة الى الاناث (الحالة الثانیة) او بسبب حالة نفسیة مهملة تمر بها الضحیة ولم یتم معالجتها نفسیا (الحالات الاولى والثالثة والرابعة).

ثامنا: بخصوص المکان الذی اختاره المنتحر لارتکاب الفعل، اختارت جمیع الحالات الاربعة، الدار لتکون محلا للجریمة، على الرغم من ضعف الحالة النفسیة للمنتحر یدل المکان على الانطواء والانزواء الشخصی وعدم احتواء الاسرة لهم وعدم معالجة اوضاع الضحیة من الناحیة النفسیة وعدم مراقبة الضحیة بشکل دوری و عدم عرضهم على طبیب او معالج نفسی لتجاوز المصاعب النفسیة التی تمر بها الضحیة قبل الاقدام على الانتحار.

تاسعا: تتراوح اعمار العینة حالات الانتحار  فئة الشباب ما بین (18 سنة وبین 23 سنة) وبعدد ثلاث حالات (الاولى والثانیة والثالثة) وهناک حالة واحدة (40) سنة (الحالة الرابعة).

الخاتمـة

إن نسبة کبیرة من حوادث الانتحار لها اسباب، ویصح القول کل انتحار له سبب، ولکن لا یوجد سبب یبرر الانتحار، لکن اختلاف الاشخاص والقدرة على تحمل الصدمات النفسیة او الظلم او الجور تختلف من شخص لأخر فینتحر شخص لأسباب، ربما یتحمل غیره اضعافها فلا ینتحرون، وکل الاسباب التی ادرجت لها علاجات، والوقایة ممکنة. ونرى اهم المقترحات والتوصیات و النتائج الاتیة لعلاج ظاهرة الانتحار فی المنطقة بالاتی:  

1. معالجة مشکلة البطالة والفقر وخاصة لفئة الشباب وایجاد فرص عمل لهم و ایجاد نظام رعایة اجتماعیة شاملا یغطی کافة الشرائح المحتاجة ومجزیا یوفر مستلزمات العیش البسیط .
2. معالجة مشکلة المخدرات وتعاطیها بجدیة واستئصالها من المجتمع العراقی و التشخیص والعلاج والرعایة المبکرة للمصابین باضطرابات نفسیة أو الاضطرابات الناجمة عن تعاطی مواد الإدمان والآلام المزمنة والاضطرابات العاطفیة الحادة، حیث لا توجد مراکز نفسیة لإیواء وتأهیل المقبلین على الانتحار، فی العراق.
3. تدریب العاملین الصحیین غیر المتخصصین فی تقییم وإدارة السلوک الانتحاری؛
4. توفیر الرعایة المناسبة للأشخاص الذین أقدموا على الانتحار والشروع فیه ولم یتم الانتحار و توفیر الدعم المجتمعی لهم.
5. زیادة کفاءة العاملین فی مجال التحقیق فی جرائم الانتحار من خلال فتح دورات خاصة للضباط والمحققین، للتمییز بین حوادث الانتحار وحوادث القتل الجنائیة المختلفة.
6. زیادة الوعی الدینی والاجتماعی والثقافی فی بیان موقف الدین والمجتمع من ظاهرة الانتحار من خلال دور العبادة والکلیات ومراکز الشباب والریاضة والاعلام والصحافة وکیفیة معالجتها بأسالیب علمیة رصینة. 
7. إیجاد عنوان باحث اجتماعی او مرشد نفسی فی جمیع مراحل الدراسة لیکون قریبا من فئة الشباب وموجها نحو التصرف الصحیح او ادخال المرشد التربوی الموجود فی المدارس الى دورات تدریبیة بخصوص موضوع الانتحار من الطلاب واسالیب تلافی ذلک علمیا.
8. إنشاء المستشفیات ودور الصحة المختصة بمعالجة الادمان على المخدرات والمسکرات والشروع فی الانتحار وغیرها من الآفات الاجتماعیة وانشاء المستشفیات الخاصة بإیواء ومعالجة مرضى الامراض العقلیة والنفسیة ومجانا فی مرکز کل محافظة، حیث إن العراق  “یفتقر للمراکز النفسیة وإن هناک نقصاً کبیراً فی ردهات العلاج النفسی والکوادر الصحیة، بل تکاد تغیب ثقافة الطب النفسی عموما.
9. إدخال طالبی الزواج من الشباب والشابات دورات تثقیفیة یحاضر فیها أساتذة ورجال دین وقضاة ووجهاء مجتمع للتأکید على قدسیة الزواج واسلوب التعامل بین الزوج والزوجة وتعزیز علاقات تکوین الاسر المستقرة وتقلیص حالات الطلاق المستشریة فی العراق.
10. نوصی باهتمام العائلة للفرد الذی یقدم على الانتحار ویفشل فی محاولته وان لا تهمله وان تقف على السبب او الاسباب الذی دفعته إلى التفکیر فی الانتحار ومعالجته وبث روح التفاؤل فی نفسه لیعود إلى المجتمع وهو فی حالة استقرار تدفعه إلى عدم التفکیر فی ذلک مرة اخرى.
11. نوصی بان تقوم الأسرة بدورها فی معالجة الفرد المصاب بأمراض نفسیة أو عقلیة حیث أثبتت الدراسات فاعلیة العلاج السلوکی فی تغییر سلوک الإنسان من خلال تحسین الظروف العائلیة اقتصادیا واجتماعیة .حیث ان ضعف رقابة الوالدین، والتفکک الأسری  من اهم اسباب انتحار الشباب.
12. نوصی بان تقوم الأسرة بمواکبة التطور وان لا تنظر إلى ذلک فی الدول المتقدمة وتقوم بتقلیدها خصوصا الجوانب السلبیة منها لکی لا تقع فی نفس الاخطاء التی وقعت فیه وان تحافظ على وحدة وتماسک الأسرة من کافة النواحی.

وفی الشهر الاخیر من عام 2021 فی خطوة متأخرة جدا، اصدرت الامانة العامة لمجلس الوزراء /دائرة شؤون مجلس الوزراء واللجان بالعدد 35853 فی 2/12/2021 واستنادا الى توصیات لجنة الامر الدیوانی رقم 4 لسنة 2021، واستنادا الى توصیات اللجنة المعنیة بـ(دراسة اسباب حالات الانتحار فی العراق وازدیادها مؤخرا ووضع الحلول اللازمة ومعالجتها وتحشید الدعم المحلی والدولی للحد منها) المؤلفة بموجب الامر الدیوانی، تقرر ما یأتی:

1. اعتماد الاحصائیات الخاصة بحالات الانتحار من مجلس القضاء الاعلى حصراً.
2. تطویر عمل الردهات النفسیة فی المستشفیات العامة من خلال التعامل مع الحالات النفسیة الطارئة والتقید بدلائل الخطورة على الذات والاخرین.
3. اعتماد وزارة التعلیم العالی والبحث العلمی تخصیص علم النفس السریری فی کلیات الطب والتقنیات الطبیة لأعداد ملاکات طبیة عراقیة تتولى هذه المهمة. وقد تکون هذه الخطوة دلیل على الالتفات لهذه الظاهرة الخطیرة.

وفی الخاتمة، فی الوقت الذی أؤکد على ان ظاهرة الانتحار فی العراق لا تشکل ازمة کبیرة او مشکلة انسانیة، قیاسا لما یحصل فی العالم، ادعو الى معالجة مسببات هذه الظاهرة، أذ ان مقتل نفس واحدة دون ذنب یعد جریمة یشترک بها جمیع افراد المجتمع وای فساد اکبر من الفقر والبطالة وانتشار الامراض المستعصیة التی تتخاطف الناس خطفا، ومع ذلک فأن معالجة اسباب الانتحار هی الحل الوحید للحد من تنامی ظاهرة الانتحار وهی کمثل الروافد التی تصب فی نهر کبیر لتهدد المجتمع بالاجتیاح والتدمیر وعلى وجه الخصوص ظواهر المخدرات والسرطان والبطالة والفقر والامیة والکآبة وحالات الطلاق وارتفاع اسعار العلاج الطبی والکثیر من المشاکل الاخرى، التی تستوجب التوقف عندها ودراستها ووضع الحلول الصحیحة لها . واتمنى ان تکون هذه الدراسة شافیة وافیة وغطت الموضوع بکل تجرد وحیادیة واعتبارها فاتحة للدراسات المماثلة الاوسع والاکثر شمولا.

The Author declare That there is no conflict of interest