الغرامة البدیلة / دراسة مقارنة | ||
الرافدین للحقوق | ||
Article 3, Volume 23, Issue 76, September 2021, Pages 63-93 PDF (907.64 K) | ||
Document Type: بحث | ||
DOI: 10.33899/alaw.2021.130159.1153 | ||
Author | ||
اسامة احمد النعیمی* | ||
کلیة الحقوق /جامعة الموصل | ||
Abstract | ||
تحتل الغرامة البدیلة مکان الصدارة فی العدید من القوانین العقابیة ، نظرا لأهمیتها المتزایدة بوصفها احدى اهم البدائل التی یمکن من خلالها تجاوز مساوئ العقوبات السالبة للحریة ، ولاسیما القصیرة المدة منها ، وضمن هذا الاطار اتجه المشرع العراقی نحو اقرار نظام استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة حیث ضمنه فی مشروع قانون تحت عنوان " قانون استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة " ، هادفا من ذلک الى اعطاء الفرصة لبعض المحکومین فی الجرائم العمدیة والمخالفات التی لا تتصف بالخطورة ، وتقلیل النفقات التی تثقل کاهل الدولة واضافة موارد لخزینة الدولة . و تأتی اهمیة البحث فی موضوع الغرامة البدیلة ، لاسیما ضمن نطاق مشروع القانون اعلاه لبیان اهم الاثار الایجابیة والسلبیة الناجمة عن اقرار نظام استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة ، وفیما اذا کان من شأن ذلک ان یحقق اهداف العقوبة المتمثلة فی الردع العام والخاص واعادة اصلاح المحکوم علیه وتأهیله بالمقارنة مع الهدف المتمثل بتنمیة الایرادات العامة للدولة . | ||
Keywords | ||
العقوبة; بدائل; للحریة | ||
Full Text | ||
الغرامة البدیلة -دراسة مقارنة-(*)- Alternative fine – A Comparative Study
(*) أستلم البحث فی 19/5/2021 *** قبل للنشر فی 3/7/2021. (*) Received on 19/5/2021 *** accepted for publishing on 3/7/2021. Doi: 10.33899/alaw.2021.130159.1153 © Authors, 2021, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license (http://creativecommons.org/licenses/by/4.0). المستخلص تحتل الغرامة البدیلة مکان الصدارة فی العدید من القوانین العقابیة فی الوقت الحاضر، نظرا لأهمیتها المتزایدة وفاعلیتها بوصفها احدى اهم البدائل التی یمکن من خلالها تجاوز مساوئ العقوبات السالبة للحریة، ولاسیما القصیرة المدة منها، وضمن هذا الاطار اتجه المشرع العراقی فی الآونة الاخیرة نحو اقرار نظام استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة حیث ضمنه فی مشروع قانون تحت عنوان "قانون استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة"، هادفا من ذلک – بحسب الاسباب الموجبة - الى اعطاء الفرصة لبعض المحکومین فی الجرائم العمدیة والمخالفات التی لا تتصف بالخطورة، وتقلیل النفقات التی تثقل کاهل الدولة، فضلا عن اضافة موارد لخزینة الدولة. ومن هنا تأتی اهمیة البحث فی موضوع الغرامة البدیلة، لاسیما ضمن نطاق مشروع القانون اعلاه لبیان اهم الاثار الایجابیة والسلبیة الناجمة عن اقرار نظام استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة، وفیما اذا کان من شأن هذا النظام ان یحقق اهداف العقوبة المتمثلة فی الردع – بنوعیه العام والخاص – واعادة اصلاح المحکوم علیه وتأهیله بالمقارنة مع الهدف المتمثل بتنمیة الایرادات العامة للدولة. الکلمات المفتاحیة: العقوبة، بدائل، الحریة. Abstract The alternative fine occupies the forefront of many penal laws at the present time because of its increasing importance and effectiveness as one of the most important alternatives through which the disadvantages of deprivation of liberty can be avoided, especially the short duration of them. Within this framework, the Iraqi legislator has recently moved towards adopting a replacement system Penalty depriving liberty with a fine, as it was included in a draft law under the title "Law to replace freedom-depriving punishment with a fine" .The purpose is to give opportunities to some of those convicted for intentional crimes and offenses that are not of a serious nature. Moreover, It is to reduce the expenses that burden the state, as well as to add resources to the state treasury. The significance of the study is evident when analysing the draft law, examining what implications it may have when replacing freedom-depriving punishment with a fine. It examines to what extent the alternative fine system could achieve the primary goal of punishment by deterring crime - and increasing the state's public revenues.. Key words:PUNISHMENT, Substitutions, Negative, Freedom المقدمـة الحمد لله وکفى، والصلاة والسلام على سیدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعین، فان مقدمة بحثنا یمکن ایضاحها من خلال الاتی : أولا: التعریف بموضوع البحث وأهمیته مما لاشک فیه ان السیاسة الجنائیة العقابیة قد عرفت تحولات کبیرة منذ بدایة الالفیة الثانیة، وذلک بعدما کشفت الممارسات العملیة عن وجود العدید من الاشکالیات المرتبطة بالعقوبات السالبة للحریة، ولاسیما القصیرة المدة منها، والتی اثبتت الدراسات والابحاث فشلها فی محاربة الجریمة وتحقیق اهداف العقوبة فی الردع – بنوعیه العام والخاص – واعادة اصلاح المحکوم علیه وتأهیله، لما تنطوی علیه من اثار سلبیة على المجتمع والمحکوم علیهم وعوائلهم على حد سواء، الامر الذی ادى الى ظهور اتجاهات جدیدة فی السیاسة العقابیة دعت الى ضرورة التصدی لهذا النوع من العقوبات وایجاد الحلول لما تطرحه من اشکالیات، وذلک من خلال البحث عن بدائل عقابیة جدیدة یمکن من خلالها بث الامل فی محاربة الجریمة والقضاء على السلبیات التی تترتب على هذا النوع من العقوبات. لذا نجد ان معظم الدول ومسایرة للتطور الحاصل فی السیاسة العقابیة قد اتجهت الى الاقرار ببعض الانظمة العقابیة کبدائل للعقوبات السالبة للحریة، کالغرامة ووقف تنفیذ العقوبة والوضع تحت الاختبار والعمل للمنفعة العامة والمراقبة الالکترونیة... الخ، فضلا عن الاقرار ببعض الانظمة الاجرائیة التی تحقق الغرض ذاته، کنظام الوساطة الجنائیة والتسویة الجنائیة. وضمن هذا الاطار اتجه المشرع العراقی فی الآونة الاخیرة نحو اقرار نظام استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة حیث ضمنه فی مشروع قانون تحت عنوان " قانون استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة "، الذی تم عرضه على مجلس النواب وقراءته من قبل المجلس، هادفا من ذلک – بحسب الاسباب الموجبة - الى اعطاء الفرصة لبعض المحکومین فی الجرائم العمدیة والمخالفات التی لا تتصف بالخطورة، وتقلیل النفقات التی تثقل کاهل الدولة، فضلا عن اضافة موارد لخزینة الدولة. ومن هنا تأتی اهمیة البحث فی موضوع الغرامة البدیلة، لاسیما ضمن نطاق مشروع القانون اعلاه لبیان اهم الاثار الایجابیة والسلبیة الناجمة عن اقرار نظام استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة، وفیما اذا کان من شأن هذا النظام ان یحقق اهداف العقوبة المتمثلة فی الردع – بنوعیه العام والخاص – واعادة اصلاح المحکوم علیه وتأهیله بالمقارنة مع الهدف المتمثل بتنمیة الایرادات العامة للدولة. ثانیا: تساؤلات البحث یثیر البحث فی موضوع الغرامة البدیلة مجموعة من التساؤلات التی نحاول من خلال البحث الإجابة عنها، والتی من أهمها : 1- هل إن السیاسة العقابیة التی انتهجها المشرع العراقی فی مشروع قانون استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة تواکب السیاسة العقابیة الحدیثة فی مجال البحث عن بدائل العقوبة السالبة للحریة. 2- هل إن السیاسة العقابیة التی انتهجها المشرع العراقی فی مشروع قانون استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة بنیت على اسس قانونیة من شانها عدم التفریط بمفهوم العقوبة واهدافها، فضلا عن عدم التفریط بحق الدولة فی العقاب. 2- هل إن تنمیة الایرادات العامة وفقا للأهداف الموجبة لمشروع قانون استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة اصبح احد الاهداف او الاغراض المتوخاة من فرض العقوبة. ثالثا: نطاق البحث یحتم علینا موضوع البحث أن نحدد نطاقه بدراسة الغرامة البدیلة ضمن مشروع قانون استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة من خلال استقراء نصوصه وتحلیلها وفهم الشروط او الضوابط التی اعتمدها المشرع فی مشروع القانون اعلاه والاثار المترتبة على اقراره. رابعا: منهجیة البحث سنعتمد فی البحث على المنهج الاستقرائی لنصوص مشروع قانون استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة، فضلا عن المنهج المقارن الذی من خلاله یتم مقارنة موقف المشرع العراقی مع موقف المشرع فی القوانین المقارنة وبیان مدى التوافق والاختلاف بینهما بهذا الصدد، وبالقدر الذی یمکن من خلاله الإجابة على تساؤلات البحث، ومن ثم تقدیم التوصیات والمقترحات اللازمة بصدده. خامسا: هیکلیة البحث فی ضوء ما تقدم ارتأینا تناول موضوع البحث وفق الخطة الآتیة : المبحث الأول : مفهوم الغرامة البدیلة المطلب الأول : تعریف الغرامة البدیلة المطلب الثانی : أهمیة الغرامة البدیلة المبحث الثانی : شروط فرض الغرامة البدیلة واثارها المطلب الأول : شروط فرض الغرامة البدیلة المطلب الثانی : آثار فرض الغرامة البدیلة المبحث الأول مفهوم الغرامة البدیلة تحتل الغرامة البدیلة مکان الصدارة فی العدید من القوانین العقابیة فی الوقت الحاضر، نظرا لأهمیتها المتزایدة وفاعلیتها بوصفها احدى اهم البدائل التی یمکن من خلالها تجاوز مساوئ العقوبات السالبة للحریة، ولاسیما القصیرة المدة منها. ولبیان مفهوم الغرامة البدیلة، فإننا سنقسم هذا المبحث الى مطلبین، نتناول فی الأول تعریف الغرامة البدیلة، فیما نخصص الثانی لأهمیة الغرامة البدیلة. المطلب الأول تعریف الغرامة البدیلة ان الوصول الى تعریف للغرامة البدیلة یقتضی منا اولا التنویه الى ان مصطلح البدیلة فی هذا الموضع یأتی لیحل محل مصطلح الاصلیة ویکون وصفا لکلمة العقوبة، اذ انه اذا لم یتضمن لفظ العقوبة خصائصها ومقاصدها، فان اللفظ یفقد مؤداه القانونی، ومن ثم یکون مصطلح الغرامة البدیلة غیر دقیق من الناحیة القانونیة. کما انه قد یبدو – لأول وهلة – ان الغرامة البدیلة تختلف عن عقوبة الغرامة بوصفها الصورة الوحیدة من صور العقوبات الاصلیة التی تنزل مساسا بالذمة المالیة للمحکوم علیه([1])، الا ان هذا التصور الاولی لیس دقیقا، فکلاهما یتفقان من حیث انهما عقوبتان یفرضهما المشرع الجنائی على من ثبت ارتکابه للجریمة او ساهم فیها، کما انهما یخضعان للمبادئ ذاتها التی تخضع لها العقوبة فی النظام العقابی المعاصر. الا انهما یتمایزان من حیث ان عقوبة الغرامة الاصلیة هی العقوبة التی یقررها المشرع للجریمة، سواء اکانت هی العقوبة الوحیدة لها ام کانت اختیاریة یحکم بها مع العقوبة السالبة للحریة او بدونها، بینما الغرامة البدلیة هی العقوبة التی یقررها المشرع لتکون بدیلا عن العقوبة السالبة للحریة التی یحکم بها على مرتکب الجریمة، وعلى ان یکون ذلک مقصودا منه فی کلا الحالتین تحقیق هدف العقوبة الأساسی المتمثل بمکافحة الجریمة وهو الهدف البعید لها الذی یتحقق عن طریق أهداف قریبة تکون بمثابة الوسائل إلى بلوغ هذا الهدف وهی الردع العام والردع الخاص وتحقیق العدالة وإصلاح الجانی واعادة تأهیله([2]). واذا کانت عقوبة الغرامة بوصفها احدى العقوبات الاصلیة قد عرفها المشرع بانها: "الزام المحکوم علیه ان یدفع الى الخزینة العامة المبلغ المعین فی الحکم وتراعی المحکمة فی تقدیر الغرامة حالة المحکوم علیه المالیة والاجتماعیة وما افاده من الجریمة او کان یتوقع افادته منها وظروف الجریمة وحالة المجنى علیه، ولا یقل مبلغ الغرامة عن نصف دینار ولا یزید عن خمسمائة دینار ما لم ینص القانون على خلاف ذلک"([3]). وان المشرع فی القوانین المقارنة التی اجازت النطق بالغرامة بدلا عن العقوبة السالبة للحریة قصیرة المدة، وکذلک المشرع العراقی فی مشروع قانون استبدال العقوبة السالبة بالحریة بالغرامة الذی اجاز للمحکمة بناء على طلب المحکوم علیه استبدال العقوبة السالبة للحریة او التدبیر المحکوم به وجاهیا او غیابیا بالغرامة، وحدد مبلغ الاستبدال – الغرامة - بـ عشرین الف دینار عن کل یوم من مدة العقوبة السالبة للحریة، یستوفى دفعة واحدة ویقید ایرادا نهائیا لخزینة الدولة، فانه یمکننا ان نعرف الغرامة البدیلة بانها: "عقوبة مالیة مضمونها الزام المحکوم علیه بان یدفع الى خزینة الدولة المبلغ المحدد لکل یوم من ایام مدة العقوبة السالبة للحریة المحکوم بها بدلا عنها، اذا ما رأت المحکمة انها تحقق أهداف العقوبة فی الردع العام والردع الخاص، وتؤدی وظیفتها فی تحقیق العدالة واصلاح الجانی واعادة تأهیله". وهی بهذا المعنى تستجمع کل خصائص العقوبة فی النظام العقابی المعاصر، اذ یقصد بها ایلام المحکوم علیه بها عن طریق الانتقاص من ذمته المالیة، کما انها تتسم بالشرعیة الموضوعیة اعمالا بأحکام المادة(1) من قانون العقوبات العراقی رقم 111 لسنة 1969 النافذ التی تنص على انه: "لا عقاب على فعل او امتناع الا بناء على قانون ینص على تجریمه وقت اقترافه، ولا یجوز توقیع عقوبات او تدابیر احترازیة لم ینص علیها القانون"، والشرعیة الاجرائیة التی تعد الضمان القانونی لحسن اعمال الشرعیة الموضوعیة، والتی مفادها ان العقوبة لا یمکن تصور توقیعها بحق مرتکب الجریمة الا بمقتضى حکم قضائی صادر عن محکمة مختصة تضمن - من خلال الدعوى الجزائیة – احترام ضمانات المتهم وصولا الى حکم عادل من المنظور القانونی، والذی یعنی ان یأتی الحکم سلیما وموافقا لصحیح القانون، ومن المنظور الواقعی بأن یأتی محققا لغایاته فی تحقیق الردع بنوعیه العام والخاص، ومعبرا – لو بشکل ضمنی – عن رضاء الجماعة الانسانیة به ([4])، وکذلک مبدأ شخصیة العقوبة الذی یقضی بان العقوبة الجنائیة لا تفرض الا على الشخص المسؤول عن الجریمة المرتکبة، سواء اکان فاعلها ام شریکا فیها، ولا یمکن ان تفرض على غیره مهما کانت صلته بمرتکب الجریمة([5])، فضلا عن ذلک، فانه یترتب على فرض عقوبة الغرامة البدیلة خضوعها لذات القواعد التی تخضع لها العقوبات الجنائیة الاصلیة کافة وذلک فی حالات العود والتعدد وتقادم العقوبة والعفو عنها. المطلب الثانی أهمیة الغرامة البدیلة لا خلاف بان البحث عن سیاسة عقابیة فعالة وملائمة یتصدر اهتمامات الباحثین والعلماء فی مختلف دول العالم، ومن ثم فان معظم الدول تسعى باستمرار الى تطویر سیاستها العقابیة لتتوافق مع التطورات التی یکشف عنها الواقع التطبیقی، وبما یتناغم مع اهداف السیاسة العقابیة المعاصرة ومع تزاید الاعتماد على العقوبات السالبة للحریة ولا سیما قصیرة المدة منها، وما نتج عنها من اثار سلبیة، فقد تزایدت الاصوات المناهضة لهذه العقوبات والمنادیة بضرورة التخلی عنها والبحث عن عقوبات بدیلة تؤدی الغرض المنشود للعقوبة، وتعمل على اصلاح المحکوم علیهم واعادة دمجهم فی المجتمع ([6])، وقد تعددت هذه البدائل، والتی تعد الغرامة البدیلة واحدة من اهمها نظرا لتزاید الاعتماد علیها فی الوقت الحاضر وفاعلیتها فی تجاوز مساوئ العقوبات السالبة للحریة قصیرة المدة، وعلى المستویات الاقتصادیة والاجتماعیة والنفسیة کافة. فعلى المستوى الاقتصادی تظهر اهمیة عقوبة الغرامة البدیلة من حیث انها تؤدی الى تقلیل النفقات التی تثقل کاهل الدولة ومیزانیتها التی تصرف على بناء المؤسسات العقابیة بأنواعها المختلفة والانفاق على القائمین علیها، وما تنفقه الدولة کذلک على المحکوم علیهم من مأکل وملبس ورعایة صحیة واجتماعیة، وکذلک مصاریف توفیر الرعایة والحمایة اللاحقة لتنفیذ العقوبة لهم ولعوائلهم خوفا من قیام عائلة المجنى علیه بالتعرض لهم. فضلا عن ذلک فان اهمیتها تظهر من خلال استثمار طاقات المحکوم علیهم الذین یملکون مؤهلات مهنیة کبیرة فی تنمیة الاقتصاد الوطنی وتطوره، وذلک من خلال الابقاء علیهم کأفراد منتجین وبالشکل الذی ینعکس ایجابیا على الدولة والمجتمع، کما انها لا تحرم المحکوم علیه من عمله ورعایته لعائلته، وهو ما یتیح له ان یسد حاجاتها المادیة والمعنویة، وتجنیبها جمیع الاثار السلبیة المترتبة على فقدان الشخص الذی یعیلها([7]). وعلى المستوى الاجتماعی فان اهمیة عقوبة الغرامة البدیلة تظهر من خلال الابقاء على العلاقات الاجتماعیة التی تربط المحکوم علیه، سواء بأفراد اسرته ام بمجتمعه الذی یحیط به، وعدم تعرضها الى التصدع والتفکک التی تنتج عن فصله عن النسیج الاجتماعی الذی یعیش فیه وزجه فی مجتمع اخر وهو مجتمع السجن بکل ما ینطوی علیه من عادات سیئة وبذیئة قد تؤثر به سلبا وتؤدی الى افساد خلقه وتغییر سلوکه لیتناسب مع سلوک المجتمع الذی تم زجه به، وبالتالی تجعل منه انسانا منبوذا اجتماعیا([8]). اما على المستوى النفسی، فتظهر اهمیتها بکونها تؤدی الى الحیلولة بین المحکوم علیه وبین العدید من المشاکل والاضطرابات النفسیة التی تسببها العقوبات السالبة للحریة ولاسیما قصیرة المدة منها، کالاکتئاب والقلق والکراهیة والاحباط والرغبة فی تدمیر الذات وتدمیر الاخرین، والتی قد تصل الى حد الجنون، ولا شک ان هذه المشاکل النفسیة تؤدی الى مضاعفات ضارة تجاه المحکوم علیه تدفعه الى تعاطی المواد المخدرة للهروب من الواقع الذی یعیشه، ومن ثم التعرض لأمراض عضویة اخرى جراء استعمال الادوات الملوثة کالالتهاب الکبدی والحمى الشوکیة والسل... الخ، الى جانب المشاکل النفسیة الاخرى التی تنتج عن الحرمان الجنسی والتی قد تدفع المحکوم علیه للسقوط فی هاویة الانحراف الجنسی لإشباعها بالطرق غیر المشروعة التی تشمل مختلف صور الشذوذ الجنسی کالإشباع الذاتی واللواط والسحاق، سواء أکانت تتم برضائه ام بإکراهه علیها([9]). فضلا عن کل ما تقدم، فان اهمیة الغرامة البدیلة تظهر ایضا فی القضاء على ظاهرة ازدحام او اکتظاظ السجون التی تعد من اخطر المشاکل التی تعانی منها المؤسسات العقابیة نتیجة زیادة اعداد المحکوم علیهم، والتی تؤدی الى عجز القائمین علیها عن توفیر المتطلبات اللازمة لتنفیذ البرامج الاصلاحیة على الوجه الاکمل، وتحقیق الهدف او الغرض من العقوبة، والقاء اعباء اقتصادیة متزایدة على الاقتصاد القومی للدولة المتمثل بزیادة الحاجة الى بناء مؤسسات عقابیة جدیدة لاستیعاب کم اکبر من المحکوم علیهم بالعقوبات السالبة للحریة ([10]). المبحث الثانی شروط فرض الغرامة البدیلة واثارها نتناول فی هذا المبحث شروط فرض الغرامة البدیلة والاثار المترتبة علیها، وذلک فی مطلبین وکالاتی : المطلب الاول شروط فرض الغرامة البدیلة تقدم القول بان الاتجاه المعاصر فی السیاسة العقابیة الساعی الى اقرار العقوبات البدیلة، ومنها الغرامة انما جاء لتجاوز الاثار السلبیة للعقوبات السالبة للحریة، ولاسیما قصیرة المدة منها، ومع ذلک فان المشرع فی القوانین التی اقرت استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة، قد قیدت ذلک بمجموعة من الشروط التی یلزم توافرها لإمکانیة الاستبدال، وبقدر تعلق الامر بموضوع بحثنا، فانه یمکن لنا ان نحدد هذه الشروط وفقا لمشروع قانون استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة العراقی بالاتی : اولا : ان یکون الحکم قد صدر بعقوبة سالبة للحریة یلزم لفرض عقوبة الغرامة البدیلة ان یکون الحکم الصادر بحق المحکوم علیه قد قضى بعقوبة سالبة للحریة، وهذا الشرط یستفاد من نص المادة(1)من المشروعالتی نصت على انه: "للمحکوم علیه وجاهیا ام غیابیا بعقوبة سالبة للحریة او التدابیر التی لا تزید مدتها عن خمس سنوات فاقل استبدال المدة بالغرامة، اکتسب الحکم درجة البتات ام لم یکتسب". ویراد بالعقوبة السالبة للحریة: "العقوبات التی تتضمن حرمان المحکوم علیه من حریته وذلک بإیداعه فی احدى المؤسسات العقابیة طوال المدة المحکوم بها علیه"([11])، أی ان جوهر العقوبة السالبة للحریة هو حرمان المحکوم علیه من حقه فی الحریة وذلک على امل اصلاحه واعادة تأهیله ودمجه فی المجتمع، وهی وفقا للقانون العراقی نوعان السجن والحبس([12])، وقد اختار المشرع العراقی عقوبة الحبس او التدبیر التی لا تزید عن خمس سنوات فاقل کأساس لإمکانیة استبدال العقوبة المحکوم بها بالغرامة. وهنا یثار التساؤل الاتی: هل ان تحدید المشرع العراقی لمدة العقوبة السالبة للحریة بمدة خمس سنوات فاقل یتوافق مع الاتجاه الحدیث فی السیاسة العقابیة الداعیة الى اقرار بدائل العقوبات السالبة للحریة من عدمه؟ وللإجابة على هذا التساؤل یمکن القول، بان الفقه یکاد یجمع على ان الاتجاه الحدیث نحو ایجاد بدائل للعقوبات السالبة للحریة یرتبط ارتباطا وثیقا بالعقوبات السالبة للحریة قصیرة المدة، ومن ثم یستبعد اعمالها کلما کانت العقوبة المحکوم بها طویلة المدة، الا ان هذا الاجماع اثار جدلا من ناحیة اخرى حول المعیار او المعاییر التی یمکن الاعتماد علیها للقول بان العقوبة السالبة للحریة تعد قصیرة المدة، لا سیما فی ظل غیاب التعریف التشریعی لهذا النوع من العقوبات. ولقد تباینت اراء الفقه حول المعیار المحدد للعقوبة السالبة للحریة قصیرة المدة الى ثلاثة اراء، الاول یعتمد على معیار نوع الجریمة التی تقرر العقوبة السالبة للحریة کجزاء لها، وفقا لذلک تعد العقوبة السالبة للحریة قصیرة المدة اذا کانت مقررة للجرائم قلیلة الخطورة الاجرامیة، وذلک فی القوانین التی تعتمد تقسیم الجرائم الى جرائم عالیة الخطورة وجرائم قلیلة الخطورة الاجرامیة، کما تعد العقوبة السالبة للحریة قصیرة المدة اذا کانت مقررة کجزاء یفرض على مرتکبی جرائم المخالفات، وذلک فی القوانین التی تعتمد تقسیم الجرائم الى جرائم الجنایات والجنح والمخالفات، اما الثانی فیعتمد على معیار نوع المؤسسة العقابیة التی یتم تنفیذ هذه العقوبة بها، فاذا کانت المؤسسة مخصصة لتنفیذ العقوبة السالبة للحریة قصیرة المدة فتکون العقوبة قصیرة المدة والعکس صحیح، بینما یتخذ الثالث من مدة العقوبة معیارا لتحدید العقوبة السالبة للحریة قصیرة المدة، وقد تعددت الآراء ضمن هذا الرای حول الحد الاقصى لهذه العقوبة، فمنهم من حددها بمدة لا تزید عن ثلاثة اشهر، ومنهم من حددها بمدة لا تزید عن ستة اشهر او تسعة اشهر، وهناک من حدد الحد الاقصى لها بمدة سنة، وذلک قیاسا على ان مدة السنة تعد المدة الکافیة لتنفیذ برامج الاصلاح والتأهیل التی تطبق على المحکوم علیه([13]). اما على صعید القوانین– وبقدر تعلق الامر بالغرامة البدیلة - فقد اعتمدت العدید من القوانین الغربیة على معیار مدة العقوبة لتحدید العقوبة السالبة للحریة قصیرة المدة، فالقانون الیونانی اوجب على القاضی استبدال العقوبة السالبة للحریة التی لا تزید مدتها عن ثمانیة عشر شهرا بعقوبة الغرامة، کما اجاز القانون الالمانی استبدال العقوبة السالبة للحریة التی تقل مدتها عن ستة اشهر بالغرامة، ولو لم یتضمن النص العقابی عقوبة الغرامة، وکذلک الزم القانون البرتغالی القاضی باستبدال العقوبة السالبة للحریة التی لا تزید مدتها عن ستة اشهر بالغرامة، اذا کانت اعتبارات الردع العام تقتضی ذلک، کما اجاز القانون الاسبانی استبدال عقوبة الحبس الذی لا تزید مدته عن سنة او سنتین بالغرامة، اذا وجد القاضی من ظروف القضیة ما یستدعی ذلک، وکذلک اجاز القانون الفرنسی استبدال عقوبة الحبس فی جرائم الجنح بالغرامة على ان لا تتجاوز عدد ایام الغرامة بالنظر الى جسامة الجریمة " 360 " یوما، وان لا تتجاوز قیمة الغرامة " 1000 " یورو مع الاخذ بعین الاعتبار دخل المحکوم علیه واعبائه المالیة([14]). کما اعتمدت بعض القوانین العربیة التی اقرت نظام استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة على المعیار ذاته الذی اعتمدت علیه القوانین الغربیة، فالقانون الاردنی اجاز للمحکمة استبدال عقوبة الحبس المحکوم بها والتی لا تزید مدتها على ثلاثة اشهر بالغرامة على اساس دینارین عن کل یوم، اذا اقتنعت بان الغرامة عقوبة کافیة للجریمة التی ادین بها([15])، کذلک اجاز القانون الجزائری - فی نطاق تحدیده للظروف المخففة للعقوبة - للمحکمة اذا کان المتهم لیس من اصحاب السوابق القضائیة، وکانت عقوبة الحبس هی المقررة للجریمة استبدالها بالغرامة التی لا تقل عن " 20000 " دینار ولا تزید عن " 500000" دینار، اما اذا کان المتهم من اصحاب السوابق القضائیة، فانه لا یجوز فی ای حال من الاحوال استبدال الحبس بالغرامة([16]). وعلى ایة حال، فان الثابت مما تقدم اختلاف موقف الفقه والقوانین من مدة العقوبة السالبة للحریة قصیرة المدة التی یجوز استبدالها بالغرامة او بقیة الانظمة البدیلة لها، وان کان الغالب فیها ان هذه المدة تنحصر ما بین الثلاثة اشهر الى السنتین، وهو ما یرجع باعتقادنا الى ان تلک المدة هی المدة التی فی ذهن المشرع للعقوبة السالبة للحریة قصیرة المدة والا لما اجاز استبدالها بالغرامة، فضلا عن ان تحدید هذه المدة یرتبط بطبیعة کل مجتمع من هذه المجتمعات، وانواع الجرائم التی یزداد او یکثر ارتکابها وتستوجب الحکم بهذه العقوبة. ومن هذا المنطلق نرى ان اتجاه المشرع العراقی الى تحدید مدة العقوبة التی یجوز استبدالها بالغرامة بخمس سنوات او اقل هو اتجاه لا ینسجم مع الاتجاه الغالب فی الفقه والقوانین المقارنة، لاسیما اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان المشرع لم یقصر ذلک على نوع معین من الجرائم، کجرائم الجنح والمخالفات، وانما جاء النص مطلقا، ومن ثم یمکن شمول جمیع الجرائم التی یحکم فیها بالحبس بالاستبدال بالغرامة – باستثناء الجرائم الواردة فی المادة " 6 " من المشروع - حتى وان کانت من جرائم الجنایات، اذ انه کحقیقة قانونیة مستقرة ان المحکمة یمکن لها ان تنزل بالعقوبة اذا تم الاخذ بالظروف المخففة التقدیریة والاعذار القانونیة المخففة الى ما دون الحد الادنى للعقوبة، وبالتالی الحکم بالعقوبة المقررة لجرائم الجنح _ الحبس - بدلا عن العقوبة المقررة لجرائم الجنایات، فضلا عن ذلک فانه لا یخفى عن المتتبع ان توقیت طرح المشروع الذی جاء فی ظل اتساع وانتشار ظاهرة الفساد الاداری والمالی فی العراق، قد یثیر الکثیر من الجدل حول امکانیة استغلاله لإیجاد منفذ قانونی للمتورطین فی ارتکاب الجرائم على اختلاف انواعها. علیه فإننا نقترح على المشرع العراقی اعادة النظر فی مدة العقوبة المحکوم بها التی یمکن استبدالها بالغرامة، ونقترح ان تکون المدة هی "الحبس لمدة لا تزید عن سنتین"، وذلک للأسباب التالیة : 1- ان مدة "الحبس لمدة لا تزید عن سنتین" تتقارب مع الاتجاه الغالب فی موقف الفقه والقوانین المقارنة من تحدید مدة العقوبة السالبة للحریة قصیرة المدة، فضلا عن ان المحکومین بهذه العقوبة هم فی الغالب الاعم من الاشخاص الذین لا یتصفون بالخطورة الاجرامیة، وهو ما ینسجم مع الاسباب الموجبة لتشریع القانون، فضلا عن تحقیق الغایة الاساسیة من اقرار بدائل العقوبات السالبة للحریة قصیرة المدة وتجاوز سلبیات الحکم بها. 2- درء شبهة استغلال القانون – التی ننزه المشرع والقضاء عنها - لتحقیق مصالح مرتکبی الجرائم المختلفة. ثانیا : رضاء المحکوم علیه باستبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة تنفرد الغرامة البدیلة بخاصیة تمیزها عن العقوبات المقررة بموجب القوانین العقابیة، الا وهی خاصیة رضاء المحکوم علیه بفرضها بدلا عن العقوبة السالبة للحریة المحکوم بها علیه اصلا، وعلى الرغم من ان المشرع العراقی لم ینص على هذا الشرط صراحة ضمن مشروع قانون استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة، الا انه یستفاد ضمنا من المادة(1) من المشروع التی نصت على انه: "للمحکوم علیه وجاهیا ام غیابیا... "، والمادة(3) التی جاء فیها: "للمشمول بأحکام المادة(1) اعلاه تقدیم طلب لغرض الاستبدال الى المحکمة التی اصدرت الحکم للبت بطلب الاستبدال"، وکذلک المادة(5) التی نصت على انه: "یقدم طلب الاستبدال من قبل المشمول بأحکام هذا القانون او من ینوب عنه قانونا الى المحکمة المختصة.... ". ابتداءً یلاحظ على نص المادة(3) ان المشرع العراقی استخدم مفردة "اعلاه" للإشارة الى ما ورد فی المادة(1)، وحیث ان هذا الاسلوب غیر متعارف علیه فی صیاغة النصوص القانونیة التی تحیل ما تتضمنه من احکام الى مواد اخرى فی القانون ذاته، کما انه لا یستقیم مع ما تتمیز به اللغة العربیة من کونها لغة الاختصار والدلالة على المضمون باقل عدد من المفردات، فإننا نقترح على المشرع فی حال اصدار القانون حذف لفظ "اعلاه" من نص المادة(3) من القانون. کما یتضح ایضا، تعلیق المشرع للحکم بالغرامة البدیلة على تقدیم طلب من المحکوم علیه بالعقوبة السالبة للحریة أو من ینوب عنه قانونا، ومن ثم یتحدد صاحب الحق فی طلب الاستبدال بالمحکوم علیه بالعقوبة السالبة للحریة، فهو صاحب الحق الاول فی تقدیم الطلب، وله ان یوکل غیره بذلک، واذا کان المحکوم علیه لیس اهلا لتقدیم الطلب فان الحق فی تقدیمه ینتقل لمن یمثله قانونا، سواء اکان الولی ام الوصی ام القیم علیه، وبالتالی لا یجوز للمحکمة اللجوء للغرامة البدیلة من تلقاء نفسها، کما لا یجوز لها الحکم بها الا بعد تقدیم الطلب من المحکوم علیه بالعقوبة السالبة للحریة، وبهذا یختلف موقف المشرع العراقی عن موقف المشرع فی القوانین المقارنة التی اخضعت الحکم بالغرامة البدیلة للسلطة التقدیریة للمحکمة، ولم تعلق ذلک على موافقة او رضاء المحکوم علیه. ولا شک ان تطلب هذا الشرط من قبل المشرع العراقی – باعتقادنا – له ما یبرره من حیث ضمان استعداد المحکوم علیه لإداء مبلغ الغرامة من جهة، وتجنب السلبیات التی تتنج عن الحالة العکسیة المتمثلة بإبدال الغرامة بسلب الحریة اذا لم یتمکن المحکوم علیه من دفع مبلغ الغرامة المقضی به الى خزینة الدولة من جهة اخرى([17])، ومن ثم عدم تحقق الغایة من اقرارها، سواء ما تعلق بتجاوز السلبیات المترتبة على فرض العقوبة السالبة للحریة قصیرة المدة ام ما تعلق منها بتحقیق اغراض العقوبة فی الاصلاح والتأهیل. ثالثا: ان یکون الحکم قد صدر عن جریمة من الجرائم التی یجوز فیها الاستبدال یلزم لإمکانیة استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة، ان یکون الحکم بها قد صدر عن جریمة من الجرائم التی یجوز الاستبدال فیها، وهذا الشرط ینفرد به المشرع العراقی وذلک بالمقارنة مع القوانین التی اعتمدت معیار مدة العقوبة فی تحدید العقوبة السالبة للحریة التی یجوز استبدالها بالغرامة، وکذلک القوانین التی قصرت ذلک على نوع معین من الجرائم، کجرائم الجنح والمخالفات، وذلک من خلال قیامه باستثناء مجموعة من الجرائم التی یحکم بها بعقوبة سالبة للحریة من الخضوع لأحکامه، وهی الجرائم الواردة فی المادة " 6 " من المشروع التی جاء فیها تعداد للجرائم التی یستثنى مرتکبوها من الخضوع لأحکامه وهی: جرائم الفساد المالی والاداری([18])، وجرائم المخدرات([19])، وجرائم الاتجار بالبشر([20])، وجرائم غسیل الاموال([21])، وجرائم غسل العار . وفی هذا الصدد، تجدر الاشارة الى ان المشرع العراقی قد ضمن قانون العفو رقم 27 لسنة 2016 نصا أجاز بموجبه للنزیل او المودع الصادر بحقه حکم بات وأمضى ما لا یقل عن ثلث المدة المحکوم بها طلب استبدال المدة المتبقیة من العقوبة أو التدبیر بالغرامة ([22])، وحدد المشمولین بذلک، وهم مرتکبی "جریمة تهریب المسجونین او المحبوسین او المقبوض علیهم، جریمة ایواء المحکومین او المتهمین عن الجرائم المستثناة من تطبیق احکام القانون مالم یکن المحکوم او المتهم زوجا او قریبا من الدرجة الاولى، جریمة الاتجار بالمخدرات، جرائم تهریب الاثار، جریمة تزییف العملة او اوراق النقد او السندات المالیة، جریمة تزویر المحررات الرسمیة التی ادت الى حصول المزور على درجة وظیفیة فی ملاک الدولة مدیر عام فما فوق"([23]). وبالمقارنة بین موقف المشرع فی مشروع قانون استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة وقانون العفو من حیث الجرائم المستثناة من الاستبدال فی الاول والجرائم التی یجوز الاستبدال حصرا فیها فی الثانی، نجد ان المشرع قد تجاوز السلبیات التی تترتب على شموله مرتکبی جرائم الاتجار بالمخدرات بالاستبدال فی قانون العفو، وذلک من خلال تقریره استثناء مرتکبی جرائم المخدرات ومن ضمنها جریمة الاتجار بالمخدرات من الاستفادة من الاستبدال فی مشروع القانون، الا ان ما یؤخذ علیه هو عدم قیامه باستثناء مرتکبی جرائم تهریب الاثار وجریمة تزییف العملة او اوراق النقد او السندات المالیة وجریمة تزویر المحررات الرسمیة من امکانیة الاستفادة من الاحکام الواردة فی مشروع القانون، بالرغم من خطورة هذه الجرائم على مصالح المجتمع وامنه واستقراره. وعلى ایة حال، فإننا نرى انه لا غرابة فی قیام المشرع – وبقدر تعلق الامر بمشرع القانون - باستثناء مرتکبی جرائم الفساد المالی والاداری وجرائم المخدرات وجرائم الاتجار بالبشر وجرائم غسیل الاموال من الاستفادة من احکام هذا القانون، اذ ان ذلک یأتی ضمن السیاسة العقابیة المعاصرة لمکافحة هذه الانواع من الجرائم التی اضحت تتصف بکونها ظواهر ینبغی التصدی لها والقضاء علیها بشتى الوسائل القانونیة، فضلا عن الخطورة التی یتصف بها مرتکبی هذه الانواع من الجرائم، الا ان ما یثیر الغرابة والدهشة استثناء مرتکبی جرائم غسل العار من الاستفادة من احکام القانون، ومثار الاستغراب یتأتى من الاتی : 1- ان مصطلح جرائم غسل العار من المصطلحات التی لم ترد فی ای مادة من مواد قانون العقوبات او القوانین المکملة له. 2- اذا کان المقصود بالاستثناء مرتکبی جرائم القتل وفقا للمادة (409) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969([24])، فان استثناء مرتکبی هذه الجریمة یتعارض مع موقف المشرع فی قانون العقوبات الذی جعل من حالة الاستفزاز التی یتعرض لها مرتکب الجریمة عذرا قانونیا مخففا لعقوبة جریمة القتل العمد، ومن ثم تقریر عقوبة الحبس لمدة لا تزید عن ثلاث سنوات لمرتکبها، فضلا عن عدم جواز استعمال حق الدفاع الشرعی وتطبیق احکام الظروف المشددة ضده من جهة، کما انه یتعارض مع الاسباب الموجبة لمشروع القانون المتمثلة بإعطاء الفرصة لبعض المحکومین فی الجرائم العمدیة التی لا تتصف بالخطورة، اذا ما اخذ بنظر الاعتبار ان مرتکب الجریمة لا یتصف بالخطورة التی تبرر استثناؤه من احکام القانون، وان ارتکابه للجریمة کان بسبب حالة الاستفزاز الشدید التی تعرض لها ودفعته الى ارتکاب الجریمة. علیه فإننا نقترح على المشرع فی حال اصدار القانون تعدیل نص المادة(6) وذلک بحذف جرائم غسل العار من الجرائم التی یستثنى مرتکبوها من الاستفادة من احکام القانون. رابعا : موافقة المحکمة المختصة على طلب الاستبدال یشترط لإمکانیة فرض عقوبة الغرامة بدلا عن العقوبة السالبة للحریة المحکوم بها موافقة المحکمة المختصة على طلب الاستبدال الذی تقدم به المحکوم علیه او من ینوب عنه قانونا، وهذا الشرط ورد النص علیه فی المادة (4) من مشروع القانون التی نصت على انه : "للمحکمة قبول طلب الاستبدال او رفضه...... "، والمحکمة المختصة هی المحکمة التی اصدرت الحکم بالعقوبة السالبة للحریة، وفی نطاق هذا الشرط فان موقف المشرع العراقی یتفق مع موقف المشرع فی القوانین التی اقرت نظام فرض عقوبة الغرامة بدلا عن العقوبة السالبة للحریة من حیث اعطاء القاضی المختص بنظر الدعوى المکنة القانونیة للحکم بذلک من عدمه وفقا لسلطته التقدیریة، اذا ما تحقق الشرط المتعلق بمدة العقوبة السالبة للحریة المحکوم بها على التفصیل الذی بیناه انفا، مع الاخذ بعین الاعتبار ان قرار المحکمة بقبول الطلب أو رفضه یکون خاضعا للطعن استنادا لأحکام المادة(4) من المشروع التی نصت على انه: "للمحکمة قبول طلب الاستبدال أو رفضه ویکون قرارها خاضعا للطعن تمییزا وفق طرق الطعن المنصوص علیها فی قانون أصول المحاکمات الجزائیة رقم (23) لسنة 1971 المعدل". ومع ذلک فان التساؤل الذی یمکن ان یطرح فی هذا الصدد هو: هل ان اعمال المحکمة لسلطتها التقدیریة باستبدال العقوبة او رفضها هی سلطة مطلقة ام لابد من تقییدها بمجموعة من الضوابط التی یجب مراعاتها عند نظر الطلب ؟ ان الاجابة على هذا التساؤل بالاستناد الى النصوص الواردة فی مشروع القانون تقتضی القول بان سلطة المحکمة فی الموافقة على الطلب من عدمه هی سلطة مطلقة، اذ لم یرد ضمن نصوص مشروع القانون نصا یحد من هذه السلطة، الا بحدود تحقق الشروط المتعلقة بفرض عقوبة الغرامة البدیلة التی تم الحدیث عنها انفا، ومع ذلک فإننا نتفق مع الرای الغالب فی الفقه([25])، الذی یدعو الى عدم اطلاق سلطة المحکمة التقدیریة بخصوص بدائل العقوبة السالبة للحریة قصیرة المدة ومن ضمنها الغرامة البدیلة، وضرورة تقییدها بمجموعة من الضوابط التی یمکن من خلالها تحقیق الاهداف المرجوة من وراء الاتجاه نحو تبنی هذا النوع من العقوبات التی هی فی الاصل امتیاز مقرر لإصلاح بعض طوائف المجرمین المبتدئین وابعادهم عن الاثار السلبیة للعقوبات السالبة للحریة قصیرة المدة وتشجیعهم على عدم العودة للإجرام، ومن ثم ضرورة ان یکون المستفید منها هم فئة الاحداث، وکذلک تلک الفئة من المجرمین الذین یطلق علیهم وصف "المجرمین بالصدفة"، وهی الفئة الاکبر من افراد المجتمع التی تقع فی براثن الاجرام بسبب عوامل طارئة او عارضة تدفعها الى ارتکاب الجریمة، فضلا عن ضرورة وصول المحکمة الى قناعة ویقین بجدوى العقوبة البدیلة فی تحقیق اهدافها فی اصلاح المحکوم علیه وتأهیله المبنی على تقاریر علمیة واجتماعیة ونفسیة یقدمها علماء متخصصون یدرسون حالة کل محکوم علیه لتقریر مدى جدارته للاستفادة من هذه العقوبات من عدمها. المطلب الثانی اثار فرض الغرامة البدیلة یترتب على توافر الشروط المتطلبة لفرض الغرامة البدیلة اثار متعددة، منها ما یتعلق بمبلغ الغرامة المحکوم به، ومنها ما یتعلق بمصیر المحکوم علیه بالعقوبة السالبة للحریة، وهو ما سنعرضه فی هذا المطلب وعلى النحو الاتی : اولا: الزام المحکوم علیه بإداء مبلغ الغرامة دفعة واحدة تتفق القوانین المقارنة التی اقرت نظام استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة على الزام المحکوم علیه بإداء مبلغ الغرامة الى خزینة الدولة وفقا لضوابط وأسس معینة، سواء من حیث تحدید مبلغ الغرامة ام من حیث تحدید کیفیة ادائه، اذ نجد ان المشرع الفرنسی – الذی یأخذ بنظام الغرامة الیومیة – لم یحدد مبلغا معینا یتوجب الحکم به بالمقارنة مع مدة العقوبة السالبة للحریة، وانما منح القاضی سلطة تحدید مبلغ الغرامة بشکل یتناسب مع مقدار الدخل الیومی مخصوما منه الاعباء الیومیة للمحکوم علیه، و بشرط ان لا تتجاوز قیمة یوم الغرامة " 1000 " یورو، وان لا یتجاوز عدد ایام الغرامة بالنظر الى جسامة الجریمة " 360 " یوما([26])، کما اوجب استحقاق المبلغ الاجمالی فی نهایة المدة المطابقة لعدد ایام الغرامة المحکوم بها، ومع ذلک اجاز للمحکمة ان تقوم بتقسیط مبلغ الغرامة او تأجیل دفعه بحسب الظروف المحیطة بالمحکوم علیه، سواء العائلیة او الصحیة او المهنیة منها. اما المشرع الاردنی فقد حدد مبلغ الغرامة على اساس دینارین عن کل یوم من ایام العقوبة السالبة للحریة والتی ینبغی ان لا تزید عن ثلاثة اشهر، فیما لم یحدد فی النص کیفیة اداء مبلغ الغرامة، وبالتالی یتم الرجوع الى القواعد العامة فی تنفیذ عقوبة الغرامة والتی تقضی بسداد المبلغ الى خزینة الدولة دفعة واحدة([27]). بینما حدد المشرع العراقی مبلغ الغرامة على اساس " 20000 " عشرین الف دینار عن کل یوم من ایام مدة العقوبة السالبة للحریة المحکوم بها والتی ینبغی ان لا تزید عن خمس سنوات، اذ نصت على ذلک المادة(2) من مشروع القانون بقولها "یکون مبلغ الاستبدال (عشرین الف دینار) عن کل یوم من المدة"، کما اوجب ان یتم تسدیدها مبلغ الاستبدال دفعة واحدة بعد اکتساب قرار قبول طلب الاستبدال الدرجة القطعیة، اذ نصت المادة (7) من مشروع القانون على انه: "یسدد مبلغ الاستبدال دفعة واحدة وفق الطرق القانونیة الحسابیة المتبعة لدى حسابات المحاکم ویقید ایرادا نهائیا لخزینة الدولة بعد اکتساب قرار قبول طلب الاستبدال الدرجة القطعیة". والملاحظ من النص اعلاه اختلاف موقف المشرع العراقی من تحدید المبلغ الذی یتم على اساسه استبدال العقوبة السالبة للحریة المحکوم بها، عن موقفه من المبلغ ذاته فی قانون العفو العام رقم 27 لسنة 2016، اذ حدد المبلغ الذی یتم على اساسه استبدال العقوبة السالبة للحریة المحکوم بها بمبلغ (عشرة الاف دینار) عن کل یوم من ایام المدة المحکوم بها([28]). وهنا یثور التساؤل حول الاسباب التی دعت المشرع الى الارتفاع بمقدار مبلغ الغرامة المقرر لکل یوم من ایام الاستبدال، وعما اذا کان المشرع قد جعل من تحصیل الایرادات المالیة هدفا اساسیا من اهداف الاقرار بنظام استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة بالمقارنة مع تحقیق اهداف العقوبة المتمثلة فی الردع – بنوعیه العام والخاص – واعادة اصلاح المحکوم علیه وتأهیله؟ بالتتبع لنصوص مشروع القانون ومقارنتها بقانون العفو المذکور انفا، یمکن لنا القول بان المشرع العراقی قد غلب جانب تحصیل الایرادات على جانب تحقیق اهداف العقوبة، وهذا یتضح بشکل جلی من خلال الاتی : 1- ان المشرع قد شمل بالقانون جمیع المحکوم علیهم بالعقوبات السالبة للحریة التی لا تزید مدتها عن خمس سنوات، وسواء اکان الحکم الصادر بحقهم قد صدر وجاهیا ام غیابیا، وسواء اکان قد اکتسب الدرجة القطعیة ام لم یکتسبها. 2- ان المشرع قد شمل جمیع الجرائم على اختلاف درجة جسامتها بأحکام القانون – باستثناء الجرائم الواردة فی المادة " 6 " – التی یحکم فیها بالعقوبات السالبة للحریة التی لا تزید مدتها عن خمس سنوات على التفصیل الذی بیناه عند بیان شروط فرض عقوبة الغرامة البدیلة. 3- ان المشرع قد اوجب دفع مبلغ الغرامة البدیلة دفعة واحدة، ولم یمنح المحکمة سلطة تقسیطها او تأجیل دفعها وفقا لجسامة الجریمة وخطورة الجانی ومدى ثرائه، وهو الامر الذی یهدد کل فائدة مرجوة منها للإصلاح بوصفها عقوبة بدیلة عن العقوبة السالبة للحریة قصیرة المدة، فضلا عن ذلک فانه، ای المشرع لم یتفادى اهم انتقاد یوجه لعقوبة الغرامة - بشکل عام - وهو اخلالها بمبدأ المساواة فی العقوبة، وبالتالی فقدان قوتها فی تحقیق الردع بنوعیه العام والخاص، لأنها ستکون تافهة بالنسبة لشخص ثری مقارنة بشخص فقیر او محدود الدخل. وعلى ایة حال، فان تحصیل الایرادات المالیة کهدف من اهداف اقرار عقوبة الغرامة البدیلة یجب کما نعتقد ان لا یکون على حساب تحقیق اهداف العقوبة فی الردع واصلاح الجانی واعادة تأهیله، ومن ثم فإننا نقترح على المشرع العراقی عند اصداره للقانون تعدیل نص المادة (7) وتضمینها ما یفید منح المحکمة سلطة تقسیط الغرامة او تأجیلها وفقا لحالة المحکوم علیه المالیة والاجتماعیة وظروف ارتکاب الجریمة، وهذا الامر بحسب رأینا ینسجم مع موقف المشرع من عقوبة الغرامة وکیفیة تقدیرها حیث اوجب على المحکمة عند تقدیرها لمبلغ الغرامة مراعاة حالة المحکوم علیه المالیة والاجتماعیة وما استفاده من الجریمة التی ارتکبها او کان یتوقع الافادة منها وظروف الجریمة وحالة المجنى علیه([29]). ثانیا : اخلاء سبیل المحکوم علیه ترتب القوانین المقارنة على فرض عقوبة الغرامة البدیلة اثرها فی اخلاء سبیل المحکوم علیه بوصفها عقوبة تحل محل العقوبة الاصلیة المحکوم بها على مرتکب الجریمة، والامر ذاته رتبه المشرع العراقی عند اقراره لنظام استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة، اذ نصت المادة(9) من مشروع القانون على انه: "یخلى سبیل النزیل او المودع او المحکوم عند تسدید مبلغ الغرامة ما لم یکن محکوما عن قضیة اخرى"، ویعنی ذلک بان الاستبدال اذا شمل النزیل او المودع فانه یترتب على المؤسسة العقابیة التی ینفذ النزیل او المودع العقوبة السالبة للحریة فیها اخلاء سبیله فورا ما لم یکن محکوما عن قضیة اخرى، اما اذا شمل الاستبدال المحکوم علیه فی مرحلة المحاکمة وقبل ایداعه فی احدى المؤسسات العقابیة المقررة لکبار او الاحداث بحسب الاحوال فینبغی على المحکمة اصدار الحکم بإخلاء سبیله والإفراج عنه، واذا کان موقوفا احتیاطیا یفرج عنه([30]). کما قرر المشرع عدم تأثیر قرار اخلاء سبیل المحکوم علیه المترتب على تنفیذ العقوبات التبعیة والتکمیلیة والتدابیر الاحترازیة المحکوم بها، کما لا یخل ذلک بطلبات التعویض المقدمة ضد المحکوم علیه، اذ نصت على ذلک المادة(10) من مشروع القانون بنصها على انه: "لا یخل الاستبدال بتنفیذ العقوبات التبعیة والتکمیلیة والتدابیر الاحترازیة وطلبات التعویض"، وهذا الحکم لا یعدو ان یکون تطبیقا للقواعد العامة باعتبار ان الغرامة البدیلة عقوبة تحل بدلا عن العقوبة الاصلیة المحکوم بها، ومصطلح البدیلة لا یغیر من وصفها کعقوبة، وبالتالی سریان کافة القواعد التی تسری على العقوبات علیها. ومع ذلک فان الامر الذی یثیر الاستغراب هو ما جاء فی المادة(8) من مشروع القانون التی نصت على انه: "اذا ارتکب المشمول بأحکام هذا القانون احدى جرائم الجنایات العمدیة خلال مدة ثلاث سنوات من تاریخ شموله یعاد تنفیذ العقوبة المستبدلة ودون ان یکون له حق بإعادة مبلغ الغرامة". فالملاحظ من خلال النص اعلاه ان المشرع قد جعل من نظام استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة صورة معدلة من صور نظام وقف تنفیذ العقوبة، اذ قرر ابقاء المحکوم علیه قید الاختبار لمدة محددة ینبغی ان یثبت خلالها حسن سلوکه وجدارته بالاستبدال والا عادت المحکمة الى تنفیذ العقوبة السالبة للحریة التی تم استبدالها بالغرامة، وقد حدد المدة بثلاث سنوات، واشترط ان لا یرتکب المحکوم علیه خلالها احدى الجرائم المعتبرة من قبیل الجنایات العمد، ومن ثم اذا مضت المدة من دون ان یتحقق الشرط استفاد المحکوم علیه من الاستبدال، اما اذا تحقق الشرط وارتکب المحکوم علیه جریمة خلال المدة المحددة وجب تنفیذ العقوبة السالبة للحریة التی تم استبدالها، فضلا عن ذلک فقد قرر سقوط حق المحکوم علیه فی اعادة مبلغ الغرامة. ولا شک ان اتجاه المشرع الى تضمین مشروع القانون للنص اعلاه – باعتقادنا – لا یجد له مبررا لان الاستبدال تم على اساس احلال عقوبة محل عقوبة اخرى، وذلک لا سباب ومبررات دعت المشرع الى اقرار الاستبدال، ولم یتم على اساس تعلیق تنفیذ العقوبة المحکوم بها لفترة محددة الذی یقوم علیه نظام وقف التنفیذ، کما ان الحکم بإعادة تنفیذ العقوبة المستبدلة یوجب اعادة مبلغ الغرامة الى المحکوم علیه، ومن ثم فان الحکم الذی جاء به المشرع والمتمثل بسقوط حق المحکوم علیه فی اعادة مبلغ الغرامة سیجعلنا امام تعدد العقوبات المفروضة على المحکوم علیه عن جریمة واحدة، وهذا یتعارض مع المبدأ العام الذی یقضی بعدم جواز الحکم على الشخص بعقوبتین عن جریمة واحدة. ومع التنویه الى ان المشرع العراقی لم یضمن قانون العفو العام رقم 27 لسنة 2016 نصا مماثلا لنص المادة (8) من مشروع القانون، فإننا نقترح على المشرع العراقی فی حال اصداره للقانون وللأسباب اعلاه الغاء المادة المذکورة، والاقتصار على جعل عقوبة الغرامة بدیلا للعقوبة السالبة للحریة قصیرة المدة. الخاتمـة بعد أن انتهینا من کتابة بحثنا الموسوم الغرامة البدیلة/ دراسة مقارنة، فإننا ندرج ادناه اهم الاستنتاجات والتوصیات التی توصلنا الیها وکالآتی:- أولا: الاستنتاجات 1- یحسب للمشرع العراقی اتجاهه ضمن مشروع قانون استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة الى الاخذ ببدائل العقوبات السالبة للحریة ولا سیما قصیرة المدة منها، وبما یتناغم مع اهداف السیاسة العقابیة المعاصرة واتجاه المشرع فی القوانین المقارنة، والتی تحتل الغرامة البدیلة مکان الصدارة بینها نظرا لأهمیتها وفاعلیتها فی تجاوز مساوئ هذا النوع من العقوبات، وعلى المستویات الاقتصادیة والاجتماعیة والنفسیة کافة، فضلا عن القضاء على ظاهرة ازدحام او اکتظاظ السجون التی تعد من اخطر المظاهر التی تعانی منها المؤسسات العقابیة. 2- ان الغرامة البدیلة هی: "عقوبة مالیة مضمونها الزام المحکوم علیه بان یدفع الى خزینة الدولة المبلغ المحدد لکل یوم من ایام مدة العقوبة السالبة للحریة المحکوم بها بدلا عنها، اذا ما رأت المحکمة انها تحقق أهداف العقوبة فی الردع العام والردع الخاص، وتؤدی وظیفتها فی تحقیق العدالة واصلاح الجانی واعادة تأهیله"، وهی بهذا المعنى تستجمع کل خصائص العقوبة فی النظام العقابی المعاصر. 3- ان المشرع العراقی والمشرع فی القوانین المقارنة قد اشترطا توافر مجموعة من الشروط لإمکانیة استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة على اختلاف بینها فی هذه الشروط، کما رتبا على الاستبدال أثر اخلاء سبیل المحکوم علیه. 4- ان المشرع العراقی على خلاف موقف المشرع فی القوانین المقارنة قد غلب جانب تحصیل الایرادات على جانب تحقیق اهداف العقوبة ضمن مشروع قانون استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة، وهذا یتضح بشکل جلی من خلال شمول جمیع المحکوم علیهم بالعقوبات السالبة للحریة التی لا تزید مدتها عن خمس سنوات بالقانون، وسواء اکان الحکم الصادر بحقهم قد صدر وجاهیا ام غیابیا، وسواء اکان قد اکتسب الدرجة القطعیة ام لم یکتسبها، وکذلک شمول جمیع الجرائم على اختلاف درجة جسامتها بأحکام القانون – باستثناء الجرائم الواردة فی المادة " 6 " – التی یحکم فیها بالعقوبات السالبة للحریة التی لا تزید مدتها عن خمس سنوات، فضلا عن ایجابه دفع مبلغ الغرامة البدیلة دفعة واحدة، وعدم منح المحکمة سلطة تقسیطها او تأجیل دفعها وفقا لجسامة الجریمة وخطورة الجانی ومدى ثرائه. ثانیا : التوصیات نقترح على المشرع العراقی فی حال اصدار قانون استبدال العقوبة السالبة للحریة بالغرامة ما یأتی : 1- حذف مفردة "اعلاه" من نص المادة(3)، اذ ان المشرع استخدم المفردة للإشارة الى ما ورد فی المادة(1) من المشروع، وذلک لان هذا الاسلوب غیر متعارف علیه فی صیاغة النصوص القانونیة التی تحیل ما تتضمنه من احکام الى مواد اخرى فی القانون ذاته، کما انه لا یستقیم مع ما تتمیز به اللغة العربیة من کونها لغة الاختصار والدلالة على المضمون باقل عدد من المفردات. 2- اعادة النظر فی مدة العقوبة المحکوم بها التی یمکن استبدالها بالغرامة، ونقترح ان تکون المدة هی "الحبس لمدة لا تزید عن سنتین"، وذلک للأسباب التالیة : أ- ان مدة "الحبس لمدة لا تزید عن سنتین" تتقارب مع الاتجاه الغالب فی موقف الفقه والقوانین المقارنة من تحدید مدة العقوبة السالبة للحریة قصیرة المدة، کما ان المحکومین بهذه العقوبة هم فی الغالب الاعم من الاشخاص الذین لا یتصفون بالخطورة الاجرامیة، وهو ما ینسجم مع الاسباب الموجبة لتشریع القانون، فضلا عن تحقیق الغایة الاساسیة من اقرار بدائل العقوبات السالبة للحریة قصیرة المدة وتجاوز سلبیات الحکم بها. ب- درء شبهة استغلال القانون – التی ننزه المشرع والقضاء عنها - بسبب تفشی ظاهرة الفساد لتحقیق مصالح مرتکبی الجرائم المختلفة. 3- تعدیل نص المادة(6) وذلک بحذف جرائم غسل العار من الجرائم التی یستثنى مرتکبوها من الاستفادة من احکام القانون، اذ ان مصطلح جرائم غسل العار من المصطلحات التی لم ترد فی ای مادة من مواد قانون العقوبات او القوانین المکملة له، واذا کان المقصود بالاستثناء مرتکبی جرائم القتل وفقا للمادة (409) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، فان استثناء مرتکبی هذه الجریمة یتعارض مع موقف المشرع الذی جعل من حالة الاستفزاز التی یتعرض لها مرتکب الجریمة عذرا قانونیا مخففا لعقوبة جریمة القتل العمد، ومن ثم تقریر عقوبة الحبس لمدة لا تزید عن ثلاث سنوات لمرتکبها، فضلا عن عدم جواز استعمال حق الدفاع الشرعی وتطبیق احکام الظروف المشددة ضده، کما انه یتعارض مع الاسباب الموجبة لمشروع القانون المتمثلة بإعطاء الفرصة لبعض المحکومین فی الجرائم العمدیة التی لا تتصف بالخطورة، اذا ما اخذ بنظر الاعتبار ان مرتکب الجریمة لا یتصف بالخطورة التی تبرر استثناءه من احکام القانون، وان ارتکابه للجریمة کان بسبب حالة الاستفزاز الشدید التی تعرض لها ودفعته الى ارتکاب الجریمة. 4- تعدیل نص المادة(7) وتضمینها ما یفید منح المحکمة سلطة تقسیط الغرامة او تأجیلها وفقا لحالة المحکوم علیه المالیة والاجتماعیة وظروف ارتکاب الجریمة، وهذا الامر برأینا ینسجم مع موقف المشرع من عقوبة الغرامة وکیفیة تقدیرها الذی ضمنه احکام المادة(91) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل، اذ اوجب على المحکمة عند تقدیرها لمبلغ الغرامة مراعاة حالة المحکوم علیه المالیة والاجتماعیة وما استفاده من الجریمة التی ارتکبها او کان یتوقع الافادة منها وظروف الجریمة وحالة المجنى علیه. 5- الغاء نص المادة(8) من مشروع القانون، والاقتصار على جعل عقوبة الغرامة بدیلا للعقوبة السالبة للحریة قصیرة المدة، اذ ان نص المادة اعلاه لیس له ما یبرره لان الاستبدال تم على اساس احلال عقوبة محل عقوبة اخرى، ولم یتم على اساس تعلیق تنفیذ العقوبة المحکوم بها لفترة محددة الذی یقوم علیه نظام وقف التنفیذ، کما ان الحکم بإعادة تنفیذ العقوبة المستبدلة یوجب اعادة مبلغ الغرامة الى المحکوم علیه، ومن ثم فان الحکم الذی جاء به المشرع فی نص المادة (8) والمتمثل بسقوط حق المحکوم علیه فی اعادة مبلغ الغرامة سیجعلنا امام تعدد العقوبات المفروضة على المحکوم علیه عن جریمة واحدة، وهذا یتعارض مع المبدأ العام الذی یقضی بعدم جواز الحکم على الشخص بعقوبتین عن جریمة واحدة. The Author declare That there is no conflict of interest References (Arbic Translated to English) First: legal books 1- Dr. Ahmed Kilan Abdullah and Bilal Abdel Rahman Mahmoud - Penalty replacement policy / a comparative study - Arab Center for Scientific Studies and Research - Cairo - 2019. 2- Dr. Amin Mostafa Mohamed - Science of Criminal Punishment / Criminal Penalty between theory and practice - New University House - Alexandria - 2008. 3- Dr. Ayman Ramadan Al-Zaini - Short-term freedom deprivation penalties and their alternatives / A comparative Study - 2nd edition - Dar Al-Nahda Al-Arabiya - Cairo - 2005 4- Dr. Sami Abdel Karim Mahmoud - Criminal Penalty - 1st Edition - Al-Halabi Legal Publications - Beirut - Lebanon - 2010. 5- Dr. Ali Abdel-Qader Al-Qahwaji - Explanation of the Penal Code - General Section - Criminal Responsibility and Criminal Punishment - First Edition - Al-Halabi Legal Publications - Beirut - Lebanon - 2009. 6- Dr. Muhammad Zaki Abu Amer - Penal Code - General Section - New University House - Alexandria - 2012. 7- Dr. Mahmoud Mahmoud Mustafa - Explanation of the Penal Code - General Section - 10th Edition - Cairo University Press - Cairo - 1983. Second: Research and periodicals 1- Ahmed Musa Hayajneh - Penalties and Alternative Measures System / A System with Special Features for a Changing Punitive Philosophy - University of Sharjah Journal of Sharia and Legal Sciences - Volume 1 - P1 - University of Sharjah - United Arab Emirates - 2017. 2- Dr. Usama Ahmad Muhammad Al-Nuaimi - Penal Criminal Policy in the Narcotic Drugs and Psychotropic Substances Law No. 50 of 2017 - Al-Rafidain Journal of Law - Volume 19 - P.68 - Faculty of Law - University of Mosul - 2019. 3 - Rajab Ali Hassan - Alternative Sanctions Requirements - A research paper published within the proceedings of the Alternative Sanctions Conference Development of Iraqi Laws that was established by Dohuk Governorate for the period 12-13 / March / 2012. 4- Rayan Sharif Abdul-Razzaq - Alternatives to penalties depriving freedom - Journal of Justice and Law - Volume 1 - Issue 1 - 2017. 5- A. Kwadri Silent Jawhar - Disadvantages of Negative Punishment for Short Term Freedom - Academic Journal for Social and Human Studies - Issue 14 - Faculty of Law and Political Science - Chlef University - 2015. 6- Muhammad Al-Warikat - The validity of the fine as an alternative to the short term imprisonment penalty in Jordanian and comparative legislation - An-Najah University Journal for Research "Human Sciences" - Volume 27 - Issue 5 - 2013. Third: university thesis 1- Rifat Safi Ali Abu Hijleh - Societal sanctions as one of the alternative penalties in Jordanian legislation - Master Thesis - Faculty of Law - Middle East University - 2019. Fourth: Laws 1- Jordanian Penal Code No. 16 of 1960. 2- Iraqi Penal Code No. 111 of 1969, as amended. 3- Criminal Procedures Law No. 23 of 1971, as amended. 4- The French Penal Code of 1992. 5- Iraqi Integrity and Graft Commission Law No. 30 of 2011, as amended. 6- Iraqi Anti-Human Trafficking Law No. 28 of 2012. 7- Iraqi Anti-Money Laundering and Terrorist Financing Law No. 39 of 2015. 8- Iraqi General Amnesty Law No. 27 of 2016. 9- Iraqi Narcotics and Psychotropic Substances Law No. 50 of 2017. | ||
References | ||
أولا : الکتب القانونیة 1- د. احمد کیلان عبد الله وبلال عبد الرحمن محمود – سیاسة استبدال الصفة الجنائیة للعقوبة / دراسة مقارنة – المرکز العربی للدراسات والبحوث العلمیة – القاهرة – 2019. 2- د. امین مصطفى محمد – علم الجزاء الجنائی / الجزاء الجنائی بین النظریة والتطبیق– دار الجامعة الجدیدة – الاسکندریة – 2008. 3- د. ایمن رمضان الزینی – العقوبات السالبة للحریة قصیرة المدة وبدائلها / دراسة مقارنة – ط2 – دار النهضة العربیة – القاهرة – 2005. 4- د. سامی عبد الکریم محمود – الجزاء الجنائی – ط1 – منشورات الحلبی الحقوقیة – بیروت – لبنان - 2010. 5- د. علی عبد القادر القهوجی – شرح قانون العقوبات - القسم العام - المسؤولیة الجنائیة والجزاء الجنائی- ط 1 – منشورات الحلبی الحقوقیة – بیروت – لبنان – 2009. 6-د. محمد زکی أبو عامر - قانون العقوبات – القسم العام – دار الجامعة الجدیدة – الإسکندریة – 2012. 7-د. محمود محمود مصطفى – شرح قانون العقوبات – القسم العام – ط 10 – مطبعة جامعة القاهرة – القاهرة – 1983.
ثانیا : البحوث والدوریات 1- احمد موسى هیاجنة – نظام العقوبات والتدابیر البدیلة / نظام ذو ملامح خاصة لفلسفة عقابیة متغیرة – مجلة جامعة الشارقة للعلوم الشرعیة والقانونیة – مج 1 – ع 1 – جامعة الشارقة – الامارات العربیة المتحدة – 2017. 2- د. اسامة احمد محمد النعیمی – السیاسة الجنائیة العقابیة فی قانون المخدرات والمؤثرات العقلیة رقم 50 لسنة 2017 – مجلة الرافدین للحقوق – مج 19 – ع 68 – کلیة الحقوق – جامعة الموصل – 2019. 3- م. رجب علی حسن – متطلبات العقوبات البدیلة – ورقة بحثیة منشورة ضمن وقائع مؤتمر العقوبات البدیلة تطویر للقوانین العراقیة الذی اقامته محافظة دهوک للفترة 12-13 / اذار / 2012. 4- ریان شریف عبد الرزاق – بدائل العقوبات السالبة للحریة – مجلة العدالة والقانون – مج 1 – ع 1 - 2017. 5- أ. قوادری صامت جوهر – مساوئ العقوبة السالبة للحریة القصیرة المدة – مجلة الاکادیمیة للدراسات الاجتماعیة والانسانیة – ع 14 - کلیة الحقوق والعلوم السیاسیة – جامعة الشلف – 2015. 6-محمد الوریکات – مدى صلاحیة الغرامة بوصفها بدیلا لعقوبة الحبس قصیر المدة فی التشریع الاردنی والمقارن – مجلة جامعة النجاح للأبحاث " العلوم الانسانیة " - مج 27 – ع 5 – 2013. ثالثا: الرسائل الجامعیة 1- رفعات صافی علی ابو حجلة – العقوبات المجتمعیة کإحدى العقوبات البدیلة فی التشریع الاردنی – رسالة ماجستیر – کلیة الحقوق – جامعة الشرق الاوسط - 2019. رابعا : القوانین 1- قانون العقوبات الاردنی رقم 16 لسنة 1960. 2- قانون العقوبات العراقی رقم 111 لسنة 1969 المعدل. 3- قانون اصول المحاکمات الجزائیة رقم 23 لسنة 1971 المعدل. 4- قانون العقوبات الفرنسی لسنة 1992. 5- قانون هیئة النزاهة والکسب غیر المشروع العراقی رقم 30 لسنة 2011 المعدل. 6- قانون مکافحة الاتجار بالبشر العراقی رقم 28 لسنة 2012. 7- قانون مکافحة غسل الاموال وتمویل الارهاب العراقی رقم 39 لسنة 2015. 8- قانون العفو العام العراقی رقم 27 لسنة 2016. 9- قانون المخدرات والمؤثرات العقلیة العراقی رقم 50 لسنة 2017. | ||
Statistics Article View: 1,240 PDF Download: 310 |