تحکیم المرکز الدولی لتسویة منازعات الاستثمار لشرط الدولة الآولى بالرعایة | ||
الرافدین للحقوق | ||
Article 4, Volume 24, Issue 77, December 2021, Pages 72-129 PDF (1.23 M) | ||
Document Type: بحث | ||
DOI: 10.33899/alaw.2020.127924.1098 | ||
Author | ||
فتحی الحیانی* | ||
جامعة الموصل کلیة الحقوق | ||
Abstract | ||
لقد أصبح شرط الدولة الأولى بالرعایة من مرتکزات اتفاقیات الاستثمار الثنائیة، ولهذا فقد تناول هذا البحث الإشکالیات التی تعترض تطبیق هذا الشرط أمام المرکز الدولی لتسویة منازعات الاستثمار وملاءمة استدعاء هذا الشرط فی سیاق ممارسة اختصاصه التحکیمی لتسویة منازعات الاستثمار. وقد رکز الجزء الأول من البحث دراسته على نطاق اختصاص المرکز الموضوعی والشخصی فضلاً عن دور إرادة الأطراف ومدى اعتبارها فی سیاق ممارسات المرکز. أما الجزء الثانی فقد تناول بالدراسة والتحلیل احتجاج الطرف المستفید بالشرط أمام المرکز و منهجیة الأخیر فی التعامل معه وما یرتبط بها من إشکالیات قانونیة تتعلق بطبیعة الشرط وطبیعة الاحتجاج به فضلاً عن نطاقه ومداه وذلک من خلال ورشة تحلیلیة جمعت القانون ونصوصه، الفقه واراءه والقضاء وأحکامه. حیث کان لسوابق المرکز التحکیمیة حضوراً محوریاً بغیة تتبع مناهجه التحکیمیة واتجاهاته التفسیریة لهذا الشرط. | ||
Keywords | ||
المرکز الدولی لتسویة منازعات الاستثمار; ؛شرط الدولة الآولى بالرعایة; ؛; ،; ؛معاهدات الاستثمار الثنائیة | ||
Full Text | ||
تحکیم المرکز الدولی لتسویة منازعات الاستثمار لشرط الدولة الأولى بالرعایة-(*)- Arbitration of the International Centre for Settlement of Investment Disputes for the Most-Favored Nation Clause
(*) أستلم البحث فی 8/8/2020*** قبل للنشر فی 29/8/2020. (*) Received on 8/8/2020 *** accepted for publishing on 29/8/2020. Doi: 10.33899/alaw.2020.127924.1098 © Authors, 2021, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license (http://creativecommons.org/licenses/by/4.0). المستخلص لقد أصبح شرط الدولة الأولى بالرعایة من مرتکزات اتفاقیات الاستثمار الثنائیة، ولهذا فقد تناول هذا البحث الإشکالیات التی تعترض تطبیق هذا الشرط أمام المرکز الدولی لتسویة منازعات الاستثمار وملاءمة استدعاء هذا الشرط فی سیاق ممارسة اختصاصه التحکیمی لتسویة منازعات الاستثمار. وقد رکز الجزء الأول من البحث دراسته على نطاق اختصاص المرکز الموضوعی والشخصی فضلاً عن دور إرادة الأطراف ومدى اعتبارها فی سیاق ممارسات المرکز. أما الجزء الثانی فقد تناول بالدراسة والتحلیل احتجاج الطرف المستفید بالشرط أمام المرکز و منهجیة الأخیر فی التعامل معه وما یرتبط بها من إشکالیات قانونیة تتعلق بطبیعة الشرط وطبیعة الاحتجاج به فضلاً عن نطاقه ومداه وذلک من خلال ورشة تحلیلیة جمعت القانون ونصوصه، الفقه واراءه والقضاء وأحکامه. حیث کان لسوابق المرکز التحکیمیة حضوراً محوریاً بغیة تتبع مناهجه التحکیمیة واتجاهاته التفسیریة لهذا الشرط. الکلمات المفتاحیة: المرکز الدولی لتسویة منازعات الاستثمار، شرط الدولة الأولى بالرعایة، معاهدات الاستثمار الثنائیة. Abstract The Most-Favored-Nation clause ( MFN) has become a pillar of bilateral investment agreements, and for this reason, this article dealt with the problems facing the application of this clause before the International Center for Settlement of Investment Disputes (ICSID) and the appropriateness of its exporting to this clause in the context of exercising its arbitration jurisdiction to settle investment disputes. The first part of the article focused his study on the objective and personal jurisdiction of the ICSID, as well as the role of the will of the parties and the extent of its consideration in the context of the center's practices. The second part, examined and analyzed the argument of the beneficiary part by MFN clause before ICSID and the methodology of the latter in dealing with it and the associated legal problems related to the nature of MFN clause and the nature of the invocation of it, as well as its scope and extent, through an analytical workshop that collected the law and its texts, jurisprudence and its opinions, the judiciary and its provisions. The arbitration center's precedents had a pivotal presence in order to track its arbitral methods and interpretative trends for this MFN clause. Key words:The International Centre for Settlement of Investment Disputes (ICSID), Most-Favored Nation Clause(MFN), Bilateral Investment Treaties (BIT). المقدمـة یعد شرط الدولة الأکثر رعایة من الموضوعات القدیمة المتجددة فی القانون الدولی، فعلى الرغم من قدمه إلا أن تطبیقاته المعاصرة ما تزال تفرز جملة من التحدیات والمقاربات القانونیة. ویعد هذا الشرط متعدد جوانب التطبیق فیمکن أن یکون فی العلاقات الدبلوماسیة أو القنصلیة أو التجاریة والاقتصادیة. وقد أدرکت لجنة القانون الدولی اهمیة هذا الموضوع وبذلت جهوداً کبیرةً من أجل انضاج معاهدة متعددة الاطراف تعالج موضوع هذا الشرط، وبالفعل قدمت مشروع مواد شرط الدولة الأکثر رعایة سنة 1978 إلا أن هذا المشروع لم یحظ بقبول الدول فبقى وثیقة یرجع الیها فی کثیر من الدراسات و حتى أن بعض الاحکام والقرارات الدولیة تستند الیها فی تبریر ما تذهب إلیه. من جهة أخرى ومع تنامی نشاط الاستثمار الدولی وما نتج عنه من زیادة عدد الاتفاقیات الثتائیة التی تنظم أطر الاستثمار بین دولتین، برز هذا الموضوع مرة أخرى فی سیاق تطبیق او فض المنازعات الناشئة عن تطبیق هذا النوع من الاتفاقیات. الأمر الذی ساهم فی ظهور عدد من الاستفهامات والمشاکل القانونیة وهو ذات الأمر الذی دفع لجنة القانون الدولی أن تعید الاهتمام بهذا الموضوع مرة أخرى وتشکل فریقاً دراسیاً یعنى بهذا الموضوع عام 2008 وقد قدم الفریق منذ ذلک الحین جملة من التقاریر والدراسات تخص الموضوع والاشکالیات المنبثقة عنه. وفی سیاق فض تلک المنزاعات یبرز دور المحاکم وهیئات التحکیم ویعد المرکز الدولی لتسویة منازعات الاستثمار أحد الهیئات المهمة فی عملیة التحکیم فی قضایا الاستثمار. لقد تم تأسیس المرکز الدولی لتسویة منازعات الاستثمار( سیطلق علیه المرکز من الآن فصاعداً) ضمن سیاق التحولات المهمة التی جرت لعملیة التحکیم ذاتها. إذ لم تعد هذا العملیة تخضع برمتها لإرادة الأطراف الحرة بحیث یکون فیها للنظام العقدی الدور الاکبر، بل اصبح التحکیم مؤسسة قضائیة تتمیز بالاستمراریة والدوام أسوة بما یتصف به القضاء الرسمی. وبذلک غدا التحکیم مؤسسة قضائیة دولیة منتجة لآثارها القانونیة، تتظافر فیها العناصر والمعاییر العضویة الوظیفیة، والموضوعیة والشکلیة. لقد ساهمت کل هذه المعاییر فی بلورة الوظیفة التحکیمیة وصیاغة نظامها القانونی الملائم. بعبارة أخرى لقد حل النظام القانونی فی عملیة التحکیم سواء من الناحیة الشکلیة أو الموضوعیة محل النظام العقدی واتبع ذلک جملة من الآثار والنتائج ومن أهمها أن الأطراف فی اتفاقیة التحکیم بقبولهم التحکیم ینخرطون فی إطار قانونی موضوعی سابق الوضع ودائم الوجود وهو الإطار المؤسسی التحکیمی. أهمیة البحث : تأتی اهمیة البحث من طبیعة الموضوع وتشعبه الامر الذی یجعل دراسته تساهم فی رفد الباحث والمکتبة بمقاربات جدیدة حول موضوع قدیم متجدد، هذا من ناحیة ومن ناحیة أخرى فان موضوع البحث یعد میدانا ثریاً لقیاس البعد القانونی لموضوع البحث على مستویات ثلاث الفقه واراءه والقانون ونصوصه والقضاء واحکامه. مشکلة البحث : یحاول البحث الإجابة على سؤال محوری حول منهجیة مرکز تحکیم منازعات الاستثمار فی استخدام شرط الدولة الاولى بالرعایا الواردة فی اتفاقیات الاستثمار الثنائیة لفض المنازعات القانونیة الناجمة عن انتهاک هذا الشرط بین اطراف الدول المتعاقدة والتی هی اطراف فی اتفاقیة واشنطن لسنة 1965 ؟ تتفرع عنه عدة اشکالیات ابرزها تلک المتعلقة باشکالیات او عوائق تطبیق هذا الشرط ؟ هل یحق لدول غیر الاطراف اللجوء الى مرکز التحکیم لفض منازعة قانونیة استنادا الى هذا الشرط؟ فضلاً عن المشکلة المتعلقة بطبیعته. فرضیة البحث : یفترض الباحث أن التطبیقات المعاصرة لهذا الشرط قد افزت عقبات قانونیة ترتبط بطبیعته ومداه الموضوعی والشکلی، حیث أن الفرضیة تذهب إلى أن تطبیق هذا الشرط فی سیاق اتفاقیات الاستثمار له خصوصیته وتحدیاته التی قد تختلف عن تطبیقاته القدیمة فی سیاق انواع أخرى من العلاقات الدولیة. منهجیة البحث : نظراً لتشعب جزئیات البحث سیستخدم منهجین مختلفین یکمل بعضهما البعض ففی المقام الأول سوم یتم اعتماد المنهج الاستقرائی التأصیلی کمسلک لتتبع جزئیات البحث واستقرائها بغیة الوصول إلى القواعد الکلیة والمبادئ العامة، وفی المقام الثانی سیتم الاستعانة بالمنهج الاستنباطی التحلیلی کسبیل لاستکشاف تطبیق واختبار مدى فاعلیة تلک القواعد والمبادئ. خطة البحث : ستتکون خطة البحث من مبحثین، کل مبحث من ثلاثة مطالب وکل مطلب من فرعین . یتناول المبحث الأول التعریف بالمرکز الدولی لتسویة منازعات الاستثمار من حیث الاختصاص الموضوعی والشخصی ودور إرادة الأطراف فی اللجوء الیه، أما المبحث الثانی فیتناول شرط الدولة الأولى بالرعایة فی سیاق عمل المرکز من حیث طبیعته وطبیعة الاحتجاج به فضلاً عن نطاقه. المبحث الأول التعریف بالمرکز الدولی لتسویة منازعات الاستثمار تکمن أهمیة إنشاء هذا المرکز فی کونه أول مرکز یؤسس بموجب اتفاقیة دولیة متعددة الأطراف، وهی اتفاقیة واشنطن لتسویة منازعات الاستثمار بین الدول ومواطنی الدول الأخرى لسنة 1965. لقد تمت صیاغتها من قبل المدراء التنفیذیین للبنک الدولی لتعزیز هدف البنک فی تشجیع الاستثمار الدولی و لیکون هذا المرکز احدى المؤسسات الخمسة المکونة للبنک الدولی. یهدف المرکز إلى تسویة المنازعات الناشئة عن الاستثمارات الدولیة عن طریق التوفیق أو التحکیم. وسوف یتم دراسة أهم الجوانب المتعلقة بعمل المرکز التحکیمی لاسیما الجوانب الموضوعیة دون الخوض فی تفاصیل الاجراءات الشکلیة إلا بالقدر الذی یخدم الهدف من البحث و توجهه. وفی هذا السیاق سیتم تقسیم هذا المبحث إلى مطالب ثلاث یعالج الأول : طبیعة ونوعیة الأطراف التی تحتکم إلى المرکز( الاختصاص الشخصی)، والثانی سیدرس الموضوع الذی یمکن ان ینعقد علیه اختصاص المرکز (الاختصاص الموضوعی) والثالث یناقش دور الإرادة والاختیار وحدودهما فی عملیة الرکون إلى المرکز. المطلب الأول الاختصاص الشخصی للمرکز إن الدول فی سبیل تحقیق مصالحها الاقتصادیة باستقطاب الاستثمارات الاجنبیة تسعى إلى منح ضمانات ووعود بحمایة المستثمرین الاجانب. وبالتالی عندما تتعرض مصالح المستثمر الاجنبی للضرر فی الدولة المضیفة، فإننا سنکون أمام علاقة ثلاثیة الابعاد. یمثل البعد الأول الدولة المضیفة للاستثمار التی تسعى لتحقیق التنمیة، والطرف الثانی هو دولة الجنسیة ای جنسیة المستثمر الاجنبی التی فی الغالب لا ترغب أن تتدخل کطرف فی النزاع مع الدولة المضیفة حفاظاً على علاقاتها الدولیة فضلاً عن أن الدول ترفض أن تمس سیادتها أو أن یتم إرغامها على الامتثال لقانون معین او حکم قضائی، أما الطرف الثالث فی هذه العلاقة فهو المستثمر الاجنبی وهو من جهة لا یستطیع ارغام دولته على الدفاع عنه عندما تتعرض مصالحه فی الدولة المضیفة للضرر، و فی ذات الوقت لا یستطیع أن یقاضی تلک الدولة أمام القضاء الدولی بسبب طبیعة شخصیته القانونیة على المستوى الدولی. وعلى هذا الأساس تم انشاء المرکز لیکون الحکم فی هذه العلاقة المعقدة بإبعادها الثلاث باعتباره هیئة تحکیمیة دولیة وفقاً للشروط والقواعد التی حددتها اتفاقیة واشنطن لسنة 1965، والتی منحت حیزاً مهما للمستثمر الاجنبی فی الاحتکام الى المرکز مباشرة وفق شروط ومعاییر لا بد من استیفاءها سواء على مستوى الشکل والموضوع[1]، وهذه جزء مما سیوضحه هذا المطلب فی فروعه تباعاً. إن التحکیم فی منازعات الاستثمار تعترضه مشکلات قانونیة تختلف عن المنازعات الدولیة الأخرى وذلک بسبب عدم التکافؤ بین اطراف هذا النوع من المنازاعات. حیث أن الغرض الرئیسی من انشاء المرکز هو تسویة المنازعات المتعلقة بالاستثمارات، التی تقوم بین الدول المتعاقدة من ناحیة ورعایا الدول المتعاقدة الأخرى من ناحیة ثانیة عن طریق التحکیم و التوفیق[2]. ومن خلال تجزئة هذه العلاقة یمکن تفصیل احکام اطراف النزاع على ضوء احکام اتفاقیة واشنطن من جهة وما افرزته التجربة التطبیقیة للمرکز التی انتجت سوابق قضائیة بهذا الجانب من جهة أخرى، فی الفرعین التالیین: الفرع الأول الدولة المضیفة لقد اشترطت اتفاقیة واشنطن، حسب نسختها الرسمیة باللغة الإنکلیزیة، لسریان اختصاص المرکز أن یکون احد اطراف النزاع دولة متعاقدة أو أی قسم أو وکالة تابعة لدولة متعاقدة تسمیها تلک الدولة للمرکز[3]. وفیما یتعلق الامر بالدولة المضیفة، فإنها تخضع لمبدأ نسبیة أثر المعاهدات وبالتالی لا یمکن أن تسری أحکام هذه الاتفاقیة على أیة دولة لم تنضم الیها وفقاً للآلیة التی حددتها. وقد حددت هذه الاتفاقیة اجراءات الانضمام اللاحق فی المادة 68 منها والتی اعتبرتها نافذة تجاه کل دولة بمضی ثلاثین یوماً من إیداع صک التصدیق أو القبول أو الموافقة[4]. فی حین أشارت دیباجة الاتفاقیة إلى أنه لا یجوز لأی دولة متعاقدة بحکم تصدیقها أو قبولها أو موافقتها على هذه الاتفاقیة ودون موافقتها أن تخضع لأی التزام بتقدیم أی نزاع معین إلى التوفیق أو التحکیم أمام المرکز. وعلى الرغم من أننا سنناقش موضوع الموافقة فی موضع لاحق من البحث، إلا أنه وقدر تعلق الأمر بالجزئیة التی نناقشها فی هذا الموضع قد یبدو أن ثمة تناقض بین نص المادة 68 المشار إلیه أعلاه ودیباجة الاتفاقیة. ولکن من خلال الجمع بین نص هذه المادة وما تضمنته الدیباجة، یمکن الخروج بنتیجة مفادها أن شرط الانضمام هو شرط ابتدائی لا بد من توافره کی یمکن للدولة أن تکون طرفاً فی ای نزاع استثماری أمام المرکز، ولکنه لا یعنی بکل الاحوال مصادرة حق الدولة فی قبول او رفض اللجوء إلى التحکیم. تجدر الإشارة فی هذا الصدد إلى أن الاتجاه التحکیمی للمرکز بعد قضیة هولیدای ضد المغرب کدولة مضیفة (Holiday Inns S.A. and others v. Morocco) فی دیسمبر1971 قد تغیر بعض الشیء. حیث تعود أصول القضیة إلى تلکأ ومن ثم رفض حکومة المغرب من دفع مستحقات الشرکة السویسریة، هولیدای إنز إس إیه، جلاروس (جلاروس)، والشرکة الأمریکیة أوکسیدنتال بترولیوم کوربوریشن والناتجة عن العقد الموقع فی 5 دسیمبر 1966بین الشرکتین مع الحکومة المغربیة لبناء وتشغیل أربعة فنادق هولیدای إنز. وقد دفعت الحکومة المغربیة بجملة دفوعات من بینها أنه على الرغم من موافقتها الخطیة على التحکیم مع شرکة جلاروس، فإن هناک عاملین یبطلان هذا الاتفاق، الأول أن سویسرا لم تکن طرفاً فی الاتفاقیة فی تاریخ التوقیع على الاتفاقیة الأساسیة (العقد) فی 5 دیسمبر 1966 ؛ والثانی لم تکن شرکة جلاروس موجودة بشکل قانونی فی تاریخ التوقیع حیث تم تأسیسها فی 1 فبرایر1972[5]. وقد رفضت المحکمة دفع المغرب هذا واعتبرت أن اللحظة الحاسمة لتقییم هذا الشرط هی تاریخ طلب التحکیم ولیس تاریخ موافقة الأطراف. وتماشیاً مع اتجاه المرکز هذا فقد لجأت الأطراف إلى إدراج مضمون هذا الحکم فی العدید من معاهدات الاستثمار الثنائیة بحیث یمکن للمستثمرین تقدیم خلافاتهم إلى المرکز إذا صادقت أی من الدولتین على الاتفاقیة مستقبلاً[6]. ومع ذلک فقد واجهت المرکز تحدیات عملیة لم یکن استیعابها بالاستناد إلى احکام الاتفاقیة ممکناً، ومن بینها وجود إحدى الدول الاطراف فی النزاع سواء دولة جنسیة المستثمر أو الدولة المضیفة لیست طرفاً فی الاتفاقیة. وفی هذا السیاق فقد اعتمد مجلس إدارة المرکز قواعد التسهیلات الاضافیة للمرکز والتی عدلت لمرتین[7]. وقد کان الهدف من اعتمادها هو توسیع ولایة المرکز لیشمل حالات لا تنطبق علیها شروط اتفاقیة واشنطن ومنها الحالة مدار البحث[8]. ومن الأسباب التی دفعت المرکز لإقرار هذه القواعد هو ایجاد حلول للخلافات التی نشأت بین المستثمرین والدول ضمن سیاق اتفاقیة التجارة الحرة لأمریکا الشمالیة[9]، حیث لم تکن آنذاک لا المکسیک ولا کندا أطرافاً فی اتفاقیة واشنطن[10]. وبالتالی أصبح من الممکن أن تحتکم الاطراف إلى المرکز وان لم تکن أعضاء فی اتفاقیة واشنطن بشرط ان تعلن عن رغبتها بذلک وفقاً للطریقة التی سنبینها لاحقاً. ومن جهة أخرى فإن اتفاقیة واشنطن لم تحدد المقصود بالقسم الفرعی أو الوکالة التابعة للدول الطرف، الامر الذی فتح باب الاجتهاد الفقهی. وقد اعتمدت فی هذا السیاق جملة من المعاییر الفقهیة لتمییز فیما اذا کان تصرف الوکالة أو القسم یعد امتداداً لتصرف الدولة وبذلک فهو یخضع لاختصاص المرکز أو انه لا یعد کذلک، وبالتالی فهو یخضع للقانون الداخلی لتلک الدولة. ومنها اعتماد معیار الشخصیة القانونیة المستقلة، أو معیار التصرف محل المنازعة فیما اذا کان من تصرفات القانون الخاص أم العام، فضلاً عن المعیار الذی یعتمد على غایة وهدف المشروع، ومعیار الصفة التی یتعامل بها القسم أو الوکالة کممثل للدولة من عدمها وأخیراً معیار التبعیة الذی یستدل علیه من خلال القانون الاساسی المنشئ للجهاز ورأس ماله وطریقة إداراته وطبیعة نشاط القسم أو الوکالة فیما اذا کانت تصرفاته وفقاً لتوجیهات الدولة ولحسابها[11]. وبصرف النظر عن تلک المعاییر فقد حددت اتفاقیة واشنطن شروطاً کی یمکن أن یکون القسم أو الوکالة التابعة للدولة المتعاقدة طرفاً أمام المرکز فی منازعات الاستثمار، وهی أن یکون القسم أو الوکالة تابعة للدولة المتعاقدة، ,ان یتم تعیینه من قبل هذه الدولة لیکون طرفاً فی المنازعة أم المرکز وأخیراً أن یلتقی رضا هذا القسم أو هذه الوکالة باللجوء إلى تحکیم المرکز، مع قبول الدولة إلا إذا أعلنت هذه الأخیرة للمرکز عدم وجود حاجة إلى قبول مسبق منها.[12] الفرع الثانی المستثمر الأجنبی إن اختصاص المرکز لا یشمل المنازاعات التی تنشأ بین الدول، بل أن المادة 25 من اتفاقیة واشنطن اشترطت ان یکون النزاع بین دولة متعاقدة ومستثمر یحمل جنسیة دولة متعاقدة أخرى. وقد حددت هذه المادة نوع المستثمر الاجنبی أما أن یکون شخصاً طبیعیاً أو شخصاً معنویاً. وفیما یتعلق بالشخص الطبیعی لابد أن یستوفی شرطین، الأول إیجابی یتمثل فی أن یکون من مواطنی دولة متعاقدة، والشرط الثانی سلبی یکمن فی أن لا یکون من مواطنی الدولة المضیفة. وقد قضت اتفاقیة واشنطن أنه یجب أن یجتمع هذان الشرطان فی تاریخ إعطاء الأطراف موافقتهم على طرح النزاع أمام المرکز، وکذلک فی تاریخ تسجیل طلب التحکیم من قبل السکرتیر العام[13]. وبهذا المعنى یتم استبعاد الشخص الطبیعی مزدوج الجنسیة الذی یحمل جنسیة دولة متعاقدة ولکن لدیه أیضا جنسیة الدولة المضیفة فی وقت الموافقة أو فی وقت تسجیل الطلب[14]. أما الشخص المعنوی فبموجب المادة 25 (2) ( ب) من اتفاقیة واشنطن لابد أن یستوفی أحد هذین الشرطین: فأما أن یکون له جنسیة دولة متعاقدة بخلاف الدولة الطرف فی النزاع فی الوقت الذی یمنح فیه الطرفان موافقتهما على اختصاص المرکز، أو إذا کان یحمل جنسیة الدولة الطرف فی النزاع، فیجب أن یکون الطرفان قد أتفقا على منحه صفة مواطن لدولة متعاقدة أخرى، لأغراض تطبیق الاتفاقیة، بحیث یکون خاضع لسیطرة أجنبیة[15]. ولعل مسألة تحدید جنسیة الشخص الاعتباری تعد اکثر تعقیداً عنها فی الشخص الطبیعی حیث لم تحدد الاتفاقیة معیاراً لجنسیة الشخص الاعتباری لأغراض شموله باختصاص المرکز. فی القانون الدولی، ومع ذلک، یتم الاعتراف بثلاثة معاییر تستخدم لأغراض مختلفة وفی سیاقات مختلفة لتحدید جنسیة الشخص الاعتباری: مکان التأسیس، ومکان المقر ومعیار الرقابة أو السیطرة. أن معیار مکان الـتأسیس تم تطبیقه بشکل رئیسی من قبل الدول التی تتبع القانون العام(Common Law) ، فی حین تم اعتماد معیار مکان المقر من قبل الدول التی تتبع القانون القاری. أما معیار السیطرة فهو یعد حدیثاً نسبیاً وقد تم استخدامه لغرض الإشراف على الاستثمار الأجنبی منذ الحرب العالمیة الثانیة من قبل الدول المتقدمة[16]. ومن خلال بعض الدراسات الاستقصائیة للقضایا المطروحة أمام المرکز للتحکیم خلصت بنتیجة مفادها أنه تم الاعتماد على معیار بلد التأسیس أو المقر عندما یکون الشخص الاعتباری یحمل جنسیة دولة متعاقدة غیر الدولة الطرف فی النزاع أما معیار الرقابة أو السیطرة فیعتمد فی حالة کون الشخص المعنوی یحمل جنسیة الدولة المضیفة[17]. فعلى سبیل المثال فی قضیة شرکة ماین ضد غینیا Mine vs. Guinea، لم تکن قضیة اختصاص المرکز محل نقاش ولم تبت هیئة التحکیم فی هذا الموضوع أصلاً، وواصلت الإجراءات وأصدرت حکمها. وقد نشأت المنازعة على خلفیة اتفاقیة الاستثمار المبرمة بین شرکة مسجلة فی لیختنشتاین وبین دولة غینیا. وقد کان المساهمون الذین یسیطرون على الکیان القانونی مواطنین سویسریین وتضمن الاتفاق شرطًا لتقدیمه إلى المرکز الذی أقر أن الطرفین وافقا على التعامل مع شرکة ماین کمواطن من سویسرا. مع العلم أن ولیختنشتاین لیست طرفاً فی الاتفاقیة بینما کانت سویسرا کذلک[18]. أما فی قضیة شرکة توکیو توکالس ضد أوکرانیاTokios Tokeles Vs. Ucrania))، فقد رفضت محکمة التحکیم بالأغلبیة معیار الرقابة الذی تدعیه أوکرانیا فیما یتعلق بشرکة مسجلة فی لیتوانیا. زعمت أوکرانیا أن 99٪ من المساهمین فی Tokios Tokeles کانوا من الأوکرانیین وکذلک ثلثی مدیریها، وأن الشرکة لم تحتفظ بأعمال جوهریة فی لیتوانیا وبالتالی لم تکن مستثمرة لیتوانیة فی أوکرانیا. اعتمدت المحکمة فی رفضها على معاهدة الاستثمار الثنائیة بین أوکرانیا ولیتوانیا التی حددت مصطلح "المستثمر" فیما یتعلق بلتوانیا، والذی یعنی أی کیان تم تأسیسه فی أراضی لیتوانیا وفقًا لقوانینها وأنظمتها. وذکرت المحکمة أن معیار الرقابة والسیطرة لا ینطبق على الحالة لأنها لم تکن شرکة أوکرانیة، ولم یکن هناک اتفاق بین الطرفین على معاملتها کمواطن لدولة أخرى بخلاف وثیقة تأسیها[19]. أما فیما یتعلق بالافتراض الثانی المتعلق بمنح الشخص الاعتباری صفة مواطن لدولة متعاقدة أخرى، فینبغی ألا یغیب عن البال أن موافقة الأطراف على إسناد جنسیة دولة متعاقدة أخرى إلى شخص قانونی یحمل جنسیة الدولة الطرف فی النزاع، قد تکون "صریحة" أو " ضمنیة". وقد اختلفت معاییر هیئات التحکیم لقبول الموافقة الضمنیة. ففی قضیة هولیدایز إن ضد المغرب، وعلى الرغم من أن المغرب طالب بإدراج الشرکات فی أراضیه ومعاملتها کشرکات أجنبیة فی العدید من المناسبات ذات الصلة وهو ما یمکن فهمه ضمناً أن نهجاً للمغرب فی الحالات الممثالة، إلا أن هیئة التحکیم لم تعتمد هذه الممارسات دلیلاً لاقرار الموافقة الضمنیة. أما فی قضایا أیس أمکو ضد اندونیسیا وقضیة لکتو ضد لیبیربا s Amco vs. Indonesia, Letco vs. Liberia، فقد اعتمدت المحکمة الموافقة الضمنیة والتی استنتجتها من سلوک الأطراف ومن معرفة الدولة بالسیطرة الأجنبیة مقترنة بالموافقة على الخضوع للتحکیم فی المرکز المعبر عنه فی بند من الاتفاق[20]. المطلب الثانی الاختصاص الموضوعی للمرکز لقد نصت الفقرة الأولى من المادة 25 من اتفاقیة واشنطن على "یمتد اختصاص المرکز الى المنازعات ذات الطابع القانونی التی تنشا بین دولة متعاقدة واحد رعایا دولة اخرى متعاقدة والتی تتصل اتصالا مباشرا بأحد الاستثمارات ...". وعلیه فإن الاختصاص الموضوعی للمرکز یتمحور حول موضوعین أولهما وجود نزاع قانونی والثانی أن یکون منشأ هذا النزاع وسببه الاستثمار. ورغم ذلک فإن الاتفاقیة لم تتضمن تعریفاً مانعاً وجامعاً لکل منهما ویکمن هذا الموقف فی الرغبة فی منح المرونة من جهة وکذلک عدم حصول اتفاق الدول المتعاقدة على التعاریف من جهة أخرى[21]. وقد کان لهذا الموقف ایجابیاته وسلبیاته، وهذا ما سنعکف على توضیحه سواء على مستوى النص القانونی أو على مستوى ما افرزه الواقع العملی على ضوء سوابق المرکز التحکیمیة، فی الفرعین الآتیین، یرکز الأول على مفهوم النزاع، أما الثانی فیدرس مفهوم الاستثمار. الفرع الأول مفهوم النزاع القانونی فی سیاق العمل التحکیمی للمرکز کما أشرنا أعلاه فإن الاتفاقیة لم تتضمن تعریفاً لماهیة النزاع القانونی، إلا ان الآراء فی الاعمال التحضیریة فضلاً عن ایضاحات المدراء التنفیذیین قد أوضحت المقصود بالنزاع القانونی. ففی المسودة الأولى للاتفاقیة تم صیاغة قواعد لحل کافة المنازعات دون الاقتصار على منازعات الاستثمار. وقد أکدت العدید من الوفود فی الاجتماعات الأولیة إلى ضرورة تقیید ذلک الاطلاق، مما أدى إلى أضافة عبارة "ذات طابع قانونی" لتوضیح أن المنازعات التجاریة والسیاسیة ستبقى خارج اختصاص المرکز. وقد تم اضافة قید أخر إلى المسودة الأولى وهو "الناشئة مباشرة عن الاستثمار"[22]. وبعد سلسلة من المفاوضات تم صیاغة المادة لتنص على " نزاع قانونی" . حیث رأى واضعو الاتفاقیة أن عبارة نزاع ذو طبیعة قانونیة، تؤدی إلى التمییز بین نزاع ذی طبیعة قانونیة، ونزاع ذی طبیعة سیاسیة، اقتصادیة، وحتى تجاریة، ومنعا لهذا التمییز تم اعتماد عبارة "أی نزاع قانونی" فی الصیاغة الاخیرة لنص الاتفاقیة[23]. وعلى الرغم من هذه التعدیلات فقد بقى مفهوم النزاع القانونی غیر محدد فی الاتفاقیة وهو ما دفع المدراء التنفیذیین إلى التوضیح. فقد ذهبوا إلى أن المقصود بالنزاع القانونی هو النزاع على الحقوق القانونیة ولیس تضارب المصالح، وقد أورد المستشار القانونی الأول للبنک الدولی، أمثلة على ذلک مثل المنازعات الناشئة عن انتهاک أحکام التثبیت، وتفسیر الاتفاقیة، وتفسیر التشریعات ذات الصلة[24]. وتقتضی الإشارة إلى أن اتجاهات المدراء التنفیذیین فی تحدید معنى النزاع القانونی متأتیة من القلق الذی تم التعبیر عنه أثناء صیاغة الاتفاقیة من دول معینة حول استخدام المرکز کأداة تسلطیة لحل الخلافات المستقبلیة بین الأطراف والتی قد تتشکل خارج سیاق الادوات القانونیة التی وافقوا علیها. فعلى على سبیل المثال، عند انتهاء عقد الامتیاز، لا یمکن استخدام تسهیلات المرکز لمساعدة الطرفین فی التفاوض على اتفاقیة جدیدة. وفی کل الأحوال یجب أن یُفهم بوضوح أن قصر اختصاص المرکز على المنازعات "القانونیة" لا یستبعد المسائل الواقعیة البحتة، طالما کانت تتعلق بحق أو التزام قانونی. وبالتالی فإن اختصاص المرکز قد یشمل مسألة تحدید کمیة النفط المستخرجة من البئر، إذا کانت المدفوعات بین الحکومة المضیفة والمستثمر الأجنبی تعتمد على هذا التحدید[25]. الفرع الثانی مفهوم الاستثمار فی سیاق العمل التحکیمی للمرکز على الرغم من المحاولات التی بذلت خلال الاعمال التحضیریة لوضع تعریف محدد للاستثمار إلا أنها باءت بالفشل، إذ لم یحصل إجماع على ذلک. کما أن تقریر المدراء التنفیذیین جاء لیؤکد أنه لیس هناک ضرورة فنیة من تعریف الاستثمار تعریفاً مقیداً حیث أن الاتفاقیة منحت الأطراف حریة تحدید فئات معینة من المنازعات کی تستبعدها من ولایة المرکز[26]. إذ نصت الفقرة الرابعة من المادة 25 من اتفاقیة واشنطن على " تستطیع کل دولة متعاقدة، عند تصدیقها أو انضمامها إلى هذه الاتفاقیة أو فی أی وقت لاحق، أن تبلغ المرکز بنوع أو أنواع المنازعات التی تقدر أنه یمکنها أو لا یمکنها طرحها على المرکز لتسویتها بالتوفیق أو التحکیم ..". وعلى هذا الأساس استبعدت السعودیة المنازعات المتعلقة بالنفط والأعمال السیادیة من اختصاص المرکز واستبعدت جامایکا نزاعات الاستثمار المتعلقة بالموارد الطبیعیة، فی حین حددت دول أخرى المنازعات التی تدخل ضمن اختصاص المرکز مثل غینیا التی حصرته فی النزاعات المتعلقة بالقضایا الجوهریة للاستثمار ذاته، أما ترکیا فقصرته على المنازعات الاستثماریة التی تم المصادقة علیها من قبل ترکیا شرط أن لا تتعلق بالأرض[27]. ولا بد من الاشارة إلى أن إغفال ایراد تعریف للاستثمار کان مقصوداً وذلک بسبب تنوع المعاملات بین المستثمرین من القطاع الخاص والهیئات العامة الأجنبیة بحیث لا یمکن لأی تعریف أن یغطیها جمیعًا. ویمکن من خلال ما تقدم القول أن المعاملات التجاریة العادیة، مثل بیع البضائع، مستبعدة بشکل واضح وما عداها ترک للهیئات التحکیمیة لتحدید مدى اختصاص المرکز من عدمه. وأخیراً لا بد من الاشارة إلى أن عدم ایراد تعریف على وجه الدقة یمکن أن یعد ایجابیاً من عدة جوانب فهو یفسح المجال للأطراف المتعاقدة فی المبادرة على تضمین تعریف لما یعتبرونه استثماراً من جهة، ومن جهة ثانیة فهو یسایر التغییر الکبیر والمتوقع فی النشاطات الاستثماریة مما یدعم عمل المرکز فی قبول ما قد یستجد من مفاهیم طارئة على الاستثمار[28]. وبالفعل فقد ردت محکمة التحکیم التابعة للمرکز، فی قضیة أمکو آسیا ضد إندونیسیا، الدفع الذی تقدمت به الحکومة الإندونیسیة الذی تضمن أن لجنة التحکیم تختص بنظر المنازعات القانونیة الناشئة عن الاستثمار مباشرة ولا تختص بنظر دعوى الخطأ. حیث سبق وأن اصدرت حکمها لصالح الشرکة الأمریکیة، وألزمت الحکومة الإندونیسیة بدفع تعویض للشرکة الأمریکیة على خلفیة قیام الحکومة الإندونیسیة باحتلال الفندق وطرد الموظفین التابعین للشرکة. وقد اعتبرت المحکمة أن أفعال الشرطة والجیش الإندونیسین ما هی إلا انتهاک لتعهدات الدولة الإندونیسیة التی قدمتها للمستثمرین الأجانب فی قانون حمایة الاستثمارات الإندونیسی، وأن هذه الأفعال هی جزء من النزاع بین شرکة أمکو ودولة إندونیسیا والتی تدخل ضمن اختصاص المرکز[29]. بعبارة أخرى فأن هذا الحکم وسع اختصاص المرکز لیشمل أی نزاع من شانه أن یؤثر فی الاستثمار سواء تعلق بالتنفیذ أو انفاذ شروط الاستثمار.
المطلب الثالث دور إرادة الأطراف فی انعقاد الاختصاص التحکیمی للمرکز لقد اعتبرت اتفاقیة واشنطن و تقریر المدراء العامیین أن رضا الاطراف باللجوء الى المرکز لتحکیمه هو حجر الزاویة لاختصاصه، حیث تعتبر عدم موافقة الاطراف على التحکیم شرطاً مانعاً من انعقاد اختصاصه[30]. تسایر موافقة الاطراف بهذا المعنى من حیث المبدأ الصفة العامة لعملیة التحکیم التی تقوم على عنصر الاختیار، إلا ان اتفاقیة واشنطن وما نجم عنها من ممارسات تحکیمیة من قبل المرکز ربما اضفت على هذه العملیة ثوباً جدیداً ومختلفاً سواء من حیث طریقة التعبیر عن هذه الموافقة وصیغها ( الفرع الأول) أو من حیث الآثار المترتبة علیها (الفرع الثانی). الفرع الأول صیغ انعقاد الموافقة على تحکیم المرکز لم تقدم اتفاقیة واشنطن أیة شروط شکلیة أو موضوعیة حول موافقة الاطراف للجوء إلى المرکز لغرض تحکیمه فی النزاع الذی یثار بینهم أو طریقة التعبیر عنها سوى أن تکون مکتوبة. ومن خلال تتبع مسیرة المرکز فی التحکیم یمکن تسجیل طریقتین اعتمدهما المرکز لاعتبار موافقة الأطراف. فالطریقة الأولى والتی اعتمدها فی بدایات عمله اقتصرت على أن تکون موافقة الأطراف قد تمت فی ذات عقد أو اتفاقیة الاستثمار، بمعنى أن الایجاب والقبول فی ذات الوثیقة وهو ما یمکن أن یطلق علیه التحکیم بسند اتفاقی أو باتفاقیة تحکیم . أما الطریقة الثانیة والتی یطلق علیها طریقة العرض أو الایجاب المفتوح والتی یمکن تعریفها بانها الطریقة التی تعبر بها الدولة المضیفة عن موافقتها باللجوء إلى التحکیم بوثیقة ویصادف قبول المستثمر على هذه الموافقة بوثیقة منفصلة. وقد تم اللجوء إلى هذه الطریقة بعد عام 1984 والتی تعد من اجتهادات الفقه القضائی للمرکز، وقد اعتبرها البعض توسعاً عمودیاً من قبل المرکز لاختصاصه وهی قد تقترب حسب وجهة النظر الاخیرة من فکرة التحکیم الالزامی ویطلقون علیها التحکیم دون سند اتفاقی[31]. ونعتقد أن هذا الرأی قد جانب الصواب بذهابه إلى أن اعتماد هذه الطریقة قد صادر دور إرادة الاطراف وغایة ما فی الأمر أنه بعد توسع نشاطات الاستثمار وتزاید اهتمام الدول بتقنین هذا القطاع فقد زادت التشریعات الداخلیة والاتفاقیات الدولیة سواء الثنائیة أم متعددة الأطراف الأمر الذی دفع الفقه القضائی إلى إعادة النظر والذهاب إلى عدم اشتراط اقتران موافقة الأطراف فی ذات المستند، وهو اتجاه لا یخالف مضمون ولا منطوق اتفاقیة واشنطن التی لم تشترط سوى ان تکون الموافقة مکتوبة. ویمکن أن یستدل على العرض أو الایجاب المفتوح من قبل الدولة المضیفة للاستثمار أما عن طریق مسلک التشریع الدولی أو مسلک التشریع الوطنی. ففی المسلک الأول یستدل على مواقف الدولة المضیفة للاستثمار من خلال المعاهدات والاتفاقیات الطرف فیها والتی تتضمن موافقتها على تحکیم المرکز. تکون هذه الموافقة بإحالة النزاعات المستقبلیة إلى المرکز دون شرط، او موافقة مشروطة على طلب المستثمر، أو من خلال النص على أن المنازعات بین المستثمر والدولة المضیفة ستحال إلى المرکز بموافقة الأطراف[32]. وتعد أولى سوابق المرکز التحکیمیة التی استندت إلى وجود نص فی اتفاقیة استثمار هو الحکم الصادر فی النزاع بین شرکة أسیا للمنتوجات الزراعیة المحدودة و سیرلانکا على خلفیة الاضرار التی تعرضت لها الشرکة التی کانت مستأجرة من قبل بریطانیا آنذاک جراء العملیات العسکریة التی قامت القوات السریلانکیة ضد المتمردین. على الرغم من عدم إبرام أی اتفاق تحکیم بین المستثمر ودولة سریلانکا، فقد انتهت هیئة التحکیم إلى قبول اختصاصها بنظر النزاع استناداً إلى الفقرة الأولى من المادة 8 من الاتفاقیة الثنائیة المبرمة بین المملکة المتحدة وسریلانکا سنة 1980 والتی نصت على أن "لکل دولة متعاقدة الموافقة على إحالة أی نزاع قانونی ینشأ بین أی طرف متعاقد ورعایا أو شرکة تابعة للطرف المتعاقد الآخر بشأن استثمار الأخیر فی إقلیم الأول إلى التحکیم وفقا لقواعد المرکز[33]". أما فی المسلک الثانی فیستدل على موافقة الدولة المضیفة من خلال تشریعاتها الداخلیة التی تتضمن الاشارة الى ارتضائها بتحکیم المرکز.وتعد قضیة شرکة ممتلکات جنوب المحیط الهادئ المحدودة ضد مصر عام 1984 أول قضیة تم توسیع مفهوم موافقة الاطراف بالاعتماد على ما ورد فی تشریعات وطنیة. حیث قضت هیئة التحکیم باعتماد موافقة مصر من خلال المادة الثامنة من قانون الاستثمار المصری رقم 43 لسنة 1974، مشیرة إلى أن هذه المادة حددت تسلسلًا إلزامیًا وهرمیًا لتطبیق وسائل حل النزاع، من بینها اللجوء إلى المرکز. وعلى هذا الاساس اعتبرت المحکمة أن ذلک یشکل تعبیراً واضحاً عن الموافقة المکتوبة وفقًا لأحکام المادة 25 (1) من اتفاقیة واشنطن، فی الحالات التی لم تکن هناک طرق أخرى یتفق علیها الطرفان أو لم تکن هناک معاهدة ثنائیة ساریة.[34] وان کانت المحکمة قد استنبطت الموافقة من القانون المصری فأن بعض قوانین الدول أشارت بشکل صریح على ذلک، على سبیل المثال، تنص المادة 8 (2) من قانون الاستثمار الأجنبی الألبانی لعام 1993 على أنه یجوز للمستثمر الأجنبی طلب التحکیم قبل المرکز، معلنًا أن جمهوریة ألبانیا تعبر عن موافقتها من خلال القانون. کما یوجد أحکام مماثلة منصوص علیها فی قوانین الکامیرون وکازاخستان والصومال وغیرها من الدول[35]. وبعد ما ذکر من سوابق سواء بالاعتماد على التشریعات الوطنیة أو الدولیة أصبحت اغلب القضایا التی تثار أمام المرکز تعتمد طریقة العرض المفتوح . وأخیراً لا بد من الاشارة إلى أنه ومتى ما تم التعبیر عن موافقة الدولة المضیفة سواء من خلال المسلک الدولی أو الوطنی فیکفی لانعقادها أن یقوم المستثمر بالموافقة کتابة على عرض الدولة المضیفة قبل تقدیم طلب التحکیم ویمکن أن تکون موافقته مقترنة بالطلب ذاته بصرف النظر عن ما إذا کانت موافقته قبل او بعد نشوء النزاع[36]. الفرع الثانی الآثار المترتبة على انعقاد الموافقة متى ما انعقدت الموافقة بأیة طریقة من الطرق المشار الیها أعلاه فیترتب على ذلک الأمر ثلاثة نتائج، اثنان منهما مباشرة على هذا الانعقاد أما الثالثة فتترتب على الحکم الذی یصدره المرکز استناداً إلى هذه الموافقة. النتیجة الأولى، أنه متى ما تم التعبیر عن الموافقة بشکل مکتوب فلا یمکن الرجوع عنها أو الغاؤها من جانب أحد الأطراف حسب ما اشارت الیه المادة 25 من اتفاقیة واشنطن فی فقرتها الاولى. وفی هذا السیاق فقد رفضت هیئة التحکیم موقف جامیکا فی قضیة ألوکا ضد جامایکا، حیث أدعت أن المرکز لیس له ولایة قضائیة فی هذه القضیة لانها قبل طلب التحکیم کانت قد أخطرته استناداً إلى الفقرة الرابعة من المادة 25 بأن النزاعات بشأن استغلال الموارد الطبیعیة لا تخضع للاختصاص المرکز التحکیمی. وقد رفضت المحکمة هذا الادعاء و ذکرت أن الإخطار سیکون ساریاً فیما یتعلق بالالتزامات المستقبلیة فقط وأنه فی هذه الحالة کان بعد عقد الاستثمار الذی تضمن بند التحکیم الخاص بتقدیمه إلى المرکز وبالتالی لا یمکن للدولة إلغاء موافقتها من جانب واحد[37]. أما النتیجة الثانیة المترتبة على انعقاد الموافقة فهی استبعاد أیة طریقة أخرى للتحکیم وحصره بالمرکز ما لم ینص على خلاف ذلک کأن یشار إلى ضرورة استنفاذ طرق التسویة الوطنیة الإدرایة والقضائیة[38] . والنتیجة الثالثة المترتبة على صدور القرار التحکیمی بعد استنفاده شرط الموافقة وبقیة الشروط فأن هذا القرار، على خلاف القرارات التی تصدر من المراکز التحکیمیة الدولیة الأخرى له الحصانة المطلقة من الطعن به أمام ایة جهة قضائیة وطنیة، و لا یمکن أن یخضع لمبدأ الطعن بالإبطال إلا أمام المرکز[39]. المبحث الثانی شرط الدولة الأولى بالرعایة فی إطار عمل المرکز لم یتمکن المجتمع الدولی من التوصل إلى ابرام معاهدة دولیة متعددة الأطراف متعلقة بالاستثمار الدولی على غرار ما تم التوصل الیه فی مجال التجارة الدولیة والاعفاءات الکمرکیة. ولهذا اتجهت الدول وخصوصاً فی تسعینیات القرن المنصرم إلى إبرام اتفاقیات الاستثمار الثنائیة. وعلى الرغم من تعدد هذا النوع من الاتفاقیات واختلافها فی بعض التفاصیل إلا انها تعد نمطیة ذات نمط موحد من حیث الأصل. فقد انطوت اغلبها على محاور ثابتة وان اختلفت الصیغ والعبارات. ومن بین جملة أمور ومسائل کانت محل إجماع للاتفاقیات الثنائیة تضمنها لشرط الدولة الاولى بالرعایة والاشارة إلى التحکیم کوسیلة لفض المنازعات التی قد تنشأ بین أطرافها. وقد خصت بعضها المرکز کمرجعیة تحکیمیة. ولهذا سیرکز هذا المبحث دراسة تحکیم المرکز لهذا الشرط فی مطالب ثلاث، یدرس الأول المفهوم والطبیعة القانونیة لشرط الدولة الاولى فی الرعایة فی إطار اتفاقیات الاستثمار الثنائیة، ویرکز الثانی ماهیة الاحتجاج بهذا الشرط أمام المرکز، ومن ثم فی المطلب الثالث سیتم دراسة وتحلیل نطاق الشرط فی سیاق عمل المرکز التحکیمی. المطلب الأول شرط الدولة الأولى بالرعایة فی اطار اتفاقیات الاستثمار الثنائیة لا یمکن اعتبار توظیف شرط الدولی الاولى بالرعایة أمراً مستحدثاً، اذ تعود بواکیر استخدامه إلى القرن الثانی عشر[40]، وقد تواتر استخدامه خلال القرنیین السابع والثامن عشر فی المعاهدات الثنائیة للتجارة والصداقة والملاحة[41]. وما یمکن قوله إزاء هذه المحاولات المبکرة أنها کانت تعتمد استخدام الشرط المشروط وهو ما یعنی أن المزایا التی تمنحها دولة معینة تعتمد على منح ذات الامتیازات التی قدمتها الدولة المستفیدة. أما بعد الحرب العالمیة الثانیة فقد تم إعادة تکریس استخدام الشرط غیر المشروط فی سیاق میثاق هافانا الذی بدأ التفاوض علیه فی عام 1946. وحیث أن هذا المیثاق لم یدخل حیز التنفیذ مطلقاً، فقد تم تکریس النهج غیر المشروط لشرط الدولة الأولى بالرعایة فی اتفاقیة فی الغات لسنة 1947 ومن حینها أصبح الشرط غیر المشروط رکیزة نظام تجاری متعدد الأطراف[42]. ولم یعد استخدام هذا الشرط فی نطاق اتفاقیات منظمة التجارة العالمیة محصوراً فی میدان تجارة السلع بل امتد إلى مجالات تجارة الخدمات والجوانب المتعلقة بالتجارة من حقوق الملکیة الفکریة. لقد أدرکت لجنة القانون الدولی الاهمیة المتصاعدة لهذا الشرط فی سیاق الاتفاقیات التجاریة والاستثماریة فحاولت تقنین وتطویر استخدامه فی الأحکام الواردة فی المعاهدات بین الدول من خلال اعتماد مسودة مشاریع مواد بشأن شرط الدولة الأولى بالرعایة فی عام 1978. وقد حاول هذا المشروع استکشاف جملة أمور من بینها المسائل المتعلقة بالتعاریف ونطاق التطبیق، والآثار الناجمة عن الصیغة المشروطة أو غیر المشروطة ...الخ. وقد کان مسعى اللجنة هذا یروم التوصل إلى اتفاقیة متعددة الأطراف فی هذا الشأن، إلا ان جهودها تلک لم تثمر عن التوصل إلى مثل هذه الاتفاقیة لعدم اتفاق اعضاء المجتمع الدولی على ابرامها، ولهذا اتخذت الجمعیة العمومیة قراراً بتوجیه نظر الدول الأعضاء والمنظمات الدولیة الحکومیة إلى شرط الدولة الأولى بالرعایة بالطریقة التی اعتمدتها اللجنة کی تأخذه بنظر الاعتبار بالقدر الذی تراه مناسباً[43]. وعلى الرغم من عدم تحویل مشروع المواد إلى اتفاقیة متعددة الاطراف إلا ان شرط الدولة الأولى بالرعایة تحول إلى حجر زاویة فی العدید من الاتفاقیات فی منظمة التجارة العالمیة وتم استخدامه فی عدد لا یحصر من اتفاقیات الاستثمار الثنائیة، وعد مشروع المواد بالإضافة إلى ما تضمنته اتفاقیة الغات مرجعاً مفاهیماً سواء على المستوى الفقهی او التحکیمی لتحدید مفهوم وطبیعة هذا الشرط الذی یرد فی اتفاقیات الاستثمار الثنائیة. وهذا ما سنوضحه فی الفرعین الآتیین عند دراسة مفهوم وأشکال وطبیعة هذا الشرط.
الفرع الأول مفهوم شرط الدولة الأولى بالرعایة وأشکاله ضمن اتفاقیات الاستثمار لتوضیح مفهوم الشرط فی سیاق اتفاقیات الاستثمار الثنائیة، توجب علینا تقسیم هذا الفرع إلى ثلاثة محاور وکما یأتی : اولاً: تعریف شرط الدولة الأولى بالرعایة: یعد مبدأ الدولة الأولى بالرعایة من المبادئ الأساسیة التیتحکم نشاط الغات، فی سعیها نحو تحقیق هدفها النهائی، المتمثل فی إقامة نظام عالمی متعدد الاطراف للتجارة الدولیة. فقد تضمنت المادة الأولى من الاتفاقیة العامة للتعریفة الجمرکیة والتجارة (الغات) على تعهد کل عضو فی الغات بتطبیق نفس الالتزام لأی عضو آخر، وهو ما یعنیأن أیة میزة أو معاملة تفضیلیة یمنحها طرف متعاقد لأیة دولة سوف تمنح فوراً من دون قید أو شرط لکل الدول الأعضاء الأخرى فی الغات. بعبارة أخرى فإن تطبیق هذا الشرط یتم فی إطار اتفاقیة الغات بصورة تلقائیة دون الحاجة إلى اتفاق جدید. وقد تضمنت الاتفاقیة عدداً من الاستثناءات المؤسسة على اعتبارات وحجج اقتصادیة مقنعة، مثل الترتیبات الإقلیمیة لتحریر التجارة الخارجیة بین مجموعة من الدول المنتمیة جغرافیاً إلى إقلیم اقتصادی مُعَیَّن[44]. فی حین عرفت المادة الخامسة من مشروع المواد لعام 1978 هذا الشرط على أنه " معاملة تمنحها الدولة المانحة للدولة المستفیدة أو لأشخاص أو أشیاء على علاقة محدودة بهذه الدولة لا تقل رعایة عن معاملة الدولة المانحة لدولة ثالثة أو لأشخاص أو أشیاء على نفس تلک العلاقة بتلک الدولة الثالثة"[45]. ومن خلال تحلیل التعاریف، نجد أن تطبیق هذا الشرط یتطلب توفر ثلاثة أطراف : الدولة المانحة التی تتعهد بمنح معاملة الدولة الأولى بالرعایة بموجب شرط تعاهدی، الدولة المستفیدة وهی الطرف الذی یتلقى هذه المعاملة، والدولة الثالثة وهی الطرف غیر المفضل بموجب اتفاق مع الدولة المانحة. ومن الواضح من التعاریف أعلاه فإن شرط الدولة الأولى بالرعایة فی سیاق الاستثمار، یضمن أن تقوم الدولة المضیفة بمد تغطیة الحمایة إلى المستثمر الأجنبی واستثماراته، بمنحها معاملة لا تقل تفضیلاً عن تلک التی تمنحها للمستثمرین الأجانب فی أی بلد ثالث[46]. ولا بد من الإشارة إلى أن مبدأ الدولة الأولى بالرعایة وشرط الدولة الأولى بالرعایة ینطلقان من ذات الهدف[47]. حیث أنه فی سیاق التجارة الدولیة، تعتبر معاملة الدولة الأولى بالرعایة ضروریة لضمان تکافؤ الفرص بین جمیع الشرکاء التجاریین، وبالتالی فهی الرکیزة الأساسیة للنظام التجاری الدولی. وبالمثل، فإن شرط الدولة الأولى بالرعایة فی اتفاقات الاستثمار الدولیة تهدف إلى ضمان المساواة فی الشروط التنافسیة بین المستثمرین الأجانب من مختلف الجنسیات الذین یسعون إلى إقامة استثمار أو تشغیل هذا الاستثمار فی بلد مضیف. یسعى المستثمرون الأجانب إلى ضمان کافٍ بعدم وجود تمییز سلبی یضعهم فی وضع غیر مؤاتٍ للتنافسیة. ویشمل هذا التمییز المواقف التی یتلقى فیها المتنافسون من دول أجنبیة أخرى معاملة أفضل. وعلى ذلک فإن شرط الدولة الأکثر رعایة یساعد على تحقیق تکافؤ الفرص التنافسیة بین المستثمرین من مختلف البلدان الأجنبیة بصرف النظر عن اعتبارات الجنسیة. وتأسیساً على ما تقدم، یمکن القول أن شرط الدولة الأولى بالرعایة هی أداة تعاهدیة تتابع عن کثب الهدف والغرض من اتفاقات الاستثمار الدولیة نفسها، تهدف إلى ضمان المساواة فی المعاملة والشروط بین المستثمرین الأجانب. کما أن ربط إعمال هذا الشرط بالمعاملة الوطنیة یساهم بلا شک فی ضمان حق الدخول والتأسیس للمستثمرین الأجانب والشروط التی تنطبق على مرحلة ما قبل التأسیس للاستثمار، فضلاً عن التأکد من أن المعاملة لن تکون مختلفة بالنسبة للمستثمرین وأن یتم إنشاء استثماراتهم وتشغیلها وفقًا لقوانین وأنظمة الدولة المضیفة دون تمییز لاعتبارات الجنسیة[48]. ثانیاً: أشکال شرط الدولة الأولى بالرعایة فی اتفاقیات الاستثمار: من خلال تتبع نصوص تلک المعاهدات یمکن حصر أشکال شائعة بینها ورغم ذلک یمکن أن نجد بعضها وردت فی أشکال خارج هذا التصنیفات، والتی یمکن بیانها بالآتی : 1) أن یکون شرط الدولة الأولى بالرعایة مستقلاً بمفرده فی بند أو فقرة قانونیة ویکون ملحقاً بشرط المعاملة الوطنیة او بمعاهدة استثمار ثنائیة. فعلى سبیل المثال تضمنت معاهدة الاستثمار بین جمهوریة الصین وجمهوریة بنین لسنة 2004 عنواناً رئیساً للمادة الثالثة منها تحت أسم "المعاملة الوطنیة وشرط الدولة الأولى باالرعایة". وقد تضمنت الفقرة الأولى منها التزام متبادل من الطرفین بمنح الاستثمارات والانشطة المرتبطة بها معاملة لا تقل تفضیلاً عن تلک الممنوحة للاستثمارات والأنشطة المرتبطة بها لمستثمریها الوطنیین. فی حین أشارت الفقرة الثالثة إلى الالتزام المتبادل بمنح تلک الاستثمارات معاملة لا تقل تفضیلاً من تلک الممنوحة للاستثمارات والأنشطة المرتبطة بها للمستثمرین من أی دولة ثالثة[49]. 2) إن بعض معاهدات الاستثمار الثنائیة تحاول أن تکون أکثر دقة وتحدیداً ، على سبیل المثال، لا یجوز لأی طرف متعاقد فی إقلیمه إخضاع مواطنی أو شرکات الطرف المتعاقد الآخر، فیما یتعلق بإدارة استثماراتهم أو صیانتها أو استخدامها أو التمتع بها أو التصرف فیها، إلى معاملة أقل تفضیلاً من المعاملة التی یمنحها لمواطنیه أو شرکاتها أو لمواطنی أو شرکات أی دولة ثالثة. وبالتالی فإنها قد حددت نوع المعاملة فی الإرادة والصیانة والاستخدام ...الخ، مثل معاهدات الاستثمار الثنائیة بین المملکة المتحدة لبریطانیا العظمى والبوسنة والهرسک لعا م 2002، المملکة المتحدة - مصر لعام 1975، و الأرجنتین - الدنمارک لعام 1992[50]. أو قد تکون الحالة معکوسة حیث تشیر معاهدات الاستثمار الثنائیة الأخرى مباشرة إلى أن شرط الدولة الأولى بالرعایة ینطبق على جمیع أحکام معاهدة الاستثمار الثنائیة من التعاریف وصولاً إلى تسویة المنازعات. وبالتالی، فإن هذا النوع من معاهدات الاستثمار الثنائیة یصرح صراحة باستیراد أی حکم أکثر ملاءمة من معاهدات الاستثمار الثنائیة الأخرى المقابلة لتلک التی تغطیها الدولة الأولى بالرعایة، والمثال الابرز على هذه الحالة العدید من معاهدات الاستثمار الثنائیة البریطانیة[51]. 3) أما الشکل الثالث فیشیر فیما إذا کان شرط الدولة الأولى بالرعایة یتضمن معیاراً للمقارنة بین المستثمرین الأجانب أم لا. حیث أن العدید من معاهدات الاستثمار الثنائیة تنص على إجراء مقارنة بین المستثمرین أو الاستثمارات الموجودة "فی ظروف أو مواقف متشابهة" . ومن الامثلة على هذا الاتجاه اتفاقیة الاقتصاد والتجارة الشاملة لسنة 2016 بین کندا والاتحاد الأوربی والتی تضمنت معیار الظروف المشابهة کأساس للمقارنة[52]. وتذهب بعض الاتفاقیات أبعد من ذلک حیث تنص على مبادئ توجیهیة للهیئات التحکیمیة أو المحاکم لغرض إرشادها عند فحص فیما إذا کانت هناک ظروف مماثلة، مثل اتفاقیة الاستثمار المشترکة للکومیسا (السوق المشترکة لشرق وجنوب إفریقیا) لسنة 2007 والتی نصت على أن التعامل مع "ظروف مماثلة" التی وردت فی الاتفاقیة تتطلب فحصاً شاملاً على أساس کل حالة على حدة لجمیع ظروف الاستثمار، یأخذ بنظر الاعتبار جملة أمور متعلقة باثارها الداخلیة والخارجیة، نوع القطاع والهدف من الاجراء والعملیة التظیمیة ...الخ[53]. ثالثاً: صیغ شرط الدولة الأولى بالرعایة فی اتفاقیات الاستثمار: حول الصیغ التی قد یرد فیها هذا الشرط فی علاقته بإعمال التحکیم فقد تم استقراء أربعة أنواع : یضمن النوع الأول نصاً صریحاً بخضوع الشرط لعملیة تسویة المنازعات، أما النوع الثانی فهو یتضمن نصاً صریحاً باستبعاد هذا الشرط من اجراءات تسویة المنازعات، وفی کلا النوعین لا یمکن أن تثار أیة مشاکل على اعتبار أن المحکم ملزم باحترام إرادة الاطراف الصریحة سواء فی إعمال الشرط تحکیمیاً أو اهماله[54]. أما النوع الثالث فهو ینطوی على ذکر عبارات عامة فی سیاق إیراده للشرط کان تکون کل القضایا أو المسائل أو کل الحقوق إلا انه لا یتضمن الإشارة بالإیجاب أو الرفض حول خضوع هذا الشرط لتسویة المنازعات. ویشترک النوع الرابع مع الثالث فی خلوه من موقف محدد بشأن استدعاء الشرط عند تسویة المنازعات إلا أنه یختلف عنه فی کونه لا یستخدم مثل هذه العبارات العامة[55].وأمام هذین النموذجین الاخیرین قد تبرز مشکلة إمکانیة استدعاء هذا الشرط إلى عملیة التحکیم من عدمه من جهة، ونطاق سریانه ومداه فیما إذا کان یقتصر على الجوانب الموضوعیة أم یتعداها إلى الجانب الاجرائی من جهة ثانیة، وهذا ما سیتم مناقشته فی مواضع أخرى من البحث. الفرع الثانی الطبیعة القانونیة لشرط الدولة الأولى بالرعایة ضمن اتفاقیات الاستثمار کما ذکرنا سابقاً فأن ورود هذا الشرط فی الاتفاقیات الثنائیة یقتضی وجود علاقة ثلاثیة الابعاد تحکمها اتفاقیتان: الأولى وهی الاتفاقیة الاساسیة التی تبرم بین الدولة المانحة والدولة المستفیدة وتتضمن هذه الاتفاقیة شرط الدولة الأولى بالرعایة. أما الاتفاقیة الثانیة فهی التی تبرم بین الدولة المانحة ودولة ثالثة وتتضمن المعاملة الافضل. إزاء هذه العلاقة التعاهدیة المعقدة اختلفت الآراء الفقهیة تجاه طبیعة الشرط فی علاقته مع مبدأ نسبیة أثر المعاهدات والذی یعنی عدم انصراف اثار المعاهدة إلا إلى أطرافها والذی کرسته اتفاقیة فینا لقانون المعاهدات[56]. فقد ذهب فریق من الفقهاء إلى اعتبار هذا الشرط استثناءً من قاعدة نسبیة أثر المعاهدات. إذ عد هذا الاتجاه أن الاتفاقیة الثانیة ترتب حقوقاً للدولة المستفیدة رغم أنها لیست طرفاً فیها[57]. ولکن مع ازدیاد استخدام هذا الشرط فی الاتفاقیات الدولیة فقد برزت وجهة نظر أخرى تقرر أن هذا الشرط لا یمکن اعتباره استثناءً من مبدأ نسبیة أثر المعاهدات، حیت تؤسس وجهة النظر هذه على أن الحقوق التی تمنح للدولة المستفیدة مصدرها المعاهدة الأساسیة المبرمة بینها وبین الدولة المانحة ولیس تلک التی تبرم بین الاخیرة والدولة الثالثة. وقد أیدت لجنة القانون الدولی هذا الرأی[58]. وقد جاء رأی اللجنة متماشیاً مع اتجاه محکمة العدل الدولیة التی ذهبت إلى أن المعاهدة الأساسیة هی التی تحدد الصلة القانونیة بین الدولة المستفیدة والدولة المانحة وتمنح تلک الدولة الحقوق التی یتمتع بها الطرف الثالث. أما المعاهدة مع الطرف الثالث فهی مستقلة عن المعاهدة الأساسیة ومعزولة عنها ولا یمکنها أن تنتج أی أثر قانونی بین الدولة المستفیدة و الدولة المانحة[59]. ونحن بدورنا نذهب مع الرأی الثانی إذ لا یمکن القول أن الاثر القانونی سیکون للمعاهدة مع الطرف الثالث والتی لا تتجاوز کونها وسیلة لاکتشاف أثر قانونی ناشئ بموجب المعاهدة الاساسیة. المطلب الثانی الاحتجاج بشرط الدولة الأولى بالرعایة أمام المرکز مالم یوجد نص باستبعاد الاحتجاج بهذا الشرط أمام المرکز عملاً بالفقرة الرابعة من المادة 25 من اتفاقیة واشنطن سابقة الإشارة الیها، فأن عملیة الاحتجاج به لا تعد مسألة مثیرة للجدل. لأنه یأتی منسجماً مع النهج المقبول المعتمد فی القانون الدولی العام وفی قرارات هیئات التحکیم الاستثماریة الدولیة. ذلک أن شرط الدولة الأولى بالرعایة یستلزم التزاماً بعدم تقدیم معاملة أکثر تفضیلاً لطرف ثالث مما یتم تقدیمه للمستفید من شرط الدولة الأولى بالرعایة، وعلى ذلک فإنه فی اللحظة التی یتم فیها تقدیم معاملة أکثر ملاءمة، فإن الدولة التی تقدم معاملة أکثر تفضیلاً تنتهک ما التزمت به بموجب المعاهدة الأصلیة. إلا أن الخلاف الذی یمکن أن یثار فی هذا الشأن هو حساب الأثر المترتب على هذا الاحتجاج وما ینتج عنه وهذه المسألة مرتبطة بالتکییف القانونی للاحتجاج فیما أن کان تلقائی الاثر أم انه انتهاک الدولة لالتزامها بموجب شرط الدولة الأولى رعایة یرتب حقاً للاحتجاج به (الفرع الأول). ومن جانب آخر فإن مضمون الاحتجاج قد یثیر خلافاً فیما إذا کان یشمل ما یتضمنه هذا الشرط من مزایا وفوائد أم أنه یمتد لیشمل کل ما قد ینهض عن تطبیقه بما فی ذلک المساوئ والالتزامات، بمعنى هل یقتصر الاحتجاج على الحقوق أم انه یجب أن یشمل الالتزامات (الفرع الثانی) . الفرع الأول الاحتجاج بشرط الدولة الأولى بالرعایة أمام المرکز تلقائیاً فی هذا الجزء من البحث لا بد أن نمیّز بین مسألتین مرتبطتین بمسألة الاحتجاج بشرط الدولة الأولى بالرعایة أمام المرکز، وهما الالتزام المترتب على الدولة التی تنتهک التزامها بموجب الشرط وتمنح طرفاً آخراً معاملة أفضل من تلک الممنوحة لشریکها فی المعاهدة الأساسیة أولاً، والمطالبة من قبل الطرف المستفید من وجود هذه المعاملة ثانیاً. وفیما یتعلق بالمســألة الأولى، فلیس لاحد أن ینکر تأثیر شرط الدولة الأولى بالرعایة على الحقوق والالتزامات التی تتضمنها معاهدة الاستثمار التی تنص على هذا الشرط. إن هذا التأثیر لا یمکن أن یکون إلا فوریاً، بمعنى أنه ینهض بمجرد توقیع المعاهدة الثانیة التی تمنح معاملة أفضل من تلک الممنوحة بموجب المعاهدة الاساسیة دونما أیة ضرورة من أن یقوم المستفید بالاحتجاج به[60]. هذه المسألة مرتبطة بأصل نشوء الالتزام وبالتالی فهی تختلف عن مسألة الاحتجاج به والتی قد اختلف فی تحدید ماهیتها وطبیعتها. فهل أن الاثر الفوری لنشوء الالتزام تستتبعه تلقائیة أو ذاتیة الاحتجاج أم أن اثره یقتصر على نهوض حق المستفید بالاحتجاج به وما یترتب على ای من الاحتمالین من نتائج قانونیة مختلفة. ففی حالة الاحتمال الأولى ستکون الدولة المضیفة ملزمة بمنح معاملة تفضیلیة للمستثمر المستفید من الشرط منذ اللحظة التی منحت فیها هذه المعاملة لمستثمر من دولة ثالثة. وتأسیساً على هذا الاحتمال فقد یکون لزاماً على الدولة المضیفة تقدیم تعویض للمستفید لعدم منحه مثل هذه المعاملة بأثر رجعی منذ تاریخ منحها تلک المعاملة لحین تاریخ المطالب، وهذا بدوره یفرض علیها تکالیف کبیرة. ومن الناحیة العملیة وبسبب کثرة عدد اتفاقیات الاستثمار الدولیة وطبیعتها المتداخلة، فإنه یصعب على الدولة المضیفة تحدید لمن وتحت أیة ظروف المعاملة والشروط الأکثر ملاءمة[61]. قد یبدو هذا الرأی منسجماً مع المنطق القانونی العام حیث أنه بمجرد نهوض الالتزام یترتب حق للمستفید بمنحه ذات المعاملة وتعویضه عما لحقه من خسارة منذ تاریخ نشوء الالتزام، ولکن بسبب طبیعة معاهدات الاستثمار والغایة منها فی تشجیع حرکة رؤوس الأموال وبما ینسجم مع السیاسیة العامة للدولة المضیفة فإن المضی بهذا الاتجاه قد یساهم فی تقویض الکثیر من الفرص بهذا الشأن. هذه المحاذیر الواقعیة والعملیة جعلت جانب مهم من الفقه یمیل إلى القول أن الاثر المترتب على فوریة نشوء الالتزام هو کسب المستفید الحق بالاحتجاج بهذا الشرط. وحیث أنه حق فله أن یستخدمه أم لا، وبالتالی على فرضیة أن لم یستخدمه فلا أثر یمکن أن یذکر رغم نشوء أصل الالتزام. وقد حظی هذا الرأی الذی یذهب إلى اعتبار الاحتجاج حق بتأیید الکثیر من الفقهاء، وإن کان بعضهم لم تکن فکرة التمییز بین أصل الالتزام و الاحتجاج به فی سیاق اتفاقیات الاستثمار واضحة لدیه تماماً بل کان هناک خلط بین المسألتین و أحیاناً خلط مع مسائل أخرى. فعلى سبیل المثال من الفقهاء الذین یؤیدون هذا الاتجاه هو الفقیه دکلس إلا انه فی بعض الاحیان یخلط بین الحق بالاحتجاج وما یترتب علیه من عدم ترتب أی أثر على شرط الدولة الأولى إلا منذ مطالبة المستفید بتحکیم الشرط وبین وجهة النظر التی تعتبر أن شروط الدولة الأولى بالرعایة یعد شکلاً من أشکال الدمج بین أحکام المعاهدتین بالإحالة، إلا أنه فی کل الاحوال لا یؤید مطلقاً الرأی الذی یذهب إلى تلقائیة أثر الشرط[62]. إن هذا الاتجاه له اساسه المنطقی فی سیاق الاتفاقیات الدولیة للاستثمار لأنه یعزز قدرة الدول على التنبؤ والشفافیة فیما یتعلق بالتزاماتها الناشئة عن شرط الدولة الأولى بالرعایة بما لا یؤثر أو یقلل تأثیرها على حریتها فی رسم سیاساتها، ویجعل الدولة المستضیفة للاستثمار على درایة بما قد یترتب علیها من التزامات فی جمیع الأوقات وبدقة. ولعل هذه الأهمیة تبرز فی الحالات التی لا یبدو فیها الجانب التفضیلی الناشئ عن الشرط واضحاً و یکون تقدیر ذلک محل خلاف. حیث أن القول بعکس ذلک سیجعل الدول تبدو أکثر تحفظاً فی الالتزامات التی تتعهد بها مع أطراف ثالثة، خشیة من أنها قد تُلزم نفسها عن غیر قصد بتقدیم نفس المعاملة لأی دول لدیها معها شرط الدولة الأولى بالرعایة[63]. وأخیراً فإن اعتباره مجرد حق للاحتجاج به والمطالبة بتحکیمه یحد من مسؤولیة الدولة المضیفة عند تقدیمها معاملة أفضل لصالح المستفید من شرط الدولة الأولى بالرعایة منذ تاریخ المطالبة بذلک فقط[64] وفی رأینا أن ذلک أقرب إلى الواقع کونه یحد من تأثیر هذه الشروط على حریة الدول المضیفة فی رسم سیاساتها الاستثماریة وما یترتب عنها من المسؤولیات القانونیة. حیث لا یوجد خطر من مطالبات التعویض عن أضرار کبیرة، تمتد عبر سنوات لا تعتقد فیها الدولة بحسن نیة أی التزام ناتج عن شرط الدولة الأولى بالرعایة وذلک لعدم وجود أی التزام بتقدیم معاملة أکثر تفضیلاً قبل احتجاج المستفید وتقدیم طلب إلى المرکز بذلک. الفرع الثانی مضمون الاحتجاج بشرط الدولة الأولى بالرعایة أمام المرکز إن منح المستفید الحق بالاحتجاج بشرط الدولة الأولى بالرعایة لا یکون مطلقاً بل یحدد ببعض المحددات، ولعل من أهمها مبدأ " ذات النوع" و مبدأ المعاملة الأفضل وما یترتب علیهما من قیود وضوابط، على التفصیل الآتی: أولاً : مبدأ "ذات النوع" : یعتبر هذا المبدأ من أهم المحددات التی تقید الاحتجاج بشرط الدولة الأولى بالرعایة، ولهذا ذهب البعض إلى القول إن کانت المعاهدة الأساسیة والمعاهدة الثانویة تمثل العمود الفقری لشرط الدولة الأولى بالرعایة فإن مبدأ من ذات النوع بمثل قلبه النابض[65]. وقد تمت الاشارة إلى هذا المبدأ فی مشروع المواد لسنة 1978، الذی اقترحته لجنة القانون الدولی، فی المادة التاسعة والعاشرة[66] . ویعنی هذا المبدأ بانه لا یحق للطرف المستفید من شرط الدولة الأولى بالرعایة الاحتجاج سوى بالحقوق التی تقع ضمن حدود نفس موضوع الشرط أو نطاقه فی الحمایة، کما یشمل نطاق هذا المبدأ "الأشخاص والأشیاء" التی یشملها الشرط والتی یجب أن تکون من ذات النوع ایضاً. وقد شرحت لجنة القانون الدولی فی تعلیقها على مشروع المواد هذا المبدأ، حیث ذهبت إلى أن إیراد شرط الدولة الأولى بالرعایة ضمن معاهدة تجاریة مبرمة بین دولتین لا یخول أیاً منهما المطالبة بمعاملة أفضل فی الجانب الجنائی ( کالمطالبة بتسلیم مجرم) استناداً إلى معاهدة ثانیة أبرمها أحد الاطراف مع دولة ثالثة تضمنت تنظیم تسلیم المجرمین. حیث أکدت اللجنة فی ذات السیاق أن هذا الشرط لا یمکن أن یعمل إلا فی حدود ما اتجهت إلیه إرادة الاطراف لشموله عند التفاوض على ابرام المعاهدة[67] . وقد أیدت محکمة العدل الدولیة مضمون هذا المبدأ کما ورد فی مشروع المواد کأساس للاحتجاج بهذا الشرط فی قضیة أمبشیلس Ambatielos Case، حیث ذهبت هیئة التحکیم فی هذه القضیة إلى أن شرط الدولة الأولى بالرعایة یشمل المسائل التی تنتمی إلى ذات المجموعة التی تضمنها الشرط[68]. ومن الناحیة العملیة فإن اثبات هذا المبدأ لیس من السهولة بمکان، لأنه یعتمد على مبدأ المساواة والمقارنة والمقاربة فی کافة الامور التی سیتم تطبیقها . فعلى سبیل المثال کان على لجنة التحکیم فی القضیة أعلاه أن تقرر ما إذا کان شرط الدولة الأکثر رعایة الذی أشار إلى عبارة "جمیع المسائل المتعلقة بالتجارة والملاحة" یمکن أن یمتد لیشمل "إقامة العدل". وقد اعتمدت لجنة التحکیم على مبدأ "ذات النوع" لتخرج بالنتیجة الآتیة: صحیح أن "إقامة العدل"، أمر مختلف عن "التجارة والملاحة"، لکنه لیس کذلک عند النظر إلیه فیما یتعلق بحمایة حقوق التجار فمن الطبیعی أن تجد حمایة حقوق التجار مکانها بین المسائل المتعلقة بمعاهدات التجارة والملاحة. لذلک، لا یمکن القول بأن إقامة العدل، طالما أنها تتعلق بحمایة تلک الحقوق، یجب استبعادها بالضرورة من تطبیق شرط الدولة الأکثر رعایة، عندما یتضمن هذا الشرط "جمیع المسائل النسبیة للتجارة والملاحة ". ولا یمکن تحدید المسألة إلا وفقا لنیة الأطراف المتعاقدة واستنتاجها من تفسیر معقول للمعاهدة"[69]. وقد کان لهذا الحکم تأثیر کبیر على القرارات المتعلقة بتفسیر مبدأ " من ذات النوع" فی سیاق عمل المرکز والهیئات التحکیمیة الأخرى. وقدر تعلق الامر بالمرکز فقد استحضر هذا المبدأ فی سیاق عمله التحکیمی، إذ تمت الاشارة إلى الحکم أعلاه احیاناً کما فی قضیة Wintershall vs. Argentina[70]، وإلى المبدأ ذاته فی احیاناً أخرى کما فی قضیة Maffezini، حیث ذهبت المحکمة التحکیمیة التابعة للمرکز إلى أنه "إذا کانت معاهدة طرف ثالث تحتوی على أحکام لتسویة النزاعات تکون أکثر مؤاتاة لحمایة حقوق ومصالح المستثمر من تلک الموجودة فی المعاهدة الأساسیة، یجوز تمدید هذه الأحکام إلى المستفید من شرط الدولة الأکثر رعایة لأنها متوافقة تمامًا مع مبدأ "من ذات النوع"[71]. ثانیاً: مبدأ المعاملة الأفضل : إن الاحتجاج بالمعاملة الأفضل ینطوی على تفصیل وبیان، حیث یمکن أن یثار مضمون هذه المعاملة وهل أن الاحتجاج یجب أن یتضمن مقارنة المعاهدة مع الطرف الثالث برمتها، أم البند الذی یمنح المعاملة أم مجرد الجزء من البند الذی یمنح المعاملة؟ بعبارة أخرى هل أن الاحتجاج بشرط الدولة الأولى بالرعایة یشمل ما یترتب على الشرط من حقوق والتزامات أو مساوئ ومزایا أم انه ینحصر فی الجانب الافضل فحسب ( الحقوق والمزایا)؟ إزاء هذه الاسئلة سنکون أمام احتمالات متعددة : أولها الاحتجاج بالمعاهدة الثانیة برمتها للحصول على المعاملة الأفضل، إلا ان هذا الاتجاه سیساهم فی افراغ الشرط من مضمونه وهدفه المرجو ضمن المعاهدة لان هذا الاتجاه سیکرس احلال معاهدة کاملة لم یتم التفاوض بشأنها مطلقاً محل الأخرى، وهذا ما یتعارض مع نیة الاطراف والهدف من شرط الدولة الأولى بالرعایة[72]. وکذلک الحال فی الاحتمال الثانی حیث إن قصر تطبیق الشرط على المزایا سیقود إلى نتائج غیر منطقیة، إذ سیمکن المدعین من الاستناد فی المطالبة على الکلمات أو الأحکام أو مجرد جزء من الأحکام التی تمنح مزایا، وهذا سیؤدی إلى عدم الاعتداد بالسیاق الذی ورد فیه الشرط. یدافع البعض عن هذا الاتجاه مستندین إلى المعنى اللغوی للشرط الذی یشیر إلى أنه یجذب المعاملة الایجابیة بما تتضمن من مزایا ولا یشیر إلى جذب عیوب المعاهدة مع الطرف الثالث، إلا أن هذا القول لا یسلم من اشکالیات . فلو افترضنا أن دولتین ابرمتا اتفاقیة تتضمن طریقاً لحل المنازعات التی تنشأ عن تطبیقها عن طریق إحالتها إلى هیئة تحکیمیة خاصة بموجب قواعد الأونسیترال للتحکیم لسنة 1976[73]، ثم قام الطرف الأول فی هذه الاتفاقیة بإبرام أخرى مع طرف ثالث تتضمن حل المنازعات عن طریق إحالتها إلى المرکز بموجب اتفاقیة واشنطن. فهل یمکن للمستثمر الذی یحمل جنسیة الطرف الثانی فی المعاهدة الأساسیة أن یستند إلى شرط الدولة الأولى بالرعایة ویطالب بتحکیم المرکز ولکن ضمن قواعد الأونسیترال؟ وفیما یتعلق بموقف المرکز الدولی لتسویة منازعات الاستثمار إزاء هذه المسألة، فقد عرضت أمام محکمة تحکیم المرکز قضیة سیمنز ضد الارجنتین، تضمنت القضیة نزاعاً بین شرکة ألمانیة من جهة وجمهوریة الأرجنتین من جهة أخرى. إذ تضمنت معاهدة الاستثمار الثنائیة بین المانیا والارجنتین لعام 1991، آلیة لتسویة النزاع ودیاً بین الطرفین خلال فترة ستة أشهر وفی حالة استمراره یُعرض النزاع على المحاکم والهیئات القضائیة المحلیة فی الدولة المضیفة لتسویته على مدى ثمانیة عشر شهراً، وإذا استمر النزاع یتم اللجوء إلى التحکیم الدولی[74]. إلا أن المستثمر الألمانی احتج بشرط الدولة الأولى بالرعایة الوارد فی المعاهدة الأساسیة بین الأرجنتین وألمانیا لتجاوز شرط الانتظار لمدة 18 شهراً أمام المحاکم المحلیة عن طریق الاستناد إلى حکم تسویة نزاع أکثر ملاءمة ورد فی اتفاقیة استثمار أخرى بین الأرجنتین و شیلی عام 1991، التی لم تفرض مثل هذا الشرط قبل الاتجاه إلى التحکیم الدولی. إلا أن هذه المعاهدة تضمنت شرطاً لم تتضمنه المعاهدة الأولى یسمى شرط (مفترق الطرق) والذی یعنی اتخاذ خیار من قبل الأطراف لا رجعة فیه بین عرض النزاع على المحاکم المحلیة أو التحکیم الدولی([75]). وأثناء النظر فی الدعوى احتجت الارجنتین من أن المدّعی قد شرع بالفعل فی إجراء إداری محلی ضد الدولة المضیفة لذلک لا یحق له وفقاً لحکم مفترق الطرق اللجوء إلى التحکیم دولی. ومع ذلک فقد رفضت المحکمة حجة استدعاء شرط تسویة المنازعات ککل، بدلاً من المطالبة بأحکام مواتیة فقط . إذ ذهبت المحکمة إلى أن" هذا الفهم لتحکیم شرط الدولة الأولى بالرعایة من شأنه أن یلغی الهدف المقصود منه، والذی یکمن فی تنسیق المنافع المتفق علیها مع أحد الاطراف مع تلک التی تعتبر أکثر ملائمة الممنوحة لطرف آخر. وسیکون بذلک لازماً على الطرف الذی یطالب بفائدة بموجب معاهدة بأن ینظر فی مزایا وعیوب تلک المعاهدة ککل بدلاً من الفوائد فقط. تعترف المحکمة أنه قد یکون هنا ما یؤید مثل هذا التوجه، إذ أن المعاهدة قد تم التفاوض علیها کحزمة و لکی تستفید الأطراف الأخرى منها فینبغی أن تتعرض لمساوئها أیضاً. ومع ذلک، لیس هذا هو معنى شرط الدولة الأولى بالرعایة، کما یشیر اسمه، فإنه یتعلق فقط بمعاملة أفضل. کما أنه لا یوجد ارتباط بین عمومیة تطبیق بند معین وعمومیة المنافع والعیوب التی قد تتضمنها المعاهدة المعنیة، حتى إذا کان شرط الدولة الأولى بالرعایة ذا طبیعة عامة، فإن تطبیقه لن یکون إلا متعلقًا بالمزایا التی قد تمنحها المعاهدة المرجعیة وإلى المدى الذی یُنظر فیه إلى الفوائد على أنها کذلک. قد تکون هناک اعتبارات السیاسة العامة التی تحد من المنافع التی قد تطالب بها من خلال تطبیق شرط الدولة الأولى بالرعایة، ولکن المحکمة اعتبرتها غیر قابلة للتطبیق فی هذه القضیة"[76]. وقد انقسمت وجهات النظر إزاء موقف المحکمة هذا، إذ ذهب البعض إلى أن تعلیل هیئة التحکیم یعد صحیحاً استناداً إلى الغرض من شرط الدولة الأولى بالرعایة، والذی هو توسیع نطاق أیة معاملة أفضل إلى المستفید من الشرط بموجب المعاهدة الأساسیة، وبالتالی لا یجوز استدعاء سوى البنود الملائمة ؛ لا مساوئها أو عیوبها الواردة فی البند ککل. خلاف ذلک، سیتم إفراغ الشرط من معناه[77]. فی حین ذهب رأی آخر إلى إن استنتاج المحکمة الذی یسمح بالمطالبة الجزئیة بمزایا شرط وترک جانبا الشروط المرفقة به یتعارض مع المنطق والعدالة والإنصاف، إذ لا یمکن لأی مزایا أو حقوق أن تقف بمفردها دون واجبات أو مسؤولیات مقابلة. حیث أنه وفقاً لهذا الرأی فإن عمل شرط الدولة الأولى بالرعایة فی أی معاهدة ینحصر فی حق المدعی فی أن یطالب بمعاملة مواتیة فی حدود تلک التی تمنحها الدولة المانحة للدولة المستفیدة ولیس أکثر. فإذا لم تمنح الدولة المضیفة معاملة لأی دولة ثالثة، فلن تکون ملزمة بمنح أیة معاملة لأیة جهة. أما فی قضیة سیمنز ضد الأرجنتین، فقد أجبرت محکمة المرکز الأرجنتین على منح مثل هذه المعاملة لمقدم الطلب. وفی هذه الحالة، سُمح للمدعی بالتمتع بمزایا المعاهدتین معاً (معاهدة الأرجنتین وألمانیا ومعاهدة الأرجنتین وشیلی)، متجاهلة الشروط المذکورة فی کلتا المعاهدتین. بعبارة أخرى فقد منح المدعی معاملة تجاه الارجنتین لم تمنحها الأخیرة لای بلد ثالث تربطها به علاقات تعاهدیة بما فی ذلک شیلی ذاتها[78]. وعلى ذلک أکد هذا الاتجاه على أنه ینبغی أن تکون المحاکم مقیدة فی الاعتراف بالادعاءات التی قد تعوق الفهم الراسخ للقانون الدولی، أی أن الدول ملزمة فقط بالالتزامات التی وافقت علیها طواعیة. الغرض من شرط الدولة الأولى بالرعایة هو منح المساواة فی ظروف تنافسیة ولیس منح التفوق أو ضمان تجمیع القواعد والمبادئ المفیدة لمعاهدات الطرف الثالث[79]. المطلب الثالث نطاق شرط الدولة الأولى بالرعایة أمام المرکز کما ذکرنا فی موضع سابق من البحث فإن هناک بعض صیغ المعاهدات التی قد یرد فیها هذا الشرط فی علاقته بإعمال التحکیم والتی یمکن أن تکون محل خلاف عند إجراء عملیة التحکیم. وهذه الصیغ هی التی لا تتضمن الإشارة بالإیجاب أو الرفض حول خضوع هذا الشرط لتسویة المنازعات، وهی بدورها قد تنشطر إلى شطرین فمنها من یستخدم عبارات تفید الاستغراق مثل "کل القضایا أو المسائل" أو "کل الحقوق" فی حین لا یتم استخدام مثل هذه العبارات العامة فی النوع الآخر. وفی هذا السیاق قد تبرز مشکلة شمول هذا الشرط باجراءات التحکیم من عدمه ونطاقه فیما إذا کان یقتصر على الجوانب الموضوعیة أم یتعداها إلى الجانب الاجرائی. بمعنى هل أن نطاق المعاملة الأفضل فی سیاق شرط الدولة الأولى بالرعایة یقتصر على الحقوق الجوهریة أم یتعداها لیشمل الجوانب الإجرائیة بما فیها أحکام "تسویة النزاعات" ذاتها. ومن خلال دراسة وتحلیل عدد من السوابق التحکیمیة للمحاکم المرکز، تبین أنه لیس هناک اتجاه موحد انتهجه المرکز إزاء هذه المسألة وإنما کان له منهج والیة تحلیل وتبریر تختلف حسب الحالة. ولهذا فقد انقسم موقف محاکم المرکز إلى اتجاهین الأول کان مؤیداً لامتداد نطاق الشرط إلى المسائل الإجرائیة وفقاً لتبریرات وتفسیرات معینة ( الفرع الأول) فی حین رفض الاتجاه الثانی هذا الامتداد متعللاً بنوع آخر من التبریرات والتفسیرات ( الفرع الثانی).
الفرع الأول قبول المرکز تحکیم شرط الدولة الأولى بالرعایة على المسائل الاجرائیة تعتبر أحکام المحکمتین التابعتین للمرکز فی قضیة مافیزینی ضد إسبانیا، وقضیة سیمنز ضد الأرجنتین واللتین سبق الاشارة إلیهما فی سیاقات أخرى من هذا البحث، من السوابق المهمة التی أسست لاتجاه تحکیمی فیما یتعلق بسریان نطاق شرط الدولة الآولى بالرعایة على المسائل الإجرائیة. وتعود خلفیات القضیة الأولى إلى أن مافیزینی وهو أرجنتینی الجنسیة کان قد أنشأ واستثمر فی شرکة تدعى إیماسا، لغرض بناء مصنع للمنتجات الکیمیائیة فی مدینة غالیثیا الإسبانیة. وقد کان المشروع بالشراکة مع جمعیة التنمیة الصناعیة فی غالیثیا والتی هی کیان مختلط یختص بتعزیز التنمیة الصناعیة فی غالیثیا. لم یتم التمکن من إنجاز المشروع بسبب ارتفاع التکالیف، ولهذا قدم المستثمر القضیة إلى التحکیم استناداً إلى الاتفاقیة الثنائیة بین إسبانیا والأرجنتین. وقد بنى المستثمر ادعاءه على أن جمعیة التنمیة الصناعیة فی غالیثیا أعطت نصیحة خاطئة تقلل من تکالیف المشروع، وحملها مسؤولیة عن التکالیف الإضافیة الناتجة عن تقییم الأثر البیئی، لأنها ضغطت على إیماسا من أجل بدء البناء قبل اکتمال عملیة تقییم التأثیر البیئی. وقد طعنت إسبانیا فی هذه الادعاءات متذرعة بأن جمعیة التنمیة الصناعیة فی غالیثیا هی شرکة خاصة لا تنسب أفعالها إلى الدولة، وأن المستثمر علیه أن یتحمل أیة مخاطر تتعلق بجدوى استثمارته من عدمه[80]. ولعل الأهم فی هذا السیاق، أن اسبانیا أستندت إلى المادة العاشرة من اتفاقیتها مع الأرجنین لسنة 1991 للطعن فی أختصاص محاکم المرکز على أساس أن المدعی لم یستوف الشروط التی نصت علیها المادة، التی تضمنت آلیة لتسویة المنازعات ودیاً خلال ستة أشهر وبخلافه تقدم إلى الهیئات القضائیة المختصة فی الدولة المضیفة على مدى ثمانیة عشر شهراً، وإذا استمر النزاع یقدم إلى التحکیم الدولی[81] . و حیث أن المدّعی لم یستنفذ سبل الانتصاف المتاحة أمام المحاکم المحلیة بموجب المادة أعلاه، فقد احتجت إسبانیا أنه لیس للمحکمة اختصاص فی هذه القضیة. من جانبه احتج المدعی لتجاوز ما اشترطته المادة العاشرة بشرط الدولة الأولى بالرعایة الوارد فی ذات المعاهدة، والتی أشارت إلى أنه یجب إن لا تکون المعاملة التی یتلقاها ای من الطرفین أقل تفضیلاً من تلک التی قد یقدمها أیاً منهما إلى طرف ثالث أو مستثمریه وفی "کل المسائل" التی تدخل فی نطاق المعاهدة[82].وحیث أن اسبانیا مبرمة اتفاقیة مع شیلی لا تتضمن شرط ال18 شهراً فتعد الافضل بالنسبة للمدعی. وقد کانت عبارة " کل المسائل" التی وردت فی المعاهدة الأساسیة محل خلاف أمام المحکمة، حیث احتجت إسبانیا أنها مقتصرة على الأمور الجوهریة أو الجوانب المادیة للمعاملة الممنوحة للمستثمرین ولا تشمل المسائل الإجرائیة أو القضائیة[83]. إلا أن المحکمة رفضت قصر تطبیق شرط الدولة الأکثر رعایة على المسائل الجوهریة وحدها قائلة "إن ترتیبات تسویة المنازاعات الیوم ترتبط ارتباطاً وثیقاً بحمایة المستثمرین الأجانب، لأنها تتعلق أیضاً بحمایة حقوق التجار بموجب معاهدات التجارة"[84]. وفی قضیة سیمنز ضد الأرجنتین[85]، انتهجت المحکمة ذات النهج فی قضیة مافیزینی من توسعة شرط الدولة الأولى بالرعایة لیشمل الاجراءات ایضا. حیث ذهبت المحکمة التابعة للمرکز فی حیثیات تحکیمها فی هذا القضیة قبل صدور القرار النهائی فی 6 شباط عام 2007، إلى أنه " تجد المحکمة أن المعاهدة نفسها، إلى جانب العدید من المعاهدات الأخرى لحمایة الاستثمار، لها خاصیة ممیزة تتمثل فی آلیة خاصة لتسویة المنازعات لا تکون مفتوحة عادة للمستثمرین. وأن الوصول إلى هذه الآلیات هو جزء من الحمایة المقدمة بموجب المعاهدة. وهی جزء من معاملة المستثمرین والاستثمارات الأجنبیة والمزایا التی یمکن الوصول إلیها من خلال شرط الدولة الأولى بالرعایة"[86]. ومن الجدیر بالذکر أن محاکم المرکز فی کلا القضیتین قد استندا إلى رأی لجنة التحکیم فی أمباتیلوس سابق الإشارة له، والذی وسع تطبیق شرط الدولة الأولى بالرعایة على إقامة العدل کحمایة کبیرة متاحة للأجانب فی الدولة المضیفة، کجزء من التبریرات التی استندت إلیها فی توسع تطبیق هذا الشرط على المسائل الاجرائیة. ولکن على ما یبدو أن المحاکم قد جانبت الصواب فی قراءتها لرأی اللجنة حیث أن الاخیرة قد وسعت تطبیق شرط الدولة الأولى بالرعایة لیشمل إقامة العدل کحمایة جوهریة متاحة للأجانب فی الدولة المضیفة ولکن لیس لأحکام تسویة المنازعات فی المعاهدة الأساسیة. ومما لا شک فیه أن هناک اختلاف جوهری بین إقامة العدل والوصول إلى المحاکم کحمایة موضوعیة من ناحیة، وتفسیر أحکام المعاهدات وتسویة منازعات المعاهدات کآلیات إجرائیة من ناحیة أخرى.[87] الفرع الثانی رفض المرکز تحکیم شرط الدولة الأولى بالرعایة على المسائل الاجرائیة لم یکن موقف محاکم المرکز فی قضیة مافیزینی و قضیة سیمنز ذاته فی قضیة سالینی ضد الأردن[88]، فی هذه القضیة رفعت شرکة سالینی الاستثماریة الإیطالیة دعوى أمام محکمة المرکز للتحکیم مستندة إلى شرط الدولة الآولى بالرعایة الذی ورد فی المعاهدة بین البلدین، مطالباً الاعتماد على معاهدة الأردن مع المملکة المتحدة من جهة ومعاهدتها مع الولایات المتحدة من جهة أخرى کأساس لانعقاد اختصاص المرکز. ولدى النظر فی القضیة رفضت المحکمة تطبیق ما توصلت إلیه فی قضیة مافیزی على هذه القضیة، حیث رأت المحکمة أن المعاملة "تتعلق بأحکام الحمایة الجوهریة بمعنى الحرمان من العدالة فی المحاکم المحلیة، و لا یتعلق باستیراد أحکام تسویة المنازعات من معاهدة أخرى فی المعاهدة الأساسیة. حیث إن الشرط الوارد فی الاتفاقیة جاء محدداً، ذلک إن الاتفاقیة المبرمة بین ایطالیا والأردن أوردت المسائل التی یشملها الشرط بشکل حصری[89]. وعلیه فقد قضت المحکمة أن شرط الدولة الأولى بالرعایة محدود فی نطاقه على المسائل الموضوعیة ولا ینطبق على ترتیبات تسویة المنازعات، والقول بعکس ذلک سیؤدی إلى تعزیز مخاطر اللجوء استیراد أحکام معاهدات Treaty Shopping أخرى دون فحص وتحلیل کل قضیة على حدةٍ [90]. ومن أجل بیان الفرق بین القضایا فقد قامت المحکمة بتحلیل القرار الذی تم التوصل إلیه فی قضیة مافیزینی وخلصت إلى أنه فی بعض معاهدات الاستثمار الثنائیة، ترد فیها شروط الدولة الأولى بالرعایة على لغة واسعة تشیر إلى "کافة المسائل" الخاضعة للاتفاق، و لم تکن صیاغة شرط الدولة الأولى بالرعایة الواردة فی معاهدة إیطالیا والأردن من هذا النوع. کما لم یکن هناک أی دلیل على نیة مشترکة للطرفین لتطبیق هذا البند على القضایا الإجرائیة بما فی ذلک حل النزاعات[91]. وقد وجهت بعض الانتقادات إلى موقف المحکمة هذا حیث ذهب البعض إلى أن خطر التسوق التعاهدیtreaty-shopping متأصل فی شرط الدولة الأولى بالرعایة بشکل عام ولا یقتصر على تطبیق مثل هذا الشرط على أحکام تسویة المنازعات. أن خطر "انتقاء الکر"[92] هذا، کما یطلق علیه فی بعض المؤلفات القانونیة، یشمل جمیع الأحکام الموضوعیة لمعاهدات الاستثمار الثنائیة مع الطرف الثالث، وبالتالی لا ینبغی أن یکون حجة لعدم تمدید شرط الدولة الأولى بالرعایة إلى مسائل تسویة المنازعات[93]. أما استناد المحکمة على السیاق المختلف خلال المفاوضات بین المعاهدة الأساسیة والمعاهدة مع الطرف الثالث فتعد حجة واهیة لان فلسفة وهدف شرط الدولة الأولى بالرعایة هو دائماً استدعاء أکثر الأحکام ملاءمة من المعاهدات التی تم التفاوض علیها فی سیاقات مختلفة. وقد کان موقف محکمة المرکز التحکیمیة تجاه قضیة بلاما ضد بلغاریا[94] هو ذات موقف محکمة قضیة سالینی، حیث رفضت توسع الاحتجاج بشرط الدولة الأولى بالرعایة لیشمل الاجراءات. فی هذه القضیة طالبت شرکة بلاما القبرصیة بانعقاد اختصاص محکمة المرکز بشأن نزاعها مع بلغاریا استناداً إلى شرط الدولة الآولى بالرعایة الوارد فی معاهدة الاستثمار الثنائیة بین بلغاریا وقبرص. وقد کانت المشکلة تکمن فی الاحکام الضیقة التی تضمنتها هذه المعاهدة بشأن تسویة المنازعات، وربما السبب فی هذا الموقف یکمن فی ابرامها خلال الحقبة الشیوعیة فی بلغاریا[95]. حیث حصرت هذه الاحکام التحکیم بحل النزاعات المتعلقة بشرعیة المصادرة والتعویض الناشئة عنها تحدیداً. وقد اعتمد المدّعی على شرط الدولة الأولى بالرعایة لإدراج أحکام تسویة المنازعات الواردة فی معاهدة الاستثمار الثنائیة بین بلغاریا وفنلندا کونها لا تتضمن هذه القیود. وقد استندت المحکمة فی رفض انعقاد اختصاصها على هذه القضیة على اللغة التی ورد فیها شرط الدولة الأولى بالرعایة فی المعاهدة الأساسیة من جهة وعلى نیة أطرافها من جهة أخرى. وقد رأت المحکمة أن کلا المعیارین غیر متحقق فی هذه القضیة. حیث أکدت المحکمة أن اتفاق التحکیم یجب أن یکون "واضحًا لا لبس فیه"، وأن اللغة المستخدمة فی هذه المعاهدة لا تستوفی هذا المعیار[96]. کما ذهبت إلى أنه لا یمکن دمج الیات تسویة المنازعات الواردة ضمن شرط الدولة الأولى بالرعایة فی معاهدة الاستثمار الثنائیة الأساسیة کلیاً أو جزئیاً فی المعاهدة مع الطرف الثالث، مالم یقم الدلیل القاطع على أن نیة الأطراف تتجه إلى دمجها، وقد رأت المحکمة أنه لا یمکن إثبات مثل هذه النیة فی القضیة المعروضة[97]. حیث أن أحکام تسویة النزاعات تعد معاهدة محددة تم التفاوض بشأنها بغیة حل النزاعات بموجب تلک المعاهدة. وبالتالی لا یمکن افتراض أن الدول المتعاقدة قد وافقت على توسیع تلک الأحکام من خلال دمج أحکام تسویة المنازعات من معاهدات الأخرى تم التفاوض علیها فی سیاق مختلف تماماً[98]. ولا بد من الإشارة إلى أن هذا الموقف کسابقه لم یسلم من النقد، حیث على الرغم من أن وضوح المعاهدة وتحدیدها أمر مرغوب، فأنه من الصعوبة بمکان أن یکون شرط الدولة الأولى بالرعایة بمستوى عالٍ من الوضوح دوماً. ذلک أن الغرض الأساسی من إیراده هو توفیر حمایة للمستثمر لا تقل أفضلیة عن تلک التی منحت أو سوف تمنح فی المستقبل لمستثمر من دولة طرف ثالثة. وبالتالی من الصعب تحدید هذه المعاملة وقت إبرام المعاهدة لأنها غیر معروفة وقت الدخول فی المعاهدة، وأمر تحدیها متروک للمستفید لیطالب بها کلما رأى ذلک هو الأفضل لوضعه. ومن هذا المنطلق، لا یوجد سبب یمنع توسع شرط الدولة الأولى بالرعایة فی المعاهدة الأساسیة لیشمل أحکام التسویة الخاصة بمعاهدة الاستثمار الثنائیة الخاصة بالدولة الثالثة[99]. ومن المبررات التی سیقت فی سیاق الدفاع عن موقف محاکم المرکز فی استبعاد المسائل الإجرائیة من عمل شرط الدولة الآولى بالرعایة هی الخشیة من أن یتم استبدال موافقة الأطراف المتعاقدة على أساس مصالح المستثمرین, وعلى هذا الأساس تلجأ بعض الدول إلى عدم الاعتراف باختصاص المحاکم والهیئات القضائیة الدولیة لتسویة النزاعات مع بعض البلدان، لأسباب مختلفة مثل الهند التی تحفظت على اختصاص المرکز فی تسویة منازعاتها مع دول الکومنولث[100] . ولکن فی کل الاحوال فأن الرکون إلى هذه المخاوف کحجة ضد تطبیق شروط الدولة الأولى بالرعایة على أحکام تسویة المنازعات لا یمکن تبریره. والحل الوحید المقبول لهذه المشکلة هو أنه ینبغی للدولة المضیفة، إن رغبت، أن تستبعد صراحة تطبیق شرط الدولة الأولى بالرعایة على الأحکام التی تمنح مثل هذه الولایة القضائیة رعایا دول ثالثة. إذا لم یحدث ذلک، فینبغی منح هذه المیزة للمستثمر المستفید من شرط الدولة الأولى بالرعایة فی المعاهدة الأساسیة. ذلک إن تسویة المنازعات هی جزء من الطرق التی "تعامل بها" الدولة المستثمرین الأجانب، وبالتالی فهی جزء لا یتجزأ من شرط الدولة الأولى بالرعایة[101]. الخاتمـة من خلال تناول تحکیم المرکز الدولی لتسویة منازعات الاستثمار لشرط الدولة الأولى بالرعایة بالدراسة والتحلیل، مسترشدین بالسوابق التحکیمیة، والنصوص القانونیة والآراء الفقهیة ذات الصلة بالموضوع، یمکننا تسجیل النتائج الآتیة التی توصل لها البحث: 1) تکمن أهمیة المرکز الدولی لتسویة منازعات الاستثمار أنه یأتی ضمن التحول المؤسساتی للتحکیم الدولی فی مجال تسویة منازعات الاستثمار، وما یعزز أهمیته کونه أول هیئة تحکیمیة تؤسس استناداً إلى معاهدة متعددة الأطراف. وهو یختص بتسویة المنازعات القانونیة التی تنشأ عن الاستثمار بین دولة طرف و مستثمرین من دولة طرف أخرى سواء کان أشخاصاً طبیعیین أو معنویین . وان امتداد ولایته لتشمل أفراداً طبیعیین یأتی ضمن سیاق تطور مکانة الفرد فی المنظومة الدولیة . 2) إن عملیة التحکیم فی سیاق عمل المرکز لم تخرج عن الإطار الاختیاری للتحکیم الدولی، إلا انه قد أضاف تقنیات جدیدة لم ینص علیها فی اتفاقیة واشنطن ذاتها. حیث أن المعتاد أن تکون صیغة التعبیر عن الإرادة فی ذات العقد أو المعاهدة وهو ما یطلق علیه التحکیم بسند اتفاقی أو باتفاقیة تحکیم . ومع ذلک فقد ابتکر المرکز من خلال عمله التحکیمی طریقة الایجاب المفتوح والتی بمقتضها تعبر الدولة المضیفة عن موافقتها باللجوء إلى التحکیم بوثیقة ویصادف قبول المستثمر على هذه الموافقة بوثیقة منفصلة. ویمکن ان تکون هذه الوثیقة المنفصلة قانوناً داخلیاً أو معاهدة دولیة . ومتى ما تمت تلک الإرادة فسیکون حکم المرکز ذا حصانة ولا یمکن الطعن به أمام ایة جهة قضائیة وطنیة، والطریق الوحید لطعن به أمام المرکز ذاته. 3) أدى فشل جهود الأمم المتحدة فی إبرام معاهدة متعددة الأطراف تخص الاستثمار الدولی، إلى زیادة اتفاقیات الاستثمار الثنائیة وخصوصا منذ مطلع تسعینیات القرن المنصرم. وقد کانت هذه الاتفاقیات عبارة عن نمط ثابت فی اغلب الاحیان تتشابه فی الصور والصیاغات والمرتکزات الأساسیة والتی من ضمنها إشارتها بطریقة أو بأخرى إلى شرط الدولة الأولى بالرعایة . وقد کان للجنة القانون الدولی دور کبیر فی بلورته فی مشروع مواد لسنة 1978، إلا ان جهودها لم تکلل بالنجاح لعدم توصل المجتمع الدولی إلى قناعة لتحویله إلى معاهدة متعددة الأطراف. 4) على الرغم من أهمیة شرط الدولة الأولى بالرعایة کوسیلة لجذب الاستثمار بما یوفر من معاملة متساویة بین المستثمرین، إلا انه لا یخلو من سلبیات إذ قد تجد الدولة نفسها أمام التزامات لم تلق لها بالاً اثناء المفاوضات تصل فی بعض الاحیان إلى تماس مع سیادتها لا سیما عند نشوء نزاعات تستوجب التحکیم الدولی. 5) لا یمکن اعتبار أن الالتزامات التی تنشأ عن شرط الدولة الأولى بالرعایة استثناءً على مبدأ نسبیة اثر المعاهدات، ذلک أن الالتزام إنما ینشأ عن المعاهدة الأساسیة ولیس عن المعاهدة مع الطرف الثالث والتی لا یتجاوز دورها کشف الالتزام لا إنشاءه. 6) إن اعتبار الاحتجاج بشرط الدولة الأولى بالرعایة مجرد حق للاحتجاج به والمطالبة بتحکیمه یحد من مسؤولیة الدولة المضیفة المترتبة جراء معاملة أفضل تمنحها لصالح المستفید من شرط الدولة الأولى بالرعایة منذ تاریخ المطالبة بذلک فقط. وهو الأقرب إلى الواقع کونه یحد من تأثیر هذه الشروط على حریة الدول المضیفة فی رسم سیاساتها الاستثماریة وما یترتب عنها من المسؤولیات القانونیة. لان القول بعکس ذلک قد یعرض الدولة لخطر مطالبات التعویض عن أضرار کبیرة، تمتد عبر سنوات لا تعتقد فیها الدولة بحسن نیة أی التزام ناتج عن شرط الدولة الآولى بالرعایة وذلک لعدم وجود أی التزام بتقدیم معاملة أکثر تفضیلاً قبل احتجاج المستفید وتقدیم طلب إلى المرکز بذلک. 7) ومن أجل التخفیف من وطأة الشرط فقد اشترطت النصوص القانونیة والممارسات القضائیة بعض المحددات عند الاحتجاج به وهی أن تکون المعاملة الأفضل التی یمکن الاحتجاج بها من ذات النوع مع ما ورد فی المعاهدة مع الطرف الثالث سواء من حیث الاشخاص أو الموضوع. کما أن اقتصار الاحتجاج على جوانب المزایا فقط لا یخلو من سلبیات، ورغم ذلک فقد قضى المرکز فی قضیة سیمنز ضد الارجنتین لصالح المستثمر مما جعل موقف معززاً لما یطلق علیه انتقاء الکرز. 8) لا یوجد نهج تحکیمی ثابت تجاه مسألة الاحتجاج بشرط الدولة الأولى بالرعایة فیما إذا کان یشمل الجوانب الاجرائیة أم أنه مقتصر على الجوانب الموضوعیة فقط. وقد عکست تجربة المرکز هذا التأرجح، حیث قضت محاکمه فی کلا الاتجاهین فی عدد من القضایا وان کانت الاسس والتبریرات التی استندت علیها تختلف إلا الأمر لا یخلو من غیاب المنهجیة فی بعض الجوانب. التوصیات: وبغیة إکمال الصورة ومن أجل تجاوز بعض السلبیات والتحدیات التی تواجه الیة عمل وتحکیم هذا الشرط نوصی بالآتی : 1) إیجاد إطار قانونی دولی جماعی ینظم مسألة الاستثمار الدولی یخضع للتفاوض والدراسة المعمقة بغیة تجاوز ما قد تتضمنه الاتفاقیات الثنائیة من جهة ولغرض استیعاب ما اعترى الواقع العملی من تحدیات. ولعل إعادة استئناف جهود لجنة القانون الدولی التی ابتدأتها فی مشروع المواد لسنة 1978 یمکن أن تکون الخطوة الصحیحة بهذا الاتجاه. 2) تسلیط الضوء دراسة وتحلیلاً على السوابق التحکیمیة بغیة اکتشاف مواطن القوة أو الوهن فیها بما یساهم فی تکوین فقه تحکیمی تراکمی یمکن أن یکون له دور فاعل فی توجیه عملیة التحکیم المستقبلی و إیجاد مبادئ توجیهیة فی هذا السیاق. 3) إیلاء اهتمام خاص سواء من الأکادیمیین أو من قبل مؤسسات الدولة بالنصوص التی تتضمن شرط الدولة الأولى بالرعایة والسیناریوهات المحتملة جراء تحکیمه عند نشوء منازعات، لما قد یسهم هذا الشرط من توریط الدول بالتزامات غیر مخطط لها وفی ذات الوقت تقنینه بدقة بغیة أن یکون سبباً فی تشجیع الاستثمار الاجنبی وبما لا یؤثر على القرار السیادی لأی دولة.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (English) First: Books and references 1. Ali Sadiq Abu Al-Haif, Public International Law, 17th Edition, Alexandria Knowledge Foundation, 1997. 2. Muhammad Youssef Alwan, Public International Law (Introduction and Sources), 3rd Edition, Wael House for Publishing and Distribution, Amman, 2003. 3. Nihad Khalil Demashkieh, Tammam Sobeih, Comprehensive Guide to World Trade Organization Agreements, Damascus, 2010. 4.Aron Broches, Selected Essays. World Bank, ICSID, and Other Subjects of Public and Private International Law, Martinus Nijhoff Publishers, Dordrecht, Boston, London, 1995. 5.Ibrahim F. I. Shihata , Towards a greater depoliticization of investment disputes : the roles of ICSID and MIGA , In Kevin W. Lu, Gero Verheyen ( with others eds), Investing with Confidence, Understanding Political Risk Management in the 21st Century , International Bank for Reconstruction and Development , Washington, 1992. 6.ICSID , The History of the ICSID Convention,Vol. II, Part 2 , DOCUMENTS 44.146, Washington,2006. 7.Moshe Hirsch, The Arbitration Mechanism of the International Centre for the Settlement of Investment Disputes, Martinus Nijhoff Publishers, Dordrecht, Boston, London, 1993. 8.United Nations Conference on Trade and development, Most-Favoured Nation Treatment, UNCTAD Series on Issues in International Investment Agreements II, United Nations, Switzerland, 2010. 9.Yearbook of the International Law Commission 1978, Vol. II, Part 2, Second: Research and articles 1.The significance of Hisham's rumor, Appealing to the International Center for Settlement of Investment Disputes and its Effects on the Parties, Journal of Ijtihad for Legal and Economic Studies, Volume 7, Issue 1, 2018:
2.Pierre Lalive, The First ‘World Bank’ Arbitration ( Holiday Inns v. Morocco )—Some Legal Problems , British Yearbook of International Law, Volume 51, Issue 1, 1980. 3.International Centre for Settlement of Investment Disputes , ICSID Additional Facility Rules, ICSID/11, April 2006, 4.Franz Kundmüller Caminiti and Roger Rubio Guerrero, El arbitraje del CIADI y el Derecho internacional de las inversiones: un nuevo horizonte, Lima Arbitration, N. 1, 2006. 5.Paul C. Szasz, A Practical Guide to the Convention on Settlement of Investment Disputes, Cornell International Law Journal, Vol. 1, Issue 1, Spring 1968. 6.Stephen T. Lynch , The International Centre for the Settlement of Investment Disputes: Selected Case Studies , Maryland Journal of International Law , Vol. 7 , Issue 2,. 7.Georg Schwarzenberger, The Most-Favoured-Nation Standard in British State Practice, Britain Yales Book International Law,Vol. 22. 8.Stephan Schill, Multilateralizing Investment Treaties through Most-Favoured-Nation Clauses, Berkeley Journal of International Law, Vol.27, 2009. 9.United Nations , Report of the International Law Commission , Sixtieth session (5 May-6 June and 7 July-8 August 2008) General Assembly Official Records, Sixty-third session Supplement No. 10 (A/63/10), 10.Suzy H. Nikièma, The Most-FavouredNation Clause in Investment Treaties, IISD Best Practices Series - February 2017. 11. Viviana Herrera Ramírez, Efectos sorpresivos de la cláusula de la nación más favorecida (CNMF) en materia de inversiones extranjeras (Estudio de la jurisprudencia del Centro Internacional de Arreglo de Diferencias relativas a las inversiones – CIADI), Revista Civilizar, Colombia, Universidad Sergio Arboleda, Vol. 9, No. 16, enero-junio de 2009.12 12. Tony Cole , The Boundaries of Most Favored Nation Treatment in International Investment Law, Michigan Journal of International Law Vol.33 ,Issue 3 ,2012. 13. PR Thulasidhass, Most-Favoured-Nation Treatment in International Investment Law: Ascertaining the Limits through Interpretative Principles, Amsterdam Law Forum , Vol.7.1, 2015. 14. Zachary Douglas, The MFN Clause in Investment Arbitration: Treaty Interpretation Off the Rails, Journal of International Dispute Settlement, Vol. 2, Issue 1, February 2011. 15. Benedict Kingsbury and Stephen Schil, Investor-State Arbitration as Governance: Fair and Equitable Treatment, Proportionality and the Emerging Global Administrative Law, NYU School of Law Public Law Research Paper ,2009. 16. Evode Kayitana, The scope and applicability of Most-Favoured-Nation (MFN) clause in investment treaties: a survey of the jurisprudence of the international centre for settlement of investment disputes, Nnamdi Azikiwe University Journal of International Law and Jurisprudence, Vol.9, No.1, 2018. 17. Irene Gabriela García Corona , Arbitraje de inversión: la cláusula de la nación más favorecida en derechos adjetivos, Instituto de Investigaciones Jurídicas, Universidad Nacional Autónoma de México, México ,2013. 18. Alejandro Faya Rodriguez, ‘The Most-Favored-Nation Clause in International Investment Agreements: A Tool for Treaty Shopping?’, Journal of Arbitration International 2008. Third: Messages and Frameworks 1. Basoud Abdel Malek, Protection of Foreign Investments in the Light of Institutional Arbitration, a letter submitted to obtain a doctorate in public law to Abu Bakr Belkaid University of Tlemcen, Faculty of Law and Political Sciences, 2015. Fourth: International Treaties and Agreements 1. Treaty of Amity and Commerce between the United States and France of 1778. 2. Vienna Convention on the Law of Treaties of 1969. 3. Washington Agreement for the Settlement of Investment Disputes between States and Citizens of Other Countries for the year 1965. 4. Agreement on Encouragement and Mutual Protection of Investments between the Kingdom of Spain and the Republic of Argentina for the year 1991. 5. Treaty between the Federal Republic of Germany and the Republic of Argentina on the Encouragement and Reciprocal Protection of Investments of 1991. 7. Agreement on Encouragement and Mutual Protection of Investments between the Kingdom of Denmark and the Republic of Argentina for the year 1992. 8. North American Free Trade Agreement between the United States, Canada and Mexico of 1992. Fifth: International decisions and reports 1. Report of the Executive Directors on the Convention on the Settlement of Investment Disputes Between the States and Nationals of other States, March 18, 1965. 2. General Assembly Resolution 46/416 of December 19, 1991 | ||
References | ||
المصـادر أولاً : الکتب والمراجع
ثانیاً : البحوث والمقالات مغزی شاعة هشام، الاحتکام إلى المرکز الدولی لتسویة منازعات الاستثمار وآثاره على الاطراف، مجلة الاجتهاد للدراسات القانونیة والاقتصادیة، المجلد 7، العدد 1، :2018.
10. Viviana Herrera Ramírez, Efectos sorpresivos de la cláusula de la nación más favorecida (CNMF) en materia de inversiones extranjeras (Estudio de la jurisprudencia del Centro Internacional de Arreglo de Diferencias relativas a las inversiones – CIADI), Revista Civilizar, Colombia, Universidad Sergio Arboleda, Vol. 9, No. 16, enero-junio de 2009.
11. Tony Cole , The Boundaries of Most Favored Nation Treatment in International Investment Law, Michigan Journal of International Law Vol.33 ,Issue 3 ,2012.
12. PR Thulasidhass, Most-Favoured-Nation Treatment in International Investment Law: Ascertaining the Limits through Interpretative Principles, Amsterdam Law Forum , Vol.7.1, 2015.
13. Zachary Douglas, The MFN Clause in Investment Arbitration: Treaty Interpretation Off the Rails, Journal of International Dispute Settlement, Vol. 2, Issue 1, February 2011.
14. Benedict Kingsbury and Stephen Schil, Investor-State Arbitration as Governance: Fair and Equitable Treatment, Proportionality and the Emerging Global Administrative Law, NYU School of Law Public Law Research Paper ,2009.
15. Evode Kayitana, The scope and applicability of Most-Favoured-Nation (MFN) clause in investment treaties: a survey of the jurisprudence of the international centre for settlement of investment disputes, Nnamdi Azikiwe University Journal of International Law and Jurisprudence, Vol.9, No.1, 2018.
16. Irene Gabriela García Corona , Arbitraje de inversión: la cláusula de la nación más favorecida en derechos adjetivos, Instituto de Investigaciones Jurídicas, Universidad Nacional Autónoma de México, México ,2013.
17. Alejandro Faya Rodriguez, ‘The Most-Favored-Nation Clause in International Investment Agreements: A Tool for Treaty Shopping?’, Journal of Arbitration International 2008.
ثالثاً : الرسائل والإطاریح
رابعاً : المعاهدات والاتفاقیات الدولیة
ثالثاً : الأحکام القضائیة
10. International Centre For Settlement Of Investment Disputes, Salini Costruttori S.p.A. and Italstrade S.p.A. V. The Hashemite Kingdom of Jordan, Decision On Jurisdiction, ICSID Case No. ARB/02/13.
11. International Centre for Settlement of Investment Disputes, Southern Pacific Properties (Middle East) Limited v. Arab Republic of Egypt, ICSID Case No. ARB/84/3.
12. International Centre for Settlement of Investment Disputes, Tokios Tokelės (Claimant) v. Ukraine (Respondent) Case No. ARB/02/18 ,AWARD,
13. International Court Justice, Anglo-Iranian Oil Company (U.K. v. Iran), Judgment, Reports , 1952 I.C.J. (July 22).
خامساً : القررات والتقایر الدولیة
| ||
Statistics Article View: 512 PDF Download: 267 |