الطلاق المفوَّض فی قانون الأحوال الشخصیة العراقی -دراسة تحلیلیة | ||
الرافدین للحقوق | ||
Article 3, Volume 24, Issue 78, March 2022, Pages 55-77 PDF (354.58 K) | ||
Document Type: بحث | ||
DOI: 10.33899/alaw.2022.172973 | ||
Author | ||
محمد سعید السعداوی* | ||
کلیة الامام الکاظم (ع) للعلوم الاسلامیة الجامعة / اقسام الدیوانیة | ||
Abstract | ||
نظم قانون الأحوال الشخصیة العراقی الطلاق بأوصافه المختلفة، فقرر له أحکاماً وآثاراً فی نصوص واضحة ودقیقة، سواء ما کان مُوقَعاً من الزوج بما له من سلطة مطلقة فیه، أم من القاضی بما له من ولایة عامة تمکّنه من التفریق بین الزوجین، غیر إنّه، وإن عَدَّ التفویض - کما التوکیل – مِکنةً قانونیةً مهیّأةً للزوجة لتطلیق نفسها، لم یضع له تنظیماً یبیّن أحکامه، غیر إنه نُظم فقهاً شرعیاً رغم الاختلاف، فیما أُهمل لدینا قانوناً رغم الإقرار، وان کان القانون قد فتح باباً فی المادة (1/2و3) على الفقه الإسلامی یستقی منه أحکام التفویض، غیر أنه توجهٌ فیه ما فیه، ولا یرفع الخلاف بشأنه؛ إجراءاتٍ وأحکاماً. وهو ما یُمثل خللاً وقصوراً تشریعیاً لابد من تلافیه، وهو ما کان منا بیانه واقتراح وسائل إصلاحه. | ||
Highlights | ||
لتوقع انهاء الزواج بالطلاق، فقد قرر للزوجة تفویضاً من الزوج به، هبة منه او اشتراطا منها. وهو ما نُظم فقهاً شرعیاً رغم الاختلاف فیه؛ جوازا واحکاما، وأُهمل لدینا قانوناً رغم الإقرار به، ولعله اتکاء على مکنة الرجوع القضائی القانونیة على تنظیمه الفقهی الإسلامی، لکننا نراه توجهاً فیه ما فیه، ما دعانا للبحث فی مفهومه ونظامه فی قانوننا للأحوال الشخصیة مقارنة بالفقه الاسلامی، لنصل منه لعلاج ما حددناه من خلل بمقترحات نوردها. | ||
Keywords | ||
الطلاق المفوض; قانون الاحوال الشخصیة العراقی; القانون کردستان العراق; الحق فی الطلاق | ||
Full Text | ||
الطلاق المفوَّض فی قانون الأحوال الشخصیة العراقی -دراسة تحلیلیة-(*)- divorce by authorization in the Iraqi Personal Status Law -An analytical study-
(*) أستلم البحث فی 15/2/2021 *** قبل للنشر فی 25/4/2021. (*) received on 15/2/2021 *** accepted for publishing on 25/4/2021. Doi: 10.33899/alaw.2022.172973 © Authors, 2022, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license (http://creativecommons.org/licenses/by/4.0). المستخلص نظم قانون الأحوال الشخصیة العراقی الطلاق بأوصافه المختلفة، فقرر له أحکاماً وآثاراً فی نصوص واضحة ودقیقة، سواء ما کان مُوقَعاً من الزوج بما له من سلطة مطلقة فیه، أم من القاضی بما له من ولایة عامة تمکّنه من التفریق بین الزوجین، غیر إنّه، وإن عَدَّ التفویض - کما التوکیل – مِکنةً قانونیةً مهیّأةً للزوجة لتطلیق نفسها، لم یضع له تنظیماً یبیّن أحکامه، غیر إنه نُظم فقهاً شرعیاً رغم الاختلاف، فیما أُهمل لدینا قانوناً رغم الإقرار، وان کان القانون قد فتح باباً فی المادة (1/2و3) على الفقه الإسلامی یستقی منه أحکام التفویض، غیر أنه توجهٌ فیه ما فیه، ولا یرفع الخلاف بشأنه؛ إجراءاتٍ وأحکاماً. وهو ما یُمثل خللاً وقصوراً تشریعیاً لابد من تلافیه، وهو ما کان منا بیانه واقتراح وسائل إصلاحه. الکلمات المفتاحیة: الطلاق المفوض، قانون الاحوال الشخصیة العراقی، القانون کردستان العراق، الحق فی الطلاق. Abstract The Iraqi Personal Status Law regulates divorce which can take a variety of forms, some initiated by the husband, and some initiated by the wife. This includes divorce by authorization according to it a husband can delegate the right of repudiation to his wife. However, the law does not regulate this type of divorce, and Article 1, 2 and 3 of the personal status which refer to the Islamic jurisprudence, are not sufficient to address the issue with all the differences. Keywords: divorce by authorization, Iraqi personal status law, the right of repudiation, personal status law in Kurdistan region. المقدمـة اولاً: تمهید یأتی الزواج سکناً لِبَنی الإنسان مُؤّسَسَاً على المودةِ والرحمةِ، ومُؤسِسِاً للنظام الأُسری الذی یضم الزوجین بوصفهما قاعدةً له، والأبناء نتاجاً، بانیاً للمجتمع لَبِناتهِ الأَساس. لکن کل ذلک قد لا یُکتب له الانتظام، فیَعِنُّ له من منغصاتِ الحیاة وتعقیداتها ما یُوقف استمراره، ویتوفر له من المشکلاتِ ما لا یوقفها إلا الطلاق. وحیث أن ذلک متوقعٌ، تحتاط الزوجةُ فتشترط تفویضها بطلاقِ نفسها أو توکیلها به، لتتجاوز تعنت الزوجِ المحصورةِ به سُلطة الطلاقِ. ثانیا: هدف البحث نهدف من خلال بحثنا فی الطلاق المفوض التعرف على تفویض الطلاق الذی نص علیه قانوننا للأحوال الشخصیة فی نص المادة (۳4/1) التی تولت تعریف القانون للطلاق، مفهومه وتمییزه عن الطلاق بالوکالة، وموقفی الفقه الإسلامی والقانون منه، لنقف على حکمهما بشأنه. ثالثاً: مشکلة البحث اختِلف بجواز واحکام تفویض الزوجة بطلاق نفسها بین المذاهب الفقهیة الاسلامیة، فیما أُقر قانوناً، إلا أنه نُظم فقهاً رغم الاختلاف، وأُهمل لدینا قانوناً رغم الإقرار، وهو ما نُشکل فیه على المشرع، وان کان القانون قد فتح باباً فی المادة (1/2و3) على الفقه الإسلامی یستقی منه أحکام التفویض، غیر أنه توجهٌ فیه ما فیه، وسنرى فیه رأینا فی ثنایا البحث عن أکثر من جانب فیه . رابعاً: منهجیة البحث سنبحث فی الطلاق المفّوض - بدواعی الخوض فیه المتقدم ذکرها – بمنهج تحلیلی فی نصوص قانون الاحوال الشخصیة العراقی رقم 188 لسنة 1959 المعدل، مستعینین بالفقه الاسلامی فی حدود أحکام هذا النوع من الطلاق وما یتعلق به منها. خامساً: خطة البحث یستدعی موضوع البحث تبنینا لخطة قوامها مباحث ثلاثة، نفرد الأول منها لمفهوم الطلاق المفوض بمطلبین للتعریف به ولتمییزه عن الطلاق بالوکالة، ونخصص الثانی لعرض موقفی الفقه الإسلامی والقانون من الطلاق المفّوض من خلال مطلبین، أما الثالث فسنترکه لحکمهما بشأنه بمطلبین منفصلین، لنختم بذکر أهم ما ترشح لدینا من نتائج بحثیة نکملها بمقترحات نراها تعالج ما أشرنا له من خلل فی تناول قانوننا لما نحن فیه، حامدین المولى على ما وفق.
المبحث الأول مفهـوم الطلاق المفوض إن وقوفنا على مفهوم الطلاق المفوض یستلزم منا التعریف بالتفویض کوسیلة شرعیة وقانونیة لإیقاع الطلاق، وبأی التوقیتات یمکن للزوجین إنشاؤها واستخدامها، وما الذی یمیّزه عن التوکیل بحیث أجازهما المشرع معاً فی قانونه رغم تشابههما فی الغرض. کل ذلک وبما یتطلب من تفصیل سنتعرض له فی المطلبین الآتیین.
المطلب الأول التعریف بالتفویض فی الطلاق التفویض لغةً: من التفاوض؛ وهو المساواة فی الأمر، فیقال: فوض إلیه الأمر تفویضاً؛ أی رده إلیه، وفوض الطلاق إلى الزوجة رده إلیها، وجعل لها التصرف فیه أی جعل لها الحق فی أن تطلق نفسها إذا شاءت. فیما یدل لفظ الطلاق على التخلیة والإرسال، فیقال طُلقت المرأة من زوجها أی بانت منه، فهی طالق. أما اصطلاحا، فقد انقسم الفقه الإسلامی فی التفویض فیمن لا یجیزه؛ وهم الامامیة والظاهریة، فلا یضعون له تعریفاً، ومن یجیزه؛ وهم باقی المذاهب، وهؤلاء عرفوه. فالامامیة یقولون إن الزوج: "إذا أراد تفویض الطلاق إلیها فعندنا لا یجوز على الصحة من المذهب"، ویرى الظاهریة أن: "من جعل إلى امرأته ان تطلق نفسها لم یلزم ولا تکون طالقاً طلقت نفسها أو لم تطلق إنما الطلاق جعله الله للرجال لا للنساء". أما من یرى جواز الطلاق المفّوض من الفقه، فقد أدرج له تعریفاً، غیر انهم متفقون على ان یقوم على ترک الزوج لزوجته أمر طلاقها منه. فعرّفه الحنفیة بأنه: "جعلُ الطلاق بید الزوجة بقول الرجل لامرأته طلقی نفسکِ أو أمرک بیدک، وقوله أنت طالق إن شئتِ وما یجری مجراه"، وعبر عنه المالکیة بقولهم انه یکون "إن فوض الزوج الطلاق - أی إیقاعه- لها"، ورآه الشافعیة واقعاً "لو قال لامرأته اختاری أو أمرک بیدک" ، وعند الحنابلة " انه اذا قال لامرأته أمرک بیدک لها ان تطلق ثلاثاً". فیما عَرَّف الفقه الاسلامی – بشبه اتفاق- الطلاق بأنه: "رفع قید النکاح فی الحال أو المآل بلفظٍ مخصوصٍ" . فیما اعترف مشرع الأحوال الشخصیة العراقی بالتفویض کأحد وسائل إیقاع الطلاق، غیر انه لم یعرفه، فی حین عرّف الطلاق بکونه: "رفع قید الزواج بإیقاع من الزوج أو من الزوجة إن وکلت به أو فُوضت أو من القاضی، ولا یقع الطلاق إلا بالصیغة المخصوصة له شرعاً". وثمة سؤال یُثار فی أثر التوقیت على حکم تفویض الزوج لزوجته تطلیق نفسها، عند إنشاء عقد الزواج، وقبله وبعده، کطلبها منه إدراج هذا التفویض، کشرط مقترنٍ بعقد الزواج، أو اتفاقهما علیه قبل أو بعد الزواج، أو مبادرته بتفویضها ابتداءً. وهو ما نجد له إجابتین: شرعیةً ، وقانونیةً . فقد صحح فقهاء الحنفیة التفویض وعقد الزواج الذی یضمه شرطاً، بلزوم أن تبدأ المرأة بإیجاب لیصح منها شرطاً فی العقد، کأن تقول المرأة للرجل: زوّجْتُک نفسی على أن یکون طلاق نفسی بیدی، فیجیبها الرجل بالقبول، لا أن یبدأ به الزوج کقوله لها: تزوجتُک على أن یکون أمرک بیدک، أو على أن تطلقی أنت نفسک، لأن به یبطل التفویض وإن صح العقد، فالزوج لمّا یملک الطلاق لیُملکها، وفاقد الشیء لا یعطیه؛ فملک الطلاق أثرٌ لملک الزواج. بینما یجوز له التفویض قبل إنشاء العقد نحو قوله: یوم أتزوجک اختاری نفسک، فلها ذلک فی مجلس عقد الزواج، لتَضمُّن ذاک التعلیق هذا التفویض، وتعلیق الطلاق عند الحنفیة أمر جائز؛ لأن المُعَلَق بشرط کالمُنجَز. وعلى هذا، یجوز له التفویض بعد العقد لأنه حینها ملک الطلاق فله تملسه. أما القانون فلم ینظم توقیت التفویض، لذا فان التدارک القانونی لهذه العدمیة یتم بلجوء المحکمة - بناء على احکام المادة (1) من القانون - الى "مبادئ الشریعة الاسلامیة الاکثر ملائمة" لنصوصه، مسترشدة بـ "الاحکام التی اقرها القضاء والفقه الاسلامی فی العراق وفی البلاد الاسلامیة الاخرى التی تتقارب قوانینها من القوانین العراقیة". المطلب الثانی تمییز التفویض عن التوکیل أتاح المشرع العراقی فی قانون الأحوال الشخصیة للزوجة مکنة طلاق نفسها بالتفویض أو بالتوکیل، بنص المادة (۳4/1) على أن الطلاق یکون إیقاعه من: "الزوج أو من الزوجة إن وکلت به أو فوضت". وإن کان التفویض والتوکیل یتفقان فی منح الزوج فیهما حقه فی التطلیق لزوجته بتملیکها او إنابتها، لکنهما یفترقان فی السعة والقبول والرجوع والبلوغ؛ ففی التفویض سعة أکبر للزوجة للعمل بمشیئتها لا بحدود الوکالة ورأی الزوج، ویکفی لوجوده إیجاب الزوج؛ فلا یفتقر لموافقة الزوجة کالتوکیل، ولا رجوع فیه کما التوکیل الجائزُ فیه عزل الزوجة ، ویکون للزوجة ولو کانت صغیرة، فیما یُشترط بلوغها للتوکیل. واتکاءً على ما تقدم، میّز المشرع العراقی فی قانونه للأحوال الشخصیة بین التوکیل والتفویض، إلا أننا نرى أنه لو اکتفى بمِکْنة التوکیل لنقل سلطة التطلیق للزوجة لکان أوفق؛ فلا ضرورة للتفویض ولا فائدة تُرجى لها مما یمتاز به عن التوکیل، إذ لا حاجة للزوجة بالسعة المتاحة فی التفویض ما دام ما نُقل لسلطتها مقصوراً على التطلیق وهو متوفر فی التوکیل، بل إن الاتفاق بین الزوجین على التوکیل أفضل؛ لاحترام إرادتیهما من اشتراط الزوجة للتفویض. کما أن منع رجوع الزوج فیما فوض یمکن أن یکون فیما وَکَّل، إنْ أَثبتا التوکیل بینهما فی عقد زواجهما، أو إن قرر القانون عدم قابلیة التوکیل للعزل، فضلاً عن أن قید البلوغ فی التوکیل أضمن لحسن الاستخدام، من عدمه فی التفویض. ونجد أن المشرع العراقی قیّد الوکالة بموکلٍ واحدٍ ، وهو الزوجة؛ فلم یَقبل توکیل الزوج لغیرها فی طلاقها، بما نصت المادة (34/2) على أنه: "لا یُعتد بالوکالة فی ... وفی إیقاع الطلاق". فإیقاع الطلاق بالوکالة جائز من الزوجة على نفسها بالفقرة (1) من المادة (34)، وغیر جائز من غیرها - بوکالته عن الزوج – علیها بالفقرة (2) من المادة ذاتها . ولا نؤید هذا التمییز بین الزوجة وغیرها فی التوکیل بالطلاق، فتوکیل غیرها قد تتوفر له ضرورات حیاتیة ومبررات قانونیة کما لتوکیل الزوجة، کتوکیل الزوج الغائب لأبیه الحاضر. وإن بُرِرَ ذلک بالحرص على التقدیر السلیم لحالة الزوجین قبل استعمال الرخصة والمفترض فی الزوجة لا فی غیرها، فإنه قد لا یتوفر للزوجة حسن تقدیر العواقب فی لحظة التطلیق. الأمر الذی احتاط له غیره من المشرعین، مثل المغربی. المبحث الثانی الموقف من الطلاق المفوض لعل تفصیل الاحکام الفقهیة فی الطلاق المفوض، والنص علیه فی القانون یُعطی انطباعاً مضمونه موافقة الفقه الإسلامی والقانون على تفویض الزوج لزوجته تطلیق نفسها، لکنه انطباع متعجل لم یستوعب خفایا کلا الموقفین التی لا تقف عند الإجازة والتوقیت، بل تتعداها مرورا على کل أحوال الطلاق المفوض، الأمر الذی سنبینه باللازم من الإفاضة فی المطلبین الآتیین: المطلب الأول موقف الفقه الإسلامی من الطلاق المفّوض تباینت مواقف فقهاء الإسلام من التفویض فی الطلاق، بین من لم یعالجه کالإمامیة؛ لعدم جواز تفویض الطلاق عندهم إلى الزوجة، ومن أجازه فقرر له أحکاماً کالحنفیة؛ لأن التفویض عندهم تملیک الزوجة طلاقها من زوجها. وکلٌ من الموقفین الشرعیین قد استند لدلیل من القرآن الکریم وأدلة من السنة النبویة، لکن المفارقة أن کلیهما احتج بذات الآیة القرآنیة التی قال فیها تعالى: " یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُل لِّأَزْوَاجِکَ إِن کُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَیَاةَ الدُّنْیَا وَزِینَتَهَا فَتَعَالَیْنَ أُمَتِّعْکُنَّ وَأُسَرِّحْکُنَّ سَرَاحاً جَمِیلاً"، لیرى فیها المجیزون للتفویض تخییراً للزوجات بالطلاق، بدلیل؛ (إِن کُنتُنَّ تُرِدْنَ)، و(أُمَتِّعْکُنَّ) الدالة على متعة الطلاق، (وَأُسَرِّحْکُنَّ) التی عنت الإخراج من البیت بالطلاق ، فیما یرى فیها المعرضون عن التفویض، أنها من مختصات النبی الخاتم (صلى الله علیه وسلم)، والتخییر فیها بین "الْحَیَاةَ الدُّنْیَا" و "الدَّارَ الْآخِرَةَ" لا بین البقاء والطلاق، کما هو بینٌ، والخیار هو (صلى الله علیه وسلم) صاحبه لا هُنَ . ونحن نرى – فضلا عما قِیل – أنه لا یمکن قبول عبارة (الْحَیَاةَ الدُّنْیَا وَزِینَتَهَا) کنایةً عن الطلاق، فالقرائن تدعم خِلافها باعتبار أن زینة الحیاة الدنیا لا تکون للمرأة مع الطلاق، وإنما مع الزواج، ولا سیما أن الزوج کامل الأوصاف ، عظیم الخلق ، خیر بنی آدم، المصطفى الأمین (صلى الله علیه وسلم). وصراحة الآیة تُغنی عن کنایتها، وغِناها مؤکدٌ بالآیة التی تبعتها والمُردفةُ: "وَإِن کُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنکُنَّ أَجْراً عَظِیماً"، والأسرة النبویة لا یَصح أن تحوی من کُنّ یُقدّمن توجهاً دنیویاً على آخر آخرویاً، ولا یمکن للنبی المُنَزه (صلى الله علیه وسلم) أن یجتمع بهکذا نسوة. فتحمیل الآیة معنى التفویض، تحمیل لها أکثر مما تحتمل، بالإضافة على أن حکماً مهماً کهذا لا یمکن ان یُکتفى فیه بکنایة غیر واضحة مثیرة للخلاف، ولا سیما أن الأحکام المتعلقة بالزواج والطلاق وآثارهما محل عنایة المشرع عز وجل . إلا أن الفقهاء المُجیزون لتفویض الزوج زوجته طلاق نفسها لم یتفقوا على وصفٍ له؛ من تملیکٍ وتوکیلٍ وتخییرٍ. فمنهم من یَعدُ التفویض تملیکاً ولیس توکیلاً، کالحنفیة ، ومنهم من یرى العکس، کالحنابلة، لأن الطلاق من مختصات الزوج بالقوامةِ لا یصح تملیکه غیر أن له إنابة غیره فیه، فی حین ذهب المالکیة إلى أنه قد یرد توکیلاً أو تملیکاً أو تخییراً على وفق دلالة ما أنشأته من صیغةٍ . المطلب الثانی موقف القانون من الطلاق المفّوض انطلاقاً من مصدریة الشریعة الإسلامیة لقانون الأحوال الشخصیة، تأثر موقف الأخیر من التفویض بموقف الأول - والمذهب الحنفی منه بالذات – واعترف قانوننا رقم 188 لسنة 1959 المعدل بالتفویض کوسیلةٍ مقبولةٍ لدیه لإیقاع الطلاق، فقرره فی المادة (34/1) منه بنصها على أن: "الطلاق رفع قید الزواج بإیقاع من الزوج أو من الزوجة إن وِکلت به أو فوضت أو من القاضی، ولا یقع الطلاق الا بالصیغة المخصوصة له شرعاً". بید أن القانون العراقی بإفراده التفویض عن الوکالة فی الطلاق المُمَکَنَّین للزوجة، فقد قرر له طبیعةً من تملیکٍ لا توکیلٍ، کما قرر فقهاء الحنفیة المخالفون به للحنابلة، حاسماً طبیعته هذه، لا مُردداً لها على وفق صیغة إنشائه کما یرى المالکیة. فباتباع قانوننا للأحوال الشخصیة لرأی الفقه الحنفی، سیطبق أحکام التملیک بشأن التفویض التی یراها فقهاء هذا المذهب الإسلامی طالما لم ینظمه القانون. وحینئذ یکون تفویض الزوج لزوجته ملزماً له، لا رجوع له عنه ولا عزل للزوجة منه، فقد مَلَّکها الطلاق ومن مَلَّک غیره شیئاً زالت ولایتهُ عنه. ولا نتفق مع رأی المشرع فی إجازة التفویض فی الطلاق ومع من وافقه؛ لقوامیة الرجل، وسلطة الطلاق التی جعلها الله سبحانه وتعالى بیده، فإذا أُعتذِر بضروراتٍ تُجبر الزوج على إنابة غیره فی الطلاق، وجواز ذلک لکون الطلاق حق، والحقوق یجوز فیها التفویض، فإن فی التوکیل کفایة لهذه الضرورات، وهو کالتفویض یُمکن الزوجة من تطلیق نفسها إذا اشترطته ولا ینفی حق الزوج بالطلاق. فالوکالة یمکن أن یُطلق بها، ویکون للوکیل أن یُطلق متى شاء، على التراخی إذ إن الأصل فی التوکیل أن یأتی مطلقاً، کأن یقول الزوج للوکیل أمر زوجتی بیدک أو اختاری طلاقک، ولا یتصور أن یکون مقیداً، بزمن أو نحوه؛ إذا کان مبنیاً على اتفاقٍ بین الزوجین أو شرطٍ من الزوجة على الزوج الموافق، ففی القید نقض للغرض.
المبحث الثالث حکم الطلاق المفّوض یُحکم على الطلاق المفوض باختلاف بین المذاهب الإسلامیة بناء على ما تتبنى کل منها من موقف بشأنه من منع أو إجازة ابتداء، فیما کان للقانون العراقی أسلوب آخر فی الحکم علیه وسنوجز ما یهمنا من هذه الأحکام فی المطلب الأول، وسنفصل فی حکم القانون؛ لأنه ما یهمنا فی بحثنا هذا، فی المطلب الثانی، وکما سیرد فی الآتی: المطلب الأول حکم الطلاق المفّوض فی الفقه الإسلامی یذهب فقهاء الشریعة الإسلامیة فی حکم الطلاق الواقع بالتفویض مذاهب شتى. فتفویض الزوج زوجته بالطلاق لا یجوز عند فقهاء الإمامیة، فلو قصد تخییرها واختارت نفسها لم یقع به الطلاق.
ولا یُعد طلاقاً عند فقهاء آخرین، ومنهم الحنفیة، إذا اختارت به الزوجة زوجها أو ردت التفویض، لأنه یمثل إعراضاً عن ترک النکاح ، بینما یکون طلاقٌ إذا اختارت نفسها باتفاق جمهور الفقهاء. غیر أنهم عادوا واختلفوا فی وصف الطلاق الواقع؛ فهو رجعیٌ، لأن التفویض مُطْلَقٌ، فلابد أن یَنْفذ فی أقل ما یَصدُق علیه، وهو طلقة واحدة، وهی لیست بائنة لأنها بغیر عوض، وهذا حکم الشافعیة والحنابلة فی الطلاق المفوض، والذی یَحکم علیه الحنفیة بأنه طلاق بائن؛ لأنه به زال مُلکُ الزوج عنها وصارت مالکةَ أمرِ نفسها وذلک بالواحدة البائنة. فیما عدَّدَ حکمَه المالکیةُ للمدخول بها، وعلى وفق ما تختار غیر المدخول بها، من واحدة أو اثنتین. ولا نتفق مع من یرى أن الزوجة المفوضة بالطلاق لا تستفید من التفویض إن کان ما توقعه من طلاق به یکون حکمه رجعیاً لیعود بإمکان الزوج مراجعتها ، إذ إن الأصل فی الزواج البقاء ومحاولة الإبقاء من طرفیه والقانون والمحکمة ، وإن حکمة (التصاعدیة) فی الأثر المترتب على تکرار الطلاق - المنبهة لخطورتِهِ على مؤسسة الزواج بجزاء متصاعد الشدة - تذهب سدىً إن تجاوزنا أول درجاتها (وهی الرجعیة). ولا سیما أن خیار الزوجة بین تحمل ضرر الزوج، وترکه بتحریر نفسها سیکون ما یزال متاحاً لها؛ فالتفویض غیر قابل للإلغاء أو الرجوع عنه من قبل الزوج، لکنها ستکون تنبیهاً للزوج لخطر فقدان زوجته إن لم یحسن لها ویستبقها، ولعله ینجح فیفوز الطرفان کلٌ بما رغِب. وتأسیساً على دخول فکرة تقیید صلاحیة الازواج بالطلاق تحت سیاسة ولی الامر فی تحجیر المباح توطیداً للمصلحة العامة -فیکون له تقیید تصرف الزوج بزواجه إنهاءً- باعتبار ان التفویض والتوکیل من المباحات، فقد قید المشرع هذا المباح وجعل الطلاق بالترتیب الذی یجعله رجعیاً للمرة الأولى والثانیة بعد الدخول ولتسقط هنا صلاحیة الزوجة بالطلاق ولا یکون للزوجة ایقاعه بائناً ابتداءً. علیه فإننا لا نؤید الرأی القائل بأن وصف الطلاق الذی تُوُقِعُهُ الزوجة الموکَلَة على نفسها یحدده التوکیل الصادر لها؛ لأن التوکیل – على وفق الرأی- إذا تضمن وکالة بالطلاق ثلاثا بانت منه بینونة کبرى، وتلک نتیجة غیر مرضیةٍ وغیر سلیمةٍ؛ فهی غیر مرضیة لأنها تخالف حکمة تشریع الطلاق التدریجی الأثر الذی ضمَّنه الشارع المقدس فسحةً من مراجعة النفس والتراجع عنه حفاظاً على الکیان الأسری؛ بأن جعله مراتب ورَتبَ علیه آثاراً متدرجةً حتى یصل بالزواج إلى الإزالة التامة، کما بیَّنا آنفاً. وهی غیر سلیمة لأن الوکالة لا تنقل للوکیل أکثر مما للموکل من حق، وفی الرأی محل النظر خلاف لهذا، إذ إنه یدعی صحة نقل الوکالة للطلاق بالثلاث طلقات للزوجة، بینما لا یملک الزوج إبانة زوجته وقت شاء، إنما یکون له الطلاق بواحدة (الرجعی) بعد الزواج، ولا یکون له الإبانة الصغرى إلا بعد (الرجعی)، ولیس له الإبانة الکبرى إلا بعد الإبانة الصغرى "کما قرره ولی الامر فی تشریعه" ولکلٍ منها توقیت وحکم وأثر، ولا یملکها کلها فی آن واحد لیمکنه نقلها بالتوکیل إلى زوجته، ولسنا مع قول بعض الفقهاء الذین افتوا بإمکانیة الزوج بإیقاع الطلاق البائن بینونة صغرى او کبرى بصیغة داله على ذلک.
المطلب الثانی حکم الطلاق المفّوض فی القانون لم ینظم المشرع العراقی الطلاق بالتفویض ولا بالوکالة، وقد یعود سبب ذلک إلى الاتکاء على التدارک العام – إذا خلا القانون من حکم أمر من الأمور التی تناولها أو أغفلها – المنصوص علیه فی المادة (1) من القانون الذی یقرر لجوء المحکمة لمبادئ الشریعة الإسلامیة المتوافقة مع توجهات القانون المبثوثة فی نصوصه، واسترشادها بأحکام القضاء والفقه الإسلامیین فی العراق وفی البلدان الإسلامیة المتسقة قوانینها مع قوانینا . الأمر الذی نؤشر لخطئه من نواحٍ عدة: 1- إن الطلاق أمر وتنظیم مهم لتعلقه بنظام شرعی واجتماعی یهم ویؤثر على حیاة أفراد المجتمع کافة، وهو الزواج. فلیس من السلیم ترکه بلا تنظیم، سیما وقد نظم القانون بتفصیل باقی أنواع الطلاق، سواء ما کان منها واقعا من الزوج أم من الزوجین اتفاقا أم من القضاء، فما بال ما کان واقعا من الزوجة لم یحظَ بما حظی به أمثاله؟ 2- إن استعمال وسائل التدارک تلک لیس سهلا على القاضی لحاجته لوقت وجهد کبیرین لتحصیل العلم بالحکم المناسب، الحال الذی لا یتناسب مع ما هو متاح للقاضی من وقت فی الدعوى وإمکانات شخصیة وعلمیة ووفرة مصادر، لتناثر الأحکام الشرعیة فی بطون الکتب واختلاف الفقهاء فی الأحکام اختلافا شدیدا حتى فی أتباع المذهب الواحد، وصعوبة المناسبة بین الاتجاهین: الشرعی والقانونی المطلوب فی النص کشرط للأخذ بالحکم الشرعی المستحصل بهذا الجهد لتطبیقه على مسألة التفویض المعروض النزاع بشأنها على القاضی المعنی. 3- إضافة إلى أنه لا حکم فی الفقه الإسلامی لحالة (تنازع القوانین المذهبیة)، فما الحکم فی طلاق الزوجة (الإمامیة) لنفسها بتفویض زوجها (الحنفی)؛ لأی المذهبین یتجه القاضی بحکمه، ألمذهب الزوج المجیز للتفویض أم لمذهب الزوجة المانع من التفویض؟ 4- کما لم یکن المشرع موفقاً فی إقرار الطلاق بالتفویض فی تعریفه للطلاق فی المادة (34/1) لأنه هنا حکم له بالصحة القانونیة على الرغم من عدم صحته لدى فئة غالبة من مواطنی البلد (الإمامیة) لرؤیة مذهبهم الرافضة للتفویض. والمنتظر من القانون مجاراة الأحکام الشرعیة لأحوال المکلفین الشخصیة، لا سیما وان الدستور العراقی الدائم لعام ٢٠٠٥ قد أشار فی المادة(41) منه على ان: "العراقیون أحرار فی الالتزام بأحوالهم الشخصیة حسب دیاناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختیاراتهم وینظم ذلک بقانون". 5- وکان یمکن للمشرع الاکتفاء بالاعتراف بتوکیل الزوج لزوجته بطلاق نفسها، بلا حاجة لجمعه مع التفویض ، لأن التوکیل متفق على اعتباره بین النسبة العظمى من سکان البلد المسلمین لتوزعهم على المذهبین؛ الحنفی، والإمامی، وکلاهما یقران الوکالة باختلاف مقبول. 6- إن المحذور الممکن أن یدفع القانون لتوفیر مکنتی التفویض والتوکیل هو عدم قابلیة التفویض لرجوع الزوج فیه لیشکل مکنة حقیقیة للزوجة للسیطرة على حیاتها الزوجیة بما لا ینتج لها ضررا. لکن الوکالة بالطلاق التی تتاح للزوجة من زوجها هی الأخرى تشکل ضمانة حقیقیة؛ بعدم قابلیتها الشرعیة -برأی الإمامیة على الأقل- للعزل أو الإلغاء، والتی یمکن للقانون ان یوفر فیها من جهته صفة (عدم القابلیة للعزل)؛ أما لاعتبار الزوجة من الغیر عن الزوج، کما یرى البعض، وتعلق حقها بالوکالة، او بإرفاق تلک الصفة بالوکالة المنصوص علیها قانونا فی تعریف واحکام الطلاق. الخاتمـة رشح لنا حیث نختم بحثنا فی الطلاق المفّوض فی قانون الأحوال الشخصیة العراقی المقارن بالفقه الاسلامی جملة من النتائج، قابلناها بمجموعة من المقترحات نستصوب العمل القانونی وفقها، نعرض للأهم منها فی الآتی: اولاً/ النتائج:
ثانیاً / المقترحات:
The Author declare there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) References: First: Books after the Holy Quran
8- The Western Family Code for 2004. Third: www.al-khoei.us1- www. | ||
References | ||
المصـادر اولا: الکتب بعد القرآن الکریم
ثانیاً: القوانین: 1- القانون المدنی العراقی رقم 40 لسنة 1951 المعدل. 2- قانون الاحوال الشخصیة الاردنی رقم 15 لسنة 2019. 3- قانون الاحوال الشخصیة السوری رقم 59 لسنة 1953. 4- قانون الأحوال الشخصیة العراقی رقم 188 لسنة ۱۹5۹ المعدل. 5- قانون الاحوال الشخصیة الکویتی رقم 51 لسنة 1984. 6- قانون الاحوال الشخصیة الیمنی رقم 20 لسنة 1992. 7- قانون الالتزامات والعقود المغربی لسنة 1913 المعدل. 8- القانون المدنی الأردنی رقم (43) لسنة 1976 المعدل. 9- قانون المعاملات المدنیة الإماراتی رقم (5) لسنة 1985 المعدل. 10- القانون المدنی السوری رقم (84) لسنة 1949 المعدل. 11- القانون المدنی المصری رقم (131) لسنة 1948 المعدل. 12-القانون المصری الخاص ببعض احکام الاحوال الشخصیة المرقم 25 لسنة 1929 المعدل بقانون رقم 10 لسنة 1985. 13- قانون الموجبات والعقود اللبنانی لسنة 1932. 14- مدونة الاسرة الغربیة لسنة 2004. ثالثاً: الشبکة العنکبوتیة: | ||
Statistics Article View: 1,110 PDF Download: 351 |