الحق العینی للمستأجر فی القانون الإنکلیزی دراسة تحلیلیة مقارنة بالقانون المدنی العراقی | ||
الرافدین للحقوق | ||
Article 1, Volume 23, Issue 74, March 2021, Pages 1-45 PDF (1.29 M) | ||
Document Type: بحث | ||
DOI: 10.33899/rlawj.2019.126190.1036 | ||
Author | ||
یونس صلاح الدین علی المختار* | ||
قسم القانون. کلیة القانون والعلاقات الدولیة والدبلوماسیة. جامعة جیهان الخاصة. أربیل. العراق | ||
Abstract | ||
یعد حق المستأجر حقاً شخصیاً, کقاعدة عامة, فی ظل قانون الأحکام العام الانکلیزی, غیر المکتوب ذی الأصل العرفی, والمبنی على السوابق القضائیة للمحاکم الانکلیزیة. الذی عرف تسعة أنواع من عقود الإیجار, التی تترتب على معظمها حقوق شخصیة. وهی عقد الإیجار المحدد المدة, والإیجار الاختیاری, والإیجار الإذنی, والإیجار الإنصافی, والإیجار بالإغلاق, والإیجار القابل للتجدید على الدوام. وبالمقابل تترتب على ثلاثة منها حقوق عینیة تتمثل بحق الملکیة العقاریة المؤقتة, وهی عقود الإیجار الدوری, والإیجار العمری أو المؤبد مدى الحیاة, والإیجار الطویل الأمد لمدة تسعمائة وتسعٍ وتسعین (999) سنة.أما القانون المدنی العراقی رقم (40) لسنة 1951 عد حق المستأجر حقاً شخصیاً, یؤیده فی ذلک غالبیة الفقه فی العراق. على الرغم من أن قانون إیجار العقار المعدل رقم (87) لسنة 1979 رجح حق المستأجر العینی على حقه الشخصی. | ||
Keywords | ||
العقد; الانصاف; الاغلاق | ||
Full Text | ||
الحق العینی للمستأجر فی القانون الإنکلیزی دراسة تحلیلیة مقارنة بالقانون المدنی العراقی-(*)- The Real Leasehold Interest of the Tenant in English Law: A Comparative Analytical Study in the Iraqi Civil Law
(*) أستلم البحث فی 16/10/2019 *** قبل للنشر فی 11/12/2019. (*) Received on 16/10/2019 *** accepted for publishing on 11/12/2019. Doi: 10.33899/rlawj.2019.126190.1036 © Authors, 2021, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 licenseل (http://creativecommons.org/licenses/by/4.0). المستخلص یعد حق المستأجر حقاً شخصیاً, کقاعدة عامة, فی ظل قانون الأحکام العام الانکلیزی, غیر المکتوب ذی الأصل العرفی, والمبنی على السوابق القضائیة للمحاکم الانکلیزیة. الذی عرف تسعة أنواع من عقود الإیجار, التی تترتب على معظمها حقوق شخصیة. وهی عقد الإیجار المحدد المدة, والإیجار الاختیاری, والإیجار الإذنی, والإیجار الإنصافی, والإیجار بالإغلاق, والإیجار القابل للتجدید على الدوام. وبالمقابل تترتب على ثلاثة منها حقوق عینیة تتمثل بحق الملکیة العقاریة المؤقتة, وهی عقود الإیجار الدوری, والإیجار العمری أو المؤبد مدى الحیاة, والإیجار الطویل الأمد لمدة تسعمائة وتسعٍ وتسعین (999) سنة.أما القانون المدنی العراقی رقم (40) لسنة 1951 عد حق المستأجر حقاً شخصیاً, یؤیده فی ذلک غالبیة الفقه فی العراق. على الرغم من أن قانون إیجار العقار المعدل رقم (87) لسنة 1979 رجح حق المستأجر العینی على حقه الشخصی. الکلمات الرئیسة: الحق العینی للمستأجر، الإیجار الدوری. Abstract The leasehold interest is considered, as a general rule, a personal right under the English Common law of customary origins, which is unwritten and based upon judicial precedents of the English courts. It is worth-bearing in mind that this law recognised nine types of contracts for lease, the most of which create personal rights, that is to say, term of years absolute or fixed-term leases, tenancy at will, tenancy at sufferance, equitable lease, tenancies by estoppel, and perpetually renewable lease contracts. Whereas only three of them, that is to say, periodic tenancies, leases for life, 999-year leases create real rights, represented by temporary property ownership. As the Iraqi civil law No. (40) of 1951, supported by majority of Iraqi jurists, considered the leasehold interest as a personal right, although the amended Iraqi land tenancy law No. (87) of 1979 tended more towards real than personal right Keywords: Contract, Equity, Estoppel. المقدمـة أولاً: مدخل تعریفی بموضوع البحث: یعد حق المستأجر, ومن حیث الأصل, أحد أنواع الحقوق الشخصیة التی نشأت فی ظل قانون الأحکام العام الانکلیزی غیر المکتوب ذی الأصل العرفی, والذی استقى مبادئه من السوابق القضائیة للمحاکم الانکلیزیة أولاً([1]), ومن قواعد العدالة والإنصاف([2]), ثم من التشریعات الصادرة لاحقاً)[3](.ویتمثل باستعمال عقار الغیر والانتفاع به لمدة محددة, وفی مقابل أجرة محددة. إلا أنه یمکن أن یکون حقاً عینیاً یتمثل بملکیة المستأجر للعقار المأجور ملکیة عقاریة مؤقتة. وعلى الرغم من أن القانون الإنکلیزی عرف تسعة أنواع من عقود الإیجار هی الإیجار المحدد المدة, والإیجار الاختیاری, والإیجار الإذنی, والإیجار الإنصافی, والإیجار بالإغلاق, والإیجار القابل للتجدید على الدوام, والإیجار الدوری, والإیجار العمری أو المؤبد مدى الحیاة, والإیجار الطویل الأمد لمدة تسعمائة وتسعٍ وتسعین (999) سنة. إلا أن حق المستأجر لا یکون عینیاً, إلا فی الثلاثة الأخیرة منها. أما القانون المدنی العراقی رقم (40) لسنة 1951 فقد عد حق المستأجر حقاً شخصیاً, یؤیده فی ذلک غالبیة الفقه فی العراق. على الرغم من أن قانون إیجار العقار المعدل رقم (87) لسنة 1979 رجح حق المستأجر العینی على حقه الشخصی. ثانیاً: أسباب اختیار موضوع البحث: إن السبب الرئیس فی اختیار موضوع البحث هو محاولة الاستفادة من الاتجاهات التی تبناها القضاء الانکلیزی, والمتمثلة بالسوابق القضائیة للمحاکم الانکلیزیة, وکذلک التشریعات الانکلیزیة فیما یتعلق بعقود الإیجار الطویلة الأمد المرتبة للحق العینی, ولا سیما الناقلة لحق الملکیة العقاریة على نحو مؤقت. وقد امتاز القانون الإنکلیزی عن القانون العراقی, سواء القانون المدنی أم قانون إیجار العقار, باتخاذ موقف واضح وصریح تجاه تبنی عقود الإیجار المرتبة للحق العینی, أو الناقلة لملکیة العقار مؤقتاً, وعلى وجه التحدید. ثالثاً: أهمیة البحث: تکمن أهمیة البحث فی الاختلاف الواسع فی الطبیعة القانونیة لحق المستأجر فی القانون الإنکلیزی, وما یترتب على ذلک من إعطاء الحق للمستأجر فی بعض الأحیان فی تملک العقار المأجور على نحو مؤقت, مما یساهم فی تنمیة وتطویر العقارات, التی تعد عماد الثروة الوطنیة. ولا سیما فی الحالات التی یمکن فیها للمستأجر استثمار العقار على نحو أفضل من المالک المؤجر, فیعد نقل الملکیة إلیه, ولو على نحو مؤقت, تشجیعاً ودعماً له فی عملیة استثمار العقار واستغلاله. رابعاً: مشکلة البحث: تکمن مشکلة البحث فی القصور الذی اعترى موقف القانون العراقی عموماً, سواء أکان القانون المدنی أم قانون إیجار العقار, بسبب عدم تبنیه لفکرة عقود الإیجار الطویلة الأمد المرتبة للحق العینی, أو الناقلة لملکیة العقار مؤقتاً, وعلى وجه التحدید. لأن السمة الممیزة للحق العینی عموماً فی القانون المدنی العراقی, ولحق الملکیة على وجه الخصوص, أنه حق مؤبد, لکونه یرد على شیء معین بالذات, خلافاً للحق الشخصی الذی هو حق مؤقت([4]). فی الوقت الذی نلاحظ فیه أن عقد إیجار العقار فی القانون الإنکلیزی یمتاز بمرونته الکبیرة, وقدرته على التکیف مع الظروف المختلفة, مما یعطی مجالاً واسعاً لتکریس أنواع معینة من عقود الإیجار لخدمة العقارات واستغلالها واستثمارها, ولا سیما إذا کان المالک المؤجر غیر راغب فی نقل الملکیة بشکل نهائی إلى المستأجر. سواء بالبیع الاعتیادی أو البیع الإیجاری (الإیجار الساتر للبیع). وأن بقاء المستأجر فی العقار لمدة طویلة بوصفه مالکاً, حتى وإن کان على نحو مؤقت, من شأنه أن یساهم فی تنمیة وتطویر ذلک العقار, على نحو أفضل مما لو بقی العقار فی حیازة مالکه. خامساً: نطاق البحث: یتسع نطاق هذه الدراسة لیشمل البحث فی مفهوم حق المستأجر فی القانونین الانکلیزی والعراقی, ثمالآثار القانونیة المترتبة علیه فی هذین القانونین, ولا سیما اختلاف هذه الآثار باختلاف عقد الإیجار فی القانون الإنکلیزی. سادساً: منهجیة البحث: وللوصول إلى الغایات المرجوة من البحث, فقد انتهجت الدراسة منهج البحث القانونی التحلیلی المقارن، بإجراء تحلیل قانونی لموضوع حق المستأجر فی القانون الانکلیزی, ومقارنته بموقف القانون المدنی العراقی. سابعاً: خطة البحث: فی ضوء ما تقدم فقد توزعت هذه الدراسة على مبحثین وکما یأتی: المبحث الأول:مفهوم حق المستأجر فی القانونین الانکلیزی والعراقی المبحث الثانی: الآثار المترتبة على الحق العینی للمستأجر فی القانونین الإنکلیزی والعراقی
المبحث الأول مفهوم حق المستأجر فی القانونین الإنکلیزی والعراقی إن دراسة مفهوم حق المستأجر (Leasehold Interest) فی القانونین الإنکلیزی والعراقی تستلزم منا البحث فی تعریفه وخصائصه وشروط اکتسابه وکما یأتی: المطلب الأول تعریف حق المستأجر فی القانونین الإنکلیزی والعراقی یعرف جانب من الفقه([5]) عقد الإیجار (Lease) بأنه اتفاق (Agreement) یمکن بمقتضاه مالک العقار (Landlord) أو المؤجر (Lessor) الطرف الآخر وهو المستأجر (Lessee or Tenant) من حیازة عقار أو منقول حیازة خالصة أو مانعة وینتفع بهما, ولمدة محددة أو غیر محددة (Definite or Indefinite Term), فی مقابل قیام الأخیر بدفع الأجرة (Rent). أما حق المستأجر (Leasehold Interest) فیعرفه أحد الفقهاء الإنکلیزی([6]) بأنه حق شخصی, من حیث الأصل, یتمثل باستعمال عقار الغیر والانتفاع به لمدة محددة, وفی مقابل أجرة محددة. مثال ذلک إذا قام المالک أو صاحب حق الملکیة المطلقة (Fee Simple Owner) بمنح المستأجر (Tenant) حقاً شخصیاً على عقار یملکه ولمدة محددة, فإن الأخیر یکتسب حقاً یعرف بحق المستأجر على العقار (Lease of the Land). وعرفه آخر([7]) بأنه الحق فی حیازة عقار المالک حیازة خالصة مانعة (Right to Exclusive Occupation of Land) والانتفاع به لمدة محددة من الزمن. فحق المستأجر فی هذه الحالة هو حق شخصی (Personal Right), إلا أنه یتمتع بحیازة خالصة مانعة (Exclusive Occupation) على العقار خلال مدة سریان عقد الإیجار. فتخلص له حیازة العقار من دون ملکیته, ویحق له منع أو استبعاد (Exclusion) أی شخص من التمتع بتلک الحیازة, بما فی ذلک المالک الأصلی وأی شخص ثالث (Third Party)([8]). أما الحق العینی للمستأجر فقد عرفه جانب من الفقه([9]) بأنه حق المستأجر فی تملک العقار المأجور ملکیة مؤقتة ولمدة طویلة. ویتبین من هذه التعاریف بأن حق المستأجر یتباین تبایناً کبیراً من حیث طبیعته القانونیة فی القانون الإنکلیزی, فیکون فی الأصل حقاً شخصیاً([10]). إلا أنه یکون حقاً عینیاً فی بعض الحالات, ولا سیما فی حالة الإیجار الطویل الأمد للعقار, ویتمثل هذا الحق بحق الملکیة العقاریة المؤقتة (Temporary Property Ownership). أما فی القانون المدنی العراقی فقد عرف جانب من الفقه([11]) حق المستأجر بأنه الحق فی الانتفاع بالمأجور طوال مدة الإیجار لقاء الأجرة التی یدفعها وبشرط قیامه بحفظ المأجور, ورده عند انقضاء الإیجار. وعرفه جانب آخر من فقه القانون المدنی العراقی([12]) بأنه الحق الشخصی للمستأجر قبل المؤجر یخوله المطالبة بالتزامات هذا الأخیر نحوه من تسلیم المأجور وتعهده بالصیانة وضمان التعرض والعیوب الخفیة. ویتبین من التعریفین السابقین أن حق المستأجر فی القانون المدنی العراقی هو حق شخصی. ولعل ما یعزز هذا الاتجاه ویرجح کفة الحق الشخصی على العینی([13]), هو أن المادة (722) من القانون المدنی العراقی حسمت هذه المسألة عندما عرفت الإیجار بأنه (تملیک منفعة معلومة بعوض معلوم لمدة معلومة وبه یلتزم المؤجر ان یمکن المستأجر من الانتفاع بالمأجور). فالمستأجر له حق شخصی فی ذمة المؤجر, لا یتصل اتصالاً مباشراً بالمأجور, ولکن بواسطة المؤجر([14]). وقد ذهبت محکمة تمییز العراق فی نفس الاتجاه أیضاً, وأکدت أن من أهم التزامات المؤجر تجاه المستأجر هو الالتزام بتسلیمه المأجور, وتمکینه من الانتفاع به. وجاء فی أحد أحکامها([15]) بأن الحکم الصادر برد دعوى المدعی بمطالبة المدعى علیه ببدلات إیجار العقار موضوع الدعوى, جاء صحیحاً وموافقاً للقانون بعد أن المدعى علیه لم یحصل على منفعة المأجور. وحیث أن من التزامات المؤجر هو تسلیم المأجور والانتفاع به, وهذا لم یحصل فی موضوع الدعوى, لذا قرر تصدیق الحکم الممیز). المطلب الثانی خصائص حق المستأجر فی القانونین الإنکلیزی والعراقی یتسم حق المستأجر (Leasehold Interest) فی القانونین الإنکلیزی والعراقی بالخصائص الآتیة: أولاً: أنه حق ذو سمة شخصیة من حیث الأصل, فهو حق من الحقوق الشخصیة (Personal Right) فی القانون الإنکلیزی. ویتمتع بنفس الطبیعة القانونیة فی القانون المدنی العراقی, إذ یعد حقاً شخصیاً للمستأجر تجاه المؤجر, بمقتضاه یمکن للأول مطالبة الثانی بتنفیذ التزاماته([16]). کما أن المستأجر لا یستطیع التمتع بحقه والانتفاع بالمأجور إلا بواسطة المؤجر, خلافاً للحق العینی الذی یمکن لصاحبه الإفادة منه دون وساطة([17]), لأنه سلطة مباشرة یمنحها القانون لشخص معین على شیء معین, ویُلزم الکافة باحترام هذا الحق([18]). ثانیاً: ویتسم حق المستأجر فی القانون الإنکلیزی, على وجه الحصر, بأنه حق ذو سمة عینیة استثناءً, فهو حق عینی یترتب علیه أثر تملکی فی بعض الأحیان, ویتمثل بحق الملکیة العقاریة المؤقتة (Temporary Property Ownership) فی الإجارة الطویلة([19]). وهو ما لا یمکن القبول به فی ظل القانون المدنی العراقی لسببین: الأول أن المادة (68) من هذا القانون أوردت الحقوق العینیة الأصلیة والتبعیة على سبیل الحصر([20]), ومن دون ذکر لحق المستأجر([21]). لأنه لا یمکن للأفراد الاتفاق على وصف أی حق بالعینی, لأن ذلک من اختصاص المشرع وحده([22]). والثانی أنه وعلى الرغم من أن هذه المادة أشارت إلى الإجارة الطویلة, إلا أنها, وفی واقع الأمر, أرادت بها حق المساطحة الذی هو حق عینی یخول صاحبه أن یقیم بناء أو منشآت أخرى غیر الغراس على أرض الغیر وبمقتضى اتفاق بینه وبین صاحب الارض، ویحدد هذا الاتفاق حقوق المساطح والتزاماته. فیحق للمساطح بمقتضى الاتفاق مع صاحب الأرض أن یقوم بإنشاء المبانی المعدة للسکن, أو أیة منشآت أخرى کالمعامل والمخازن([23]). ثالثاً: یعد حق المستأجر الشخصی حقاً منقولاً, سواء أکان المأجور منقولاً أم عقاراً. ویترتب على ذلک أنه یحق للمستأجر أن یرهن حقه رهناً حیازیاً ولیس تأمینیاً, لأن الرهن التأمینی یرد على العقار فحسب من دون المنقول([24]). رابعاً: یتسم حق المستأجر بأنه من الحقوق القابلة للتصرف فیها بمختلف أنواع التصرفات, سواء أکان ذلک عن طریق البیع أم الهبة أم الرهن الحیازی. إلا أن أهم التصرفات التی ترد على هذا الحق تکاد تنحصر فی التنازل عن الإیجار والإیجار من الباطن([25]), وذلک بمقتضى الفقرة الأولى من المادة (775) من القانون المدنی العراقی, التی نصت على أن (للمستأجر أن یؤجر المأجور کله أو بعضه بعد قبضه أو قبله فی العقار وفی المنقول، وله کذلک أن یتنازل لغیر المؤجر عن الاجارة, کل هذا ما لم یقض الاتفاق أو العرف بغیره). أما القانون الإنکلیزی فقد أجاز التصرف بحق المستأجر عن طریق کل من الإیجار من الباطن (Sublease) وحوالة حق المستأجر (Assignment of the Lease). إلا أن الاختلاف القائم بینهما هو أن جمیع حقوق المستأجر تنتقل بالحوالة إلى المحال له([26]), خلافاً للإیجار من الباطن الذی لا ینقل إلى المستأجر من الباطن جمیع حقوق المستأجر الأصلی([27]). وهو نفس موقف القانون المدنی العراقی الذی عبر عن حوالة حق المستأجر بالتنازل عن الإیجار, وعد علاقة المستأجر المتنازل بالمتنازل إلیه علاقة حوالة ولیست علاقة إیجار. وذلک بمقتضى المادة (777) من القانون المدنی العراقی, التی نصت على أن (فی حالة التنازل عن الایجار یحل المتنازل الیه محل المستأجر فی جمیع الحقوق والالتزامات الناشئة عن عقد الایجار، ومع ذلک یبقى المستأجر ضامناً للمتنازل فی تنفیذ التزاماته). فلا یعد المستأجر مؤجراً للمتنازل إلیه, لأن الأخیر یحل محله فی جمیع الحقوق والالتزامات الناشئة عن عقد الإیجار([28]). المطلب الثالث شروط اکتساب حق المستأجر فی القانونین الإنکلیزی والعراقی یلزم لاکتساب حق المستأجر (Leasehold Interest) وترتیبه لآثاره القانونیة, بادئ ذی بدء, انعقاد عقد الإیجار بین المؤجر والمستأجر, والذی یخضع للمبادئ العامة لقانون العقد الإنکلیزی (The Law of Contract) , التی تتطلب توفر أرکان العقد, کما هو الحال بالنسبة لحق المستأجر فی القانون المدنی العراقی, والذی یرتب أثره حین انعقاد عقد الإیجار صحیحاً نافذاً بتوفر أرکانه. إلا أننا سوف لن ندرس أرکان عقد الإیجار, لأنها من المواضیع التی أشبعت بحثاً فی القانونین الإنکلیزی والعراقی. ولکننا سوف نقوم بدراسة المتطلبات أو الشروط الخاصة لاکتساب حق المستأجر فی القانون الإنکلیزی([29]), والتی تعرف بالمتطلبات الیقینیة (Certainty Requirements) هی ثلاثة متطلبات أو شروط وهی: الأجرة (Rent) وبدء سریان المدة (Commencement)([30]), وطول المدة (Length)([31]), مع مقارنة موقف القانون المدنی العراقی منها وکما یأتی: الفرع الأول الأجرة على الرغم من أن الأجرة (Rent)تعد رکناً من أرکان عقد الإیجار فی القانون الإنکلیزی, لأنها تدخل ضمن رکن مقابل الالتزام (Consideration), إلا أنها تعد, وفی نفس الوقت,المتطلب أو الشرط الأول من المتطلبات الیقینیة (Certainty Requirements) لاکتساب حق المستأجر وترتیبه([32]), على الرغم من إمکانیة وجود الإیجار من دون أجرة فی بعض الحالات, وهو ما یمکن استخلاصه من عبارة "الإیجار الذی یستمر لعدة سنین, ویسری إما بحیازة العقار, أو بأیلولة العقار على سبیل التعاقب أو الرد. سواء بأجرة أم بدونها" التی وردت فی الفقرة الفرعیة (xxvii) من الفقرة الأولى/ المادة (205) من تشریع قانون الملکیة لعام 1925 (The law of property Act 1925) , والتی عرفت الإیجار المحدد المدة (Term of years Absolute), ذلک النوع النموذجی الشائع أو القیاسی من أنواع الإیجار فی القانون الانکلیزی. کما تثور بعض المشکلات المتعلقة بیقینیة (Certainty) الأجرة, عندما ینص الطرفان فی عقد الإیجار على أن یتم الاتفاق على الأجرة مستقبلاً. کما قد یتضمن العقد نصاً یقضی بإمکانیة زیادة الأجرة مستقبلاً([33]), ولا سیما عند تجدید الإیجار (Renewal of the Lease). وجرت العادة لدى المحاکم الإنکلیزیة على تنفیذ أی شرط یتضمن صیغة معینة لتحدید الأجرة, کالإشارة أو الرجوع إلى سعر السوق (Reference to Market Value) مثلاً. وتبنت المحکمة الرجوع إلى سعر السوق لتحدید الأجرة فی حکمها الصادر فی قضیة (Brown v Gould 1972. Ch 53) التی تتلخص وقائعها([34]) بإبرام عقد إیجار عقارات تجاریة (Business Premises), وقد تضمن هذا العقد شرطاً یعرف بخیار تجدید الإیجار (Option to Renew the Lease) . ونص على أن " أی إیجار جدید ینبغی أن یکون لمدة احدى وعشرین سنة, وبأجرة تحدد بالرجوع إلى سعر السوق أو القیمة السائدة فیه (Market Value), وقت ممارسة خیار التجدید". على أن یراعى فی تحدید الأجرة وفقاً لمعیار القیمة السائدة فی السوق, التحسینات التی أدخلها المستأجر على العقار, والتی أدت إلى زیادة قیمته, وبالتالی زیادة مقدار الأجرة. وجاء فی حکم المحکمة بأنه فی حالة ممارسة الخیار لتحدید الأجرة بالصیغة المنصوص علیها فی العقد, وتتمتع المحکمة بالاختصاص (Jurisdiction) الذی یمکنها من القیام بنفسها بتحدید الأجرة بالرجوع إلى سعر السوق. وجاء فی الحکم أیضاً بأن المحاکم لا تمیل عموماً إلى إبطال الشروط التی اتجهت نیة الأطراف إلى تنفیذها, على أساس عدم الیقین (Uncertainty). ولا سیما إذا اتجهت نیة الأطراف إلى إضفاء الفاعلیة التجاریة (Business Efficacy) على الشرط. إلا أن المحاکم الإنکلیزیة قضت فی أحکام أخرى ببطلان خیار تجدید الإیجار (Option to Renew the Lease) على أساس عدم یقینیته (Uncertainty), ومن بین هذه الأحکام الحکم الصادر فی قضیة (King’s Motors (Oxford) Ltd v Lax 1970. 1 WLR 426) التی تتلخص وقائعها([35]) بإبرام الطرفین لعقد إیجار لمدة سبع سنوات, وتضمن العقد خیاراً بتجدید الإیجار لمدة سبع سنوات إضافیة (Option for Renewal for a Further Term of Seven Years) وبنفس الشروط, کما هو الحال بالنسبة إلى الإیجار الساری. وبأجرة یتفق علیها الطرفان. وعندما وجه المؤجر (Lessor) إخطاراً بإنهاء الإیجار (Notice of Termination), طلب المستأجر (Lessee) من المحکمة أن تصدر أمراً یقضی ببطلان الإخطار, على أساس عدم الیقین (Uncertainty). لأن الشرط المدرج فی الاتفاق بخصوص صیغة الأجرة التی ینبغی الوفاء بها, یقضی بالاتفاق على الأجرة مستقبلاً. وکان السؤال المطروح امام المحکمة هو : هل یعد خیار تجدید الإیجار باطلاً لعدم الیقین, أو بسبب غموضه؟. فقضت المحکمة فی حکمها ببطلان الخیار على أساس عدم الیقین, وذکرت فی حکمها بأن عقد الإیجار (Rental Agreement) جرت صیاغته بطریقة, لا یمکن معها تحدید مقدار الأجرة التی ینبغی الوفاء بها. ولم یکن الشرط المدرج فی العقد سوى اتفاق یقضی بالاتفاق على الأجرة مستقبلاً (Agreement to Agree). أی أنه شرط یقضی بالاتفاق على الأجرة مستقبلاً, مما أدى إلى عدم نفاذه. ولم یکن بمقدور المحکمة أن تستخلص ضمنیاً أی بند یقضی بالرجوع إلى الأجرة المعقولة, کما هو الحال فی السابقة القضائیة (Foley v Classique Coaches Ltd 1943. 2 KB 1). لأن إدراج الاتفاق على التحکیم (Arbitration Agreement) فی العقد المبرم فی ضوء تلک القضیة, سمح بتوفیر آلیة لفض النزاع حول هذه المسألة. أما فی هذه القضیة فلم یتم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق, مما سلب من المحکمة سلطتها التقدیریة فی تفعیل شرط تجدید الإیجار (Renewal Clause). ولکن المشکلة قد تثور فعلاً, عندما تتباین الأجرة من سنة إلى أخرى. کما تثور المشکلة عموماً, إذا تضمن عقد الإیجار یقضی بأن تکون الأجرة رقماً ینبغی الاتفاق علیه مستقبلاً. وفی حال استمرار سریان عقد الإیجار لمدة طویلة, فإنه یفضل أن یتضمن العقد شرطاً یعرف بشرط مراجعة الأجرة (Rent Review Clause). وقد أخذت المحکمة الإنکلیزیة بهذا الشرط ودعمته فی حکمها الصادر فی قضیة (Beer v Bowden 1981. 1 WLR 522), والذی جاء فیه بأن مراجعة الأجرة ینبغی أن یجری الاتفاق علیه بین مالک العقار (Landlord) وبین المستأجر (Tenant). إلا أنه ینبغی أیضاً عدم الإشارة فی هذا الشرط إلى التحسینات التی یمکن ان یقوم بها المستأجر, والتی لا تدخل فی حساب مقدار الزیادة فی الأجرة([36]). کما لم یتضمن العقد أیة صیغة أخرى للتقدیر (Valuation Formula). ولم ینص على إمکانیة قیام الغیر بالتقدیر (Third Party Determination). وجاء فی حکم المحکمة أیضاً بأن عدم اتفاق الطرفین على الأجرة لا یؤدی إلى عدم نفاذ شرط مراجعة الأجرة, لأن بإمکان المحکمة أن تستخلص الأجرة العادلة أو المنصفة (Fair Rent) ضمنیاً, وأن تقوم بنفسها بتحدید الأجرة, إذا لم یتفق الطرفان على تحدیدها. کما ذهبت المحاکم الإنکلیزیة فی العدید من أحکامها إلى أن عقد الإیجار إذا ما تضمن خیاراً بتجدید الإیجار (Option to Renew the Lease), فإن الاتفاق على تحدید الأجرة یتم وفقاً للظروف الملابسة لکل قضیة. وهو ما تبنته المحکمة فی حکمها الصادر فی قضیة (BJ Aviation Ltd v Pool Aviation Ltd 2002. 2 P&CR 369) التی تتلخص وقائعها([37]) بنشوب نزاع بین طرفی عقد الإیجار بخصوص الأثر المترتب لخیار تجدید الإیجار, وما إذا کان قد تضمن اتفاقاً على التفاوض على الأجرة مستقبلاً. فقضت المحکمة فی حکمها بأنه ینبغی معاملة کل قضیة وفقاً للظروف الملابسة لها, وأن تتقرر على أساس الوقائع التی استندت علیها, فضلاً عن تفسیر عبارات العقد. أما بالنسبة إلى موقف القانون المدنی العراقی من الأجرة فإنه لم یستلزم أن تکون الأجرة مبلغاً من النقود, وأجازت أن تکون أی مال آخر, سواء أکان عقاراً أم منقولاً. وذلک بمقتضى المادة (736) منه, والتی نصت على أنه (یصح ان تکون الاجرة نقوداً، کما یصح ان تکون أی مال آخر). أما العقارات المشمولة بقانون إیجار العقار رقم (87) لسنة 1979 , فقد قضت الفقرة الأولى من المادة العاشرة من هذا القانون بدفع أجرتها سلفاً بأقساط شهریة, وبغض النظر عن مدة سریان عقد الإیجار([38]). إذ نصت على أن (تدفع سلفاً أجرة العقارات المشمولة بأحکام هذا القانون بأقساط شهریة بصرف النظر عن مدة سریان عقد الإیجار, ویقع باطلاً کل اتفاق یقضی بخلاف ذلک, وإذا کان المؤجر هو الدولة أو الأشخاص المعنویة العامة, فللمستأجر أن یدفع الأجرة شهریاً أو بقسط واحد أو أکثر). وهو ما أخذ به القضاء العراقی أیضاً([39]). الفرع الثانی بدء سریان المدة کما یعد بدء سریان مدة الإیجار (Commencement) من المتطلبات الیقینیة لاکتساب حق المستأجر وترتیبه, إذ یتحدد الإیجار بمدتین معلومتین, الأولى هی بدء الإیجار والثانیة هی انتهاؤه. وعادة ما یبدأ الإیجار إما مباشرة بعد إبرام عقد الإیجار, أو فی تاریخ معین فی المستقبل([40]), وإلى حد مدة تقدر بواحد وعشرین سنة (Up to 21 years). ویعد الإیجار الذی یبدأ بتاریخ مستقبلی (Future Date) نوعاً من أنواع الحقوق المستقبلیة (Future Interests). وقد اشترط تشریع التسجیل العقاری لعام 2002 (Land Registration Act 2002) تسجیل حق المستأجر مهما کانت مدة الإیجار, وذلک لغرض حمایة مشتری العقار. وعلى الرغم من ذلک فقد تعترض عقد الإیجار (Contract for Lease) بعض الصعوبات, فالعقد الذی یمنح المستأجر الحق لمدة تزید عن واحد وعشرین سنة, فإن مفعوله یسری ضمن مدة لا تتجاوز واحداً وعشرین سنة, ولا یتأثر بالمتطلبات التشریعیة لتنظیم حق المستأجر. وهذا الأمر لا ینطبق إلا إذا سرى مفعول حق المستأجر ضمن مدة احدى وعشرین سنة من تاریخ منحه. ویمکننا توضیح ذلک بمثالین: الأول یبرم (A) عقداً عام 2015 یمنح بموجبه حق المستأجر لـ(B) عام 2020. على أن یسری مفعوله عام 2045. فمثل هذا العقد یکون باطلاً, لوجود فجوة تقدر بخمس وعشرین سنة بین تاریخ منح الحق وتاریخ بدء سریانه. والثانی یبرم (A) عقداً عام 2015 یمنح بموجبه حق المستأجر لـ(B) عام 2040. على أن یسری مفعوله عام 2045. فمثل هذا العقد یکون صحیحاً, لوجود فجوة تقدر بخمس سنوات فقط بین تاریخ منح الحق وتاریخ بدء سریانه. کما یکون عقد الإیجار باطلاً, إذا لم ینص على تاریخ معین لسریان حق المستأجر. ویکون عقد الإیجار باطلاً أیضاً, إذا لم ینص على بدء سریان مدة الإیجار. وهو ما قضت به المحکمة فی حکمها الصادر فی قضیة (Harvey v Pratt 1965.1 WLR 1025 ) التی تتلخص وقائعها([41]) باتفاق الطرفین على إبرام عقد إیجار محطة لتعبئة الوقود ومرآب لوقوف السیارات, وقد نص الاتفاق المکتوب بین الطرفین على تحدید مدة الإیجار بواحد وعشرین سنة, مع إمکانیة تجدید الإیجار بعد انقضاء هذه المدة. إلا أن الاتفاق لم یحدد تاریخاً لبدء سریان مدة الإیجار, على الرغم من تحدید مقدار الأجرة. ولم یبدأ المدعى علیه المستأجر بحیازة العقار والتمتع بحق المستأجر, فضلاً عن عدم قیامه بدفع الأجرة. وتعاقد مع محطة أخرى, فأقام المدعی المؤجر الدعوى علیه على أساس الإخلال بالعقد. وکان السؤال المطروح أمام المحکمة هو هل أن عقد الإیجار یعد صحیحاً أم باطلاً لعدم الیقین (Uncertainty) ؟. فقضت المحکمة فی حکمها ببطلان العقد لعدم الیقین, لأن المحکمة لم تتمکن من معرفة تاریخ بدء سریان مدة الإیجار. وجاء فی حکم المحکمة بأن عقد الإیجار لا یکون صحیحاً, إلا إذا توفر متطلب أو شرط مهم, وهو تحدید تاریخ بدء سریان مدة الإیجار (Date of commencement of the Lease), وتاریخ انتهائها (Date of the End of the Lease). ولا یمکن أدراج تاریخ بدء سریان مدة الإیجار فی بند ضمنی (Implied Term) ینص على بدء سریانه "ضمن وقت معقول" (Within a Reasonable Time), خلافاً لما هو علیه الحال فی عقود بیع العقار, التی یمکن الاستدلال ضمنیاً على تاریخ اکتمال تنفیذها من عبارة تنفیذها "ضمن وقت معقول"([42]) . إذ یمکن إدراج بند ضمنی فی عقد بیع العقار وذکر القاضی اللورد (Denning) بأنه یشترط لصحة عقد الإیجار (Valid Agreement for a Lease), أن یجری النص على تاریخ بدء سریان مدة الإیجار فی نص صریح (Express Term), أو یمکن الاستدلال عن ذلک بالاستنتاج المنطقی (Reasonable Inference) من لغة العقد. وجدیر بالذکر فقد أکدت معظم السوابق القضائیة للمحاکم الإنکلیزیة على وقت بدء سریان مدة (Commencement Date) عقد الإیجار, ووقت انتهائه (Ending date), وهو ما جاء فی حکم المحکمة الصادر فی قضیة (Marshall v Berridge 1881. 19 Ch D 233), فقد ذکر القاضی اللورد (Lush) بأنه یشترط لصحة عقد الإیجار (Validity of an Agreement for Lease) وجود بدایة ونهایة محددة له, وبخلاف ذلک فإنه لا یعد إیجاراً([43]). الفرع الثالث طول المدة أما بالنسبة إلى طول مدة الإیجار (Length of the Lease), فإنه یمکن للطرفین الاتفاق على طول هذه المدة فی عقد الإیجار, مهما کانت قصیرة أم طویلة. وینبغی ان تکون هذه المدة معینة ومحددة وقت سریان عقد الإیجار. وأیاً کان الأمر فإنه یمکن معالجة عدم الیقین (Uncertainty) فی هذه المسألة قبل نفاذ العقد وبدء سریان حق المستأجر([44]). فیکون الإیجار صحیحاً نافذاً إذا ما سرى مفعوله ضمن مدة لا تزید عن سنة واحدة, وبما یماثل سریان مفعوله فی العقارات المجاورة لذلک العقار. ویوضح الحکم الصادر فی قضیة (Lace v Chantler 1944.KB.368) مدى تأثیر متطلب أو شرط الیقین (Certainty Requirements) على صحة أو بطلان عقد الإیجار, فیما یتعلق بتحدید طول مدة التمتع بحق المستأجر, وذلک عندما قضت محکمة الاستئناف ببطلان عقد الإیجار, لعدم کفایة شرط الیقین([45]), بسبب تحدید طول مدة عقد الإیجار والتمتع بحق المستأجر, طیلة مدة الحرب العالمیة الثانیة (The Duration of the Second World War) . وتتلخص وقائع([46]) هذه القضیة باتفاق المؤجر (Leaseholder) مع المستأجر (Tenant) على إبرام عقد إیجار منزل, وتحدید طول مدة عقد الإیجار والتمتع بحق المستأجر, طیلة مدة الحرب العالمیة الثانیة. فقضت المحکمة بعدم یقینیة بند تحدید طول مدة عقد الإیجار, لذا یعد عقد الإیجار باطلاً. وجاء فی حکم المحکمة بأن سبب البطلان هو عدم یقینیة بند تحدید طول مدة عقد الإیجار, بسبب الاکتفاء بتحدیده بالمدة القصوى (Maximum Duration) فحسب. وقد صادقت محکمة الاستئناف على حکم المحکمة الابتدائیة, وقضت فی حکمها أیضاً ببطلان عقد الإیجار. وذکرت فی حکمها بأن هناک قاعدة راسخة فی قانون الأحکام العام ومنذ أمد بعید (Long-Established Rule) تقضی بضرورة ان تکون المدة القصوى لعقد الإیجار, والتمتع بحق المستأجر معینة ومحددة منذ تاریخ سریان الإیجار([47]). وقد اتبعت المحاکم الإنکلیزیة السابقة القضائیة التی تمخض عنها الحکم الصادر فی هذه القضیة فی العدید من القضایا لاحقاً, ومن بینها قضیة (Prudential Assurance Co Ltd v London Residuary Body 1992.2 AC 386) التی تتلخص وقائعها([48]) بامتلاک شرکة التأمین (Prudential Assurance Co Ltd) لقطعة أرض مجاورة للطریق العام, وقد باعتها الشرکة إلى مجلس مقاطعة لندن (London County Council), ثم قام المجلس بتأجیرها إلى البائع (أی شرکة التأمین). ونص الاتفاق المبرم بینهما على استمرار سریان حق المستأجر, إلى حین مطالبة المجلس بالعقار لأغراض تتعلق بتوسیع الطریق العام. ولکن المجلس لم یطالب بقطعة الأرض لأغراض توسیع الطریق العام, ولکنه وجه بدلاً عن ذلک إخطاراً إلى المستأجر یطلب منه رد الحیازة إلى المجلس. فأقامت شرکة التأمین الدعوى على المجلس, وادعت ببطلان الإخطار, لأن المجلس لم یطلب العقار لأغراض توسیع الطریق العام, کما هو متفق علیه. ودفع المجلس من جانبه ببطلان عقد الإیجار الأصلی المبرم بین الطرفین, بسبب عدم تحدید طول مدته (Uncertain Duration of the Lease). الأمر الذی یقضی ببطلانه بمقتضى السابقة القضائیة التی تمخض عنها الحکم الصادر فی قضیة (Lace v Chantler 1944.KB.368). ولأن المستأجر حاز العقار وقام بدفع الأجرة, فقد انعقد إیجار دوری قانونی (Legal Periodic Tenancy) بینه وبین المؤجر. وبإمکان المؤجر مالک العقار (Landlord) إنهاء الإیجار, بعد توجیه الإخطار الملائم للمستأجر. وجادل شرکة التأمین المستأجرة للعقار بضرورة التزام الطرفین بالعقد المبرم بینهما, على أساس مبدأ حریة التعاقد. فشرکة التأمین التی کانت المالک الأصلی للعقار لم تتجه نیتها إلى السماح للمجلس باکتساب حق الملکیة المطلقة (Freehold) على العقار, إلا على أساس استمرارها بحیازته, إلى حین تلقی الطلب بتوسیع الطریق العام. فقضت المحکمة فی حکمها ببطلان عقد الإیجار الأصلی, لأنه مکن المستأجر من حیازة المأجور والانتفاع به وفقاً لبند تعاقدی غیر محدد المدة (Indeterminate Term) وهو بند غیر یقینی. إلا أن حیازة المستأجر للعقار, وقیامه بدفع الأجرة ساهم فی إنشاء إیجار دوری قانونی ( Legal Periodic Tenancy)بین الطرفین. وهذا النوع من أنواع الإیجار لا یتأثر بالمدة غیر المحددة (Indeterminate Duration), بسبب قدرة الطرفین على إنهاء العقد بمجرد توجیه الإخطار, قبل انتهاء المدة. فیکون بإمکان مالک العقار إنهاء الإیجار بتوجیه الإخطار إلى المستأجر. واتجهت المحاکم الإنکلیزیة فی أحکامها الصادرة فی بعض القضایا إلى معاملة الإیجار غیر محدد المدة (Lease for an Uncertain Period) کإیجار عمری أو مؤبد (Lease for Life). ومن هذه القضایا قضیة (Berrisford v Mexfield Housing Co-operative Limited 2012.1 AC.955) التی تتلخص وقائعها([49]) بقیام المستأجرة باستئجار منزل لإحدى الجمعیات التعاونیة, ونص عقد الإیجار على أنه "یستمر إلى حین عدم قیام المستأجرة بدفع الأجرة" (The lease is to last Until the Tenant Failed to Pay the Rent) . وهو ما یعنی استمرار سریان عقد الإیجار من شهر إلى آخر إلى حین انتهائه کما هو منصوص علیه فی العقد (From Month to Month Until Determined as Provided in this Agreement) . وکان الشرط الوحید المدرج فی العقد, والذی یمکن عن طریقه للمؤجر مالک العقار إنهاء الإیجار هو شرط إنهاء الإیجار (Forfeiture Clause), فقامت الجمعیة التعاونیة بتوجیه إخطار للمستأجرة بمغادرة المنزل ضمن مدة أربعة أسابیع, إلا أنها رفضت ذلک, وأقامت الدعوى على الجمعیة. فقضت المحکمة فی حکمها ببقاء المستأجرة فی العقار المأجور, وعدت الإیجار غیر محدد المدة کإیجار عمری أو مؤبد. وصادقت المحکمة العلیا (Supreme Court) على هذا الحکم, وجاء فی حکمها بأن الإیجار یتحول فی هذه الحالة إلى إیجار لمدة تسعین سنة قابل للإنهاء حین الوفاة أو التوقف عن دفع الأجرة (Lease for 90 Years Terminable on Death on the Failure to Pay Rent) , شریطة توفر المقابل (Consideration) بمقتضى الفقرة السادسة من المادة (149) من تشریع قانون الملکیة لعام 1925 (The law of property Act 1925). وجدیر بالذکر فإن قاعدة الیقین (Certainty Rule) تقوم على عنصرین: الأول هو تحدید المدة القصوى (Maximum Duration) التی تحظى باهتمام القانون کثیراً, فمعظم عقود الإیجار یمکن اختصار مدة سریانها عن طریق إنهائها (Forfeiture) مبکراً, فی حالة الإخلال بالعقد([50]). إلا أن هذه المسألة لا تثیر من المشکلات ما هو متعلق بالیقین (Certainty). وینطبق الشیء نفسه على الشروط التی تعلق إنهاء عقد الإیجار على وقوع حادثة غیر مؤکدة (Uncertain Event). کما اتجه القضاء الإنکلیزی إلى الحکم بصحة الخیار الذی یسمح بتمدید سریان عقد الإیجار لمدد طویلة, وهو ما تبنته المحکمة فی حکمها الصادر فی قضیة (Bass Holdings Ltd v Morton Music Ltd 1988.Ch.493) التی تتلخص وقائعها([51]) بقیام المدعین المؤجرین بإبرام عقد مع المدعى علیهم المستأجرین لمدة خمس عشرة سنة, وقد أدرج فی عقد الإیجار خیار یسمح بتمدیده لمدة مائةٍ وخمسٍ وعشرین سنة. بشرط النص فی العقد الأصلی على ممارسة هذا الخیار ضمن مدة قدرها ثلاث سنوات, والالتزام بالتعهدات (Covenant) الواردة فی العقد. ومن بین تلک التعهدات التزام المدعى علیهم المستأجرین بعدم تقدیم أی طلب للحصول على رخصة التخطیط (Planning Permission) من دون موافقة مکتوبة (Written Consent) ودفع الأجرة فی وقتها المحدد. وبعد مضی سنتین على سریان عقد الإیجار تخلف المدعى علیهم عن دفع الأجرة, وقاموا بتقدیم طلبین للحصول على رخصة التخطیط (Planning Permission Applications). إلا أنهم لم یفلحوا فی الحصول على الرخصة لعدم موافقة المدعین المستأجرین. إلا أن المدعى علیهم حصلوا على معونة قضائیة (Court Relief), جعلتهم بمنأى عن إنهاء العقد (Forfeiture), وتمکنوا من دفع جمیع مبالغ الأجرة المستحقة. ثم طلبوا من المحکمة السماح بتمدید عقد الإیجار لمدة مائةٍ وخمسٍ وعشرین سنة. فأقام المدعون المستأجرون الدعوى وادعوا بطلان الخیار الذی یسمح بتمدید عقد الإیجار لمدة مائةٍ وخمسٍ وعشرین سنة (Option to Extend the Lease for a Period of 125 Years) , وعدم إمکانیة ممارسته فی الوقت الحاضر. فقضت المحکمة الابتدائیة فی حکمها بإمکانیة معالجة مسألة الإخلال بالوفاء بالأجرة (Breach for Payment) , أما مسألة طلب الحصول على رخصة التخطیط من دون موافقة المستأجرین المدعین, فلیس بالإمکان معالجتها. فاستأنف المدعى علیهم المستأجرین الحکم الابتدائی, وکان السؤال المطروح أمام المحکمة هو : هل یمکن السماح للمدعى علیهم المستأجرین الاعتماد على الخیار المدرج فی العقد, على الرغم من إخلالهم بالتعهد المدرج فیه أیضاً. فقضت محکمة الاستئناف لمصلحة المدعى علیهم المستأجرین, الذین نجح الطعن الذی تمسکوا به. واستندت المحکمة فی حکمها على حجة مؤداها أن المؤجرین المدعین اشترطوا تقید المدعى علیهم المستأجرین بتعهدات صارمة, لا یمکن لأی مستأجر یحل محلهم الالتزام بها وتنفیذها. أما العنصر الثانی فهو عدم مخالفة عقود الإیجار الدوریة (Periodic Tenancies) للقانون. وما ینبغی ملاحظته أن هذه العقود لا تخرج عن نطاق تطبیق قاعدة الیقین([52]), وذلک بسبب یقینیة المدة القصوى (Maximum Period) التی یمکن لکل طرف من الطرفین تعیینها أو تحدیدها. إلا أن عدم الإخطار بإنهاء العقد سوف یؤدی إلى امتداده على نحو غیر محدد (Indefinitely)([53]). أما بالنسبة إلى موقف القانون المدنی العراقی من طول مدة الإیجار وتمتع المستأجر بحقه, فقد أجازت الفقرة الأولى من المادة (740) منه الاتفاق على أیة مدة لسریان عقد الإیجار, حتى وإن کانت یوماً واحداً أو أقل من ذلک. وبشرط أن لا یکون مؤبداً. فإذا کان مؤبداً أو لمدة تتجاوز الثلاثین السنة, فإنه یجوز لکل من المؤجر والمستأجر طلب إنهائه بعد انقضاء مدة ثلاثین سنة. المبحث الثانی الآثار المترتبة على الحق العینی للمستأجر فی القانونین الإنکلیزی والعراقی کنا قد أشرنا سابقاً إلى الأصل فی القانونین الإنکلیزی والعراقی أن حق المستأجر هو حق شخصی کقاعدة عامة, إلا أنه یعد استثناءً حقاً عینیاً فی القانون الإنکلیزی, کما یخضع لمبدأی خصوصیة العلاقة الناشئة عن العقار المأجور (The Principle of Privity of Estate) , وخصوصیة العقد (The Principle of Privity of Contract), أی نسبیة أثر العقد من حیث الأشخاص. لذا فسوف نبحث فی أهم أثرین من الآثار المترتبة على الحق العینی للمستأجر فی القانون الإنکلیزی, وهما الأثر التملکی للحق العینی للمستأجر, والأثر النسبی لحق المستأجر عموماً, بما فی ذلک حقه العینی فی هذا القانون, مع مقارنة موقف القانون المدنی العراقی بکل واحدٍ منهما وکما یأتی: المطلب الأول الأثر التملکی للحق العینی للمستأجر فی القانون الإنکلیزی کنا قد ذکرنا بأنه وعلى الرغم من أن حق المستأجر فی القانون الإنکلیزی هو فی الغالب حق شخصی یتمثل بانتفاع المستأجر بالعقار المأجور, إلا أنه قد یکون استثناءً حقاً عینیاً (Proprietary Interst) یتمثل بإنشاء حق ملکیة عقاریة مؤقتة (Temporary Property Ownership) للمستأجر([54]), وذلک وفقاً لوصف الإیجار الذی حددته اللجنة القانونیة (Law Commission) , والتی جاء فی تقریرها ذی الرقم (174) لعام 1988 بأن "من المسلم به أن الإیجار ینشأ عنه أحیاناً حق ملکیة عقاریة مؤقتة, وتعتقد اللجنة بأن ذلک هو الاتجاه العام السائد فی الوقت الحاضر" ([55]). وأکثر ما ینطبق هذا الوصف على ثلاثة أنواع من عقود الإیجار السالفة الذکر فی القانون الإنکلیزی وهی: عقود الإیجار الدوریة (Periodic Tenancies), والإیجار الطویل لمدة تسعمائةٍ وتسعٍ وتسعین سنة (999-سنة) (999-Year Lease), والإیجار العمری أو المؤبد مدى الحیاة (Lease for Life). وسوف نبحث فی ترتب الحقوق العینیة المتمثلة بحق الملکیة العقاریة المؤقتة على هذه الأنواع الثلاثة من الإیجار وکما یأتی: أولاً: الحق العینی المترتب على عقود الإیجار الدوریة (Periodic Tenancies): تمتد عقود الإیجار الدوریة تلقائیاً من فترة إلى أخرى, مالم یقم أحد الطرفین بتوجیه الإخطار إلى الطرف الآخر بإنهاء الإیجار. فإذا لم یتم توجیه الإخطار فإنها تبقى مستمرة([56]). ویمکن استخلاص هذا النوع من أنواع الإیجار ضمنیاً من قیام المستأجر بدفع الأجرة (Payment of Rent). ویترتب على عقود الإیجار الدوریة حقوق عینیة عقاریة, ولا سیما حق الملکیة القانونیة (Legal Estate). فإذا ما تجاوزت مدتها الثلاث سنوات, فإنه ینبغی إفراغها فی سند رسمی (Deed)([57]). خلافاً لموقف القانون المدنی العراقی من هذه المسألة, والذی ذهب غالبیة الفقه([58]) إلى أن حق المستأجر هو حق شخصی ولیس عینی, ومن ثم یکون حقه منقولاً ولو تعلق بعقار. وأهم ما یتسم به هذا النوع من الإیجار هو عدم احتوائه على تاریخ انتهاء محدد (Defined Ending Date), فیستمر المستأجر فی حیازة العقار لمدة غیر محددة (Indefinite Term), طالما استمر فی دفع أجرة دوریة لمالک العقار. فیمکن لهذا العقد الاستمرار والسریان من یوم إلى یوم, ومن أسبوع إلى أسبوع, ومن شهر إلى شهر, ومن سنة إلى سنة. وإذا لم ینص العقد على طول مدة الإیجار (The Length of the Lease Term) , فإن طول هذه المدة وتکرارها یجری حسابه, على غرار أو بنفس أسلوب تکرار دفع الأجرة (Frequency of the Rent Payments)([59]). ویمثل الإیجار الدوری فترة زمنیة واحدة مستمرة (Single Continuing Term). مثال ذلک الإیجار السنوی (Yearly Tenancy) الذی لا یمکن النظر إلیه کمجموعة من عقود الإیجار التی یستمر کل واحد منها لسنة واحدة([60]). فإذا ما استمر لمدة عشرین سنة على سبیل المثال, فلا یمکن القول فی هذه الحالة بوجود عشرین عقداً للإیجار, ولکنه عقد واحد یتجدد دوریاً. ویکون قابلاً للإنهاء فی نهایة کل سنة, إذا ما وجه أحد الطرفین إخطاراً بالإنهاء للطرف الآخر([61]). أما إدراج نص صریح یشترط التجدید السنوی (Annual Renewal) فلا ینسجم مع طبیعة هذا النوع من الإیجار. وقد أخذت المحکمة بمبدأ الفترة الزمنیة الواحدة المستمرة لعقد الإیجار الدوری فی حکمها الصادر فی قضیة (Gandy v Jubber 1865. 9 B&S 15 .122 ER 914) التی تتلخص وقائعها([62]) بإبرام عقد إیجار سنوی (Yearly Tenancy), فقضت المحکمة فی حکمها بأن الإیجار الذی یدوم من سنة إلى أخرى (Tenancy From Year to Year) من عقود الإیجار هو من العقود المستمرة (Continuous Tenancy), مهما کان طول الفترة الزمنیة التی یستمر فی سریانه خلالها. وتمثل هذه الفترة مدة زمنیة واحدة (Single Term) ولیس مجموعة منفصلة أو مستقلة من عقود الإیجار (Series of Separate Lettings). وجاء فی حکم المحکمة بأن طبیعة هذا النوع من الإیجار هی أنه یبرم للوهلة الأولى لمدة سنتین, وکل سنة یستمر فیها بعد هذه المدة, تترتب علیها حقوق تنشأ عن عقد الإیجار الأول. فإذا ما استمر المستأجر فی حیازة العقار المأجور لعدة سنین, فإن هذه المدة تمثل إیجاراً کاملاً (Entire Lease) طیلة تلک المدة. وأن بدایة کل سنة جدیدة تضاف إلى السنوات السابقة ضمن نطاق الإیجار الکامل أو الإجمالی. ولا تعد إیجاراً جدیداً فی بدایة کل سنة لاحقة. وترجع نشأة عقود الإیجار الدوریة (Periodic Tenancies) إلى القرن السادس, وقد کان الغرض الرئیس من إنشائها هو توفیر الحمایة للمستأجرین من حالات الطرد التعسفی والفوری (Arbitrary Immediate Eviction) من المأجور. سواء أکانت قد نشأت صراحة أم استخلصت ضمنیاً بحکم المحکمة([63]). وهناک منافع أخرى یمکن أن تترتب على هذا النوع من الإیجار: فإذا ما أبطل عقد الإیجار بسبب عدم إفراغه فی سند رسمی (Deed), أو أن الاتفاق المبرم بین الطرفین لم یصل إلى مرحلة العقد النهائی, ولکن المستأجر (Tenant) دخل إلى العقار وباشر بدفع الأجرة. أو فی حالة انتهاء عقد الإیجار, مع السماح للمستأجر فی البقاء فی العقار المأجور والاستمرار بحیازته ودفع الأجرة إلى المؤجر. فالقاسم المشترک فی جمیع هذه الحالات هو دفع الأجرة (Payment of Rent), وهو ما یمیز الإیجار الدوری عن الإیجار الاختیاری. وغالباً ما کانت المحاکم الانکلیزیة تستخلص الإیجار الدوری ضمنیاً من دفع الأجرة. مع إمکانیة توجیه الإخطار لإنهاء الإیجار. إلا أن الحمایة التشریعیة للمستأجر (Statutory Protection of Tenants) تزایدت منذ مطلع القرن العشرین, وجرى تطبیق قواعد الحمایة الخاصة بمستأجری العقارات التجاریة (Business Tenants) على عقود الإیجار الدوریة, فکانت النتائج والآثار المترتبة على عقود الإیجار الدوریة کارثیة بالنسبة للمؤجرین([64]). إلا أن هذا الموقف تبدل نوعاً ما منذ منتصف القرن العشرین, فصارت المحاکم الإنکلیزیة لا تقتنع بمجرد البقاء فی المأجور والاستمرار بدفع الأجرة, لافتراض الإیجار الدوری ضمنیاً. وصارت تبحث فی جمیع الظروف الملابسة للإیجار لتقریر إذا کان الإیجار الدوری المفترض ضمنیاً (Implied Periodic Tenancy) قد نشأ أم لا. وکان السؤال المطروح أمام المحاکم الإنکلیزیة هو: هل یمکن افتراض الإیجار الدوری ضمنیاً من مجرد بقاء المستأجر فی المأجور وحیازة العقار, والاستمرار بدفع الأجرة ؟. لقد أجابت عن هذا التساؤل المحکمة الإنکلیزیة فی حکمها الصادر فی قضیة (Longrigg, Burrough Trounson v Smith CA.1979.2 EGLR 42) التی تتلخص وقائعها([65]) برفض المدعى علیه المستأجر مغادرة العقار بعد انتهاء مدة الإیجار, وبقی حائزاً للعقار المأجور, واستمر بدفع الأجرة, ضد رغبة المالک (Landlord) الذی کان یرغب بطرده من العقار. فحاول إقناعه بضرورة مغادرة العقار, وعندما أخفق فی ذلک أقام علیه الدعوى. إلا أنه وفی غضون ذلک وافق المؤجر مالک العقار على تسلم الأجرة, بعد انتهاء المدة المحددة للإیجار (The End of the Fixed Term). وکان السؤال المطروح أمام المحکمة هو: هل یکفی تسلم أقساط الأجرة لافتراض نشوء الإیجار الدوری الضمنی (Implied Periodic Tenancy) . وصادقت محکمة الاستئناف على هذا الحکم, وجاء فی حکمها بأنه لا یمکن افتراض قرینة الإیجار الدوری الضمنی من مجرد واقعة موافقة مالک العقار على تسلم الأجرة. وجاء فی حکمها أیضاً بأنه ینبغی الأخذ بنظر الاعتبار جمیع الظروف الملابسة لتقریر ما إذا کان یمکن افتراض الإیجار الدوری ضمنیاً, والاستنتاج بأن موافقة مالک العقار على تسلم الأجرة أدت إلى نشوء إیجار جدید. وذکرت فی حکمها أنه وبعد دراسة جمیع الظروف الملابسة لهذه القضیة, فإنه لا یمکن استنتاج التوصل إلى إبرام أی إیجار جدید, لعدم وجود ما یوحی بالاتفاق على ذلک. وأن واقعة دفع الأجرة یمکن أن تعزى إلى تعنت المستأجر ورفضه مغادرة العقار, أکثر مما تعزى إلى التوصل إلى اتفاق جدید حول الإیجار (Contractual Tenancy)([66]). وقد أکد القضاء الانکلیزی على موقفه الثابت من هذه المسألة فی حکم محکمة الاستئناف الصادر فی قضیة (Javad v Aqil 1991.1WLR.1007) التی تتلخص وقائعها([67]) بإجراء مفاوضات بین مالک العقار والشخص الراغب باستئجاره (Prospective Tenant), لغرض التوصل إلى إبرام عقد إیجار لمدة عشر سنوات (10-Year Lease). وفی الوقت الذی کانت فیه المفاوضات جاریة على قدم وساق, سمح مالک العقار لذلک الشخص حیازة العقار, ودفع أجرة دوریة. إلا أن المفوضات وصلت إلى طریق مسدود, فطالب المالک بإخلاء العقار, إلا أن الطرف الآخر الذی کان یتوقع أو ینتظر أن یکون مستأجراً (Potential Lessee) رفض التخلی عن حیازة العقار. فأقام مالک العقار الدعوى علیه, فدفع المدعى علیه أمام المحکمة بأن حیازته للعقار تستند على أساس قانونی یتمثل بالتوصل إلى إیجار دوری ضمنی یتجدد فصلیاً (Implied quarterly Periodic Tenancy), وأن هذا الإیجار الدوری یفترض ضمنیاً من واقعة دفع الأجرة, لعدم وجود اتفاق صریح یقضی بخلاف ذلک. إلا أن المحکمة رفضت هذا الدفع, وقضت فی حکمها بعدم إمکانیة افتراض التوصل إلى إبرام إیجار دوری ضمنی, وأن ما توصل إلیه الطرفان هو مجرد إیجار اختیاری. وقد صادقت محکمة الاستئناف على هذا الحکم, وذکرت فی حکمها بأن الأدلة المتحصلة من هذه القضیة تؤکد بوضوح اتجاه نیة الطرفین إلى توصل إلى إیجار اختیاری (Tenancy at Will) ولیس إلى إیجار دوری([68]), بانتظار ما سوف تؤول الیه نتیجة المفاوضات. وأنه لا یمکن افتراض اتجاه نیة الطرفین التوصل إلى إیجار دوری ضمنی من مجرد واقعة دفع الأجرة الدوریة. وذلک بسبب عدم الاتفاق على بنود ذلک العقد. وعلى هذا الأساس فإن عدم اتفاق الطرفین على بنود الإیجار (Terms of the Lease), فضلاً عن قیام المالک بتوجیه إخطار بالتخلیة, یعد دلیلاً على أن المستأجر لا یتمتع إلا بإیجار اختیاری ولیس دوری. کما لم تتجه نیة الطرفین إلا إلى التفاوض فی هذه المرحلة, ولیس إلى الذهاب أبعد من ذلک. وجاء فی حکم محکمة الاستئناف أخیراً أنه وعلى الرغم من أن دفع الأجرة یعد دلیلاً ومؤشراً قویاً على وجود إیجار دوری ضمنی, إلا الأدلة المستخلصة من الظروف الملابسة لهذه القضیة, ومن أبرزها سماح مالک العقار للطرف الآخر بحیازة العقار أثناء سیر المفاوضات, أشارت إلى أن ما تم التوصل إلیه هو إیجار اختیاری فحسب. ویرى جانب من الفقه الإنکلیزی([69]) بأن القاسم المشترک لهاتین السابقتین القضائیتین, أو النتیجة المشترکة التی توصلتا إلیها هی أن واقعة دفع الأجرة لم تعد دلیلاً مقبولاً بحد ذاته على استخلاص أو افتراض الإیجار الدوری افتراضاً ضمنیاً. ومن الضروری الأخذ بنظر الاعتبار جمیع الظروف الملابسة لکل قضیة, لتقریر ما إذا کانت نیة الطرفین قد اتجهت إلى الإیجار الدوری أم لا. ومن بین تلک الظروف طول الفترة الزمنیة التی قام فیها المستأجر بدفع الأجرة, والأسباب الکامنة وراء عدم التوصل إلى إیجار قانونی (Legal Lease) . أما بالنسبة إلى موقف القانون المدنی العراقی فإنه یختلف تماماً عن موقف القانون الإنکلیزی, فیما یتعلق بالتجدید الضمنی لعقد الإیجار. فالإیجار الدوری, وکما أشرنا سابقاً, یمثل فترة زمنیة واحدة مستمرة, لا ینظر إلیها کمجموعة من العقود, ولکن کعقد واحد یتجدد ضمنیاً وعلى نحو دوری. أما فی القانون المدنی العراقی فإن التجدید الضمنی یعد إیجاراً جدیداً, ولیس مجرد امتداد للإیجار الأصلی. وهو ما قضت به المادة (780) من القانون المدنی العراقی, التی نصت على أنه (1- اذا انتهى عقد الایجار وبقى المستأجر منتفعاً بالمأجور بعلم المؤجر دون اعتراض منه، اعتبر الإیجار قد تجدد بشروطه الأولى ولکن لمدة غیر محددة، وتسری على الإیجار إذا تجدد على هذا الوجه أحکام المادة 741. 2-ویعتبر هذا التجدید الضمنی إیجاراً جدیداً لا مجرد امتدادا للإیجار الأصلی، ومع ذلک تنتقل الى الإیجار الجدید التأمینات العینیة التی کانت للإیجار القدیم إما کفالة شخصیة کانت أو عینیة. فلا تنتقل الى الإیجار الجدید إلا إذا رضى الکفیل بذلک). فإذا انتهى عقد الإیجار واستمر المستأجر فی الانتفاع بالمأجور برضا المؤجر, ینعقد عقد إیجار جدید بین الطرفین([70]), اللذین یکونان قد اتفقا على التجدید الضمنی للإیجار, الذی ینعقد بإیجاب وقبول ضمنیین([71]). وهو ما اتجه إلیه القضاء العراقی أیضاً, إذ جاء فی أحد أحکامه([72]) بأن (استمرار إشغال المستأجر للمأجور بعد انتهاء عقد الإیجار بعلم المؤجر ودون اعتراض منه, یکون معه عقد الإیجار قد تجدد بشروطه الأولى, ویعد منعقداً للمدة المحددة لدفع الأجرة وینتهی بانقضاء هذه المدة بناءً على طلب أحد المتعاقدین إذا هو نبه الطرف الآخر بالإخلاء فی الموعد المحدد قانوناً للتنبیه). وبرأینا فإن موقف قانون إیجار العقار رقم (87) لسنة 1979 المعدل یقترب إلى حد ما من موقف القانون الإنکلیزی, لأنه جعل حق المستأجر أقرب إلى الحق العینی منه إلى الحق الشخصی, عندما سمح للمستأجر أن یبقى فی العقار المأجور لمدة غیر محددة, على الرغم من معارضة المؤجر. وأعطى کامل الحریة للمستأجر فی البقاء فی المأجور أو إخلائه([73]), وذلک وفقاً للمادة الثالثة منه التی نصت على أنه ( یمتد عقد الإیجار بحکم القانون بعد انتهاء مدته ما دام المستأجر شاغلاً للعقار, ومستمراً على دفع الأجرة طبقاً لأحکام هذا القانون). أ ثانیاً: الأثر التملکی المترتب على الإیجار الطویل لمدة تسعمائة وتسعٍ وتسعین سنة (999-سنة) (999-Year Lease): تترتب على هذا النوع من أنواع الإیجار بعض الآثار القانونیة التی تصل إلى درجة اکتساب حق الملکیة التامة المطلقة (Fee Simple). ولا سیما فی الحالات التی یتم فیها اللجوء إلیه کبدیل عن هبة العقار (Grant), لسهولة تنفیذ التعهدات (Covenants), أی الالتزامات الناشئة عنه مقارنة بهبة حق الملکیة التامة المطلقة للعقار (Grant of the Fee Simple)([74]). فهذا النوع من الإیجار القائم على دفع أجرة تافهة (Peppercorn Rent), أو إسمیة هو أقرب من حیث آثاره القانونیة إلى حق الملکیة التامة المطلقة (Freehold Ownership) منه إلى حق المستأجر الشخصی([75]). إلا أن هذا النوع من أنواع الإیجار یختلف عن عقد البیع الإیجاری أو الإیجار الساتر للبیع (Hire-Purchase Contract), من حیث أن الأخیر ینقل الملکیة على نحو دائمی إلى المستأجر بعد الوفاء بکامل الأقساط, أما الإیجار الطویل لمدة 999-سنة فینقل الملکیة إلى المستأجر على نحو مؤقت, وإن طالت المدة([76]). کما أن مدة الإیجار الطویل تکون طویلة جداً, خلافاً لمدة البیع الإیجاری أو الإیجار الساتر للبیع, التی تکون قصیرة إلى متوسطة. وهناک اختلاف آخر بینهما وهو أن المستأجر یقوم بالوفاء بالأجرة على شکل أقساط دوریة فی البیع الإیجاری أو الإیجار الساتر للبیع, فإذا ما أوفى بالقسط الأخیر من الأجرة انقلب العقد بیعاً. خلافاً للإیجار الطویل لمدة 999-سنة, الذی یقوم فیه المستأجر, ومنذ البدایة, بدفع مبلغ إجمالی یمثل قیمة العقار فی سوق العقارات (Market Value). ثم یقوم بعد ذلک بدفع أجرة إسمیة أو تافهة. وینعقد هذا النوع من الإیجار فی مقابل قیام المستأجر بدفع مبلغ إجمالی کبیر (Substantial Capital Sum) مقدماً([77]), أما الأجرة فتکون إسمیة (Nominal Rent) وتافهة([78]). أما موقف القانون المدنی العراقی من هذا النوع من الإجارة الطویلة التی ترتب حقوقاً عینیة, فیبدو وبرأینا أنه یخالف موقف القانون الإنکلیزی, الذی یقر الإجارة الطویلة لمدة تسعمائة وتسعٍ وتسعین سنة. لأن مدة الإیجار إذا کانت أکثر من ثلاثین سنة, أو کانت مؤبدة, فقد أجازت الفقرة الأولى من المادة (740) منه لکل من المؤجر والمستأجر طلب إنهائه بعد انقضاء مدة ثلاثین سنة. فقد نصت هذه الفقرة على أن (إذا عقد الإیجار لمدة تزید على ثلاثین سنة أو إذا کان مؤبداً جاز إنهاؤه بعد انقضاء ثلاثین سنة بناء على طلب أحد المتعاقدین، مع مراعاة المواعید القانونیة المنصوص علیها فی المادة التالیة ویکون باطلاً کل اتفاق یقضی بغیر ذلک). ثالثاً: الأثر التملکی للإیجار العمری أو المؤبد مدى الحیاة (Lease for Life): إذ یجمع هذا النوع من أنواع الإیجار, وکما أسلفنا, بین خصائص حق الملکیة المطلق مدى الحیاة (Freehold Life Estate), وبین الإیجار المحدد بعدد من السنین (Terms of years)([79]). ویترتب على الإیجار العمری أو المؤبد مدى الحیاة حق الملکیة العقاریة المطلقة (Freehold Estate) . ویرى جانب من الفقه([80]) بأن السبب الکامن فی تصنیف الإیجار العمری أو المؤبد مدى الحیاة کأحد أنواع عقود الإیجار المرتبة للحق العینی هو عدم تحدید مدة الإیجار. فالإیجارات ذات المدة المحددة (Fixed-Term Leases), غالباً ما یترتب علیها حق شخصی, خلافاً للإیجار العمری أو المؤبد مدى الحیاة الذی یترتب علیه حق عینی([81]). وقد عرفت الفقرة الأولى من المادة التاسعة عشرة من تشریع العقارات المستوطَنة لعام 1925 (The Settled Land Act 1925) المستأجر مدى الحیاة (Tenant for Life) بأنه (الشخص البالغ سن الرشد والکامل الأهلیة, الذی یحق له الانتفاع من عقار مستوطن أو معد لأغراض الاستیطان مدى حیاته, فیعد مستأجراً مدى الحیاة لمراعاة الأغراض المرجوة من هذا التشریع, فی ظل الاستقرار أو الاستیطان فی العقار)([82]). أما بالنسبة إلى موقف القانون المدنی العراقی, فالأصل أن موت أحد طرفی عقد الإیجار لا ینهی عقد الإیجار([83]), وفقاً للفقرة الأولى من المادة (783) منه, والتی نصت على أنه (لا ینتهی الإیجار بموت المؤجر ولا بموت المستأجر). وهو ما اتجه إلیه القضاء العراقی أیضاً, إذ جاء فی أحد أحکامه([84]) بأن (الإیجار المبرم لا ینتهی بموت المستأجر لأن ورثته یحلون محله فی عقد الإیجار إذا استمروا بإشغال المأجور استناداً للمادة -783- من القانون المدنی). فقد عد المشرع العراقی عقد الإیجار الذی یجری الاتفاق على بقائه نافذاً ما دام المستأجر یقوم بدفع الأجرة, أنه منعقد لمدة حیاة المستأجر([85]). ویکون معلقاً على شرط فاسخ, یتحقق عند قیام المستأجر بتنبیه المؤجر برغبته فی إنهاء الإیجار. إلا أنه واستثناءً من هذه القاعدة العامة فقد أجازت الفقرة الثانیة من المادة (740) من القانون المدنی العراقی تحدید مدة الإیجار بمدة حیاة المؤجر أو المستأجر, حتى وإن تجاوزت تلک المدة الثلاثین سنة([86]). فالحیاة مهما طالت فهی مؤقتة. فإذا تحددت مدة الإیجار بمدة حیاة المستأجر, فإن حق المستأجر ینتهی بموته ولا ینتقل إلى ورثته. أما إذا کان محدداً بمدة حیاة المؤجر ومات المستأجر قبل المؤجر, انتقل حق المستأجر إلى ورثته. وقد نصت الفقرة الثانیة من المادة (740) من القانون المدنی العراقی على أنه (لا یجوز لأحد من المتعاقدین أن ینهی الإیجار إذا کان قد عقد لمدة حیاة المؤجر أو المستأجر ولو امتد لمدة تزید على ثلاثین سنة, وإذا نص فی عقد الإیجار أنه یبقى ما بقی المستأجر یدفع الاجرة، فیعتبر أنه قد عقد لمدة حیاة المستأجر). المطلب الثانی الأثر النسبی لحق المستأجر فی القانون الإنکلیزی یظهر الأثر النسبی لحق المستأجر عموماً, وللحق العینی للمستأجر على وجه الخصوص, وبوضوح فی القانون الإنکلیزی فی نوعین من التصرفات القانونیة التی یکون حق المستأجر محلاً لهما, وهما حوالة حق المستأجر والإیجار من الباطن. ففیما یتعلق بحوالة حق المستأجر (Assignment of the Lease). فإنها تخضع لمبدأین متعارضین فی القانون الإنکلیزی: الأول هو بمبدأ خصوصیة العلاقة الناشئة عن العقار المأجور (The Principle of Privity of Estate) , والثانی هو مبدأ خصوصیة العقد (The Principle of Privity of Contract), أی نسبیة أثر العقد من حیث الأشخاص. ومبدأ خصوصیة العلاقة الناشئة عن العقار المأجور (The Principle of Privity of Estate) هو مبدأ قانونی, تخضع له العلاقة الأصلیة أو القائمة أصلاً بین المؤجر مالک العقار (Landlord Lessor) والمستأجر (Tenant) . ویمکن لهذه العلاقة أن تقوم بین خلف (Successor) کل من الطرفین, على الرغم من قیامها أصلاً بین المؤجر والمستأجر الأصلیین([87]). فإذا ما تمت حوالة حق المستأجر (Assignment of the Lease) , فإن خصوصیة العلاقة الناشئة عن العقار المأجور (Privity of Estate) تنتقل بدورها لتقوم بین مالک العقار والمحال له (Assignee)([88]). ولتوضیح ذلک أکثر یمکن القول بأن خصوصیة العلاقة الناشئة عن العقار المأجور تتوقف عن السریان بین المستأجر الأصلی (Original Tenant) والمالک المؤجر, وتبدأ بالسریان بین المالک والمحال له (Assignee). وبمقتضى خصوصیة هذه العلاقة یلتزم کلاً من المالک والمحال له بالالتزامات (Covenants) الناشئة عن بنود عقد الإیجار (Terms of the Lease), والمرتبطة بالعقار نفسه. ویترتب على ذلک التزام المحال له بدفع الأجرة للمالک, والتزام المالک بتمکین المحال له من الانتفاع الهادئ بالعقار المأجور (Covenant of Quiet Enjoyment)([89]). أما خصوصیة العقد (Privity of Contract), أو نسبیة أثره من حیث الأشخاص فتستمر فی السریان بین المستأجر الأصلی والمالک, ولا یدخل المحال له ضمن هذه الخصوصیة, لأنه یعد فی مرکز الغیر الأجنبی عن عقد الإیجار([90]). فلا یلتزم بالالتزامات التعاقدیة الأخرى غیر المرتبطة بالعقار المأجور, کالتزام المستأجر الأصلی المحیل (Assignor) بالإخطار بإنهاء الإیجار وتخلیة المأجور. لذا وفی ظل عدم سریان خصوصیة العقد (أی قصور حکم العقد على عاقدیه وعدم سریانه فی حق الغیر) بین المحال له والمالک المؤجر, فإن المحال له لا یکون مسؤولاً عن أی إخلال یرتکبه المستأجر الأصلی بالتزاماته التعاقدیة([91]). أما فی الإیجار من الباطن (Sublease) فیکون الوضع مختلفاً, ویمکن توضیحه کالآتی: ففی ظل الإیجار من الباطن لا تسری کلٌ من خصوصیة العلاقة الناشئة عن العقار المأجور (Privity of Estate), وخصوصیة العقد (Privity of Contract) فی العلاقة بین مالک العقار (Landlord) والمستأجر من الباطن (Subtenant). ویبقى المستأجر الأصلی (Original Tenant) محتفظاً بهاتین العلاقتین بینه وبین مالک العقار, حتى بعد إبرام عقد الإیجار من الباطن([92]). ویترتب على ذلک عدم قیام علاقة قانونیة (Legal Relationship) بین المالک والمستأجر من الباطن([93]), کما یترتب على ذلک عدم انتقال أی حق من حقوق المستأجر الأصلی أو التزاماته إلى المستأجر من الباطن بمقتضى عقد الإیجار من الباطن. فلا تنهض مسؤولیة المستأجر من الباطن عن إخلال المستأجر الأصلی بالتزاماته الناشئة عن عقد الإیجار. إلا أن حق المستأجر (Leasehold Estate) ینشأ من جدید فی العلاقة بین المستأجر الأصلی والمستأجر من الباطن. ویترتب على ذلک سریان علاقات جدیدة بین المستأجر الأصلی والمستأجر من الباطن, تتمثل بخصوصیة العلاقة الناشئة عن العقار المأجور (Privity of Estate), وخصوصیة عقد الإیجار من الباطن (Privity of Contract) النافذ بینهما, وتختلف بطبیعة الحال عن العلاقات القائمة أصلاً بین المالک والمستأجر من الباطن. أما إذا قام کل من مالک العقار والمستأجر بحوالة حقوقهما, فإن ذلک یعنی توقف سریان خصوصیة علاقة الإیجار الناشئة عن العقار المأجور بینهما. وقیامها بین الطرفین الجدیدین الذین حلا محل طرفی عقد الإیجار الأصلیین, وهما المؤجر مالک العقار والمستأجر([94]). ویرى جانب من الفقه([95]) أن السبب فی ذلک, أی فی سهولة حلول طرفین جدیدین بدلاً عن طرفی عقد الإیجار الأصلیین, هو لضمان مصالح أطراف عقد الإیجار المشترکة والمتبادلة والمتزامنة المرتبطة بالعقار المأجور (Leased Premises) والناشئة عنه. ویمکن توضیح آلیة عمل مبدأ خصوصیة العلاقة الناشئة عن العقار المأجور (Privity of Estate) بالمثال الآتی: لنفترض إبرام عقد إیجار عقار بین المؤجر (A) والمستأجر (B), ثم یقوم المستأجر (B) بحوالة حقه إلى (C). وبالمقابل نقل المؤجر (A) حقه فی استرداد العقار (Reversion) إلى (D). ففی هذه الحالة یمکن للطرف (D) أن یطالب الطرف الآخر (C) بتنفیذ تعهدات المستأجر والتزاماته (Tenant's Covenants), على الرغم من عدم وجود عقد بینهما, وذلک على أساس مبدأ خصوصیة العلاقة الناشئة عن العقار المأجور. وذلک خلافاً للآثار المترتبة مبدأ خصوصیة العقد (The Principle of Privity of Contract) أو نسبیة أثر العقد من حیث الأشخاص المتعارض مع المبدأ السالف الذکر, السائد أیضاً فی علاقة المؤجر مالک العقار بالمستأجر (Landlord and Tenant Relationship), والذی لا یمکن بمقتضاه إلا لأطراف العقد اکتساب الحقوق وتحمل الالتزامات المترتبة على ذلک العقد. ویحظر على أی شخص لم یکن طرفا فی العقد إقامة الدعوى استناداً على أحد بنود ذلک العقد للمطالبة بتنفیذ العقد أو الحصول على حق من الحقوق المترتبة على العقد. کما یختلف مبدأ خصوصیة العلاقة الناشئة عن العقار المأجور (Privity of Estate) عن مبدأ خصوصیة العقد (The Principle of Privity of Contract), من حیث أن الالتزامات القائمة بین الطرفین, تنفذ بمقتضى مبدأ خصوصیة العقد, بوصفها التزامات تعاقدیة ناشئة عن عقد الإیجار, ومتعلقة بطرفی العقد, ومترتبة فی ذمتهما. أما فی ظل مبدأ خصوصیة العلاقة الناشئة عن العقار المأجور, فإنها لا تنفذ إلا بسبب اتصالها المباشر وتعلقها بالعقار المأجور نفسه, لا بأطراف عقد الإیجار([96]). وهو ما یفسر سریان الالتزامات المتقابلة المتبادلة الناشئة عن عقد الإیجار الأصلی, فی مواجهة الطرفین (D) و (C), فی مثالنا السابق, على الرغم من أنهما لیسا الطرفین الأصلیین فی عقد الإیجار المبرم بین (A) والمستأجر (B). ویتصل الالتزام أو التعهد (Covenant) بالعقار ویتعلق به, عندما یؤثر على طبیعة (Nature) ونوعیة (Quality) وقیمة (Value) العقار المأجور (Leased Land) . فبمقتضى مبدأ خصوصیة العلاقة الناشئة عن العقار المأجور, فإن الصلة ینبغی أن تقوم بین الالتزام والعقار المأجور نفسه. وتکون الصلة وثیقة بما فیه الکفایة, بحیث یرتبط الالتزام ارتباطاً مباشراً بالعقار المأجور, وینتقل بانتقال أطرافه. على الرغم من الآثار التی تترتب على مبدأ خصوصیة العقد. أما فی القانون المدنی العراقی فیخضع حق المستأجر لمبدأ نسبیة العقد من حیث الأشخاص, وهو قصور حکم العقد على عاقدیه, وعدم سریانه فی حق الغیر کأصل عام([97]). وفقاً للفقرة الأولى من المادة (142) منه, والتی نصت على (ینصرف أثر العقد الى المتعاقدین والخلف العام دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالمیراث، مالم یتبین من العقد أو من طبیعة التعامل أو من نص القانون أن هذا الأثر لا ینصرف إلى الخلف العام). إلا أنه وعلى الرغم من ذلک فإن آثار العقد قد تنصرف إلى الغیر الأجنبی عن العقد استثناءً فی بعض الحالات([98]). فعلاقة المستأجر الأصلی بالمؤجر تبقى خاضعة لأحکام عقد الإیجار الأصلی النافذ بینهما, کما تخضع علاقة المستأجر الأصلی بالمستأجر من الباطن لعقد الإیجار من الباطن([99]). وذلک بمقتضى الفقرة الأولى من المادة (776) من القانون المدنی العراقی, التی نصت على أنه (فی حالة إیجار المستأجر المأجور تبقى العلاقة بین المؤجر والمستأجر الأول خاضعة لأحکام عقد الإیجار الأول، أما العلاقة ما بین المستأجر الأول والمستأجر الثانی فتسری علیها أحکام عقد الإیجار الثانی، فیکون المستأجر الأول ملزماً بالأجرة للمؤجر، ولیس لهذا قبضها من المستأجر الثانی إلا إذا أحاله المستأجر الأول علیه أو وکله بقبضها منه). وهذا یعنی عدم وجود علاقة مباشرة بین المؤجر والمستأجر من الباطن, بسبب عدم وجود أی عقد بینهما, فلا یستطیع کل من المؤجر والمستأجر من الباطن الرجوع على بعضهما البعض, إلا عن طریق(حذف) الدعوى غیر المباشرة کقاعدة عامة. إلا أن المشرع قرر للمؤجر استثناءً, وتحقیقاً للعدالة دعوى مباشرة على المستأجر من الباطن([100]), وبخصوص دین الأجرة فحسب, لمطالبته بما یکون ثابتاً بذمته للمستأجر الأول([101]), ولحمایته من مزاحمة دائنی ذلک المستأجر([102]). وذلک بمقتضى الفقرة الثانیة من المادة (776) من القانون المدنی العراقی, التی نصت على أنه (ومع ذلک یکون المستأجر الثانی ملزماً بأن یؤدی للمؤجر مباشرة ما یکون ثابتاً فی ذمته للمستأجر الاول وقت ان ینذره المؤجر، ولا یجوز له ان یتمسک قبل المؤجر بما یکون قد عجله من الاجرة للمستأجر الاول، ما لم یکن تعجیل الاجرة متماشیاً مع العرف ومدوناً بسند ثابت التاریخ). الخاتمـة بعد الانتهاء من دراسة موضوع البحث فی متن هذه الدراسة فقد خصصنا الخاتمة لبیان أهم النتائج التی توصلنا إلیها فضلاً عن بعض التوصیات التی نراها ضروریة وکما یأتی: أولاً: النتائج: وقد توصلت الدراسة إلى النتائج الآتیة:
ثانیاً: التوصیات: بعد الانتهاء من عرض النتائج التی توصلت إلیها الدراسة، فأننا نقترح التوصیات الآتیة:
The Author declare That there is no conflict of interest References (Arabic Translated to English) First: Books.
Second: Laws 1-The law of property Act 1925. 2-The Land Registration Act 2002. 3-The Settled Land Act 1925. Third :The Legal Reports - Law CommissionReport No. 174 of 1988. Fourth: Internet websites
| ||
References | ||
المصـادر أولاً: المصادر باللغة العربیة. ویعرف أیضاً بحق الشریک المتضامن الباقی على قید الحیاة أو حق التوسع فی الملکیة. ویتمثل بأیلولة حقوق الشریک المتضامن المتوفى إلى باقی الشرکاء المتضامنین الباقین على قید الحیاة. أ. الکتب القانونیة.
ب- مجموعات أحکام القضاء.
ج- القوانین.
ثانیاً: المصادر باللغة الإنکلیزیة. First: Books.
Second: Laws 1- The law of property Act 1925. 2- The Land Registration Act 2002. 3- The Settled Land Act 1925. Third :The Legal Reports - Law CommissionReport No. 174 of 1988. Fourth: Internet websites
| ||
Statistics Article View: 548 PDF Download: 357 |