الدفع بانتفاء طبیعة العمل الاداری فی دعوى الالغاء – دراسة مقارنة | ||
الرافدین للحقوق | ||
Article 9, Volume 24, Issue 79, June 2022, Pages 276-308 PDF (334.51 K) | ||
Document Type: بحث | ||
DOI: 10.33899/rlawj.2020.127006.1065 | ||
Authors | ||
حسن طلال الجلیلی* ; قیدار عبدالقادر صالح | ||
کلیة الحقوق جامعة الموصل | ||
Abstract | ||
یعتبر الدفع بعدم قبول الدعوى من الدفوع التی لا تناقش اجراءات الخصومة وانما تختص بمدى توافر الشروط المطلوبة لقبول دعوى الالغاء، وبما ان صدور القرار النهائی من الشروط الواجب توافرها فی دعوى الالغاء، لذلک یمکن للقضاء رد دعوى الالغاء اذا وجهت لقرار غیر نهائی، الا ان هناک طائفة من القرارات یمکن الطعن بها بسبب ترتیبها اثراً قانونیاً بحق صاحب المصلحة بالرغم من عدم اصدار القرار النهائیة کون هذه القرارات ملزمة للإدارة، عندها یمکن لصاحب المصلحة تقدیم الطعن بإلغائها ولا یصح الدفع بعدم قبول الطعن علیها امام القضاء الاداری. | ||
Highlights | ||
تناولنا فی هذا البحث الدفع برد الدعوى لإنتفاء طبیعة العمل المطعون فیه بدعوى الغاء القرار الاداری ، بإعتباره من الدفوع المتعلقة بعدم القبول والتی تتطلبها قوانین مجلس الدولة فی کل من فرنسا ومصر والعراق ، اذا اعتبر المشرع العراقی صدور القرار بصیغته النهائیة شرطاً لقبول دعوى الالغاء امام القضاء الاداری . | ||
Keywords | ||
الطعن بالعمل الاداری فی دعوى الالغاء; الطعن بالقرار الاستشاری; الدفع بعدم القبول فی دعوى الالغاء | ||
Full Text | ||
الدفع بانتفاء طبیعة العمل الاداری فی دعوى الالغاء –دراسة مقارنة-(*)- Plea to avoid the nature of administrative work in the cancellation suit -Comparative study-
(*) أستلم البحث فی 26/4/2020 *** قبل للنشر فی 13/6/2020. (*) received on 26/4/2020 *** accepted for publishing on 13/6/2020. Doi: 10.33899/rlawj.2020.127006.1065 © Authors, 2022, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license (http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص یعتبر الدفع بعدم قبول الدعوى من الدفوع التی لا تناقش اجراءات الخصومة وانما تختص بمدى توافر الشروط المطلوبة لقبول دعوى الالغاء، وبما ان صدور القرار النهائی من الشروط الواجب توافرها فی دعوى الالغاء، لذلک یمکن للقضاء رد دعوى الالغاء اذا وجهت لقرار غیر نهائی، الا ان هناک طائفة من القرارات یمکن الطعن بها بسبب ترتیبها اثراً قانونیاً بحق صاحب المصلحة بالرغم من عدم اصدار القرار النهائیة کون هذه القرارات ملزمة للإدارة، عندها یمکن لصاحب المصلحة تقدیم الطعن بإلغائها ولا یصح الدفع بعدم قبول الطعن علیها امام القضاء الاداری. الکلمات المفتاحیة:- الطعن بالعمل الاداری فی دعوى الالغاء ،الطعن بالقرار الاستشاری، الدفع بعدم القبول فی دعوى الالغاء.
Abstract The issuance of the final decision is one of the conditions that must be met in the cancellation lawsuit. Therefore, the judiciary can reject the cancellation lawsuit if it is directed to an infinite decision, but there is a range of decisions that can be appealed because of its arrangement having a legal effect against the stakeholder despite the failure to issue the final decision, as these decisions are binding For management, then the stakeholder can file an appeal to cancel it, and it is not valid to not accept the appeal against it before the administrative court. Key word:- The Defense not object, Objection to the advisory decision, Appealing the administrative decision. المقدمـة ان إصدار القرار الاداری یمر بمراحل عدیدة لیظهر بشکله النهائی ویکون موضع التنفیذ للغایة او الهدف الذی اصدر من اجله، لذلک تسبق إصدار القرار الاداری اعمال تحضیریة ینتج عنها القرار بطبیعته النهائیة ویکون عندئذ موضع الطعن به امام محاکم القضاء الاداری، وبهذا لا یمکن للقاضی الاداری ان ینظر بالطعن لمجرد عمل ممهد لإصدار القرار الاداری، وعلى هذا الاساس لا یمکن للقضاء الاداری النظر بالأعمال التحضیریة لإصدار القرار الاداری النهائی، فی حین میز الفقه بین الاعمال التحضیریة التی لا اثر قانونی لها والاعمال التحضیریة التی یکون ذات اثر قانونی وتدخل ضمن الاعمال التنفیذیة التی تمهد لإصدار القرار بصورته النهائیة، وکذلک الحال بالنسبة للقرارات المتعلقة بالإجراءات الداخلیة للمرافق العامة. لذا سنبحث فی هذا الجانب الدفع بعدم القبول لانتفاء الطبیعة القانونیة للقرار الاداری المطعون فیه، وکذلک سنبحث الدفع بعدم القبول لتعلق القرار بالإجراءات الداخلیة للمرافق العامة وعلى النحو الاتی:-
اولاً : اهمیة البحث تحتل الطبیعة القانونیة للقرارات الاداریة أهمیة کبیرة فی الطعن بالقرار الاداری کون قوانین مجلس الدولة فی فرنسا ومصر والعراق تتطلب صدور القرار الاداری بصیغته النهائیة لتمکین الإدارة من الدفاع عن الطعن الموجه للقرارات الاداریة المخالفة للقانون، وفی هذا الجانب تظهر الاهمیة العلمیة والعملیة من تمکین الافراد من الطعن بالقرارات التی لم تکتسب الصفة النهائیة کالقرارات الاستشاریة مثلاً، ولاسیما اذا کانت هذه القرارات ملزمة للإدارة فی اصدار قراراها النهائیة، اذ ینصرف اثر القرارات الاستشاریة بإصدار القرار الاداری النهائی، لذلک لا یصح من الناحیة العملیة دفع المدعى علیه فی دعوى الالغاء برد الطعن اذا وجِّه للقرار الاستشاری وان لم یکن القرار صادراً بصیغته النهائیة. ثانیاً: مشکلة البحث تدور مشکلة البحث فی قصور القواعد القانونیة عن تنظیم الدفوع فی دعوى الالغاء اذا وجه الطعن للقرارات التی لم تکتسب الصفة النهائیة، مما ادى الى ضعف الرقابة القضائیة على القرارات التی تسبق اصدار القرار الاداری وترتب اثراً قانونیاً بحق من صدر القرار لمصلحته، ولاسما فیما یتعلق بالقرارات التی تنظم العمل فی المرافق العامة کالمنشورات الداخلیة. ثالثاً: اشکالیة البحث تتمثل اشکالیة البحث فی امکانیة الدفع بعدم القبول لانتفاء طبیعة العمل المطعون فیه بسبب عدم ترتیب اثر قانونی بالعمل الذی یسبق القرار، الا ان هناک بعض القرارات التی تلزم الإدارة بإصدار قرار بموجبها کالقرارات الاستشاریة، لذلک یثار التساؤل الاتی: هل یمکن للمدعی الطعن بالقرارات الاستشاریة؟ وما هو دور المدعى علیه فی الدفع بانتفاء طبیعة العمل المطعون فیه؟ وماهی الاتجاهات الفقهیة التی تدور فی هذا الاطار؟
رابعاً: منهجیة البحث سنرتکز فی بحثنا على المنهج التحلیلی للدفع بانتفاء طبیعة العمل الاداری المطعون فیه ومدى اثر هذا الدفع فی العراق والدول المقارنة مثل فرنسا ومصر، وخاصة بعد أن اصبح هناک ضرورة لإمکانیة الطعن بالقرارات التی لا تکتسب الصفة النهائیة من الناحیة العملیة، من خلال استقراء القوانین وتحلیل الاحکام القضائیة فی العراق والدول المقارنة. خامساً : نطاق البحث سنتناول فی هذا البحث الدفع بانتفاء طبیعة العمل الاداری المطعون فیه، من خلال التعرض للدفع بعدم القبول لتعلق العمل بالإجراءات التحضیریة وکذلک البحث فی الدفع بعد القبول لتعلق القرار المطعون فیه بالمنشورات والقرارات التی تتصل بعمل المرفق العام وفق دراسة قانونیة فلسفیة مقارنة فی کل من فرنسا ومصر والعراق. سادساً: خطة البحث المبحث الاول : الدفع بعدم القبول لتعلق العمل الاداری بالأعمال التحضیریة المبحث الثانی : الدفع بعدم قبول الدعوى لاتصالها بالمرافق العامة
المبحث الاول الدفع بعدم القبول لتعلق العمل الاداری بالأعمال التحضیریة سنقسم هذا المبحث الى مطلبین نتناول فی المطلب الاول الدفوع المتعلقة بالأعمال التحضیریة للقرار الاداری وفی المطلب الثانی سنبحث بالدفوع المتعلقة بإصدار القرار الاداری النهائی، وعلى النحو الاتی:- المطلب الاول الدفع المتعلق بالأعمال التحضیریة للقرار الاداری ذهبت القوانین المنظمة لمجلس الدولة فی فرنسا ومصر وقانون مجلس الدولة العراقی الى جواز النظر بالطعن على القرارات الاداریة النهائیة وهی التی تصدر متخذة صفة التنفیذ المباشر لتحقیق الغایة او الهدف المرجو منها، کما یقضی استبعاد الاعمال التحضیریة التی تمهد لإصدار القرار بشکله النهائی على اعتبار ان الاعمال التحضیریة وان کانت اعمالاً اداریة الا انها لا یمکن الطعن بها بشکل منفرد اذ لا تنتج ای اثر قانونی الا بعد صدورها بصفة قرار اداری متکامل الارکان، اذ لا یترتب على تلک الاعمال التحضیریة انشاء أو تعدیل او إلغاء للمراکز القانونیة. فی حین اتجه البعض من الفقه نحو التمییز بین الاعمال التحضیریة التی لها أثر قانونی والاعمال التحضیریة التی لیس لها ای اثر قانونی وعلى النحو الاتی:-
الفرع الاول الاعمال التحضیریة التی لها اثر قانونی یتطلب إصدار القرار الاداری اجراء اعمال تمهیدیة تهیئ للإدارة إصدار قرارها النهائی والذی یکون محل طعن امام القضاء الاداری، مثل اعمال الاعلان عن مناقصة قبل إصدار قرار بإحالة العمل، او حالة استطلاع الآراء أو الاستشارات لمعرفة الرأی المناسب لاتخاذ قرار اداری بشأنه. ففیبیان الطبیعة القانونیة للرأی الاستشاری فقد اختلف الفقهاء حول طبیعة العمل الاستشاری لحالة الاستشارة التی تُلزم فیها جهة الإدارة بالرأی المقدم الیها من جانب الجهاز الاستشاری، الا أن التساؤل الذی یُطرح حول ما هو التکییف القانونی للعمل الاستشاری؟ وما أثر ذلک التکییف على اعتبار العمل الاستشاری من الاعمال التحضیریة التی لها أثراً قانونیاً وتخضع للطعن امام القضاء الاداری؟ وقد اختلف الفقهاء فی تکییف العمل الاستشاری، فذهب اصحاب المدرسة الشکلیة الى رأیین متناقضین، اذ کان رأی الأول فی اعتبار الاستشارة مجرد اجراء من الاجراءات التی یتبعها مصدِّر القرار الاداری، لیصل الى القرار المناسب من وراء تحقیقه للهدف المنشود من ذلک القرار، وانه یحتفظ بحقه فی إصدار القرار، اذ یقتصر دور الجهاز الاستشاری على تقدیم رأیه ازاء قرار سبق نیة الإدارة لإصداره . وحجتهم فی ذلک الرأی ان العمل الاستشاری لا یمکنه احداث اثره القانونی الا من خلال صدور قرار اداری طبقاً للمشورة المقدمة، وینتج عن ذلک ان العمل الاستشاری باعتباره اجراءً اداریاً لا یقبل الطعن علیه بالإلغاء لأنه لا یشکل قراراً نهائیاً، فضلاً عن ذلک فان الاجهزة المختصة بتقدیم توصیات اداریة (کما فی اللجان التحقیقیة) تختلف عن تلک الاجهزة التی تتخذ قرارات تنفیذیة. لذلک فان صدور العمل الاستشاری عن جهاز تابع لمصدر القرار عندئذٍ یعد الرأی الاستشاری اجراءً من اجراءات صدور القرار الاداری النهائی. فی حین یذهب فقهاء الرأی الثانی من المدرسة الشکلیة نحو اعتبار العمل الاستشاری قراراً اداریاً مکتمل الارکان، وان هذا العمل لا یختلف عن ای قرار اخر، سواء من حیث تقدیمه أو من حیث الرقابة التی یخضع لها، فالفقه فی هذا الجانب یؤکد على عدم ربط الطعن بفکرة العمل التنفیذی النهائی، اذ ان هناک اعمالاً غیر تنفیذیة ومع ذلک یقبل الطعن فیها بالإلغاء، مثل تأشیرة الموظف على القرار التی تعد اجراءً داخلیاً ومع ذلک قبل القضاء الاداری الفرنسی الطعن فیه بالإلغاء. فالعمل الاستشاری هو قرار اداری لأنه یصدر عن هیئة مختصة وتخضع فی مباشرة اختصاصها لرقابة القضاء الاداری، فضلاً عن ان العمل الاستشاری یرتب آثاراً قانونیة فی مواجهة السلطة الاداریة المستشیرة بعضها سلبیة والاخرى ایجابیة، فالسلبیة تتمثل فی عدم الزام الإدارة بالعمل الاستشاری المقدم لها، اما الایجابیة تتمثل بعدم إصدار القرار الاداری النهائی الا بعد صدور العمل الاستشاری الخاص بذلک القرار. ویفرق اصحاب الرأی الثانی بین صدور العمل الاستشاری من جهة مستقلة عن جهة إصدار القرار فإن قرارها الاستشاری یعد عملاً اداریاً مستقلاً عن القرار الاداری الصادر بمناسبته ویخضع ذلک العمل لرقابة القضاء الاداری، اما فی حالة صدوره عن جهة تابعة لجهة إصدار القرار عندئذٍ لا یعد عملاً مستقلا ً ولا یخضع لرقابة القضاء الاداری، وبالتالی یمکن للمدعى علیه الدفع بعدم القبول لاعتبار العمل المطعون فیه من الاعمال التحضیریة، أما اذا کانت الجهة الاستشاریة مستقلة عن جهة إصدار القرار فیمکن للمدعی الطعن بالعمل الصادر عن الجهاز الاستشاری المستقل ولا یمکن للمدعى علیه الدفع بعدم القبول. اما بالنسبة لأصحاب المدرسة الموضوعیة فقد انشطر فقهاء هذه المدرسة الى رأیین متناقضین حول مدى الزامیة الرأی الاستشاری او القرار الصادر عن اللجان التحقیقیة. اذ یرى اصحاب الرأی الاول ان العمل الاستشاری وتوصیات اللجنة التحقیقیة لا تعتبر قرارات اداریة بالمعنى الدقیق وذلک کونها اجراءات داخلیة ممهدة لعمل الإدارة فی إصدار القرار الاداری، فضلاً عن کونها –العمل الاستشاری وتوصیات اللجان– اعمالاً غیر ملزمة لجهة مصدِّر القرار، اذ لا یمکن الزام الإدارة إصدار قراراً بنفس التوجیهات التی جاء بها العمل الاستشاری. وبناءً على ذلک یمکن للمدعى علیه الدفع بعدم قبول الدعوى للطعن المقدم على الرأی الاستشاری او توصیات اللجان فی حال عدم الزام الإدارة بإتباع تلک التوصیات او الرأی الاستشاری. وعلى نقیض ما تقدم فقد اتجه الرأی الثانی الى الزام الإدارة بالرأی الاستشاری او توصیات اللجان، فقد ذهب اصحاب هذا الرأی الى ان العمل الاستشاری فی هذا الجانب یولد اثراً قانونیاً وینتج ذلک الاثر فی القرار الاداری، لذلک فإن العمل الاستشاری لا یعد من قبیل الاعمال التحضیریة، وانما یعد عملاً اداریاً منتجاً للآثار القانونیة بحق صاحب الشأن، وعندئذٍ یمکن للقضاء قبول الطعن فیه على اعتبار ان العمل الاستشاری قرار اداری متکامل الارکان، وملزم للإدارة فی الاخذ به وإصدار القرار الاداری المناسب حسب ما جاء بمضمون العمل الاستشاری، وفی هذه الحالة تکون جهة الإدارة غیر مسؤولة عن القرار الاداری، لذلک یوجه الطعن فی العمل الاستشاری على اعتبار أن الاخیر کان اساسا فی إصدار القرار الاداری، وبالتالی یمکن للمدعی أن یقدم الطعن على العمل الاستشاری مباشرة بالإضافة للقرار الاداری المطعون فیه لاستناد الاخیر بالصدور على الاول، وبذلک لا یجوز للمدعى علیه الدفع بعدم قبول الدعوى وذلک بسبب اعتبار العمل الاستشاری من الاعمال التحضیریة التی لها أثر قانونی. ویرى الباحث بجدیة اصحاب المدرستین حول مضمون الرأی الاستشاری فأصحاب المدرسة الشکلیة استندوا الى طبیعة الهیئة الاستشاریة فیما اذا کانت مستقلة عن الإدارة المنشودة او غیر ذلک، اما بالنسبة لأصحاب المدرسة الموضوعیة فانهم استندوا الى مدى الزامیة الرأی الاستشاری للإدارة المستشیرة فی اعتبار الرأی الاستشاری قراراً اداریاً یمکن الطعن به امام القضاء، ویرى الباحث ان الجمع بین المدرستین السابقتین هو السبیل الملائم للخروج بمنهج موحد ولحسم الخلاف بین الآراء السابقة، اذ یمکن اعتبار الرأی الاستشاری قراراً یمکن لصاحب المصلحة الطعن به امام القضاء اذا صدر عن هیئة استشاریة مستقلة وکان هذا الرأی ملزماً للإدارة فی الأخذ به وانتاج اثاره القانونیة فیما لو صدر قرار اداری بذلک. اما بالنسبة لموقف القضاء الاداری فی فرنسا من الطعن بالرأی الاستشاری، فقد اتجه مفوضو الحکومة (tricot وlasry) الى مقارنة الطعن بالقرار الاستشاری على اساس نظریة القرارات القابلة للانفصال، فاذا کان القرار الاداری یمر بإجراءات معینة، فانه لا یجوز الطعن الا فی الاجراء الذی یمکن فصله عن هذا القرار، مما یؤثر فی المراکز القانونیة الموجودة، کما قضت محکمة النقض الفرنسیة بقبول الطعن ضد الرأی الصادر عن اللجنة الخاصة بضم ارض بمدینة (beanvais) التابعة للسیدة (zaude) والتی نقلت ملکیتها الى جمعیة الاراضی فی المدینة، مما استحال معه تنفیذ الرأی الاستشاری المقدم من لجنة ضم الاراضی. فضلاً عن ذلک قضى مجلس الدولة الفرنسی بقبول الطعن ضد الرأی الصادر من السلطات الفرنسیة لمستورد بعض المنتجات من دولة اخرى عضو فی الاتحاد الاقتصادی الاوربی ویتعلق بإعطاء تراخیص لأحدى الاسواق العامة، وذلک وفق الشروط التی حددتها اللجنة فی 27 یولیو 1990، على اساس أن هذا الرأی لا یعد اجراءً تجاه المستوردین وانما یشکل قراراً یسبب ضرراً وبالتالی یقبل الطعن بإلغائه، کما أن الرأی الاستشاری یعد ملزما لذوی الشأن من المستوردین. وفیما یخص موقف مجلس الدولة المصری فقد ذهبت المحکمة الاداریة العلیا الى اجازة الطعن على القرار غیر النهائی، ولو ظل کذلک بعد حکم محکمة اول درجة، طالما انه أصبح نهائیا أثناء نظر الطعن فی هذا الحکم، وقبل الفصل فی ذلک الطعن، اذ قررت فی حکم لها "........ من حیث ان الطاعن بإقامة دعواه أمام المحکمة الابتدائیة بالإسکندریة بتاریخ 19 فبرایر 1979، ولم یصدر القرار المطعون فیه نهائیا بعد، ثم احیلت الدعوى الى محکمة القضاء الاداری بالإسکندریة، وصدر الحکم فیها بتاریخ 15 ینایر 1981، ومایزال القرار غیر نهائی فقد کان من المفروض ان تحکم بالدعوى بعدم قبولها لرفعها قبل الاوان...... ومن حیث ان قضاء هذه المحکمة کان مستقرا على قبول الدعوى اذا کان القرار نهائیا اثناء سیر الدعوى، اذا کان الطعن امام المحکمة الاداریة العلیا یعید الدعوى برمتها الى محکمة القضاء الاداری ویطرح النزاع مرة اخرى، اذ تعتبر الدعوى لاتزال قائمة امام القضاء، ومن ثم تحول الى دعوى مقبولة على اعتبار ان القرار المطعون فیه ملزم وانما لما جرت الإدارة فی تنفیذه کونه صادر عن جهة مستقلة عن الإدارة المختصة" (مراجعة نص القرار لطفاً) وبالرغم من ان القرارات الاستشاریة الصادرة عن لجنة شؤون العاملین غیر نهائیة، فان مجلس الدولة المصری یقبل الطعن بهذه القرارات، اذ تؤکد المحکمة الاداریة العلیا فی مصر الى " ان لجنة شؤون العاملین، هی الجهة المختصة قانوناً بإصدار التقاریر والآراء الاستشاریة للعاملین، والتی یجب أن تقوم هذه التقاریر والآراء على عناصر ثابتة ومستخلصة استخلاصاً سائغاً فی ملف خدمة العامل او من معلومات الرؤساء، لذا تم قبول الطعن على تقریر لجنة شؤون العاملین، واعتباره مخالفا للقانون لأنه لم یستند الى ملف خدمة العامل وانطوى على اساءة استعمال السلطة، ولما یبنى قرار الإدارة على تقریر هذه اللجنة مما یؤثر على المرکز القانونی للموظف کونه ملزما للإدارة". ویلاحظ الباحث ان اتجاه مجلس الدولة المصری والفرنسی اخذ بالطعن فی القرارات الاستشاریة، وذلک بسبب الزامیة القرارات الاستشاریة، وبذلک فان انتفت حالة الالزام فالقضاء لا یمکنه قبول الطعن وذلک بسبب اعطاء الإدارة المساحة الواسعة من الحریة إصدار قرارها، وبالتالی یمکن للإدارة الدفع بعدم قبول الطعن على الرأی الاستشاری لعدم انتاجه للآثار القانونیة التی یتبعها القرار الاداری، اذ لا تمس المراکز القانونیة لذوی الشأن، بالإضافة الى ذلک فان القضاء الاداری فی کل من فرنسا ومصر اعتمد على مدى الزامیة الرأی الاستشاری فی إصدار القرار الاداری المطابق للرأی الاستشاری، وعلى هذا الاساس اعتبر القرار الاداری ما هو الا قرار تنفیذی للرأی الاستشاری بسبب القدرة الالزامیة للأخیر. وعند استقراء نصوص قانون مجلس الدولة المعدل رقم (65) لسنة 1979المعدل نلاحظ ان نص المادة (6) من القانون المذکور نصت على "یمارس المجلس فی مجال الرأی والمشورة القانونیة اختصاصاته على النحو الاتی:- ثالثاً:- ابداء الرأی فی المسائل المختلفة فیها بین الوزارات او بینها وبین الجهات غیر المرتبطة بوزارة اذا احتکم اطراف القضیة الى المجلس ویکون المجلس ملزماً لها. رابعاً :- ابداء الرأی فی المسائل القانونیة اذا حصل تردد لدى أحدى الوزارات أو الجهات غیر المرتبطة بوزارة على ان تشفع برأی الدائرة القانونیة فیها مع تحدید النقاط المطلوب ابداء الرأی بشأنها والاسباب التی دعت الى عرضها على المجلس ویکون رأیه ملزماً للوزارة أو الجهة طالبة للرأی" وقد اخذ المشرع العراقی بما ذهبت الیه المدرسة الموضوعیة فی الزامیة المشورة على الجهة الاداریة المستشیرة عند إصدار القرار الاداری وبذلک فان المشورة المقدمة من المجلس تنتج اثارها القانونیة عند صدورها وحتى قبل صدور القرار الاداری، کما أن القرار الاداری الصادر بالاستناد الى الرأی الاستشاری الملزم یکون تعبیراً عن الاثار القانونیة التی جاء بها الرأی الاستشاری اساسا، وعند النظر الى نص المادة (7/رابعا) من القانون المذکور اعلاه یلاحظ الباحث اشتراطه النظر فی الطعن الموجه للقرارات الفردیة والتنظیمیة النهائیة، وهذا ما اکدته المحکمة الاداریة العلیا فی العراق عند قضائها بأنه "ولدى عطف النظر على الحکم الممیز وجد أن الحکم غیر صحیح ومخالف للقانون، وذلک أن الممیز (المدعی) یطعن بالأمر الصادر بالعدد 4774 فی 20/7/ 2014 وعند تدقیق اضبارة الدعوى وجدت المحکمة الاداریة العلیا أن الامر المطعون فیه هو تأکید لبیان الرأی الصادر عن وزارة المالیة بالرقم 29909 فی 5/5 /2014وان الامر المطعون فیه لم ینتج أثراً قانونیاً کونه أکد على مرکز قانونی قائم وبذلک لا یمکن تکییفه على انه قرار اداری قابل للطعن امام محکمة قضاء الموظفین کونها محکمة تختص بالفصل فی مشروعیة القرارات الاداریة النهائیة التی تعنی افصاح الإدارة عن ارادتها الملزمة بهدف احداث اثر قانونی حال ومباشر"، وعلیه ندعو المشرع العراقی الى ضرورة فسح المجال امام الافراد للطعن بصحة القرارات والآراء الاستشاریة من خلال تعدیل نص المادة (7/رابعاً) واضافة فقرة (والآراء الاستشاریة الملزمة للإدارة) وذلک کون هذه الآراء تنتج اثارها حال صدورها بسبب قوتها الالزامیة.
الفرع الثانی الاعمال التحضیریة التی لیس لها اثرٌ قانونیٌّ تعتبر الاعمال التحضیریة من الاجراءات المتصلة بإصدار القرار الاداری التی لا تنتج اثراً قانونیاً، لذلک اتجه القضاء الاداری الى استبعاد الطعن بالأعمال التحضیریة، اذ انها لا تمثل قرارات نهائیة فهی لا تنشئ ولا تعدل ولا تلغی المراکز القانونیة، لذلک وجب على المدعی امهال الإدارة لحین إصدار القرار الاداری لتمکینه من الطعن فیه، أما فی حالة اقامة الدعوى الاداریة من المدعی والمطالبة بإلغاء الاعمال التحضیریة بمثابة الدفع من جانب المدعى علیه (الإدارة) بعدم القبول بسبب عدم إصدار القرار الاداری النهائی من جانب الإدارة وان الاعمال التحضیریة لیس لها اثر قانونی فی المراکز القانونیة لذلک لا یجوز اثارة الطعن بخصوصها. وفی ضوء ذلک ذهب مجلس الدولة الفرنسی الى الاخذ بقاعدة عدم جواز الطعن الا ضمن التصرف الاداری النهائی، وعلیه حکم مجلس الدولة الفرنسی بالأخذ بقاعدة عدم جواز الطعن فی قضیة تقاریر لکفایة للأداء الوظیفی على اساس انها قرارات تحضیریة مما دفع القضاء الاداری الفرنسی الى عدم قبول الطعن دون دفع الإدارة بذلک. وکذلک الحال قضى مجلس الدولة عدم قبول الطعن ضد الاجراءات التی تقدم به المجلس البلدی ل saint -Denis بقصد الاعداد لإصدار قرار اداری یغلق مشروع المنجم بسبب الخطر الناجم عنه، وذلک على اساس انه لا یشکل قراراً نهائیا، وانما مجرد توصیة، لذلک تقدم ممثل الإدارة (المدعى علیه) ودفع بعدم قبول الطعن کون التوصیة لم تنتج اثرها القانونی التنفیذی، فضلاً عن عدم إصدار القانون الاداری المتعلق بغلق المشروع وان الطعن المقدم جاء بخصوص اعمال تحضیریة لا ترقى لمستوى القرار الاداری النهائی. وبهذا یلاحظ الباحث ان مجلس الدولة الفرنسی قد اتجه الى الأخذ بالدفع بعدم القبول سواء من تلقاء نفسه او بدفع من المدعى علیه (الإدارة) کون العمل المطعون فیه اجراءً تمهیدیاً لإصدار القرار الاداری النهائی وکذلک الحال بالنسبة للقرارات التفسیریة. وفی هذا الصدد ذهبت المحکمة الاداریة العلیا فی مصر الى ان القرارات الصادرة من مجلس تأدیب العاملین بهیئة النقل العام بالقاهرة مجرد اعمال تحضیریة تخضع لمصادقة السلطة الرئاسیة اذ قضت بأن " التوصیات الصادرة من المجالس التأدیبیة لیس لها منزلة الاحکام التأدیبیة التی یجوز الطعن فیها مباشرة امام المحکمة الاداریة العلیا، لذلک قضى بعدم قبول الطعن کونه عملاً اجرائیاً " کما ذهبت محکمة القضاء الاداری المصری الى "ان الامر بخصوصیة النزاع موضوع الدعوى الحالیة انه لم یصدر من الإدارة ثمة قرار اداری بأرکانه وخصائصه ومقوماته، وان مکتب حمایة الآداب بالإسکندریة عمد فی سبیل تنظیم اوراقه وترتیب عمله الداخلی واستجماع شتات العناصر التی یلزم وجودها لإمکان قیامه بالمهمة المناطة به وتبویب موضوعاتها الى ضم اوراق المدعی الى بعضها فی ملف واحد یسجل فیه کل ما یتصل بهذه الناحیة من سلوکه ویکون مرجعاً للمکتب وهذا لا یعدو أن یکون عملاً اجرائیاً تنظیمیاً لا یرمى الى حصریة القرار الاداری وانما یعد من قبیل المنشورات والتعلیمات الداخلیة، لذلک قضت المحکمة بعدم قبول الطعن والغائه، وبهذا فان اتجاه القضاء الاداری المصری کان متماشیاً مع اتجاه مجلس الدولة الفرنسی فی عدم اخضاع الاعمال التحضیریة لرقابة القضاء الاداری والحکم علیها بعدم قبول الطعن اما من جهة المحکمة کونها لا اثر قانونی للقرار المطعون فیه، او من جهة المدعى علیه من خلال الدفع بعدم قبول الدعوى لعدم إصدار قرار اداری محل اعتبار الطعن فیه. وفی ذات السیاق ذهبت المحکمة الاداریة العلیا فی العراق نحو الاعتماد على القرار الاداری النهائی لقبول الطعن فیه اذ قضت "ان الطعن على الحکم ممیز وجد انه صحیح ولیس مخالفاً للقانون، ذلک ان الممیز علیه (المدعى علیه) یطعن بالفقرة (1) من محضر اجتماع الجلسة الحادیة والعشرین لمجلس محافظة صلاح الدین لیوم الثلاثاء 30/8/2016 المتضمنة اقالة المدعی الذی یشغل منصب النائب الاول للمحافظ استنادا لأحکام المادة (7/ثامناً) من قانون المحافظات غیر المنتظمة بإقلیم رقم (21) لسنة 2008، ولدى نظر الدعوى من محکمة القضاء الاداری اصدرت قرارها برد الدعوى لعدم وجود قرار اداری نهائی یصلح للطعن وجاء فی حیثیات القرار بأنه کان على المدعی التریث فی اقامة الدعوى لحین صدور قرار اداری نهائی بإقالته یصلح ان یکون محلاً للطعن". لذلک فقد اکدت المحکمة الاداریة العلیا فی العراق على نفس الرؤیة التی انتهجها مجلس الدولة الفرنسی ومجلس الدولة المصری من خلال الاخذ بعدم قبول الطعن على الاجراءات التی تسبق القرارات الاداریة وامکانیة الدفع بعدم قبول الدعوى سواء من جانب المحکمة المختصة او من جانب المدعى علیه. وبناءً على تلک المعطیات فان الاعمال التی لا تنتج اثراً قانونیاً بذاتها لا یمکن اعتبارها قرارات اداریة وهذه الاعمال یمکن حصرها بالاتی:-
وفی ظل تلک المؤشرات یلجأ المدعى علیه الى الدفع بعدم قبول الطعن کونه لا ینصب على قرار اداری نهائی، وفی المقابل یلجأ القضاء الاداری الى الحکم بعدم قبول الدعوى من تلقاء نفسه اذا ما أقر له توافر الاحکام سالفة الذکر، دون الحاجة الى دفع المدعى علیه، وفی هذه الزاویة یمکن تمییز الدفع بعدم القبول عن الدفوع الاخرى فی الدعوى الاداریة کون الاولى یمکن اثارتها فی ایة مرحلة تکون علیها الدعوى وعلى القضاء ان یثیره من تلقاء نفسه کما فی نص المادة (122) من قانون الاجراءات المدنیة الفرنسیة رقم (1123) لسنة 1975.
المطلب الثانی الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء وصف النهائیة عن القرار الاداری اشترط المشرع فی قانون مجلس الدولة سواء فی فرنسا او فی مصر ان یکون القرار المطعون فیه نهائی، ای بمعنى یتجه لإحداث اثر قانونی وان إصدار القرار ما هو الا الافصاح عن ارادة السلطة الاداریة لتنفیذ ذلک الاثر على الواقع، فضلاً عن الزام الافراد بأحکام القرار عند نفاذه، فی حین لم یشترط المشرع العراقی صفة النهائیة فی القرار المطعون فیه امام محکمة القضاء الاداری ومحکمة قضاء الموظفین. ومن انعکاسات تلک الفکرة على القضاء الاداری، فقد ذهب مجلس الدولة الفرنسی فی احدى احکامه حول قرار فصل ممثل العمال عند تفکیر الإدارة به یجب أن یعرض على وجه الالزام على لجنة المنشأة للحصول على موافقتها وتقوم الاخیرة بإصدار قرار نهائی بالفصل، ولا یکون قرار الفصل نهائیاً الا بقرار من مفتش العمل الذی تتبعه المؤسسة، على اعتبار ان القرار النهائی یعد ضمانة من ضمانات حق التقاضی للعمال، اما ابداء الرغبة من عدمها لا یشکل ای اثر قانونی على مسألة فصل ممثل العمال، وعلیه قضى مجلس الدولة باعتباره اول واخر درجة من درجات التقاضی بعدم قبول الطعن من ممثل العاملین فی شرکة الاعداد العقاری والانشاءات الزراعیة بسبب عدم إصدار قرار نهائی بالفصل، ولا یجوز الطعن برغبة الإدارة دون القرار بالفصل. وفی نفس المعطیات اتجهت المحکمة الاداریة العلیا فی مصر على انه "یشترط لقبول دعوى الإلغاء ان یکون ثمة قرار اداری نهائی موجود وقائم ومنتج لآثاره القانونیة عند اقامة تلک الدعوى فاذا تخلف هذا الشرط بعدم وجود القرار الاداری اصلاً او وجد ثم زال القرار قبل رفع الدعوى سواء بسحبه او بإلغائه من جانب جهة الإدارة دون ان ینفذ کانت الدعوى غیر مقبولة اذ لم تنصب على قرار اداری موجود وقائم". کما ذهبت فی حکم اخر الى ان "القرار الصادر بالإحالة الى المحکمة التأدیبیة هو اجراء من اجراءات الدعوى التأدیبیة لا یرقى الى مرتبة القرار الاداری النهائی الذی یخص القضاء الاداری بالفصل فی الغائه، ولا ینطوی على حصول ای أثر فی المرکز القانونی للموظف، باعتباره مجرد تمهید للنظر فی امر الموظف ولا یعد قراراً اداریاً مما یستوجب الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء محلها". وفی ذات السیاق فقد اتجهت المحکمة الاداریة العلیا فی العراق نحو الحکم بالطعن التمییزی المقدم الیها على قرار محکمة القضاء الاداری بأن المدعى علیه (الممیز) اضافة لوظیفته أصدر کتاباً لتنظیم المعاملة التقاعدیة للمدعی (الممیز علیه) وتبلیغه بترویج معاملته التقاعدیة، ولاحظت المحکمة الاداریة العلیا ان الامر المطعون فیه لا ینتج اثراً قانونیاً فی انهاء المرکز القانونی للمدعی (الممیز علیه) کونه لیس قراراً اداریاً نهائیاً، فالأمر المذکور لا یتضمن الاحالة على التقاعد حتى یمکن الطعن به، والقرار الاداری المطعون به یجب ان یتضمن تغییراً فی المرکز القانونی، لذا قررت المحکمة بعدم قبول الطعن المقدم من الممیز علیه (المدعی). ومن انعکاسات الاتجاه القضائی یلاحظ الباحث اختلاف الفقهاء فی تحدید الصفة النهائیة للقرار الاداری، اذ انقسم الفقهاء فی هذا الجانب الى اراء عدیدة، کان اولها یرى بان الصفة النهائیة للقرار الاداری تکون من خلال صدور القرار من سلطة اداریة تختص بإصداره دون حاجة الى تصدیق سلطة اداریة اعلى، وبهذا یعد القرار نافذاً لحظة صدوره من السلطة المختصة. ویذهب انصار هذا الرأی الى العبرة بالنهائیة الذی لا یمکن الطعن فیه بالإلغاء وهو مدى قابلیته للتنفیذ حالاً ومباشرةً. فی حین یذهب رأی اخر الى ان المقصود بالنهائیة للقرار الصادر من جهة مختصة لا یسری مفعوله الا بتصدیق جهة اداریة علیا لغرض تنفیذه، لذلک یقترح اصحاب هذا الرأی الى استبدال کلمة "النهائیة" بکلمة "التنفیذی" لان قبول الطعن بالإلغاء یکون القرار فیه قابلا للتنفیذ. وبناءً على تلک المؤشرات یرى الباحث ان صفة النهائیة باعتبارها شرطاً لقبول دعوى الإلغاء تمثل إصدار القرار القابل للتنفیذ وبشکل مباشر وقد استنفذ کافة اجراءات إصداره لتمکین القضاء الاداری البحث واستقصاء المخالفات القانونیة فی مراحل إصداره ان وجدت، لذلک یلتزم القاضی الاداری بعدم قبول الدعوى او الاخذ بالدفع من جانب المدعى علیه بعدم القبول فی حالة عدم إصدار القرار الاداری بصیغته النهائیة، وهذا ما یلاحظ على نص المادة (51) من قانون مجلس الدولة الفرنسی، وکذلک نص المادة (10) من قانون مجلس الدولة المصری، فی حین لم یشترط قانون مجلس شورى الدولة العراقی الصفة النهائیة على القرار الاداری المطعون فیه، لذلک نوصی المشرع العراقی بتعدیل نص المادة (7/رابعاً وتاسعاً) واضافة عبارة "على ان یکون القرار المطعون فیه نهائیا" تماشیاً مع اتجاه المحکمة الاداریة العلیا باشتراط الصفة النهائیة فی القرار المطعون فیه، فضلا عن فسح المجال امام المدعى علیه (الإدارة) بدراسة المخالفات القانونیة التی یمکن تلافیها قبل إصدار القرار النهائی.
المبحث الثانی الدفع بعدم قبول الدعوى لاتصالها بالمرافق العامة تعد التوجیهات والمنشورات الداخلیة من القرارات التی تتخذها الإدارة فی سبیل تیسیر اعمال الإدارة داخل المرافق العامة، وقد استقر القضاء الاداری الى عدم جواز الطعن فیها بالإلغاء، وذلک بسبب عدم انتاجها لأی اثر قانونی فی مواجهة الافراد او الموظفین، باعتبارها قرارات تنظیمیة غایتها الاساسیة تنظیم العمل الاداری، ومن زاویة اخرى فان العمل الاداری داخل المرافق العامة یقتضی إصدار اجراءات داخلیة تتخذها السلطة المختصة بهدف تنظیم العمل بالمرفق العام، ومن الملاحظ اتحاد الهدف او الغایة من إصدار التوجیهات والاجراءات الداخلیة، کونها تنظم العمل داخل المرافق العامة وانها لا تنتج اثر قانونی فی المراکز القانونیة لأنها تقوم مقام التفسیرات او التوجیهات التی یصدرها الرئیس الاداری الاعلى لمرؤوسیه، اذ انها تستهدف اعلام المرؤوسین بالقوانین الجدیدة وتحدید کیفیة تنفیذها. وتأسیساً على ما سبق ذکره سنتناول فی هذا المبحث مفهوم القرارات المتعلقة بالمرافق العامة والرقابة القضائیة على تلک القرارات، وعلى النحو الاتی:
المطلب الاول مفهوم القرارات المنظمة لعمل المرافق العامة تعد القرارات المتعلقة بالمرافق العامة من القرارات التی تنظم عمل تلک المرافق وتیسر الاجراءات المتبعة من الافراد لتحقیق الهدف من انشاء المرفق العام، ولأهمیة القرارات والمنشورات الداخلیة فی المرافق العامة من ناحیة مدى خضوعها لرقابة القضاء الاداری، فقد تباینت الآراء فی اعتبارها قرارات اداریة عادیة یمکن لصاحب المصلحة الطعن بها امام القضاء، وعلى هذا النحو سنبحث فی تعریف القرارات المتعلقة بالمرافق العامة والطبیعة القانونیة لتلک القرارات وعلى النحو الاتی:-
الفرع الاول تعریف القرارات المرفقیة یقصد بالمنشورات او الاوامر المرفقیة بانها تلک البیانات او التفسیرات او التوجهات التی یصدرها الرئیس الاداری داخل المرفق العام بقصد اعلامهم بالقوانین الجدیدة او التعلیمات القائمة والخاضعین لها، او لتفسیر القوانین او لتحدید کیفیة تنفیذها، وهی بالتالی لا تحدث اثراً قانونیاً فی المراکز القانونیة بالنسبة للأفراد. اما بالنسبة للإجراءات الداخلیة فیقصد بها القرارات التی تتخذها السلطة المختصة بقصد تسییر العمل داخل المرفق العام ولا یترتب علیها ای اثر قانونی للأفراد، وتتعلق بالسلطة التقدیریة للإدارة . فهی قرارات اداریة تتضمن قواعد موضوعیة ذات صفة عامة مجردة تتعلق بعدد غیر محدد من الأفراد تخاطبهم بأوصافهم لا بذواتهم وتطبق على عدد غیر محدد من الحالات ، مثل التعلیمات الداخلیة الخاصة بدائرة المرور. الفرع الثانی الطبیعة القانونیة للقرارات المرفقیة اختلفت الآراء الفقهیة حول طبیعة القرارات التی تصدرها المرافق العامة من منشورات داخلیة وقرارات لتسهیل وتنظیم عمل الإدارة فی المرافق العامة، اذ یرى جانب من الفقه بأن القرارات المرفقیة الداخلیة لا تسمو الى منزلة القرارات الاداریة العادیة، وذلک لأنها قرارات تخص عمل الإدارة وتنظم الاجراءات المتبعة داخل المرفق، ومستندین فی هذا الرأی الى انعدام الاثر للقرارات المرفقیة، اذ لا تؤثر فی المراکز القانونیة للأفراد وانما تخص الهیکل التنظیمی للمرفق العام حصراً، لذلک لا یمکن الرقابة علیها من جانب القضاء الاداری. فی حین یذهب جانب اخر من الفقه الى اعتبار القرارات المرفقیة واللوائح الداخلیة قرارات عادیة اداریة، وذلک بالنظر الى جهة اصدار القرار وهی الإدارة وکذلک انصراف اثرها التنظیم لمصلحة الافراد فیکون أثرها القانونی من خلال تنظیم العمل الاداری، وقد یکون القرار المرفقی غیر مشروع ولا اساس قانونی له، وبالتالی فإن انعدام الرقابة القضائیة علیه تحصنه من الطعن بالإلغاء وهذا مخالف لأحکام الدستور العراقی وفق نص المادة (100) منه، لذلک یرى الباحث برجاحة الرأی الثانی واعتبار القرارات المرفقیة قرارات اداریة خاضعة لرقابة القضاء الاداری.
المطلب الثانی الرقابة القضائیة على الاعمال المتعلقة بالمرافق العامة ان الاجراءات الداخلیة الصادرة من الرئیس الاداری الاعلى ربما تنتج اثاراً اکثر خطورة من القرارات الاداریة، اذ یمکن للإدارة ان تمارس دوراً تشریعیاً من خلال إصدارها للقرارات التنظیمیة بناءً على قانون، وتکون هذه القرارات الاخیرة خاضعة لرقابة القضاء الاداری. وعلى النقیض من ذلک یجد الباحث ان اتجاه التشریع المصری الى عدم جواز خضوع الاجراءات الداخلیة لرقابة القضاء الاداری کونها لا تؤثر فی المراکز القانونیة. وهذا ما استقر علیه قانون مجلس الدولة المصری من خلال نص المادة (10) منه الى اشتراط انتاج القرار الاداری المطعون فیه لأثاره القانونیة، فی حین لم یشترط قانون مجلس الدولة العراقی المعدل على مثل ذلک فی نصوصه وانما اطلق النص لیشمل جمیع القرارات الاداریة سواء التی تنتج اثارا قانونیة او غیرها، وحسنا فعل المشرع العراقی فی هذا الجانب بإخضاع جمیع القرارات المتصلة بالمرفق لرقابة القضاء الاداری. ولا مشکلة فی ذلک الا ان ما یثار اذا کان المرفق العام یدار من خلال اشخاص القانون الخاص کما فی النقابات المهنیة باعتباره من المرافق العامة المهنیة. اذ اتجه مجلس قضاء الدولة الفرنسی الى ان "یخلص من مجموعة نصوص قانون 7 اکتوبر 1940 المعمول بها فی تاریخ إصدار القرار المطعون فیه وخاصة تلک التی تنص على ان تکون الاعتراضات ضد قرارات نقابة الاطباء امام مجلس الدولة عن طریق الطعن بتجاوز السلطة، وان المشرع اراد ان یجعل من تنظیم المهنة الطبیة والرقابة على ممارستهما مرفقاً عاماً" وان المجلس الاعلى لنقابة الاطباء یساهم فی تیسیر المرفق العام وان مجلس الدولة نظر الطعن فی القرارات التی یتخذها مجلس النقابة بهذه الصفة، ونتیجة لذلک یکون طعن الدکتور (بوجران) امام مجلس الدولة فی قرار النقابة مقبولاً"، من هذا نلاحظ اتجاه القضاء الاداری فی فرنسا نحو اعتبار النقابات المهنیة مرافق عامة وان کانت تدار من اشخاص فی القانون الخاص. ونحو نفس الفکرة اتجه القضاء الاداری فی مصر فی قضیة نقابة المهن التعلیمیة اذ قضت المحکمة الاداریة العلیا فی مصر الى "اضفاء الشخصیة الاعتباریة على النقابات بموجب قانون رقم (79) لسنة 1969 وتخویلها حقوقاً من الفرع تختص به الهیئات الاداریة فی مجال تنظیم مزاولة المهنة باعتبارها شخصاً من اشخاص القانون العام والقرارات التی تصدرها بهذه الصفة هی قرارات اداریة تبسط علیها ولایة محاکم مجلس الدولة سواء بالنسبة الى طلب الغائها او التعویض عنها على اعتبار ان النقابة تمثل مرفقاً عاماً مهنیاً". وبنفس المعطیات من ذلک یلاحظ الباحث اتجاه المحکمة الاداریة العلیا فی العراق نحو عدم قبول الدعوى على القرار الصادر من محکمة القضاء الاداری اذ قضت الاخیرة بأنه "لدى التدقیق والمداولة من المحکمة الاداریة العلیا وجد ان الطعن مقدم ضمن المدة القانونیة فقرر قبوله شکلا ولدى عطف النظر على موضوع الحکم الممیز وجد انه صحیح وموافق للقانون، ذلک ان الممیز یطعن بالقرار الصادر عن مجلس نقابة المهندسین العراقیة بالرقم (4968) فی 14/12/ 2016 المتضمن عدم منح الممیز هویة نقابة المهندسین الا بعد اجتیاز اختبار النقابة للمنتسبین الجدد، وان طعن الممیز امام محکمة القضاء الاداری على اعتبار النقابة من المرافق المهنیة الغیر مرتبطة بوزارة، وقد استندت النقابة فی قرارها على اعمام وزارة التخطیط بهذا الخصوص، لذا وجدت المحکمة الاداریة العلیا ان حکم محکمة القضاء الاداری صحیح کونه نص طعن الممیز على اجراءات داخلیة للنقابة حسب اعمام وزارة التخطیط"، من هذا یجد الباحث ان اتجاه مجلس الدولة فی قرار المحکمة الاداریة العلیا بالعراق نحو عدم قبول الدعوى بسبب ان الطعن المقدم جاء على اجراءات داخلیة لا ترقى لمستوى القرار الاداری النهائی. مما تقدم یرى الباحث ان الدفع بعدم قبول الدعوى لینصب على کون القرار الصادر من جهة الإدارة نهائیاً ویستهدف احداث اثر قانونی فی المراکز القانونیة، لذلک فان اشتراط الصفة النهائیة اجبرت القضاء على اخراج الاجراءات الداخلیة المتصلة بالمرافق العامة من دائرة الطعن امام القضاء الاداری، وبهذا فان جواز دفع المدعى علیه بعدم قبول الدعوى بسبب اعتبار القرار المطعون فیه من الاجراءات الداخلیة التی تنظم او تسهل عمل المرافق العامة.
الخاتمـة بعد الانتهاء من بحث الدفع بانتفاء طبیعة العمل الاداری المطعون فیه نستخلص النتائج والتوصیات الاتیة :- اولاً : النتائج :-
ثانیاً: التوصیات
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) Legal books
11. Dr. Sulaiman Mohammed Al-Tamaoi , Administrative judiciary - cancellation jurisdiction ( Dar Alfekr Alarabi , Cairo ,1967)
Thesis
Researches:
Dr. Mohammed Taha Alhusiny , Define the administrative decision and its elements , (Journal of the investigator ornaments of legal and political sciences , 11 no. , 2017).
| ||
References | ||
أولاً: الکتب القانونیة
ثانیاً: الرسائل والاطاریح القانونیة
ثالثاً: البحوث
رابعاً: المصادر الاجنبیة
خامساً: الاحکام القضائیة
| ||
Statistics Article View: 554 PDF Download: 397 |