الطبیعة القانونیة للقاعدة القانونیة الدولیة وخصائصها | ||
الرافدین للحقوق | ||
Article 8, Volume 23, Issue 76, September 2021, Pages 240-262 PDF (673 K) | ||
Document Type: بحث | ||
DOI: 10.33899/alaw.2021.169239 | ||
Authors | ||
عدی محمد رضا* ; خلف رمضان الجبوری | ||
کلیة الحقوق/ جامعة الموصل | ||
Abstract | ||
لم یستقر الفقه فی إطار القانون الدولی العام على وضع تعریف محدد للقاعدة الدولیة، الأمر الذی أدى إلى هجوم فقهاء القانون الداخلی بالتصدی لوجود تلک القواعد على المستوى الدولی بالنظر لعدم وجود إرادة شارعة على الصعید الدولی فضلاً عن وجود دول متساویة السیادة لا تعلوها سیادة أخرى، ویرون أن المجتمع الدولی فی بدایاته کان قائماً على القوة الحاکمة للعلاقات بین الدول، فهذه الدول تستطیع أن تلجأ إلى الحرب لحسم أی نزاع یثار وفرض وجهة نظرها وذلک لافتقاد المجتمع الدولی للهیئات الجزائیة التی تفرض العقوبات الخاصة ضد من ینتهک أحکام القاعدة القانونیة، فالجزاء فی القاعدة الدولیة حسب وجهة نظرهم یؤدی إلى انتفاء صفة القاعدة القانونیة عنها، وأن جملة العادات والتقالید تثمل الإطار التنظیمی للعلاقات الدولیة إلا أنها لا ترقى إلى مصاف القواعد القانونیة. ورغم أن الاتجاه الفقهی سالف الذکر قد هجر الآن على الصعید الدولی إلا أن بعض فقه القانون الداخلی ما زال متأثراً به، إذ یتصور أن قواعد القانون الدولی لا تتسم بقوة البنیة سواء الشکلیة أو الموضوعیة، بل قواعد ضعیفة لها صبغة أخلاقیة تتمثل جزاءاتها بالمثالیة کإثارة الرأی العام أو التعرض للاستهجان، فلابد من أن تتمتع القواعد القانونیة الدولیة بقوة الإجبار الجماعی وهو أن شرط جوهری لوجود القانون وتطبیقه وضمان للالتزام به، فلا بد من التمییز بین فکرة القانون ، بوصفها المجرد وبین " النظام القانونی" من حیث هو قواعد تطبیق، فالقانون کفکرة مجردة هو الحقیقة الطبیعیة الثابتة فی کل زمان ومکان کمعنى فی ضمیر الجماعة، أما القانون کقواعد فهو الأحکام التی تخاطب أشخاص القانون الدولی وتنظم نشاطهم، فقواعد القانون تمثل الاستجابة العملیة لفکرة القانون والصیاغة التطبیقیة له لما تمثله من أحکام استقر علیها أعضاء المجتمع واعترفوا لها بصفة الإلزام. إن اصطلاح "القاعدة القانونیة" استخدمه الفقه الدولی للدلالة على کافة ما یشتمل علیه النظام القانونی الدولی من قواعد للسلوک الاجتماعی تکون ملزمة سواء اتصفت بالتجرید والعمومیة أو انصبت على حالة محددة لا تعنی غیر أشخاص بعینهم، لا یفرقون بذلک بین "قاعدة القانون" التی تتسم بالعمومیة والتجرید وبین "الالتزام" الذی هو فاقد للعمومیة والتجرید من قواعد السلوک الاجتماعی الملزمة، ممیزین بذلک بین القواعد الدولیة المتصفة بالعمومیة أی القانون الدولی عام التطبیق، وبین القواعد الدولیة المفتقدة لعمومیة التطبیق أی ما یعرف بالقانون الدولی النسبی، فما یجمع کل من الالتزام وقاعدة القانون من سمات مشترکة هی اتصاف کل من القاعدتین بالإلزام والطابع الاجتماعی وما یفرقها هو اتصاف أحداهما بالعمومیة والتجرید "قاعدة القانون" وافتقاد "الالتزام الدولی" لهذه العمومیة واقتصاره على أطراف الالتزام فقط دون غیرهم. | ||
Keywords | ||
الطبیعة القانونیة; القاعدة القانونیة; القاعدة الدولیة | ||
Full Text | ||
الطبیعة القانونیة للقاعدة القانونیة الدولیة وخصائصها-(*)- The Nature and the characteristics of the Rules of International Law
(*) Received on 26/6/2018 *** Accepted for publishing on 14/10/2018 © Authors, 2021, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license (http://creativecommons.org/licenses/by/4.0). المستخلص إن اصطلاح "القاعدة القانونیة" استخدمه الفقه الدولی للدلالة على کافة ما یشتمل علیه النظام القانونی الدولی من قواعد للسلوک الاجتماعی تکون ملزمة سواء اتصفت بالتجرید والعمومیة أو انصبت على حالة محددة لا تعنی غیر أشخاص بعینهم، لا یفرقون بذلک بین "قاعدة القانون" التی تتسم بالعمومیة والتجرید وبین "الالتزام" الذی هو فاقد للعمومیة والتجرید من قواعد السلوک الاجتماعی الملزمة، ممیزین بذلک بین القواعد الدولیة المتصفة بالعمومیة أی القانون الدولی عام التطبیق، وبین القواعد الدولیة المفتقدة لعمومیة التطبیق أی ما یعرف بالقانون الدولی النسبی، فما یجمع کل من الالتزام وقاعدة القانون من سمات مشترکة هی اتصاف کل من القاعدتین بالإلزام والطابع الاجتماعی وما یفرقها هو اتصاف أحداهما بالعمومیة والتجرید "قاعدة القانون" وافتقاد "الالتزام الدولی" لهذه العمومیة واقتصاره على أطراف الالتزام فقط دون غیرهم. الکلمات المفتاحیة: الطبیعة القانونیة، القاعدة القانونیة، القاعدة الدولیة. Abstract International jurisprudence has used the term "legal rule" to refer to all of the legal rules that are binding on the international legal system, regardless of whether they are characterised by abstraction or generalisation or are focused on a specific situation that does not concern anyone other than specific individuals. Thus, they do not distinguish between the concept of a rule of international law which are general and abstract, and the international law obligation which lacks generality and abstraction, distinguishing between general international rules and relative normativity of international law. What international obligation and legal rule of international law have in common is their obligatory nature, and what distinguishes them is the generality and abstraction of the rules, and the lack of "international commitment" for this generality of international obligtion and its restricted scope to the parties to the obligation. Keywords: Legal Nature, Legal Rule, International Rule. المقدمـة ینصرف مفهوم الطبیعة القانونیة لقواعد القانون الدولی إلى ثلاث نقاط أساسیة:- الأولى هی التکییف القانونی السلیم أو الوصف القانونی الدقیق لقواعد هذا القانون ، بمعنى مدى تمتعها بالصفة القانونیة، ومن ثم مدى وجود القانون الدولی، والثانیة تتعلق بالقوة الإلزامیة لهذه القواعد وسببها وأساسها والثالثة بخصائص القاعدة القانونیة الدولیة. إن المقصود بالقانون الوضعی (مجموعة القواعد القانونیة الساریة والمطبقة فعلاً عند جماعة معینة فی زمن معین، ولذلک فإن مفهوم الوضعیة یرتبط بسریان القاعدة القانونیة وتطبیقها فعلاً على المجتمع الذی تنظمه، فدخول المعاهدة حیز النفاذ یعنی بدء سریانها وهذا یعنی أنها أصبحت قاعدة ساریة المفعول([1])، وهذا الأمر یتعلق بتطبیق القاعدة القانونیة وهذا السریان یرتبط بعنصر الإلزام المرتکز على اقترانه بجزاء مادی ملموس، ولن تکون قواعد القانون الدولی مطبقة فعلاً إلا إذا اکتسبت خصائص القاعدة القانونیة، وعلى ذلک فإن الوضعیة بالنسبة للقانون الدولی تنصرف إلى (سریان وتطبیق قواعده على أشخاص المجتمع الدولی، وسریان هذه القواعد على هؤلاء الأشخاص یرتبط بعنصر الإلزام والفاعلیة وهو ما یرتکز على الجزاء اللازم لکفالة احترامها ولتعلق الإلزام والفاعلیة بتطبیق القاعدة وسریانها سوف نتکلم عنهما فی الفصل الثانی من الدراسة, کما یمکن تعریف القاعدة القانونیة بانها(تلک القاعدة العامة المجردة الملزمة والمقترنة بجزاء مادی ملموس).([2]) ومن هنا فإن مفهوم الطبیعة الوضعیة یختلط بمفهوم الطبیعة القانونیة ولذلک نجد بعض الکتاب یستخدم مصطلح الطبیعة القانونیة أو الصفة القانونیة([3]). والبعض الآخر یستخدم مصطلح الطبیعة الوضعیة للدلالة على نفس المعانی والأفکار وهذا ما یدعونا لاستخدامها کمترادفین([4]). اولا- أهمیة موضوع البحث:- تکمن فی اعطاء الوصف القانونی الدقیق للقاعدة القانونیة الدولیة وتحدید اساس الالتزام بها ومدى وجود الاجهزة التشریعیة والتنفیذیة والقضائیة على المستوى الدولی وتحدید توافر خصائص القاعدة القانونیة فیها. ثانیا- اشکالیة الدراسة:- تتلخص الاشکالیة التی یثیرها هذا الموضوع فی تحدید مکانة القواعد القانونیة الدولیة وهل هی قواعد قانونیة تتوافر فیها جمیع عناصر القواعد القانونیة العامة ومن ثم تحدید مدى الالتزام بها من قبل اشخاص القانون الدولی العام وهل ان وجود الجزاء الدولی شرط لتمتع القاعدة بالصفة القانونیة الدولیة؟ ثالثا- فرضیة الدراسة:- نحاول من خلال هذه الدراسة اثبات ان القاعدة القانونیة الدولیة هی قاعدة تتوافر فیها جمیع الخصائص الواجب توافرها فی القواعد القانونیة واثبات وجود اجهزة تشریعیة دولیة تساهم فی اقرار القواعد القانونیة الدولیة واجهزة تنفیذیة وقضائیة تساهم فی تطبیق تلک القواعد. ثانیا-منهجیة الدراسة:- تم اعتماد الاسلوب التحلیلی فی دراسة الطبیعة القانونیة للقاعدة القانونیة الدولیة ومدى توافر خصائص القاعدة القانونیة فیها معتمدا على الآراء والمدارس الفقهیة الارادیة والموضوعیة وما تتضمنه من نظریات فی هذا الموضوع. ثالثا-هیکلیة البحث:- ولدراسة موضوع الطبیعة القانونیة للقاعدة الدولیة سوف نقسمه إلى ثلاثة مباحث:- المبحث الأول: مدى وجود القانون الدولی العام . المبحث الثانی: أساس الالتزام بالقانون الدولی العام. المبحث الثالث: خصائص القاعدة القانونیة الدولیة. المبحث الأول مدى وجود القانون الدولی العام ذهب قلة من فقهاء وشراح القانون الخاص وفی مقدمتهم الفقیه الإنکلیزی اوستن إلى القول بأن قواعد القانون الدولی لا تعتبر قواعد قانونیة بالمعنى الصحیح ومن ثم فهم ینفون عنهم وصف القانون، أی أنهم ینکرون وجوده، وحجتهم فی ذلک هو عدم وجود السلطة التشریعیة التی تضع تلک القواعد وعدم وجود السلطة القضائیة التی تطبقها وتفصل فی المنازعات التی تثور بشأنها([5]). وعدم وجود السلطة التنفیذیة التی تکفل احترام تلک القواعد القانونیة وتنفذ الأحکام القضائیة، فلا وجود لحکومة مرکزیة عالمیة على غرار الحکومة المرکزیة فی المجتمعات الداخلیة، فلا یوجد مثل هذا التنظیم بین الدول المستقلة فی السیادة([6]). ویمکننا الرد على ما سبق بأن هذه الآراء وإن کان هنالک ما یبررها جزئیاً فی بدایة نشوء القانون الدولی العام إلا أنها لم یعد لها ما یبررها مع تطور القانون الدولی العام ووصوله مرحلة النضج بحیث أصبح قانوناً دولیاً وضعیاً تتمتع قواعده بصفة الإلزام کما هو الحال فی القانون الداخلی مع اختلاف طبیعة المجتمعین الداخلی عن الدولی، فالمجتمع الداخلی ینقسم إلى فئتین: فئة الحکام التی تتفرع القوانین وتطبیقها ، وفئة المحکومین الملتزمة باحترام تلک القوانین وتنفیذها وهم المواطنین، إلا أن الحال مختلف فی المجتمع الدولی إذ تختلط فیه فئة الحکام بفئة المحکومین، فالحاکم والمحکوم واحد ألا وهو الدول، فهی أی الدول هی المکونة للسلطة التشریعیة أو السلطة الدولیة وهی ذاتها المکونة لأشخاص القانون الدولی الملزمین بطاعته، وللمجتمع الدولی وسائل تماثل ما موجود فی المجتمع الداخلی وتتناسب معه، فللمجتمع الدولی تشریع دولی وقضاء دولی وجزاء دولی وسلطة عامة دولیة([7]). ولدراسة وسائل المجتمع الدولی التشریعیة والتنفیذیة والقضائیة والجزائیة سوف نقسم هذا المبحث الى اربع مطالب:- المطلب الاول:- التشریع الدولی:- فیما یتعلق بعدم وجود سلطة تشریعیة دولیة قادرة على سن وإصدار التشریعات الدولیة هو من الأخطاء التی وقع فیها فقهاء القانون الخاص ففی هذا الرأی خلط بین التشریع والقانون فمن الثابت أن کل تشریع یعتبر قانون، فی حین أن کل قانون لا یعتبر بالضرورة تشریعاً، فمن المعروف أن هنالک العدید من القواعد القانونیة العرفیة، الدولیة والداخلیة على السواء قد ثبتت بالعرف دون أن یتدخل المشرع لإیجادها([8])، ومن أبرز القوانین الداخلیة التی تعتمد فی کثیر من قواعدها على العرف والسوابق القضائیة هو القانون الإنکلیزی، کما أنه من المعلوم أن الغالبیة العظمى من قواعد القانون الدولی قد بدأت عن طریق العرف الدولی. کما أن القول بعدم وجود القانون الدولی استناداً لعدم وجود سلطة تشریعیة دولیة أو مشرع دولی بسبب عدم وجود سلطة سیاسیة علیا فی المجتمع قول فیه کثیر من المغالطة ذلک أن الربط السلطة السیاسیة والمشرع الدولی ربط فی غیر محله هو الآخر، حیث یمکن للمشرع الدولی أو السلطة التشریعیة الدولیة أن تکون موجودة بدون وجود سلطة سیاسیة، ذلک أن طبیعة تکوین المجتمع الدولی تتعارض مع وجود سلطة سیاسیة أعلى من سلطات الدول. فالدول ومعها المنظمات الدولیة کوحدات مکونة للمجتمع الدولی هی الخالقة للقواعد القانونیة الدولیة وذلک بإرادتها الصریحة عن طریق المعاهدات الشارعة*[9] أو الضمنیة عن طریق العرف الدولی، أو المفترضة عن طریق المبادئ العامة للقانون ضمن الأمثلة على الاتفاقیات الدولیة العامة المقننة للقواعد الدولیة العرفیة بواسطة لجنة القانون الدولی التی أنشأتها الأمم المتحدة:- 1- قانون البحار عام 1958 والذی یتضمن أربع اتفاقیات. 2- اتفاقیة الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982. 3- اتفاقیات لاهای بشأن قوانین الحرب 1899 ، 1907. 4- اتفاقیات جنیف الأربع لعام 1949 والبروتوکولان الاضافیان الملحقان باتفاقیات جنیف عام 1977. 5- عهد عصبة الأمم عام 1919. 6- میثاق الأمم المتحدة عام 1945. 7- اتفاقیة فیینا للعلاقات الدبلوماسیة عام 1961. 8- اتفاقیة فیینا للعلاقات القنصلیة عام 1963. 9- اتفاقیة فیینا لقانون المعاهدات عام 1969. 10- العهد الدولی للحقوق المدنیة والسیاسیة 1966. 11-العهد الدولی للحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة عام 1966. وبجانب التشریع الدولی کمصدر اتفاقی للقانون الدولی العام یوجد العرف الدولی کمصدر سابق على التشریع، وبمقتضاه تنشأ القاعدة القانونیة وتستقر ویستمر العمل بها قبل صیاغتها فی تشریع رسمی([10]). المطلب الثانی- القضاء الدولی :- استند الرافضون لوجود القانون الدولی إلى عدم وجود سلطة قضائیة دولیة تطبق قواعد القانون على المخالفین لأحکامه، وتفصل فی مدى مطابقة سلوک أشخاص هذا القانون للقواعد التی یحتویها، إلا أن هذا الکلام مخالف للحقیقة حیث أن القواعد القانونیة قد عرفت فی المجتمعات القدیمة قبل أن توجد المحاکم وقبل أن تتشکل السلطة القضائیة، وأن القاضی لا یوجد إلا إذا وجد القانون، فعمل القاضی هو تطبیق القانون لا خلقه، فالخطأ الذی وقع فیه أصحاب هذا الرأی أنهم یقارنون بین القضاء الدولی والسلطة القضائیة فی المجتمعات الداخلیة وهذه المقارنة فی غیر محلها لاختلاف طبیعة وتکوین المجتمع الدولی عن الداخلی فالولایة القضائیة أو الاختصاص القضائی فی القانون الداخلی اختصاص جبری وإلزامی فی حین أنه اختیاری فی القانون الدولی والسبب یعود إلى طبیعة الوحدات التی یتکون منها المجتمع الدولی وهی الدول المستقلة ذات السیادة([11]). کما أن القول بعدم وجود سلطة قضائیة دولیة قول یتعارض مع الواقع الذی یشهد بوجود العدید من المحاکم الدولیة التی تفصل فی المنازعات الدولیة، ففی عام 1899 أنشئت محکمة التحکیم الدائمة، وفی عام 1930 أنشأت محکمة العدل الدولیة الدائمة کجهاز قضائی رئیسی فی عصبة الأمم، وفی عام 1945 أنشأت محکمة العدل الدولیة کجهاز قضائی رئیسی فی إطار الأمم المتحدة، وفی عامی 1951 و1957 أنشأت محکمة العدل الأوربیة للفصل فی المنازعات التی تنشأ بین الدول الأعضاء وبین أجهزة الجماعات الثلاث*. وفی عام 2002 حل الاتحاد الأفریقی محل منظمة الوحدة الأفریقیة وتم إنشاء محکمة العدل الأفریقیة وکذلک تم إنشاء المحکمة الجنائیة الدولیة مؤخراً عام 1998 وتمارس هذه المحاکم على اختلاف أنواعها الوظیفیة القضائیة الدولیة ولذلک فهی تشکل فی مجملها بالإضافة إلى محاکم التحکیم الدولیة (القضاء الدولی أو السلطة القضائیة الدولی).([12]) المطلب الثالث- الجزاء الدولی:- القاعدة القانونیة توجد لحاجة اجتماعیة وهی توجد ولو لم یصحبها جزاء أو کان الجزاء ضعیفاً، فالضعف هنا لیس عیباً فی القانون وإنما هو عیب فی النظام الاجتماعی الذی یطبقه، فالجزاء هو الوسیلة أو الضمان لتطبیق القاعدة القانونیة والالتزام بها إلا أنه لیس شرطاً لوجودها ، فالقول بعدم وجود جزاء فی القانون الدولی العام أمر مخالف للواقع، فالنظام القانونی الدولی الحالی توجد فیه العدید من الجزاءات التی تتناسب مع طبیعة المجتمع الدولی وتتمثل هذه الجزاءات بـ جزاءات جنائیة، وجزاءات لا تتطلب استخدام القوة، وجزاءات تستخدم فیها القوة، وجزاءات فی میثاق الأمم المتحدة([13]). المطلب الرابع- السلطة التنفیذیة أو السلطة العامة الدولیة :- إن القول بغیاب السلطة التنفیذیة الدولیة بسبب عدم وجود حکومة مرکزیة عالمیة فی المجتمع الدولی، قول فیه کثیر من المغالطة، حیث أن تنفیذ قواعد القانون الدولی لا ترتبط بوجود حکومة مرکزیة عالمیة فالمقارنة بین المجتمع الداخلی والمجتمع الدولی أمر خاطئ کما أن اشتراط وجود سلطة تنفیذیة فی المجتمع الدولی على النحو المعمول به فی المجتمعات الداخلیة ومن ثم حکومة مرکزیة عالمیة على غرار الحکومات المرکزیة الداخلیة أمر خاطئ وفیه ظلم کبیر للقانون الدولی، ذلک أن الوحدات التی یتکون منها المجتمع الدولی هی دول مستقلة ذات سیادة ومعها المنظمات الدولیة التی أنشأتها أیضاً الدول المستقلة ذات السیادة، فطبیعة تکوین المجتمع الدولی تتعارض مع فکرة الحکومة العالمیة، لأن هذه الفکرة الأخیرة نفسها تتعارض مع وجود القانون الدولی، لأننا ببساطة شدیدة إذا ما وصلنا إلى مرحلة الحکومة المرکزیة العالمیة کنا بصدد قانون داخلی لدولة واحدة ولیس بصدد قانون دولی ینظم العلاقة بین عدة دول([14]) المبحث الثانی أساس الالتزام بالقانون الدولی العام الأساس لغة یعنی أصل البناء، حیث نقول أسس تأسیساً أی جعل له أساساً وجمعه أسس([15]). وقانوناً یطلق الأساس على المبادئ أو القیم التی یرتکز علیها التصرف، أی أنه الإجابة عن السؤال لماذا؟ وإذا ما بحثنا عن أساس الالتزام بالقانون الدولی کان هذا الأساس هو الإجابة عن السؤال : لماذا تلتزم الدول بأحکام وقواعد القانون الدولی؟ ولقد ذهب الفقه الدولی فی الإجابة عن هذا السؤال إلى مذهبین رئیسیین:- الأول یرجع إلزام القانون الدولی إلى إرادة الدول وهو ما یعرف بالمدرسة الإرادیة ، بینما الثانی یرجع الإلزام إلى اعتبارات أسس موضوعیة وهو ما یعرف بالمدرسة الموضوعیة لذلک سوف نقسم هذا المبحث الى مطلبین :-
المطلب الاول- المدرسة الإرادیة :- یذهب أنصار المدرسة الإرادیة إلى أن القواعد القانونیة هی نتاج للإرادة فالإرادة هی التی تخلق القانون، وهی التی تخضع له، فأساس الالتزام بالقانون الداخلی هو رضاء المواطنین بأحکامه وأساس الالتزام بالقانون الدولی هو رضاء الدول بقواعده. سواء أکان هذا الرضا صریحاً فی صورة معاهدة دولیة أم ضمنیاً فی صورة أعراف دولیة، حیث کان للفقهاء الألمان یلنیک وتریبل والإیطالی انزلیوتی وکفاییری الفضل فی عرض أفکار هذه المدرسة فی أواخر القرن الثامن عشر ولقد تفرعت المدرسة الإرادیة إلى نظریتین حیث أسهمت الأولى الإلزام على الإرادة المنفردة للدولة، بینما أسست الثانیة على الإرادة المشترکة للدول.([16]) أ- نظریة التحدید الذاتی للإرادة:- تزعم نظریة التحدید الذاتی للإرادة الفقیه الألمانی جورج یلینیک فی نهایة القرن التاسع عشر، حیث تقضی هذه النظریة بتمتع الدولة بالسیادة المطلقة، وعدم خضوعها لأیة سلطة أخرى أعلى منها. ومن ثم عدم خضوع الدولة لأیة قیود أو التزامات قانونیة إلا إذا قبلت ذلک وبمحض إرادتها، وتقوم الدولة بتحدید إرادتها لأنها تجد أن من مصلحتها الدخول فی علاقات مع سائر أعضاء الجماعة الدولیة والالتزام بتعهداتها السابقة، فأساس الالتزام بالقانون الدولی فی هذه النظریة هو التحدید الذاتی لإرادة الدولة بقبولها الالتزام بقواعد هذا القانون. ([17]) نقد نظریة التحدید الذاتی للإرادة :- 1- إن هذه النظریة تهدم القانون الدولی من أساسه بدلاً من أن تدعمه، لأنها لا تصلح کتغیر لقوة القانون الدولی الملزمة بقدر ما تصلح کتبریر لانتفاء وصف الإلزام عنه فإذا کانت الدولة تلتزم بأحکام القانون بإرادتها المنفردة، فما الذی یمنعها من التحلل من هذه الأحکام بإرادتها المنفردة أیضاً. ([18]) 2- إن هذه النظریة لا تتفق مع المنطق والأصول القانونیة ذلک أنه إذا کانت الوظیفة الأساسیة للقانون هی وضع القیود على إرادة الأشخاص المخاطبین به والخاضعین لأحکامه، فإن القوة الإلزامیة لهذا القانون لا یمکن أن تقوم على هذه الإرادة([19]). 3- إن هذه النظریة لا تقدم لنا تفسیراً عن أساس التزام الدول الجدیدة بقواعد القانون الدولی التی نشأت قبل نشأة هذه الدول، ولم یکن لإرادتها أی دور فی خلقها، فهی تلتزم بها حتى ولو لم ترضى عنها. 4- إن فکرة التحدید الذاتی للإرادة تتمشى مع التصور القدیم للسیادة المطلقة، ولکنها لم تعد تتمشى مع الأفکار الحدیثة مثل سیادة الدولة النسبیة أو المقیدة أو سلطة الدولة أو اختصاص الدولة([20]). ب- نظریة الإرادة المشترکة :- بحث أنصار المدرسة الإرادیة عن أساس آخر لالتزام الدول بالقانون الدولی داخل إرادة الدول یعد الانتقادات التی وجهت إلى نظریة التحدید الذاتی للإرادة، فلجأوا إلى نظریة الإرادة المشترکة، حیث تقوم هذه النظریة على أساس المساواة بین إرادات الدول وهی حقیقة لا مجال للتشکیک فیها، ولا تجعل للإرادة المنفردة لأیة دولة دوراً فی أن تکون أساساً للإلزام، لأن الإرادة المنفردة لکل من الدول لا یمکن أن تکون بذاتها أساساً لقانون یلزم غیرها من الدول ما دامت هذه الإرادات کلها متساویة([21]). ولکی یتوافر وصف الإلزام لقاعدة قانونیة تخاطب إرادات متساویة یجب أن تصدر هذه القاعدة عن إرادة أعلى من هذه الإرادات المتساویة ولما لم یکن فی المجتمع الدولی مثل هذه الإرادة العلیا، فقد ذهب أنصار هذه النظریة إلى القول بأن الإرادة التی تتکون نتیجة اتحاد الإرادات المختلفة للدول الخالقة للقاعدة القانونیة، تعلو الإرادة المنفردة للدولة، ومن ثم فهی تعتبر أساس إلزام قواعد القانون الدولی، ومن أنصار هذه النظریة الألمانی تریبیل والإیطالی انزیلوتی وکفالییری([22]). نقد لنظریة الإرادة المشترکة :- 1- إن هذه النظریة تقوم على التحایل لإیجاد سلطة أسمى من إرادة الدولة لإقامة القانون علیها، وهی اتحاد الإرادات، غیر أن هذا الأساس الجدید لا یفوق أساس الإرادة المنفردة قوة، لاحتمال تفکک الإرادات المتحدة خاصة إذا ما بنی هذا الاتحاد على أساس المصالح فهو أمر عارض لا یمکن تأسیس الالتزام علیه. 2- إن مسایرة منطق هذه النظریة یؤدی إلى التسلیم بإمکان قیام أکثر من قانون دولی تبعاً لاتفاق الإرادات فی وقت واحد([23]). 3- إن هذه النظریة عاجزة هی الأخرى عن تفسیر أساس التزام الدول المنظمة حدیثاً إلى المجتمع الدولی بقواعد قانونیة نشأت قبل نشأة هذه الدول بالرغم من إسهامها فی نشأتها([24]). المطلب الثانی- المدرسة الموضوعیة :- تبحث المدرسة الموضوعیة عن أساس الالتزام بالقانون الدولی خارج دائرة الإرادة الإنسانیة، باعتبار أن الالتزام بقاعدة ما یکون نتیجة عوامل خارجة عن إرادة المخاطبین بها، وتعلو على هذه الإرادة فی نفس الوقت، وهذه العوامل هی التی تحدد موضوع القانون وتکسب قواعده وصف الإلزام، ورغم إجماع أنصار هذه النظریة على هذا المبدأ إلا أنهم قد اختلفوا فی شأن العوامل الخارجیة المنتجة للقواعد القانونیة إلى فریقین : فریق المدرسة النمساویة وفریق المدرسة الفرنسیة.([25]) أ- نظریة المدرسة النمساویة (نظریة تدرج القواعد القانونیة):- یتزعم هذه النظریة النمساویات کلسن وفردروس ولذلک فهی تعرف باسم النظریة النمساویة، فجوهر هذه النظریة یقوم على أساس أن القواعد القانونیة فی أی نظام قانونی لیست کلها فی نفس الدرجة وإنما تتدرج تدرجاً هرمیاً، بحیث تستمد کل قاعدة قوتها الإلزامیة من القاعدة التی تعلوها، الأمر الذی یجعل القانون فی شکل هرمی تتدرج قواعده من الفروع إلى الأصول، حتى تصل إلى القاعدة الأساسیة التی تستمد منها کافة القواعد قوتها الإلزامیة، وقد افترض أنصار هذه النظریة أن هذه القاعدة الأساسیة هی قاعدة قدسیة الاتفاق أو الوفاء بالعهد والتی تعتبر أساس الالتزام بالقانون الدولی.([26]) نقد نظریة تدرج القواعد القانونیة :- 1- إن هذه النظریة تؤسس الالتزام بالقانون على الخیال والافتراض وأنه من غیر المعقول تأسیس الواقع على الخیال، إذ أن القانون واقع وضعی لا شک فیه ومن غیر المقبول تأسیس إلزامه على مجرد افتراض خیالی. 2- إن القاعدة الأساسیة المفترضة لا تصلح إلا لتفسیر أساس إلزام قواعد القانون الدولی الناتجة عن المعاهدات، دون تلک التی تنشأ بواسطة العرف. 3- إذا کانت کل قاعدة قانونیة تستمد قوتها الإلزامیة من القاعدة التی تعلوها وفقاً لمفهوم هذه النظریة، فإنها لم تقدم لنا أساس الالتزام بالقاعدة الأساسیة التی افترضتها والتی اعتبرتها الأساس الملزم لکافة القواعد القانونیة. ([27])
ب- نظریة المدرسة الفرنسیة (نظریة الضرورة الاجتماعیة) :- ویتزعمها جورج سل ولیون دیجی ونیکولا بولیتیس ویرى هؤلاء أن أساس کل قانون وأساس القانون الدولی تبعاً لذلک هو الحدث الاجتماعی فالقانون لیس سوى انعکاس لقواعد اجتماعیة تنشأ من تلقاء نفسها ویذیع الشعور بوجودها، فهو لیس تعبیراً عن إرادة ما، وإنما هو نتاج مجتمع ویفرض نفسه تلقائیاً على أفراده، باعتباره ضرورة من ضرورات الحیاة ونتیجة حتمیة للتضامن بین أعضاء کل مجتمع([28]). ولا یعترف زعماء هذه النظریة بالسیادة ولا بالإرادة الخالقة للقانون ولا بالشخصیة المعنویة، ولذلک فإن الدولة عندهم لیست إلا افراد طبیعیین وقد وصفها دیجی بأنها حدث اجتماعی قامت نتیجة للتضامن الاجتماعی وکما ینشأ القانون الداخلی نتیجة التضامن بین الأفراد التی تکون المجتمع الداخلی ینشأ القانون الدولی نتیجة التضامن بین الشعوب التی تکون المجتمع الدولی([29]). وبناءً على ذلک فإن قواعد القانون الدولی تنشأ شأنها فی ذلک شأن قواعد أی قانون نتیجة حاجة المجتمع الدولی لها، وتصبح ملزمة نتیجة الشعور العام من جانب الدول بحتمیتها کی یتمکن المجتمع الدولی من تحقیق أهدافه. نقد نظریة الضرورة الاجتماعیة :- 1- إن أساس الالتزام بالقانون لا یمکن أن یکون فی ضرورة المحافظة على حیاة الجماعة وبقائها أو الحدث الاجتماعی لأن الجماعة الإنسانیة سبقت القانون فی الوجود، ولذلک فإن هذه النظریة تصلح لتسویغ وجود القانون ولکنها لا تصلح أساساً لإلزامه. 2- إن القانون الدولی لا ینحصر مصدره فی الضرورات الاجتماعیة أو الحدث الاجتماعی فقط، وإنما توجد مصادر أخرى لا سبیل إلى انکارها کالمعاهدات والعرف. 3- إن هذه النظریة تقوم على إنکار فکرة الدولة کشخص قانونی، وهذا أمر یتعارض مع الواقع العملی للمجتمع الدولی، فالدولة حقیقة لا یمکن إنکارها، وتعتبر الشخص الرئیسی الأول فی القانون الدولی([30]). وبعد عرض مفاهیم النظریات التی قدمت فی شأن تفسیر القوة الإلزامیة للقانون الدولی وأوجه النقد التی وجهت إلیها، نجد أن نظریة الإرادة المشترکة لا تخلو من منطق معقول إذ أن إرادة الدول تلعب دوراً کبیراً فی خلق قواعد القانون الدولی والالتزام بأحکامه، على أن الإرادة وحدها لا تکفی لأن تکون أساساً یستند إلیه التزام الدول بقواعد القانون الدولی وإلا توقف مصیر هذا القانون على تلک الإرادة ولذلک تأتی المدرسة الموضوعیة بنظریاتها لتکمل أوجه النقص التی وجهت إلى المدرسة الإرادیة. المبحث الثالث خصائص القاعدة القانونیة الدولیة القاعدة القانونیة هی الوحدة التی یتکون منها القانون، ولیس معنى ذلک أن القاعدة القانونیة تخاطب شخصاً معیناً، بل هی عامة مجردة، ولکنها مع غیرها من القواعد تندرج تحت اصطلاح "القانون" بمعناه الفنی والذی یعنی مجموعة القواعد القانونیة الملزمة التی تنظم العیش فی الجماعة. فالبعض من فقهاء القانون الخاص وهم جانب کبیر یحدد أن خصائص القانون هی أربعة ویعتبر الجزاء أحد تلک الخصائص فهو بذلک یمثل شرط تکوین للقاعدة القانونیة أما الجانب الآخر من الفقه یذهب إلى أن خصائص القاعدة القانونیة ثلاثة وهی خاصیة الإلزام وخاصیة کفالة النظام الاجتماعی وخاصیة التجدید، فالخلاف بین الاتجاهین حول الجزاء کرکن رابع لا بد من توافره لتکتمل القاعدة القانونیة أرکانها([31]). ولدراسة خصائص القاعدة القانونیة الدولیة سوف نقسمه الى اربع مطالب:- المطلب الأول :- تنظیم السلوک الواجب على الأفراد : القانون على خلاف قوانین الظواهر الطبیعیة یضع قواعد تقویمیة أی قواعد بالسلوک الواجب على الأفراد ولکنه لا یتوجه بهذه القواعد على سبیل النصح أو الترغیب إنما یفرضها فرضاً على سبیل الأمر أو التکلیف، وفرض السلوک الواجب کأمر أو تکلیف لازمة من لوازم القانون لا یتصور وجوده بدونها، لأن القانون إنما یستهدف إقامة النظام فی المجتمع وهو ما تهدده حتماً حمل السلوک الواجب محمل النصح إذ یکون للأفراد حینئذ حریة مخالفته من أجل ذلک کان القانون دائماً قائماً یفرض ما یراه من سلوک واجب فرضاً یحمل معنى إلزام الأفراد بالخضوع له وهو فی ذلک یختلف عن الأخلاق، ولکی نطلق على ظاهرة بأنها قاعدة قانونیة لا بد من أن تتوافر فیها عناصر معینة وأول تلک العناصر هی أن تکون القاعدة تنظیمیة, أی أن تتخذ شکل ناموس للسلوک وأن تلقى احتراماً من المخاطبین بأحکامها یدفعهم إلى مراعاتها وتطبیقها، ولا بد من توافر الشعور بضرورة الالتزام بها، فالقاعدة القانونیة قاعدة سلوک تستهدف غایة معینة وتلقى احتراماً من المخاطبین بأحکامها یستند إلى الشعور بالقوة الملزمة لتلک القاعدة([32]). المطلب الثانی :- قاعدة وضعیة عامة مجردة : تتمیز القاعدة القانونیة بالوضعیة کوصف یمیز القواعد القانونیة عما یتعایش معها فی إطار المجتمع الذی تحکمه من قواعد السلوک الأخرى المفتقدة لهذا الوصف مثل قواعد الأخلاق والمجاملات والعدالة ... الخ . والوضعیة لیست بالفکرة المجردة ولکنها واقع ملموس قوامه السریان الفعلی للقاعدة فی لحظة زمنیة معینة فی مجتمع انتهت الفئة المسیطرة علیه إلى ضرورة سنها للحفاظ على مصلحة أو مصالح لها تعبر القاعدة عنها وتضمن لها الحمایة الواجبة ویرتبط واقع السریان الفعلی للقاعدة بما تتصف به من إلزام یفسره وجود جزاء یطبق على المخالف لأحکامها من قبل الجهة المختصة بإیقاع الجزاء ولذلک یمکن القول بأن الجزاء هو الرکیزة الأساسیة للقانون فی إلزامه وتطبیقه([33]). کما أن العمومیة والتجرید فی القاعدة القانونیة ترتبط بثلاث مسائل وهی الوقائع والزمان والمکان فالعمومیة والتجرید یراد بهما أن تتوجه القاعدة القانونیة إلى کل من تتوافر فیه صفة بعینها لا إلى شخص بعینه ویوجه إلى کل واقعة تتوافر فیها شروط معینة لا واقعة معینة بذاتها. کما لا یسری التکلیف فی جزء من إقلیم الدولة فقط بل یسری على کل مشتملات الإقلیم، ویسری کذلک فی الحال والاستقبال، أی أن خطاب القاعدة القانونیة یضم الأشخاص والأماکن والأزمنة والوقائع الذین تنطبق علیهم أحکام القاعدة ویتجرد من صفات وذوات وأوصاف الأشخاص والأماکن والأزمنة والوقائع، فالقاعدة القانونیة یجب ألا تمیز بین شخص وآخر ولا بین مکان وآخر، ولا بین واقعة وأخرى مطابقة لها، ولا تقتصر على زمان دون زمان آخر، فقانون الخدمة العسکریة ینشأ قاعدة قانونیة لأن النصوص فیه عامة مجردة تسری على کل من تتوافر فیه هذه الصفات المعینة بالجنس والسن والقدرة البدنیة فی الحال والاستقبال فالقرار الصادر بحق شخص معین بالاسم للالتحاق بالخدمة العسکریة لا یشکل قاعدة قانونیة لافتقاده صفة أو خصیصة العمومیة والتجرید([34]). المطلب الثالث:- القاعدة القانونیة قاعدة اجتماعیة : یقصد بکون القاعدة القانونیة قاعدة اجتماعیة أنها تنشأ فی بیئة اجتماعیة، بغض النظر عن شکل هذه البیئة، إلا أن القاعدة القانونیة تتأثر بهذه البیئة وتتمیز بممیزاتها وتتطور معها واتصاف القاعدة القانونیة بهذه الصفة یرجع إلى أن القانون بقواعده المتعددة یحکم سلوک الأفراد فی المجتمع لإقامة نظام اجتماعی یراعى فیه حاجات المجتمع المستمدة من البیئة الساری فیها القانون، فهنالک ارتباط وتلازم ما بین المجتمع والقانون فالبعض سماه ارتباط ضرورة أو ارتباط العلة بالمعلول، فالقانون هو وسیلة المجتمع فی تحقیق أهدافه فی الحیاة، کما لا بد للقانون من مجتمع تطبق فیه قواعده، فالقاعدة القانونیة تصدر عن المجتمع وتتوجه إلیه([35]).
المطلب الرابع:- القاعدة القانونیة تقترن بالجزاء : لکل مجتمع منظم قانون یحکمه ویبین حقوق وواجبات أشخاصه ویبین الجزاء الذی یترتب على مخالفة أحکام هذا القانون من قبل الخارجین علیه وللقانون ضرورة متمثلة فی حمایة مصالح الجماعة أیاً کان مستوى التطور الذی وصلت إلیه وبدونه تتحول حیاتها إلى فوضى یعمها الاضطراب وتسودها الصراعات الدامیة. فهل یعتبر الجزاء رکناً من أرکان القاعدة القانونیة؟ وهل یخلو القانون الدولی من جزاء یطبق على من یخالف قواعده؟ للإجابة على هذا السؤال نود أن نوضح أنه لم یستقر الرأی حول اعتبار الجزاء رکناً من أرکان القاعدة القانونیة. 1- رأی المؤیدون لضرورة توافر الجزاء : ذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن الجزاء هو رکن ضروری لتکوین القاعدة القانونیة، فمخالفة القواعد القانونیة أمر ممکن الحصول، لذلک لا بد من وجود سلطة عامة فی الجماعة الدولیة تلقى على عاتقها مسؤولیة ضمان احترام القانون الدولی عن طریق إیقاع الجزاء على المخالفین للقواعد القانونیة الدولیة فالجزاء یحمل فی طیاته عنصر الإجبار إذا لم یکن الالتزام اختیاراً وهو ما یعطی للجزاء صفة رادعة تؤکد سلطان القانون فالإجبار فی المجتمع الداخلی یتمیز بأنه مادی ومحسوس ای ظاهر تقوم السلطة العامة المختصة بإیقاعه باسم الجماعة وهی (السلطة التنفیذیة) فی الدولة بعد أن تتأکد (السلطة القضائیة) من وقوع المخالفة، وکذا هو الحال فی المجتمع الدولی توجد فئة مسیطرة مختصة بإیقاع الجزاء على المخل بالقاعدة القانونیة بطریق مباشر من خلال منظمة أو جهاز دولی مختص یخضع لهیمنتها الرسمیة مثل مجلس الأمن أو الواقعیة کالجمعیة العامة للأمم المتحدة والوکالات المتخصصة، وقد تفضل إیقاع الجزاء بطریقة غیر مباشرة وبصورة غیر سافرة من خلال الاعتداء على المخل تباشره إحدى الدول الصغیرة أو المتوسطة مدعومة من قبل الدول الکبرى (کتقدیم الدعم السیاسی أو الاقتصادی أو العسکری للدولة القائمة بالاعتداء) أو ضمنیاً (کسکوت الدول الکبرى وعدم قمعها الاعتداء أو انهائه أو إیقاع الجزاء على الدولة القائمة به) ، أو قد ترى الجهة المختصة بإیقاع الجزاء فی المجتمع الدولی بإمکانیة التغاضی عن إیقاع الجزاء فی بعض الحالات والظروف لتفاهة الجرم، ولا ینبغی لمثل هذا الوضع أن یثیر الشک فی وجود الجزاء وفاعلیته([36]). فأنصار هذا الاتجاه یعتبرون الجزاء رکناً ضروریاً لتکوین القاعدة القانونیة ویرون فی الوقت ذاته أن القانون الدولی العام یخلو من هذه الجزاءات مما یؤدی إلى نفی الصفة القانونیة عن قواعده، ومن أنصاره اوستن وکلسن وآخرین فقد ربط اوستن وجود الجزاء بوجود السیادة، فحیث یکون الجزاء تکون السیادة وبالعکس، ولا بد من وجود سلطة تعلو إرادتها على إرادات المخاطبین بأحکام القانون تقوم بإیقاع الجزاء. 2- رأی الآخرین بأن فقدان الجزاء أو عدم کفایته لا یؤثر فی وجود قواعد القانون الدولی:- إن فقدان الجزاء أو عدم کفایته لا یؤثران فی وجود القانون أو کیانه بل یقتصر تأثیرهما على التنظیم الاجتماعی، فالقانون الدستوری لا یوجد جزاء مادی مباشر على مخالفة أحکامه، ومع ذلک لا ینکر أحد أنه أعلى قانون داخل الدولة، کما أن الجزاء فی القانون الدولی موجود وقد یصل فی بعض الأحیان إلى استخدام القوة کما أنه من الممکن أن تکون قواعد القانون الدولی بدون جزاء منظم یحمیها، فالجزاء هو رد فعل المجتمع تجاه شخص خارج على القانون وهو وسیلة الغرض منها ضمان تنفیذ القاعدة القانونیة وحمایتها بتطبیق جزاء اجتماعی حتى ولو لم یکن هذا الجزاء منظماً([37]). والجزاء وإن کان یحمی القاعدة القانونیة من العبث بها فإنه لیس شرطاً لوجودها على أساس أن القاعدة القانونیة توجد نتیجة الحاجة الاجتماعیة التی تدفعها إلى الوجود وهی توجد ولو لم یصحبها جزاء أو کان الجزاء الذی یحمیها ضعیفاً دون أن یؤثر ذلک على صفتها القانونیة ومن المسلم به أن عدم توافر الجزاء قد یدفع البعض إلى الإخلال بالقانون لکن من المسلم به أیضاً أن خرق القانون لیس نتیجة لانعدام الجزاء علیه([38]). فلا بد لنا أن نفرق بین الأرکان الواجب توافرها لتکوین القاعدة القانونیة وبین أثارها، وحتى تنشأ القاعدة القانونیة لا بد لها من توافر أرکان معینة فإذا انتفى رکن من أرکانها انتفى بالتالی وجود القاعدة القانونیة الدولیة، ولعل السبب فی قول البعض بنفی الصفة القانونیة عن قواعد القانون الدولی لعدم توافر الجزاء بها یرجع إلى الخلط بین رکن القاعدة وأثرها*، وذلک کقول فقهاء الشریعة الإسلامیة بأن القراءة رکن من أرکان الصلاة لا تقم الصلاة إلا بها، أما العقاب على ترکها متعمداً من ولی الأمر فی الدنیا أو من الله فی الأخرة فهو أثر من أثارها، ولا یصح فی الأذهان القول بأن العقاب على ترک القراءة فی الصلاة رکناً من أرکانها، فکذلک الجزاء لا یتحرک إلا عند مخالفة القاعدة القانونیة فهو أثر من أثار مخالفتها، فإذا لم تخالف فإن الجزاء لا یرى مطلقاً. الخاتمـة اولا-النتائج:- 1- ان مفهوم الوضعیة یرتبط بسریان القاعدة القانونیة وتطبیقها فعلا على المجتمع الذی تنظمه فدخول المعاهدة حیز النفاذ یعنی بدء سریانها ای انها اصبحت قاعدة ساریة المفعول, فالوضعیة بالنسبة للقانون الدولی تنصرف الى سریان وتطبیق قواعده على اشخاص المجتمع الدولی وهذا السریان یرتبط بعنصر الالزام والفاعلیة وهو ما یرتکز على الجزاء اللازم لکفالة احترامها. 2- اختلف الفقه الدولی حول مکانة القواعد القانونیة الدولیة وهل هی قواعد قانونیة بالمعنى الصحیح فظهر هنالک اتجاهین معارض ومؤید , وحول وجود السلطات التشریعیة والتنفیذیة والقضائیة فی المجتمع الدولی فمن المعروف ان الجهة المشرعة للقواعد القانونیة الدولیة هی نفسها المخاطبة بأحکامها, کما ان التشریع لیس المصدر الوحید للقاعدة القانونیة الدولیة فیوجد هنالک الاعراف الدولیة التی ساهمت فی انشاء العدید من القواعد القانونیة الدولیة المهمة. 3- الولایة القضائیة فی القانون الداخلی اختصاص اجباری والزامی فی حین انه اختیاری على المستوى الدولی وذلک بسبب طبیعة الوحدات المکونة للمجتمع الدولی وهی الدول المستقلة ذات السیادة. 4- الجزاء هو الوسیلة او الضمان لتطبیق القاعدة القانونیة والالتزام بها الا انه لیس شرطا جوهریا لوجودها, فهنالک العدید من الجزاءات فی القانون الدولی العام تتناسب مع طبیعة المجتمع الدولی. ثانیا-التوصیات:- 1- انشاء هیئة تشریعیة مستقلة على المستوى الدولی لتفعیل عملیة تطبیق القواعد القانونیة الدولیة والالتزام بها فلابد من فصل المخاطبین بالقواعد القانونیة الدولیة عن المشرعین . 2- جعل الولایة القضائیة على المستوى الدولی اجباریة وغیر خاضعة لإرادة واختیار الدول الاعضاء فی المجتمع الدولی اسوة بالقانون الداخلی. The Authors declare That there is no conflict of interest
| ||
References | ||
| ||
Statistics Article View: 496 PDF Download: 308 |