الإطار المفاهیمی للعنایة الواجبة والإخطار فی ضوء قواعد المسؤولیة الدولیة : جائحة کورونا انموذجا | ||
الرافدین للحقوق | ||
Article 4, Volume 24, Issue 79, June 2022, Pages 72-110 PDF (443.04 K) | ||
Document Type: بحث | ||
DOI: 10.33899/alaw.2021.132458.1182 | ||
Authors | ||
احمد عبیس الفتلاوی* 1; أزهر عبدالامیر الفتلاوی2 | ||
1فرع القانون العام / کلیة القانون / جامعة الکوفة | ||
2کلیة القانون/ جامعة الکوفة | ||
Abstract | ||
یرکز البحث على مفهومی العنایة الواجبة والإخطار فی ضوء قواعد المسؤولیة الدولیة، إذ لا یزال الجدل القانونی مستمراً فی تحدید الإطار القانونی لکلا المفهومین، وفی هذا السیاق کان البحث مهتما بالإشارة إلى حدود العنایة الواجبة وأحد أهم أشکالها الوقائیة، وهو الإخطار قبل حدوث الضرر، وما إذا کان معیاریًا صارمًا أو ظرفیًا مرتبطًا قبل وقوع الضرر واثناؤه وما بعد وقوعه،و مع تفشی الأوبئة والجوائح ، کجائحة کورونا ، لا تزال الدراسات القانونیة تبحث فی التحقق من الامتثال فیما یتعلق ببذل العنایة الواجبة والإخطار من جهة، ومسؤولیة بلد المصدر عن انتشار هذه الجائحة وفقا لقواعد المسؤولیة الدولیة الاولیة والثانویة من جهة أخرى. | ||
Highlights | ||
ان الجدید فی البحث ، هو المنحى المستحدث فی تحلیل قواعد القانون الدولی ذات الصلة بالمسؤولیة الدولیة، لا من جهة تبنی مراجعة القواعد المعروفة عادة، بقدر ما ان البحث رکز على الجانب الأکثر صعوبة وتعقید فی اثبات درجة الاهمال من منظورین وهما العنایة الواجبة و الإخطار، ومن ثم الانتقال لموضوع معاصر ، ألا وهو مسبب انتشار جائحة کورونا | ||
Keywords | ||
مفهوم; العنایة الواجبة; الإخطار; مسؤولیة الدول; جائحة کورنا | ||
Full Text | ||
الإطار المفاهیمی للعنایة الواجبة والإخطار فی ضوء قواعد المسؤولیة الدولیة جائحة کورونا انموذجا-(*)- Conceptual framework of due diligence and notification in light of the rules of international responsibility: A legal study in COVID 19 as a model
(*) أستلم البحث فی 9/12/2021 *** قبل للنشر فی 30/12/2021. (*) received on 9/12/2021 *** accepted for publishing on 30/12/2021. Doi: 10.33899/alaw.2021.132458.1182 © Authors, 2022, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license (http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص یرکز البحث على مفهومی العنایة الواجبة والإخطار فی ضوء قواعد المسؤولیة الدولیة، إذ لا یزال الجدل القانونی مستمراً فی تحدید الإطار القانونی لکلا المفهومین، وفی هذا السیاق کان البحث مهتما بالإشارة إلى حدود العنایة الواجبة وأحد أهم أشکالها الوقائیة، وهو الإخطار قبل حدوث الضرر، وما إذا کان معیاریًا صارمًا أو ظرفیًا مرتبطًا قبل وقوع الضرر واثناؤه وما بعد وقوعه،و مع تفشی الأوبئة والجوائح ، کجائحة کورونا ، لا تزال الدراسات القانونیة تبحث فی التحقق من الامتثال فیما یتعلق ببذل العنایة الواجبة والإخطار من جهة، ومسؤولیة بلد المصدر عن انتشار هذه الجائحة وفقا لقواعد المسؤولیة الدولیة الاولیة والثانویة من جهة أخرى. الکلمات المفتاحیة: العنایة الواجبة، الإخطار، المسؤولیة الدولیة، تفشی الأوبئة. Abstract The Article focuses on the topics of due diligence and notification in the light of the rules of international responsibility, as the legal debate is still raging in determining the legal framework for both concepts, as two hypotheses conflict in this framework: The same rule of diligence, in contrast to the claim of an affected state as a result of not taking the assumed diligence, and in this context it is necessary to indicate the limits of due diligence and one of its most important preventive forms, which is the notification before the occurrence of the damage, and whether it is strict normative or circumstantial related to before, during and after the occurrence of the damage . With the outbreak of epidemics, like COVID-19 pandemic, the legal studies are still searching on verifying compliance regarding due diligence and notification and responsibility of the source country for the spread of pandemic. Key words: Due diligence, notification, international responsibility, epidemic outbreaks. المقدمـة العنایة الواجبة والإخطار عن الأنشطة الضارة، مفهومان راسخان فی مجال القانون بمختلف فروعه, إذ تلزم القواعد الدولیة مدونة أو عرفیة الدول ببذل العنایة الواجبة والاجتهاد للعمل على عدم الإضرار بالدول الأخرى أو خرق التزاماتها الدولیة, وکذا الحال فی موضوع الإخطار. ولأن المسؤولیة الدولیة من حیث المبدأ تدور وجوداً وعدماً فی تحقق الضرر عن التصرف غیر المشروع دولیا، فإن درجات المسؤولیة وتحدید جسامة الضرر و جبره، إنما یتوقفان على تحقق درجة الامتثال لمبدأی العنایة الواجبة والإخطار فی الوقت المناسب. هدف الدراسة: تشیر الدراسة إلى عدة مسائل قانونیة معاصرة, خصوصاً مع تزاید انتشار جائحة کورونا وتأثیرها على مختلف جوانب الحیاة، الأمر الذی یتطلب معالجة الموضوع تماشیاً مع الأطروحات القانونیة السائدة، وبالذات فی تحدید مسار المسؤولیة الدولیة عن تأکید قیام العنایة الواجبة و الإخطار، وهو ما سیسهم فی تعزیز البحث العلمی والعملی على صعید الخلافات الدولیة الناشئة عن وقوع أضرار من جهة، وفرضیة أداء ما یفرضه الواجب القانونی وبالخصوص الوقائی. منهجیة الدراسة: للتفصیل فی موضوع الدراسة اقتضت الإجابة على التساؤلات المطروحة الاستعانة بالمنهج التحلیلی فی تحلیل النصوص القانونیة ذات العلاقة, والمنهج الوصفی فی وصف المفاهیم القانونیة المعروفة فی نطاق قواعد المسؤولیة الدولیة . فرضیة الدراسة: تتعرض الدراسة إلى أحد أهم المواضیع فی الساحة القانونیة من خلال بحث الاجتهادات الفقهیة والقانونیة المتعلقة بواجبات الدول فی بذل العنایة الواجبة عند ممارستها لحقوقها السیادیة التی قد تنتج عنها أضرار تمس حقوق الدول الأخرى وتؤدی إلى خرق الالتزامات المترتبة على الدول المضرورة, کذلک بحث واجب الإخطار عن الأضرار المتوقعة بسبب تلک الممارسة. ویمکن وصف الإشکالیة بالآتی: یفترض فی أی تصرف ینشأ عن الدول، الخضوع لمبدأ الامتثال فی مقابل الالتزامات الدولیة، ولا یکون ذلک إلا من خلال بذل العنایة الواجبة فی الظروف الطبیعیة ووفق ما هو مقنع ومنطقی، وإذا کانت هذه الفرضیة هی الثابتة فی الممارسات الدولیة، فلم تثیر الدول – عند ادعاءها بوقوع خرق تسبب بضرر ضدها – المسؤولیة الدولیة والادعاء بعدم امتثال دولة ما لمبدأ العنایة الواجبة؟ هل أن السبب فی عدم وجود معاییر ثابتة لتحدید مفهوم العنایة الواجبة؟ وهل من أثر للإخطار فی نطاق المسؤولیة الدولیة فی مقابل المطالبة ببذل العنایة الواجبة؟ هیکلیة الدراسة: تتضمن خطة البحث تقسیم الدراسة على مبحثین، نبین فی الأول مفهومی العنایة الواجبة والإخطار, وبیان التکییف القانونی لکل منهما, وبیان التزامات الدول, أما المبحث الثانی فنخصصه لبحث المسؤولیة الدولیة الناشئة عن تفشی جائحة کورونا فی إطار المفهومین سالفی الذکر.
المبحث الأول العنایة الواجبة والإخطار عن الجوائح تعمل الدول على ممارسة حقوقها السیاسیة داخل أراضیها وفی حدود الإقلیم براً وبحراً وجواً، وتختلف صور استغلال هذه الحقوق, فقد ینتج عنها أضرار ضمن إقلیم الدولة أو حتى خارج نطاق إقلیمها، وهنا یتجلى مفهوم بذل العنایة الواجبة من قبل الدولة للعمل على عدم الإضرار بالدول المجاورة على أقل تقدیر, کذلک مسألة الإخطار عن الأضرار المتوقعة الناتجة عن استغلال الدول لحقوقها السیادیة. وسنعمل من خلال هذا المبحث على توضیح مفهوم العنایة الواجبة فی المطلب الأول، فیما سنخصص المطلب الثانی لبیان مفهوم الإخطار عن النتائج الضارة لانتشار الأوبئة.
المطلب الأول مفهوم العنایة الواجبة (Due Diligence) یرتبط مفهوم العنایة الواجبة بأواخر القرن التاسع عشر، إثر طرح موضوع الحیاد للنقاش، ثم امتد لیشمل مجالات کثیرة فی القانون التجاری والقانون الدولی البیئی والقانون الدبلوماسی إضافة إلى معاملة الأجانب, وفی إطار البحث فقد أثار موضوع العنایة الواجبة فی السیطرة على انتشار فیروس کورونا وإمکانیة الحد منه من قبل دولة المنشأ جدلاً کبیراً, وبالذات فیما لو قامت دولة المنشأ ببذل العنایة للحد من انتشاره, وللإحاطة بمفهوم العنایة الواجبة سنقسم المطلب على فرعین، نبین التعریف الاصطلاحی للعنایة الواجبة فی الفروع الأول، فیما سنتعرض بالبحث إلى موضوع التکییف القانونی والاجتهاد الفقهی فی الفرع الثانی.
الفرع الأول التعریف الاصطلاحی یعد مفهوم العنایة الواجبة واحداً من أهم المفاهیم البارزة فی القانون الدولی، وقد أشارت إلیه الکثیر من قرارات التحکیم حول موضوع المسؤولیة الدولیة، رغم أن المعیار المحدد للعنایة الواجبة ظل غیر واضح المعالم إلى حد ما، بل هو أمر غیر متفق بشأنه عموماً، وقد یکون مرد ذلک إلى الظروف المحیطة بکل قضیة، ما ینعکس على نشأة مفاهیم متعددة وإن کانت مضامینها واحدة لمن کان متمکنا بتحلیل الوقائع المنشئة والمفسرة للعنایة الواجبة. ویرجع أصل مصطلح العنایة الواجبة إلى القانون الرومانی والذی بموجبه کان الشخص مسؤولاً عن أی ضرر عرضی قد یلحق بالآخرین ما یدل على حکمة ذلک الشخص. ولو تتبعنا المفاهیم القانونیة، لوجدنا منها ما یعرف العنایة الواجبة بالقول: الرعایة التی یجب على الشخص المعتاد القیام بها قبل الدخول فی اتفاق معین مع الطرف الآخر، أو هو معیار معین من الرعایة التی یقدر من خلالها الشخص المعتاد، لتوخی الحذر من حصول الضرر المتوقع أن ینتج من استخدامه لممتلکاته تجاه الآخرین. ویعرف قاموس کولینز (Collins) العنایة الواجبة أنها "درجة الرعایة المتوقعة بشکل معقول أو المطلوبة قانوناً, خاصة من الأشخاص الذین یقدمون المشورة المهنیة, وإجراء تقییم بحذر وعنایة ضروریة". وتعرف فی قاموس القانون أنها: "الرعایة التی یمارسها شخص عاقل لتجنب إلحاق الأذى بأشخاص آخرین أو بممتلکاتهم". ورغم أن التعریف المتقدم ذکره قد أشار إلى مفهوم قانونی عام قد ینطبق على الأشخاص الطبیعیة أکثر منها عند الأشخاص المعنویة ومنها الدول، إلاّ أن ذلک لا یکفی لتبیان العناصر المؤسسة للعنایة الواجبة على مستوى امتثال الدول لالتزاماتها الاتفاقیة أو العرفیة، وهو ما یدفع بالبحث عن تعریفات أخرى تصب فی تحقیق هدف الدراسة. وتوصف أیضاً بأنها: مفهوم مقبول فی القانون الدولی بشکل عام، یوجب على الدول التصرف بطریقة تضمن من خلالها عدم التسبب بأی ضرر لبیئة الدول الأخرى بسبب الأنشطة الخاضعة لولایتها القضائیة. کما تعرف أنها: "السلوک الجید المتوقع من حکومة دولة معینة والذی یهدف إلى حمایة مصالح الدول الأخرى بشکل فعال، ولا یشترط أن تکون العنایة التی تبذلها الدولة متطابقة مع الإهمال الصادر منها أی أنها حتى وإن فشلت فی الوفاء بمعیار السلوک المتوقع فقد بذلت جهداً مقبولاً فی التقلیل من الأضرار. وکمعیار للسلوک تعرف العنایة الواجبة إنها معیار للسلوک المطلوب أن تفی به الدولة". وفی ضوء السوابق القضائیة، نجد أن محکمة العدل الدولیة وفی رأی لها أثناء النظر فی قضیة قناة کورفو قد بینت مفهوم العنایة الواجبة بالقول: ((التزام کل دولة بعدم السماح لها عن علم الأراضی التی سیتم استخدامها لأعمال تتعارض مع حقوق الدول الأخرى)). ومن خلال رأی المحکمة أعلاه، نجد أنها کانت تؤسس التزاماً عاماً لضمان علاقات حسن الجوار. وبالرغم من القول أن مفهوم العنایة الواجبة مشتق من إجراءات المسؤولیة التقصیریة فی القانون الانکلیزی بناءً على الإهمال, إلا أن فکرة العنایة الواجبة لا تنبع من نظام معین أو تقلید معین, ففی عام 1872 طرح مفهوم العنایة الواجبة فی قضیة ألاباما والمتعلق بفشل المملکة المتحدة بالوفاء بواجب الحیاد خلال الحرب الأهلیة الأمریکیة. وقد ورد ذکر العنایة الواجبة فی أثناء الفصل فی تحکیم ألاباما، إذ أشارت المحکمة إلى قاعدتین تتعلقان بموضوع الحیاة ومسؤولیة الدولة عن الأضرار التی یتسبب بها الأفراد عندما یتصرفون وهم فی نطاق الولایة القضائیة للدولة. وفی القضیة المتعلقة بموظفی الولایات المتحدة الدبلوماسیین والقنصلیین فی طهران، فسرت محکمة العدل الدولیة فی حکمها الصادر فی 24/أیار /1980, العنایة الواجبة أنها: "ما یجب على الدولة المسؤولة القیام به فی الظروف الاعتیادیة ومعالجة الموقف باستخدام الوسائل العلمیة المتاحة لغرض الوفاء بالتزاماتها الدولیة".وبالتالی فإن التفسیر یشیر إلى مستوى مقبول من الحکم والرعایة والتصمیم المتوقع من الدولة القیام به أثناء ظروف معینه للوفاء بالتزاماتها الدولیة. والجدیر بالذکر أن قانون العقوبات العراقی، قد ضمن مفهوم العنایة الواجبة فی المادة (369) منه فإن الإنذار الموجه یساهم فی إثبات الخطأ من جانب إدارة الصحة مستقبلاً. الفرع الثانی التکییف القانونی فی ضوء قواعد القانون الدولی العام والاجتهاد مع تفشی الأوبئة والجوائح، فان القواعد الدولیة العرفیة تتطلب وجود إطار قانونی یلزم الدول، بالعمل على منع انتقال الضرر إلى الدول الأخرى، من خلال اتخاذ الإجراءات القانونیة والتدابیر الصحیة وبذل ما یمکن من جهود، للوصول إلى الأهداف المنشودة وحمایة المجتمع الدولی. إن العنایة الواجبة هو التعبیر المستخدم عادة لتحدید معیار للسلوک، یمکن للدولة بواسطته قیاس الجهود المبذولة لمعالجة المخاطر أو التهدیدات أو الأضرار أی أنه معیار للحکم الرشید وتقییم مدى استجابة الدولة وأنها قد فعلت ما کان متوقعاً منها بشکل معقول عند الاستجابة لضرر أو خطر معین. إن معیار العنایة الواجبة، یمکن أن نجده فی عدد من قواعد القانون الدولی، منها القواعد العرفیة التی تلزم الدول فی علاقتها المتبادلة ومنها المتعلقة بحقوق الإنسان والبیئة والفضاء السیبرانی کذلک فی معاییر الصحة العامة العالمیة. وعادة ما تفرض القواعد الدولیة التزامات على الدول تتضمن سلوک، بمنع أو بوقف أو بإصلاح الأضرار وطنیة کانت أو عابرة للحدود الوطنیة، وإن العنایة الواجبة عادة ما تکون مرنة بطبیعتها و تعتمد على قدرة الدول على اتخاذ التدابیر اللازمة والمناسبة فی المکان و الوقت المناسبین. أن الکلام المتقدم، یمنح العنایة الواجبة، قدراً من الأهمیة، خاصة فی ظل تضارب المصالح الدولیة ومع السلطة التقدیریة التی تتمتع بها الدول فی اختیار ما تراه مناسبا من تدابیر، اعتماداً على الظروف التی أدت إلى نشأة مصدر الضرر الحاصل وفقاً للالتزامات الدولیة المتاحة والمستطاعة. وفی سیاق الأزمة الصحیة العالمیة لجائحة کورونا، فیفترض وجود توازن بین الحقوق والحریات اتی تسعى الدول لحمایتها والمصالح الاقتصادیة وبین الالتزامات المفروضة علیها، عند اتخاذ إجراءات معینة ویجب أن لا یکون نقص القدرات والبنى التحتیة عذراً فی التردد عن مواجهة الوباء. إن بذل العنایة الواجبة هو التزام بسلوک ولیس التزام بنتیجة، وهذا یعنی أن على الدول بذل أقصى جهد للقیام بواجبها، فإن فشلت فی ذلک فهی مسؤولة عن السلوک ولا تسأل عن النتائج المتحققة، وکل ذلک لأجل حث دولة المنشأ على إظهار ما یمکن من جهود لمنع الضرر المتوقع أو التقلیل منه. ولبحث التکییف القانونی للعنایة الواجبة، سنبحث فی تحلیل الالتزامات الدولیة ذات الصلة بالعنایة الواجبة بموجب مبادئ القانون الدولی العام وکما یأتی: أولاً: مبدأ لا ضرر ولا ضرار یوجد هذا المبدأ فی القانون الدولی العرفی وهو عبارة عن قاعدة تتطلب من الدول اتخاذ التدابیر اللازمة والمقبولة للحیلولة دون وقوع الأضرار الجسیمة العابرة للحدود، وبالتالی فإن القیام بهذه التدابیر سیعنی عدم تحمل أی من التبعات القانونیة الناشئة عن ذلک الضرر، فی حال لم تقم الدولة المضرورة من القیام بالواجب الملقى علیها. ویصح القول أن مبدأ عدم الإضرار، أخذ مداه الواسع فی المجال البیئی, إلا أنه یمکن أن یطبق فی القانون الدولی بالشکل الذی یمکن أن یشمل عواقب انتشار الأوبئة مثل تفشی جائحة کورونا, فالالتزام هنا یوجب على الدول التصرف دون النظر إلى الشخص المسؤول عن الضرر أو ما إذا کان النشاط مشروعاً أم لا, وبالتالی فإن مبدأ عدم الإضرار یشمل الحوادث البشریة التی تسببها الکیانات الخاصة وتلک المتسببة بها الکوارث الطبیعیة. ووفقاً للقانون الدولی، تتحقق العنایة الواجبة على الدولة من خلال وجود احتمال ضعیف للتسبب فی کارثة أو احتمال وجود ضرر عابر للحدود یلحق اضراراً جسیمة. ومما لا شک فیه أن انتشار فیروس کورونا، قد أدى إلى أضرار کبیرة تجاوزت الحدود الوطنیة لدولة المصدر, وکما فی الالتزامات الناشئة عن العنایة الواجبة الأخرى فإن مبدأ عدم الإضرار لا یفرض على الدول إیقاف انتشار الوباء بشکل نهائی، بل المحاولة لإیقاف الانتشار وتقلیل مخاطره على المجتمع, فالالتزام ینشأ منذ حصول العلم لدى الدولة بالخطر الذی یشکله انتشار هذا الفیروس. والجدیر بالذکر أن محکمة العدل الدولیة قد أکدت الطبیعة العرفیة لهذا المبدأ فی قضیة قناة کورفو عام 1949, عندما أشارت إلى واجب الدولة فی منع استخدام میاهها الإقلیمیة فی أعمال تتعارض مع حقوق الدول الأخرى. وفی مجال القضاء تم التطرق إلى مبدأ عدم الضرر فی عدة قضایا منها قضیة ألاباما, ومصهر تریل, والأسلحة النوویة, کذلک فی أعمال لجنة القانون الدولی فی مشروع المواد لعام 2001 بشأن منع الضرر العابر للحدود. ثانیاً: قانون الکوارث الدولی تضمنت مسودة مواد لجنة القانون الدولی لعام 2016، قواعد عرفیة متقدمة لتقییم الإطار القانونی الدولی بشأن الکوارث على المستوى الدولی. فمن خلال المراجعة، یتضح أن على الدول واجب التصرف لمنع حصول الضرر العابر للحدود ومعالجته وعدم تعریض سکان الدول الأخرى أو العابرین لأراضیها أو المناطق الخاضعة لولایتها القضائیة إلى أی ضرر. کما أن هناک قواعد القانون الدولی العام التی تنشئ التزامات بموجب القانون العرفی, منها القواعد التی تنظم العلاقات الدبلوماسیة والعلاقات الثنائیة الدولیة, وعلیه فإن هذه الالتزامات تفرض على الدولة المرسلة لأی ضرر تعویض الدولة المستقبلة کقید على الامتثال للالتزامات الدولیة. وفیما لو کان الضرر أصاب مجموعة من الدول ولیس دولة واحدة، فإن مجابهة ذلک تکون جماعیة وتلتزم الدولة الضارة بالتعویض عن الإضرار. ثالثاً: القانون الدولی لحقوق الإنسان وفقاً للقانون الدولی المدون والعرفی فإنه یقع على الدول الالتزام بحمایة حقوق الإنسان للأفراد الخاضعین لولایتها القضائیة أو من أی ضرر ینتج عن استخدام الدول لحقوقها السیاسیة, وهذا ما أشارت إلیه دیباجة العهد الدولی الخاص بالحقوق المدنیة والسیاسیة لعام 1966. وفی إطار البحث ومع أنتشار جائحة کورونا، فإن واجب العنایة الواجبة یمکن أن ینطبق على ما یعیشه العالم من أزمة صحیة طارئة, وکما هو معلوم أن أغلب حقوق الإنسان تأثرت بانتشار جائحة کورونا، إلا أن الحق فی الحیاة والحق فی الصحة هما الأکثر تأثراً وسنتناول ذلک بشکل مرکز ومختصر. 1- الحق فی الحیاة أشارت لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة فی معرض تعلیقها العام المرقم (36) لسنة 2018 على المادة (6) من العهد الدولی للحقوق المدنیة والسیاسیة، إلى الحق فی الحیاة ومبدأ العنایة الواجبة بأن على الدول الأطراف واجب احترام الحق فی الحیاة وعلیها واجب الامتناع عن القیام بأی سلوک یؤدی إلى الحرمان التعسفی من الحیاة، کما یجب على الدول الأطراف أیضًا ضمان الحق فی الحیاة وبذل العنایة الواجبة لحمایة حیاة الأفراد من الحرمان الذی یسببه الأشخاص أو الکیانات التی لا یُنسب سلوکها إلى الدولة، ویمتد التزام الدول الأطراف باحترام وضمان الحق فی الحیاة لیشمل التهدیدات التی یمکن توقعها بشکل معقول والحالات التی تهدد الحیاة والتی یمکن أن تؤدی إلى خسائر فی الأرواح. تعد مسألة الاستخدام التعسفی للقوه الممیتة من أکثر المصطلحات ارتباطاً بانتهاک الحق فی الحیاة, وبذلک فإن واجب اعتماد التدابیر اللازمة لحمایة الحق فی حیاة لأفراد المجتمع الخاضعین لولایة الدولة القضائیة والعمل على عدم انتهاکه, وقد یکون الانتهاک واقعاً من خلال حالات یتعرض من خلالها المرضى للخطر وحرمانهم من خدمات الطوارئ التی تعمل على حمایة الحق فی الحیاة وتوفیر العلاج من دون تمییز. 2- الحق فی الصحة یتطلب الحق فی الرعایة الصحیة من القائمین على رعایة المرضى المعرضون للإصابة بفیروس کورونا، اتخاذ التدابیر اللازمة لمسایرة الظروف الطارئة فی المجتمع والتی تهدد حیاة الأفراد بشکل مباشر وهذا ما أشارت إلیه المادة (12/3) من العهد الدولی للحقوق المدنیة والسیاسیة لعام 1966. کما أشارت المادة(12/2ج,د) من العهد الدولی الخاص بالحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة لعام 1966 على ضرورة أن تشمل الإعمال التدریجی للحق فی الصحة بالشکل الذی یضمن الوقایة والعلاج من الاوبئة والسیطرة علیها, وخلق الظروف اللازمة لتقدیم الخدمات الطبیة والعنایة بالمرضى. ویصح القول أن المعاییر الخاصة بالحق فی الصحة یمکن أن تطبق على مستویین وکلاهما یحرک المسؤولیة الدولیة ضد الدولة التی لم تتخذ الاحتیاطات وفقا لمبدأ العنایة الواجبة، وهما تأکید الحق فی الصحة للأفراد القاطنین فیها، أو حتى بالنسبة للآثار الارتدادیة التی قد تصیب أفراداً خارج إقلیم الدولة التی لم تقم بواجب العنایة الواجبة. ویجب هنا أن یکون الخرق واضحا وبدلیل مقنع لتحریک المسؤولیة عن خرق التزام دولی، وهو ما یمکن تأکیده فی قضیة (Le Mailloux v. France) أمام المحکمة الأوربیة لحقوق الانسان، إذ ذهبت المحکمة: "أشارت المحکمة إلى أنه على الرغم من أن الحق فی الصحة لیس فی حد ذاته من بین الحقوق المکفولة بموجب الاتفاقیة الأوروبیة لحقوق الإنسان وبروتوکولاتها، فإن الدول علیها التزام إیجابی باتخاذ الخطوات المناسبة لحمایة أرواح الأشخاص الخاضعین لولایتها القضائیة و لحمایة سلامتهم الجسدیة، بما فی ذلک فی مجال الصحة العامة. غیر أن المحکمة اعتبرت فی القضیة الحالیة أنه لیس علیها تحدید ما إذا کانت الدولة قد أخفقت فی الوفاء بهذه الالتزامات الإیجابیة، من حیث أن الطلب غیر مقبول. فی الواقع، لاحظت المحکمة أن المدعی کان یشکو من التدابیر التی اتخذتها الدولة الفرنسیة للحد من انتشار فایروس Covid-19 بین جمیع سکان فرنسا، لکنها لم توضح کیف تأثر شخصیاً. وأکدت من جدید أنها لا تقبل بدعوى من دون دلیل حاسم، بمعنى أنه لا یمکن لمقدمی الطلبات تقدیم شکوى بشأن حکم من أحکام القانون المحلی أو ممارسة محلیة أو إجراءات عامة لمجرد أنها تتعارض مع الاتفاقیة الأوروبیة، و لکی یتمکن الفرد من الادعاء بأنه ضحیة لانتهاک الاتفاقیة، بالمعنى المقصود فی المادة 34 (الطلبات الفردیة)، یجب أن یکون الفرد المعنی قادراً على إثبات أنه "تأثر بشکل مباشر" من التدبیر المشکو منه، أی أنه یجب علیه تقدیم دلیل معقول ومقنع على احتمال حدوث انتهاک یؤثر علیه أو یؤثر علیها شخصیًا. لکن فی القضیة الحالیة".
ثالثاً: القانون الدولی الإنسانی تکمن أهمیة تطبیق القانون الدولی الإنسانی أثناء انتشار الأوبئة الفتاکة فی محورین، الأول أثناء النزاعات المسلحة، إذ یجب حینها بذل أطراف النزاع العنایة الواجبة لمنع انتشار الوباء ومراعاة قواعد القانون الدولی الإنسانی. والجدیر بالذکر أنه لا یوجد معیار للعنایة الواجبة کما ذکرنا سابقاً یمکن أن ینطبق على التزام الدولة بسلوک معین, إذ أنها تختلف باختلاف معاییر الرعایة الواجبة، والظروف التی تحیط بموضوع الالتزام . فعلى سبیل المثال وعند مراجعة المادة (29) من اتفاقیة جنیف الثالثة، نجد أنها الزمت الدولة الحاجزة باتخاذ العنایة الواجبة عند مواجهة الاوبئة او للوقایة منها، إذ نصت : "تلتزم الدولة الحاجزة باتخاذ کافة التدابیر الصحیة الضروریة لتأمین نظافة المعسکرات وملاءمتها للصحة والوقایة من الأوبئة." أما المحور الثانی فیکون ضمن واجب سلطات الاحتلال بالحفاظ على الصحة العامة من خلال بذل أقصى جهد واتباع الوسائل المتاحة لوضع التدابیر الصحیة الوقائیة ضمن الإقلیم الذی تسیطر علیه, وذلک للعمل على مکافحة انتشار الأوبئة الفتاکة فی أراضی الإقلیم المسیطر علیه من قبل دولة الاحتلال. وتعد المادة الثالثة المشترکة من اتفاقیات جنیف الاربعة لعام 1949، مصدرا مهما یرتب التزاما على اطراف نزاع مسلح لیس له طابع دولی، من خلال بذل العنایة الواجبة لرعایة المرضى والجرحى. المطلب الثانی مفهوم الإخطار کثیرة هی الأعمال التی تقوم بها الدول فی مجالات العلم المختلفة لکن هذه الأعمال قد تنتج عنها أضرار تطال دولاً أخرى سواء أکان ذلک بإرادة الدول الضارة أم خارج عن إرادتها, ومن بین الوسائل التی اتفق علیها المجتمع الدولی بهدف تعزیز التعاون بین أعضاء الجماعة الدولیة هو الإخطار عن أی ضرر متوقع حدوثه مستقبلاً ویکون ذلک بأن تقوم الدول صاحبة المشروع المتوقع صدور الضرر منها، بتقییم الأخطار المتوقعة و إخطار المجتمع الدولی فی أقرب فرصة ممکنة, بهدف منع ذلک الضرر أو التقلیل من تبعاته, وللإحاطة بمفهوم الإخطار سنتناول التعریف الاصطلاحی له فی الفرع الأول ثم نبین التکییف القانونی للإخطار فی ضوء القواعد الدولیة واجتهاد الفقه والقضاء وکما یأتی: الفرع الأول التعریف الاصطلاحی یعرف الإخطار أنه: "ذلک التصرف القانونی الذی یقوم بموجبه شخص دولی بإرادته المنفردة بإحاطة شخص دولی آخر علماً بواقعة معینة, مستهدفاً بذلک تخفیف آثار قانونیة معینة, سواء تمثل هذا الوضع فی واقعة مادیة کالاستیلاء على إقلیم معین, أو واقعة قانونیة کعقد اتفاق دولی, سواء کان هذا الوضع مشروعاً أو غیر مشروع". ویعرف الإخطار أیضاً أنه: "عمل بواسطته یتم تعرف الطرف الآخر بصورة رسمیة بعمل أو بوضع معین أو حقیقة أو وثیقة, والتی یمکن أن تکون لها آثار قانونیة", ویرى جانب من الفقه أن الإخطار یعنی "الإجراء الذی بواسطته تقوم إحدى الدول بإخطار دولة أخرى بواقعة معینة, یمکن أن تترتب علیها آثار قانونیة". وقد عرفت محکمة العدل الدولیة الدائمة الإخطار أنه: ((إعلان رسمی لدولة ما إلى أخرى أو دول أخر, والذی یتم فیه الإعلان عن بعض الحقائق بهدف الاستعداد لردة فعل من الناحیة القانونیة)). ویعرف أیضاً أنه: ((عمل تحمل به الدولة إلى علم أشخاص القانون الدولی الآخرین واقعة معینة أو موقفاً محدداً یرتب آثاراً قانونیة معینة, إذ أنه بغیر الإخطار لا یجوز للدول أو الاشخاص المعنیة أن تدفع بجهلها به, إنما علیها أن تستقی منه النتائج المترتبة علیه فی إطار القانون الدولی)). ومما تقدم، یمکن القول أن مفهوم الإخطار، هو تصرف رسمی یصدر من سلطة مختصة فی دولة ما لإخطار الدول الأخرى، بحقیقة مواجهتها لواقعة ما قد تسبب اضرارا على الغیر، وهو تصرف یصب فی إطار الامتثال لأیة تبعات قانونیة مستقبلا تخص المسؤولیة التشارکیة، وبعبارة أخرى ان لا تتحمل الدولة التی قامت بالإخطار، وحدها المسؤولیة فیما لو تفاقم الضرر واتسع نطاقه، بسبب عدم قیام الدول التی وصل لها الإخطار بما یجب من بذل العنایة الواجبة لتلافی او الحد من الاضرار التی لحقت بها او توسع نطاقها للغیر.
الفرع الثانی التکییف القانونی للإخطار فی ضوء قواعد القانون الدولی العام والاجتهاد القضائی قد یصدر الإخطار من الدولة کتابة أو بصورة شفویة , فیما تکون هناک حالات یفرضها النص صراحةً, وهنا یکون الإخطار إلزامیاً، على سبیل المثال ما جاء فی نص المادة (34) من اتفاقیة برلین لعام 1885 و التی أوجبت على الدول إخطار نظیراتها فی حالة احتلال إقلیم معین أو وضعه تحت الحمایة. وفی نفس السیاق جاءت المادة (38) من اتفاقیة لاهای الثالثة لعام 1907, فی وجوب إخطار الدول المحایدة بحالة الحرب بین أطرافها. وذکرت المادة (11) من تصریح لندن لعام 1909 الإخطار عندما تطرقت إلى موضوع الحصار البحری. من جانب آخر، تطرقت المادة (1/3) من میثاق الأمم المتحدة إلى مسألة إخطار الدول منظمة الأمم المتحدة بالانسحاب. کما أن اتفاقیة الأمم المتحدة المنظمة لنشاط الدول فی مجال استکشاف الفضاء الخارجی واستخدامه لعام 1967، قد أکدت هی الأخرى على التزام الدول الأطراف فی المعاهدة بإعلام الدول الأخرى الأطراف فی المعاهدة, أو الأمین للأمم المتحدة بأیة ظاهرة تکتشفها فی الفضاء الخارجی. والجدیر بالذکر أنه فی حال انعدام النص الاتفاقی أو العرفی, عندها یکون الإخطار اختیاریاً, على سبیل المثال فی قطع العلاقات الدبلوماسیة أو نشوء دولة جدیدة وغیرها. وتجدر الإشارة إلى أن محکمة العدل الدولیة، قد تطرقت إلى موضوع الإخطار فی حکمها فی قضیة قناة کورفو, فقد وصفت واجب الإخطار، بأنه قائم على الاعتبارات الأولیة للإنسانیة وأن الموجبات التی تقع على عاتق الحکومة الألبانیة تتمثل بضرورة إخطار السفن الحربیة البریطانیة بوجود الألغام البحریة والخطورة التی یمکن أن تشکلها خدمة للصالح العام. وکان رأی المحکمة، ینصب على أن الحکومة الألبانیة لم توفِ بالتزاماتها الدولیة بضرورة إخطار السفن العابرة للمضیق. أن هذا المبدأ مسلم به فی مجال استخدام المجاری المائیة الدولیة ومعتمد فی اتفاقیات دولیة والأحکام الصادرة عن هیئات تحکیم دولیة وممارسات المنظمات الدولیة والمؤتمرات الحکومیة للدول. وفی مثال ذی صلة بموضوع الدراسة، فتعد اللائحة الصحیة التی اعتمدتها منظمة الصحة العالمیة فی عام 2005 والتی دخلت حیز التنفیذ بتاریخ 15/ حزیران عام 2007, من أهم الصکوک الملزمة للدول والتی تعمل على تنظیم التزامات الدولة تجاه المجتمع الدولی بهدف کبح انتشار الأمراض والاوبئة سریعة العدوى. ویصح القول أن الغرض من هذه اللائحة هو: الوقایة والحمایة والسیطرة وتوفیر الاستجابة لانتشار الأمراض على الصعید الدولی بطرق تتناسب مع مخاطر الصحة العامة وتقتصر علیها, وتعد مرکز المعلومات ومراقبة الأمراض المعدیة الفتاکة, إضافة إلى الالتزامات التی تفرضها القواعد الدولیة بالإخطار عن تفشی الاوبئة وانتشارها إلى دول أخرى. وفی سیاق بحثنا یمکن أن نطرح السؤال التالی: ما مدى التزام دولة المصدر بالإخطار ذی الصلة بانتشار جائحة کورونا؟ للإجابة یمکن القول، تلتزم الدول بموجب القانون الدولی المتمثل بالتعلیمات واللوائح الصحیة التی أصدرتها منظمة الصحة العالمیة عام 2005 من خلال مشارکة المعلومات ومتابعة المستجدات على الصعید الصحی والعمل على إخطار منظمة الصحة العالمیة أولاً بأول من خلال التشاور مع المنظمة عملاً بالمادتین (6و7) من اللائحة الصحیة لمنظمة الصحة العالمیة لعام 2005, إذ ألزمت المادة السادسة الدول بأن تقیم الأحداث الصحیة على أراضیها عن طریق العمل بالمبادئ التوجیهیة وأن تقوم کل دولة بإخطار منظمة الصحة العالمیة وبذل الجهود اللازمة لتقییم الأحداث الصحیة الطارئة. وقد أشارت الفقرة الثانیة من نفس المادة أعلاه، إلى وجوب قیام الدولة التی تقوم بالإخطار بالتواصل مع المنظمة وتزویدها بالمعلومات بشکل دقیق, والإبلاغ عن صعوبة الاستجابة السریعة للتحدیات الصحیة الطارئة. أما المادة السابعة من اللائحة فقد وسعت من التزامات الدول من خلال تبادل المعلومات التی أشارت إلیها المادة السادسة لتشمل أی ظرف صحی تعیشه الدولة، یعد دلیلاً على حدث صحی طارئ أو غیر متوقع على أراضی تلک الدولة, مهما کان مصدره وقد یشکل خطر على الصحة العالمیة بشکل عام. من خلال ما تقدم نجد أن عدم التزام دولة المصدر بالإخطار عن الوباء, إنما یعد خرقاً لالتزامات التی تفرضها الأحکام سابقة الذکر, کما أن المادة السابعة ألزمت الدولة المصدرة للفیروس کونها امتنعت عن الإخطار بانتشاره بغض النظر عن أنها متسببة بانتشاره أم لا.
المبحث الثانی المسؤولیة الدولیة الناشئة عن تفشی جائحة کورونا تجمع آراء فقهاء القانون الدولی على تعریف التصرف غیر المشروع بأنه: (ذلک الفعل الذی یعد انتهاکاً لأحکام القانون الدولی, إذ هو الفعل الذی یتضمن مخالفة لقواعد القانون الدولی العام الاتفاقیة أو العرفیة, أو مبادئ القانون العامة. ویعرفه الفقیه (أجو) أنه: ((السلوک المنسوب للدولة وفقاً للقانون والذی یتمثل فی فعل أو امتناع, بشکل مخالف لأحد التزاماتها)). أما الفقیه (دی بوی) فیعرف الفعل غیر المشروع دولیاً أنه: ((مجرد الإخلال بقواعد القانون وبذلک لا توجد حالة للبحث فی العوامل النفسیة أو البحث فی نوایا الدولة الفاعلة مما یسهل من مأموریة المضرور ویخفف من عبء إقامة الدلیل, فیکفی إثبات الفارق بین السلوک الحقیقی للدولة وبین مضمون الالتزام القانونی المفروض علیها)). فقد نصت المادة الأولى من مشروع مسؤولیة الدول على أنه: "کل فعل غیر مشروع دولیاً تقوم به الدولة یستتبع مسؤولیتها الدولیة". ویصح القول أن مصطلح الفعل غیر المشروع، هو مصطلح ورغم انه شائع الاستخدام فی نطاق الدراسات العربیة، إلا أنه مصطلح غیر دقیق، إذ وعند مراجعة التعریف الوارد فی المادة (1) من مشروع مواد المسؤولیة لعام 2001، یتضح أن خطأً بیناً قد ورد فی ترجمة التعریف بالوثیقة الصادرة باللغة العربیة، إذ ترجم مصطلح (ACTS) إلى اللغة العربیة بأنها أفعال، ما یعنی اختزال تحریک المسؤولیة الدولیة على الأفعال غیر المشروعة فحسب دون الإهمال، بینما جوهر القواعد القانونیة المتصلة بالمسؤولیة عموما تبین عکس ذلک، إذ یشیر مصطلح (ACTS) إلى التصرفات، وهی إما أن تکون فعلاً (Act) أو امتناعاً او إغفالاً عن فعل (Omission)، وهو أقرب للإطار القانونی الذی عرف سواء على صعید التشریعات الوطنیة أم على صعید الاتفاقیات الدولیة، التی تطال بالمسؤولیة عن کل فعل أو امتناع عن فعل یأتی به شخص طبیعی أو معنوی مؤهل قانونا للمساءلة القانونیة، وبدلیل یکشف عنه مشروع الاتفاقیة نفسه، فی المادة (2) إذ نصت على أنه: "ترتکب الدولة فعلا غیر مشروع دولیا إذا کان التصرف المتمثل فی عمل أو إغفال.....)، ومن هذا النص یبدو التناقض الذی وقعت فیه الوثیقة باللغة العربیة، فمرة تشیر إلى (أفعال) وفی أخرى، إلى تصرفات تنطوی على عمل أو إهمال (إغفال). وما یدلل أیضاً على الاتجاه الذی ذکر فی أعلاه، أن التعلیقات الواردة من لجنة القانون الدولی على مواد المشروع، ذهبت إلى أن مصطلح (Acts) یشیر إلى تصرفات غیر مشروعة أو خاطئة، إذ أن صفة عدم المشروعیة الدولیة تشیر کذلک إلى الإهمال (الإغفال) والتی لا یمکن إدخالها ضمن عبارة (فعل). ومن خلال ما ذکر أعلاه نرى أن التصرف غیر المشروع دولیاً هو ذلک الذی یعد انتهاکاً لقواعد دولیة اتفاقیة کانت أو عرفیة أو مبادئ عامة, وللإحاطة بموضوع المسؤولیة سنقسم المبحث على مطلبین نبین فی الأول إهمال دولة المصدر والآثار المترتبة علیه, فیما نتطرق إلى موضوع إهمال الدولة المضرورة فی المطلب الثانی.
المطلب الأول الإهمال لدولة المصدر تعد المادة الأولى من مشروع مسؤولیة الدول المبدأ الأساسی لإسناد المسؤولیة للدولة التی یصدر عنها التصرف غیر المشروع والتی نصت على أنه: ((کل فعل غیر مشروع دولیاً تقوم به الدولة یستتبع مسؤولیتها الدولیة)). کما أن المادة الثانیة من المشروع حددت العناصر اللازمة لیعتبر فعل ما یصدر من الدولة غیر مشروعاً. ومن خلال نص المادة أعلاه نجد أنها أکدت على أن القواعد الأساسیة المتعلقة بالمسؤولیة الدولیة بمختلف صیغها قد تحدد معاییر معینة لبیان تقصیر الدولة من عدمه ومن هذه المعاییر ((بذل العنایة الواجبة)). إن العمل غیر المشروع یعد رکناً أساسیاً ومهماً فی إسناد المسؤولیة لدولة المصدر, وذلک من خلال قیامها بتصرفات غیر قانونیة تتعارض مع التزاماتها الدولیة فی ضوء الاتفاقیات الدولیة الجماعیة وغیر الجماعیة ناهیک عن التزاماتها بالقواعد العرفیة. وقد وضحت محکمة العدل الدولیة فی حکمها فی قضیة مضیق کورفو الشهیرة عندما أصدرت حکمها استناداً إلى نظریة الخطأ, وأقرت مسؤولیة ألبانیا عن وجود الألغام فی میاهها, ومن خلال حکم المحکمة نجد أنها تناولت الموضوع من جانبین مهمین هما: الجانب الأول: یتعلق بعلم الحکومة الألبانیة بالألغام الموجودة فی مضیق کورفو, واستخدمت المحکمة هذا الجانب فی إثبات الأدلة فی الدعوى, إذ من خلال ذلک تأکد للمحکمة علم الحکومة الألبانیة بالألغام, إذ أنها کان بمقدورها أن تعلم, واستناداً إلى ذلک أقرت مسؤولیة ألبانیا عن النشاط الخطر الموجود فی إقلیمها, وبغض النظر عمن ارتکب ذلک النشاط, وهذا یدخل فی إطار مسؤولیة الدولة المطلقة عن الأنشطة التی تجری ضمن ولایتها الاقلیمیة وتکون تحت سیطرتها. الجانب الثانی: یتعلق هذا الجانب بالحد الذی تتحمل فیه ألبانیا المسؤولیة عن الانفجارات والأضرار المادیة الناتجة عنها, کذلک الخسائر البشریة والتی أسندتها المحکمة لألبانیا بناءً على نظریة الخطأ إذ بینت المحکمة أن ألبانیا مع علمها بوجود الألغام, إلا أنها لم تتخذ الإجراءات الاحترازیة والعنایة الواجبة لتحذیر السفن المقتربة من منطقة الألغام, فهی تتحمل نتیجة الإهمال الخطیر فی عدم منع وقوع الکارثة. وفی إطار بحثنا فإن اللوائح الصحیة لمنظمة الصحة العالمیة لعام 2005 تنص على التزام الدولة بالإبلاغ عن تفشی الأمراض التی تشل أو تقید السفر والتجارة الدولیة اعتماداً على أدلة واضحة ومؤکدة. وعلى الدول الأطراف الالتزام بوضع حد أدنى من المراقبة الأساسیة والعمل على الاستجابة وتقدیم المساعدة لمنظمة الصحة العالمیة ومنحها سلطة الوصول إلى المنظمات غیر الحکومیة واستخدامها لجمع المعلومات وبالتالی منحها سلطة إعلان وجود حالة طوارئ صحیة دولیاً. وبناءً على ما تقدم من سوابق قضائیة ولوائح دولیة فإن إهمال دولة المصدر فی منع تفشی فیروس کورونا وعدم بذلها العنایة الواجبة للحد من تفشی هذا الفیروس القاتل یعد سبباً کافیاً لإسناد المسؤولیة الدولیة لدولة المصدر, ویسبب عدم الوفاء بالتزاماتها الدولیة أمام المجتمع الدولی. وفقاً لمشروع مسؤولیة الدول سابق الذکر فإن دولة المصدر تکون قد خالفت التزاماتها فی ضوء مشروع مسؤولیة الدول من خلال عدم اتخاذ التدابیر اللازمة لمنع انتشار الوباء. المطلب الثانی إهمال الدول المتضررة نصت المادة (42) من مشروع مسؤولیة الدول على أنه: ((یحق للدولة أن تحتج کدولة مضرورة بمسؤولیة دولة أخرى إذا کان الالتزام الذی خرق واجباً: أ- تجاه دولة بمفردها. ب- أو تجاه مجموعة من الدول بما فیها تلک الدولة أو تجاه المجتمع الدولی ککل, وکان خرق الالتزام: 1- یمس بوجه خاص تلک الدولة. 2- أو ذا طابع یغیر جذریاً موقف جمیع الدول الأخرى التی یکون الالتزام واجباً تجاهها فیما یتعلق بمواصلة الوفاء بالالتزام)). من خلال النص أعلاه نجد أن المادة (42) قد عرفت مصطلح الدولة المضرورة تعریفاً ضیقاً وفرقت بین الضرر الذی یلحق بدولة معینة بشکل منفرد ومجموعة صغیرة من الدول, وبین المصالح القانونیة لمجموعة کبیرة من الدول فی حدود التزامات جماعیة متبادلة لتلک الدولة. إذن على الدولة المضرورة أن تتخذ بعض التدابیر ذات الطابع الرسمی للحفاظ على حقوقها وحمایتها فی ضوء الالتزامات الدولیة, مثل تقدیم طلب ضد دولة أخرى أمام محکمة دولیة أو هیئة قضائیة, ویجب أن یکون الطلب قائماً على ضرر متحقق أو خرق لالتزام دولی. وقد یصل الحال إلى أن تتخذ الدولة تدابیر مضادة بناءً على حق تخوله معاهدة دولیة بصورة محددة. کذلک یجب التمییز بین حالة الدولة المضرورة وبین الدول التی یحق لها الاحتجاج بالمسؤولیة وفقاً للمادة (48) من مشروع مسؤولیة الدول التی ترتکز على وجود المصلحة المشترکة لقیام المسؤولیة. ومن نظرة فاحصة لنص المادة (42) نجد أن هنالک شبه کبیر بینها وبین نص المادة (60) من اتفاقیة فیینا للمعاهدات لعام 1996, إلا أن الفارق الممیز هو فی أن الأخیرة أعطت للدولة الطرف فی المعاهدة حق أنهاء المعاهدة أو تعلیقها من طرف واحد فی حالة وجود خرق مادی. فی حین أن المادة (42) من مشروع مسؤولیة الدول تتعلق بأی خرق لالتزام دولی مهما کانت طبیعة ذلک الالتزام. ومن خلال ما تقدم فإن من واجب الدولة المضرورة القیام بما تملیه المادة (42) وهو المطالبة بحقها فی جبر الضرر الذی تسبب به تصرف صادر من دولة أو مجموعة من الدول وکان هذا التصرف مخالفاً للالتزامات الدولیة المشترکة. ومن مفهوم المخالفة فإن إهمال الدولة المضرورة فی المطالبة بحقوقها، یترتب علیه أن یسقط حقها فی المطالبة بالتعویض من الدولة أو الدول التی تسببت فی إحداث الضرر، بناء على ما هو معروف فی التقاضی الدولی بمبدأ (لا ضرر مما جرت علیه العادة) (ab assuetis non fit injuria). وهنا تکون الدولة المتضررة من التصرفات الضارة الصادرة من دولة أو مجموعة من الدول أمام عدة خیارات, منها اللجوء للقضاء الدولی, أو اتخاذ تدابیر معینة مؤقتة أو دائمة وحسب ما تملیه حالة الضرر, أما فی حالة إهمال الدولة المتضررة فتکون أمام حاتین هما:
أولاً: الإهمال فی اتخاذ التدابیر اللازمة تتضرر الدولة فی عدة حالات منها عندما یکون الحق المنتهک ناشئ عن معاهدة ثنائیة, عندها یحق للطرف الآخر المتضرر إنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها. وإذ کان الحق المنتهک ناشئ عن حکم أو قرار تسویة المنازعات من محکمة دولیة أو هیئة قضائیة لصالح دولة أخرى فی النزاع یمکن أن تستفید منه الدولة المتضررة, أو قد یکون الحق ناشئاً وفقاً لصک تأسیسی، کأن تکون منظمة دولیة فیحق للدولة الاستفادة منه، وقد یکون الحق المنتهک ناشئاً عن معاهدة متعددة الاطراف أو قاعدة من قواعد القانون الدولی العرفی، فهنا الحق یکون ثابتاً للدولة المتضررة, أما فی حالة إهمال تلک الدولة المطالبة بحقها فلا یحق لها المطالبة بالتعویض عن الأضرار التی لحقت بها بسبب الفعل الصادر من دولة أو دول أخرى. ثانیاً: إهمال الدولة المتضررة فی المطالبة بالجبر والتعویض یوجب مشروع مواد مسؤولیة الدولیة لعام 2001، بأن تطالب الدولة المتضررة بتعویض یتناسب مع حجم الضرر الذی تسبب التصرف الصادر من الدولة الضارة وفی حالة إهمال الدولة المطالبة بحقها فی المطالبة بالتعویض فهی بذلک تتحمل مسؤولیة عدم المطالبة.
المطلب الثانی التصرف الذی لا یحظره القانون یعد الضرر شرطاً ضروریاً لإسناد المسؤولیة الدولیة والذی ینتج عن فعل غیر مشروع وبذلک فإن المسؤولیة ستقوم على أساس الخطأ, لکن مع التطور العلمی الذی ساد المجتمعات بمختلف مسمیاتها فإن التصرفات الضارة لم تعد مقتصرة على مکان استخدام الدولة لها, وأصبح الضرر الناتج عن استخدام الدول عابراً للحدود لیشمل دولاً مجاورة وغیر مجاورة وهذا هو الضرر العابر للحدود ومع نشوء هذا النوع من التصرفات کان لابد من أن ینشأ نوع جدید من المسؤولیة لیکون لها أساس تقوم علیه, فکان الاستناد على نظریة المخاطر, فأصبحت المسؤولیة تقوم على تصرف مشروع أساساً لکن هذا التصرف ینتج عنه ضرر وسنتناول فی هذا المطلب بعض التصرفات التی لا یحظرها القانون وکما یأتی: الفرع الأول القوة القاهرة تنص المادة (23) من مشروع مسؤولیة الدول على أنه: ((1- تنتفی صفه عدم المشروعیة عن فعل الدولة الذی لا یکون مطابقاً لالتزام دولی لتلک الدولة إذا کان ذلک الفعل راجعاً لقوة قاهرة, أی حدوث قوة قاهرة لا سبیل إلى مقاومتها أو حدث غیر متوقع, یخرجان عن إرادة تلک الدولة بما یجعل أداء ذلک الالتزام فی هذه الظروف مستحیلاً مادیاً)). من خلال تحلیل النص أعلاه، نجد أنه لانتفاء صفه عدم المشروعیة لابد من توافر ثلاثة شروط هی: 1- أن یقع فعل غیر متوقع بقوة لا سبیل لمقاومتها. 2- أن یکون الفعل والقوة خارجین عن إرادة الدولة المعنیة بالحدث. 3- أن یجعلا أداء الالتزام فی هذه الظروف مستحیل مادیاً. أن الملاحظ على عبارة ((لا سبیل إلى مقاومتها)) والمتعلقة بوصف القوة، تؤکد على وجوب وجود قید عجزت الدولة عن تجنبه أو مقاومته باستخدام الوسائل المتاحة ولکی یعد الحدث غیر متوقع, ینبغی ألا یکون منظوراً قبل وقوعه, أو لتسهل رؤیته قبل وقوعه, کذلک فإن ((القوة التی لا سبیل إلى مقاومتها)) أو ((الحدث غیر المتوقع)) ینبغی أن یرتبطا برابطة السببیة مع الاستحالة المادیة, على النحو الذی أشارت إلیه عبارة ((راجعاً لقوة قاهرة...)) بما یجعله مستحیلاً مادیاً ورهناً بالفقرة (2), تنتفی صفة عدم مشروعیة تصرف الدولة حیث تستوفى هذه العناصر ما دامت حالة القوة القاهرة مستمرة. کما أن القوة القاهرة قد تکون عائدة إلى حدث طبیعی أو مادی, على سبیل المثال تحول وجهة طائرة دولة معینة إلى إقلیم دولة أخرى بسبب الظروف القاسیة للطقس, أو الزلازل أو الفیضانات, أو قد تکون بسبب تدخل بشری أدى إلى فقدان السیطرة على جزء من الإقلیم جراء تمرد, أو عملیات عسکریة تضطلع بها دولة ثالثه تسبب الدمار فی إقلیم معین, کل هذه الظروف ینبغی أن لا یکون هناک سبیل إلى مقاومتها وتلافی آثارها. والقوة القاهرة لا تشمل الظروف التی یشکل أداء الالتزام صعوبة على الدولة بسبب أزمة سیاسیة أو اقتصادیة مثلاً, کما أنها لا تشمل الحالات التی تنشأ عن إهمال أو تقصیر الدولة المعنیة. ویمکن أن نطرح السؤال التالی:هل یمکن اعتبار انتشار جائحة کورونا من حالة القوة القاهرة؟ عند البحث فی السوابق القضائیة ذات العلاقة نجد أنها لم تعد (عصیات الطاعون), وفیروس H1 N1)) عام 2007, وحمى الضنک من الأحداث الصحیة التی تشکل قوة قاهرة, إذ یرى القضاة أن هذه الأمراض تعد معروفة ولا تشکل خطراً على الحیاة. وتجدر الإشارة إلى أنه لإثبات وجود القوة القاهرة یجب إثبات العلاقة بین وجود الجائحة وانتشارها مع استحالة أداء الالتزام. لقد أقرت معظم النظم القانونیة بوجود فکرة القوة القاهرة. ورغم اختلاف القوانین فی تبنی موضوع القوة القاهرة, إلا أنه لا یوجد تعریف موحد أو دقیق, سوى الاستناد إلى المبادئ الأساسیة التی جاء بها القانون الرومانی، والتی تستند إلى کونها تؤدی إلى استحالة تنفیذ الالتزام, وهذه خاصیة تمتاز بها القوة القاهرة واعتبارها حدثاً غیر متوقع ولا یمکن دفعه. الفرع الثانی حالة الشدة الحالة الأخرى التی یمکن معها انتفاء صفه عدم المشروعیة عن تصرفات الدولة التی لا تطابق التزاماتها الدولیة, هی حالة الشدة، فقد أشارت إلیها المادة (24) من مواد مشروع مسؤولیة الدول لعام 2001. من خلال نص المادة أعلاه، نجد أنها تتناول تصرفات الأفراد الذین یمثلون الدولة أو الاشخاص الذین یکونون تحت رعایتهم, إذ تنتفی صفة عدم المشروعیة عن تصرفاتهم فی حالة یکون فیها وکیل الدولة فی ظروف تحتم علیه التصرف المخالف لالتزامات الدولة أملاً فی انقاذ الحیاة. والملاحظ أن حالة الشدة تختلف عن حالة الظروف القاهرة، إذ تکون تصرفات الشخص فی حالة الشدة إرادیة وتماشیاً مع حالة الخطر المحدق به, وهو ما دفع بالکثیر من الباحثین إلى تعریفها بأنها حالة من حالات ((الاستحالة النسبیة)) فی الامتثال للقانون الدولی، فضلا عن ذلک أنها لیست حالة تفضیل بین المصالح المشروعة والامتثال للقانون الدولی بسبب ارتباطها بحیاة الآخرین. وکتجربة عملیة نجد أن حالة الشدة تکون فی دخول الطائرات أو السفن التابعة لدولة ما إلى إقلیم دولة أخرى بسبب الظروف الشدیدة للطقس, أو بسبب الأعطال المیکانیکیة أو الملاحیة, ففی عام 1946 دخلت طائرات حربیة أمریکیة الأجواء الیوغسلافیة دون إذن وتعرضت لها الدفاعات الیوغسلافیة بالهجوم, وفی مقابل ذلک احتجت حکومة الولایات المتحدة على ذلک مبررة دخول الطائرات إلى تجنب خطر بالغ, فی حین رفضت یوغسلافیا هذا التبریر وعدته انتهاکاً لأجوائها. وفی الشأن نفسه، یمکن القول إلى أن حالة الشدة یمکن الاحتجاج بها فی العدید من المعاهدات, واعتبارها ظرف یبرر التصرف المخالف للالتزام الدولی, مثال على ذلک اتفاقیة البحر الإقلیمی والمنطقة المناخیة لعام 1958 واتفاقیة قانون البحار لعام 1982. ومن خلال مراجعة المادة (24) من مشروع مسؤولیة الدول، یتضح انها تقصر الإعفاء من عدم المشروعیة على الحالات التی تکون فیها الحیاة البشریة فی خطر محدق, کما أن حالات الشدة لا تشمل حالات الطوارئ التی توصف بأنها حالات ضروریة أکثر مما هی حالات شدة. فضلا عن أن المادة (24) لا تعفی الدولة أو من یمثلها من الامتثال لالتزامات أخرى (دولیة کانت أم وطنیة), مثلاً شرط إبلاغ السلطات المعنیة بالوصول, أو الإدلاء بمعلومات تتعلق بالتصرف المخالف للالتزام. ومن خلال ما تقدم، نجد أن حالة القوة القاهرة وحالة الشدة هی من الحالات التی تنتفی معها صفة عدم المشروعیة عن التصرفات الصادرة عن الدولة أو أحد وکلائها وهذه التصرفات تکون مخالفة لالتزامات دولیة، لکن الفرق بینهما هو أن التصرف فی حالة القوة القاهرة یکون خارجا عن إرادة الدولة فی حین یکون التصرف فی حالة الشدة تحت إرادة وکیل الدولة، إلا أنه یعمل على الحفاظ على الحیاة فی مقابل خرق التزام دولی. وفی إطار بحثنا حول جائحة کورونا، نرى أن الدولة المصدرة للفیروس یمکن أن تحتج بالقوة القاهرة أو حالة الشدة فی الدفاع عن نفسها، وتنفی صفة عدم المشروعیة عن التصرفات التی أدت إلى نشر الفیروس، متى ما أثبتت أن انتشار الفیروس کان ناجماً عن قوة قاهرة خارجة عن نطاق السیطرة, أو بسبب حالة الشدة التی دفعت الدولة أو أحد وکلائها إلى التصرف المخالف للالتزام الدولی. وعموما فإن اللجوء إلى قواعد المسؤولیة الدولیة بالضد من الدولة المتسببة بالجائحة، لا یتطلب فقط اثبات انها لم تتخذ التدابیر اللازمة لمنع الانتشار وفقا لمعیاری العنایة الواجبة أو الاخطار فی الوقت المناسب، بل یتطلب أیضا إثبات أن موضوع الانتهاک قد تمیز بثقل نسبی (Gravity) أی أن تقبل المحاکم أسوء السوء من بین الانتهاکات، إذ أن القضاء الدولی لا یتحرک لمجرد الطلب منه، بل لابد من التوافقیة بین الاختصاص و ولایته على موضوع الانتهاک، وبعبارة أخرى أن تتوافر شروط من أهمها جسامة الضرر و خطورته فضلا عن التقصیر فی أداء العنایة الواجبة والإخطار فی الوقت والوسیلة المناسبة. الخاتمـة بعد أن بینا من خلال البحث مفهومی العنایة الواجبة والإخطار وواجبات الدول إزاء کل من المفهومین وتطرقنا إلى المسؤولیة الدولیة المترتبة على الدول المتسببة بالأضرار فی حال خرقها للالتزامات الدولیة, وفیما یأتی النتائج التی توصلنا إلیها والمقترحات التی من الممکن أن تشکل إضافة الى موضوع العنایة الواجبة والإخطار. الاستنتاجات
المقترحات 1. من المهم أن یکون هناک تنظیم دولی اتفاقی لمسألة انتشار الاوبئة والجوائح الفتاکة حفاظاً على سلامة المجتمع الدولی والبیئة بشکل عام. 2. تدخل مسألة العنایة الواجبة فی عدة فروع من القانون الدولی منها القانون الدولی الإنسانی, والقانون الدولی لحقوق الإنسان, وقانون الکوارث، وبالتالی نجد أنها من المواضیع المهمة المتشعبة والتی من الضروری أن تنظم من خلال اتفاقیات دولیة، أو على أقل تقدیر قیام المشرع بتحدید معاییر بشأن مفهوم العنایة الواجبة وعناصرها. 3. مع ازدیاد ظاهرة تفشی الأوبئة الفتاکة، فإنه یتعین على المجتمع الدولی التعاون الفعال للوقایة من انتشار الأوبئة, وتشخیصها والاستجابة المبکرة للقضاء علیها. 4. لا بد من إعادة النظر بمفهوم الثقل النسبی لتحریک المسؤولیة الدولیة، ونعنی بذلک جسامة التصرف غیر المشروع سواء أکان بفعل أو بإهمال صادر عن دولة المصدر، وذلک من خلال تحدید معاییر دقیقة، کتلک المتفق علیها فی المحاکم الجنائیة الدولیة وبالذات أن یکون الضرر قد وصل إلى أعلى عتبات المسؤولیة أی أن یکون واسع النطاق وطویل الأمد وشدید الأثر على المستویین الدولی والإنسانی.
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) Foreign sources: First: Books 1. Hoskisson Robrt E ; Hitt, Michael A, Ireland, strategic Management competitiveness and Globalization: concepts and cases N 1, Duane, 2004. 2. Hanqin Hue, Transboundary Damage in International Law, Cambridge University Press, 2003, Cambridge, the United Kingdom. Second: Researches and studies 1. Jona than Bonnit cha and Robert Mccorquodale, The concept of (( Due Diligence)) in the UN Guiding Principles on Business and Human Rights, The European Journal of International Law, 28 No.3, 2017. 2. Antonio Coco, Prevent Respond, Cooperate: States Due Diligence Duties Vis- a- Vis the Covid-19 Pandemic. 3. Marco Longobaido, The Relevance of Concept of Due Diligence for J.G L Wisconsin International Law Journal, 2019, p51 Vol (37), No (1). 4. Dupuy Pierre.M, droit international public, pedone, Paris, 1992. 5. Sienho Yee, The Deal with a New Coronavirus Pandemic, Oxford University Press, Advance Access, 23 Aug, 2020. 6. Ludovic Landivaux, contratset corona virus:un cas de force majeure? Cadepend, Dalloz, Mars, 2020. 7.RACHEL LÓPEZ ,The Law of Gravity, COLUMBIA JOURNAL OF TRANSNATIONAL LAW ,vol.58:3, 2020. Third: International Documents: 1. ICJ, Corfu Channel case (United Kingdom of Great Britain and Northern Ireland V. Albania, 1949. 2. I L A Study (n2)2, 8, Draft Articles on prevention (n5), L54-155, ar.4t 3(12)-(13). 3. I L S Study (n2)7, 9, Draft on prevention (n5) 154, art 3 (11). 4. Draft Articles on Prevention (n5) 156, Article 3(17), Alabama Arbitration United states/ Great Britain (1872). 5. United Nations, MATERIALS ON THE RESPONSIBILITY OF STATES FOR INTERNATIONALLY WRONGFUL ACTS", United Nations Legislative Series ST/LEG/SER B/25, UNITED NATIONS, NEW YORK, 2012. 6. KYOJI KAWASAKI, The "injured state" in the International law of state responsibility, hitotsubashi, Journal of law and politics vol.28.2000. 7. European Court of Human Rights, Le Mailloux v. France, Factsheet – COVID-19 health crisis 5. Nov, 2020, p.1. 8. Human Rights Committee General comment No. 36 (2018) on article 6 of the International Covenant on Civil and Political Rights, on the right to life CCPR/C/GC/36, 30 October 2018. 9. Trail Smelter Arbitration (United States v Canada) (1938 and 1941) 3 RIAA 1905, 1963. Forth: thesis 1. Maria Flemme, Due Diligence in International Law, master thesis, Faculty of law, University of land, 2004. | ||
References | ||
قائمة المصادر باللغة العربیة أولاً: الکتب 1. أحمد أبو الوفا, الوسیط فی القانون الدولی العام, دار النهضة العربیة ط 5, 2010. 2. حامد سلطان, القانون الدولی العام فی وقت السلم, دار النهضة العربیة, القاهرة, 1962. 3. شریف محمد غنام, أثر تغیر الظروف فی عقود التجارة الدولیة, دار الجامعة الجدیدة, الاسکندریة, 2007. 4. عادل أحمد الطائی, المسؤولیة الدولیة عن الأفعال المحظورة دولیاً, بغداد, 2000. 5. مصطفى أحمد فؤاد, النظریة العامة للتصرفات الدولیة الصادرة عن الإرادة المنفردة, منشأة المعارف الاسکندریة, 2009. 6. محمد حافظ غانم, مبادئ القانون الدولی العام, مطبعة النهضة الجدیدة, القاهرة, 1967. ثانیاً: البحوث والدوریات 1.د. سامی سلهب, دور محکمة العدل الدولیة فی ترسیخ قواعد القانون الدولی الإنسانی, بحث منشور فی کتاب القانونی الدولی الإنسانی آفاق وتحدیات, الجزء الثالث, ط1, منشورات الحلبی الحقوقیة 2002. 2. جلطی منصور, الاثار القانونیة لفیروس کورونا المستجد (COVID-19) على الالتزامات التعاقدیة, حولیات جامعة الجزائر 1, المجلد (34), 2020. 3.سمیرة حصایم, الآثار القانونیة لفیروس کورونا المستجد على تنفیذ العقود الدولیة, مجلة أبحاث قانونیة وسیاسیة, المجلد (5), العدد (1), أیلول, 2020. ثالثاً: أطاریح الدکتوراه والماجستیر 1.خالدة ذنون مرعی, تصرفات الدولة من جانب واحد, أطروحة دکتوراه مقدمة إلى کلیة القانون, جامعة الموصل, 2004. 2. عبدلی بو بکر المسؤولیة الدولیة عن الأعمال غیر المشروعة فی المجال البیئی, رسالة ماجستیر مقدمة إلى جامعة الطاهر مولای سعیدة, کلیة الحقوق والعلوم السیاسیة, قسم الحقوق, 2018.
رابعاً: المواقع الالکترونیة: 2. https://www.google.com/search.
خامساً: التقاریر والقضایا الدولیة 1. تقریر لجنة القانون الدولی لعام 2001 رقم الوثیقة A/CN.4/SER.A/2001 2. قضیة ألاباما رقم (10) 172 ینظر أیضاً التحکیم فی قضیة مصهر تریل ( الولایات المتحدة ضد کندا عام 1963). 3. مجموعة الأحکام والقرارات والفتاوى الصادرة عن محکمة العدل الدولیة, 1949ـ1991, الأمم المتحدة, نیویورک,1992. سادساً: الاتفاقیات الدولیة: 1. اتفاقیة برلین لتنظیم الاستعمار الأوربی والتجارة الافریقیة المنعقدة فی 26 شباط 1885. 2. اتفاقیة لاهای الثالثة الخاصة باحترام قوانین وأعراف الحرب البریة لعام 1907. 3. میثاق الامم المتحدة لسنة 1945. 4. اتفاقیات جنیف الأربع لعام 1949. 4. اتفاقیات جنیف اﺗﻔﺎﻗﻴﺔ اﻟﺒﺤﺮ اﻹﻗﻠﻴﻤﻲ واﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺘﺎﺧﻤﺔ لعام 1958. 5. العهد الدولی الخاص بالحقوق المدنیة والسیاسیة لعام 1966. 6. العهد الدولی الخاص بالحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة لعام 1966. 7. اتفاقیة الأمم المتحدة المنظمة لنشاط الدول فی مجال استکشاف الفضاء الخارجی واستخدامه لعام 1967 8. اتفاقیة الامم المتحدة لقانون البحار لعام 1982. سابعاً: الوثائق 1.اللائحة الصحیة لمنظمة الصحة العالمیة لعام 2005. 2. الجمعیة العامة للأمم المتحدة، " تقریر لجنة القانون الدولی عن أعمال دورتها الثالثة والخمسین"، تقریر اللجنة السادسة، الدورة السادسة والخمسون، الوثیقة باللغة العربیة، A/56/ 589 فی 26 نوفمبر، 2001. 3. الجمعیة العامة للأمم المتحدة، تعلیقات على مسودة مشروع مسؤولیة الدول عن الأفعال الخاطئة لعام 2001، تقریر لجنة القانون الدولی فی دورتها الثالثة والخمسین. ثامناً : القرارات القضائیة 1. مجموعة الاحکام والقرارات والفتاوى الصادرة عن محکمة العدل الدولیة, 1949-1991 الامم المتحدة, نیویورک, 1992. | ||
Statistics Article View: 530 PDF Download: 336 |