إشکالیة السببیة فی إسناد الضرر إلى أعمال السحر والشعوذة دراسة تحلیلیة فی القانون المدنی | ||
الرافدین للحقوق | ||
Article 1, Volume 23, Issue 73, December 2020, Pages 1-49 PDF (1.21 M) | ||
Document Type: بحث | ||
DOI: 10.33899/rlawj.2020.127054.1068 | ||
Authors | ||
محمد سلیمان محمد الأحمد* 1; عبد الکریم صالح عبد الکریم* 2 | ||
1کلیة القانون- جامعة السلیمانیة | ||
2کلیة القانون/ جامعة دهوک | ||
Abstract | ||
بدأت ظاهرة السحر والشعوذة بالانتشار الواسع فی المجتمع، وأضحت تلقی بآثارها السلبیة الخطیرة على الافراد مسببة لهم أضراراً لا تختلف عن تلک الأضرار التی تلحق بالإنسان نتیجة اتلاف ماله أو غصبه أو تفویت فرصة علیه أو غیر ذلک. هذه الأضرار تأتی نتیجة لممارسات غیر مشروعة، لمخالفتها للنظام القانونی، کما وتحرمها الشریعة الإسلامیة أیضاً، لکن المستغرب أن المشرع لم یتناول هذه الأفعال بالتنظیم، وبالتالی قد یجد الشخص المتضرر منها نفسه أمام فراغ تشریعی، لا یسمح له، على أساسه، المطالبة برفع دعوى لجبر الأضرار التی لحقت به نتیجة طقوس السحر والشعوذة، وحجة المشرع فی ذلک کون أن تلک الممارسات هی من قبیل الغیبیات التی تفتقد للرابط المادی الملموس لکی تکون ظاهرة قانونیة مادیة. ولقد اثبت البحث قصور هذا الموقف، وبالتالی ینبغی أن یتم تناول هذا الموضوع بالتنظیم وأن یکون محلاً – کتطبیق تشریعی-للمسؤولیة المدنیة عقدیة کانت أم تقصیریة، وبیت القصید فی الدراسة یتعلق حول صعوبة الاثبات بأن فعل الشعوذة والسحر یؤدی إلى احداث الضرر، أو أن الضرر یسند إلى ذلک الفعل. ولتناول کل ما سبق تم تقسیم الدراسة فی الموضوع إلى ثلاثة مباحث، خصص المبحث الأول لبحث السحر بوصفه ظاهرة، أما المبحث الثانی فقد تناولنا فیه اسناد الأضرار لأعمال السحر والشعوذة، وأما المبحث الأخیر فکان لافتراض السببیة واستنباط السند القانونی. ولقد اثبتنا فی البحث بأن التغلب على هذه الصعوبة یکمن فی الاعتماد من جانب القاضی على الخبرة الفنیة فی هذا المجال ومن ثم منح سلطة تقدیریة للقاضی بالاکتفاء بالاحتمال الراجح فی سبب الضرر أو افتراض رابطة السببیة بین فعل المشعوذ والضرر الذی یلحق بالضحیة، وهذا لا یعنی خروجاً عن المبادئ العامة فی المسؤولیة المدنیة، تلک التی تتطلب ضرورة توافر الخطأ والضرر ورابطة السببیة لقیامها، بل کل ما فی الامر أن المتضرر ینبغی أن لا یحرم من التعویض لمجرد أنه اخفق فی اثبات أن الضرر کان نتیجة لفعل غیر مشروع تمثل بالشعوذة، وهنا یتم اعفائه من هذا الاثبات ویترک المجال للمدعى علیه ان أراد التخلص من المسؤولیة أن یثبت أن السبب الأجنبی هو المسبب للضرر. وکل هذا یتم بعد ان یقوم المشرع من جانبه بتنظیم الأعمال غیر المشروعة المتعلقة بممارسات السحر والشعوذة کباقی تطبیقات المسؤولیة المدنیة التقصیریة، مثل الاتلاف والغصب وغیرها. | ||
Keywords | ||
القانون المدنی; المسؤولیة المدنیة; اعمال السحر والشعوذة; رابطة سببیة | ||
Full Text | ||
إشکالیة السببیة فی إسناد الضرر إلى أعمال السحر والشعوذة دراسة تحلیلیة فی القانون المدنی -(*)- The problem of causation in assigning damage to acts of witchcraft and sorcery Analytical study in civil law
(*) أستلم البحث فی 6/5/2020*** قبل للنشر فی 4/6/2020, (*) Received on 6/5/2020 *** accepted for publishing on 4/6/2020. Doi: 10.33899/rlawj.2020.127054.1068 © Authors, 2020, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license (http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص بدأت ظاهرة السحر والشعوذة بالانتشار الواسع فی المجتمع، وأضحت تلقی بآثارها السلبیة الخطیرة على الافراد مسببة لهم أضراراً لا تختلف عن تلک الأضرار التی تلحق بالإنسان نتیجة اتلاف ماله أو غصبه أو تفویت فرصة علیه أو غیر ذلک. هذه الأضرار تأتی نتیجة لممارسات غیر مشروعة، لمخالفتها للنظام القانونی، کما وتحرمها الشریعة الإسلامیة أیضاً، لکن المستغرب أن المشرع لم یتناول هذه الأفعال بالتنظیم، وبالتالی قد یجد الشخص المتضرر منها نفسه أمام فراغ تشریعی، لا یسمح له، على أساسه، المطالبة برفع دعوى لجبر الأضرار التی لحقت به نتیجة طقوس السحر والشعوذة، وحجة المشرع فی ذلک کون أن تلک الممارسات هی من قبیل الغیبیات التی تفتقد للرابط المادی الملموس لکی تکون ظاهرة قانونیة مادیة. ولقد اثبت البحث قصور هذا الموقف، وبالتالی ینبغی أن یتم تناول هذا الموضوع بالتنظیم وأن یکون محلاً – کتطبیق تشریعی-للمسؤولیة المدنیة عقدیة کانت أم تقصیریة، وبیت القصید فی الدراسة یتعلق حول صعوبة الاثبات بأن فعل الشعوذة والسحر یؤدی إلى احداث الضرر، أو أن الضرر یسند إلى ذلک الفعل. ولتناول کل ما سبق تم تقسیم الدراسة فی الموضوع إلى ثلاثة مباحث، خصص المبحث الأول لبحث السحر بوصفه ظاهرة، أما المبحث الثانی فقد تناولنا فیه اسناد الأضرار لأعمال السحر والشعوذة، وأما المبحث الأخیر فکان لافتراض السببیة واستنباط السند القانونی. ولقد اثبتنا فی البحث بأن التغلب على هذه الصعوبة یکمن فی الاعتماد من جانب القاضی على الخبرة الفنیة فی هذا المجال ومن ثم منح سلطة تقدیریة للقاضی بالاکتفاء بالاحتمال الراجح فی سبب الضرر أو افتراض رابطة السببیة بین فعل المشعوذ والضرر الذی یلحق بالضحیة، وهذا لا یعنی خروجاً عن المبادئ العامة فی المسؤولیة المدنیة، تلک التی تتطلب ضرورة توافر الخطأ والضرر ورابطة السببیة لقیامها، بل کل ما فی الامر أن المتضرر ینبغی أن لا یحرم من التعویض لمجرد أنه اخفق فی اثبات أن الضرر کان نتیجة لفعل غیر مشروع تمثل بالشعوذة، وهنا یتم اعفائه من هذا الاثبات ویترک المجال للمدعى علیه ان أراد التخلص من المسؤولیة أن یثبت أن السبب الأجنبی هو المسبب للضرر. وکل هذا یتم بعد ان یقوم المشرع من جانبه بتنظیم الأعمال غیر المشروعة المتعلقة بممارسات السحر والشعوذة کباقی تطبیقات المسؤولیة المدنیة التقصیریة، مثل الاتلاف والغصب وغیرها. Abstract The phenomenon of witchcraft and sorcery began to spread widely in the society, and it began to make its negative effects on serious individuals causing damages to them not different from those damages to the person that result from money loss or missing opportunity. It is surprising that the legislator has not dealt with these acts by organizing, and therefore the person who is damaged by these acts may find himself unable to set a claim at the court, on which he is not allowed to claim a reparation for the damages he suffered because of the ritual witch and sorcery. The argument of the legislator in that is the fact that such practices are such unseen that lack tangible physical link to be a physical phenomenon of law. المقدمـة من الطبیعی أن یتَّسم علم القانون بأنه علم یقوم على ظواهر مادیة ملموسة، فالقانون لا یکترث بما هو مخفی غیر ظاهر، فضلاً عن عدم تعامله مع ما لا قیمة له فی الحیاة القانونیة، وإن کان مادیاً ظاهراً؛ لذا فإن ما یُطلق علیه بالعالم السُفلی أو العالم الآخر لا شأن للقانون به أو لا یتعامل معه، وهذ هو المبدأ السائد الیوم. لکن فی المقابل عندما تظهر على السطح علامات ودلائل على تأثیر بعض من تلک الأمور الکامنة وراء حیاتنا المادیة، على الانسان بحیث تمسُّ حقوقه وحریاته أو تنال منها، أو تجعله غیر قادر على القیام بواجباته، وإن بدت دلائل وإمارات نسبیة للبعض، فإنها لا شک مؤثرة على تلک العلاقات بین الأشخاص والتی عنیَ القانون بتنظیمها وحمایة الحقوق المتصلة بها، فکثیرٌ منا من یسمع وقلیلٌ منا من یرى، أن عقاراً ما أضحى مهجوراً ولأشهر، بل لسنوات عدة ، بذریعة أنه مسکون من أشباح، أو أن إنساناً ما تلبَّسه الجنُّ وأضحى یُهدد من حوله بأفعال ضارة قد تصل إلى جرائم، أو أن آخر أو أُخرى مسَّها عمل سحری أضحت لا تُطیق العیش مع زوجها وتصر على طلب التفریق منه، بل فی بعض الأحایین قد یعتمد بعض المحققین فی الجرائم على بعض من السحرة والمشعوذین لکشف حقیقة مرتکب الجریمة المُحقق فیها ! وقد یبنی بعضاً منهم قناعته على تلک المعلومات، فیبادر إلى صنع أدلة یقبلها القانون تحاکی المعلومات التی وصلت إلى علمه من ذلکم المصدر! إذن فالواقع یثیر الکثیر من المشاهد الحقیقیة بوجود أعمال سحر وشعوذة، الغایة منها الإضرار بالآخرین، بشتى الطرق، وعلى مختلف الصور، کالتفریق بین زوجین، أو تفزیع الآخرین وتخویفهم، وأحیاناً تهدیدهم، أو استمالتهم لما لا یرغبوا فعله، أو ما شاکل من الصور اللامتناهیة؛ ولیست إشکالیتنا فی البحث أن نثبت أن هذه الأمور ناجعة فی تحقیق مآربها، فلا شأن لنا بذلک، ولا یهم إن کنا معتقدین بتأثیرات هذه الأفعال على أرض الواقع أم لا، لکن الحقیقة التی لا مناص من الوقوف عندها أن إدِّعاءات تزعم أن ضرراً ما حصل نتیجة لتلک الأفعال، والأغرب من ذلک أن ثُلَّـةٌ من ممارسی السحر والشعوذة تجدهم یقُرّون على أنفسهم وأمام الملأ، نسبة ذلک الضرر لأفعالهم، فإما أن نتجاهل هذا الأمر ونترک المتضرر بلا مجیب، وإما أن نتحرى واقع الأمر بمزیدٍ من التفحُّص والتأمل؛ صحیح أن هذه مشکلة لا تقف عند أبعادها الفقهیة، بل تجاوزها لتکون محل جدل فکری یمس أساس القانون وصبغته المادیة، والتی بها لا یعترف القانون بما یلوج فی فلک الأوهام والغیبیات، أو هکذا یفترض فیه المستقرؤون لجوهره ومضمونه. لا شکَّ أن الأفعال التی تدخل تحت مسمیات السحر والشعوذة لا تدخل فی اهتمامات علم القانون، لکن ما یترتب علیها من تأثیرات واقعیة تمسُّ حقوقاً ومطالبات، بل قرارات وأحکام، یجعل من المحتمّ على القانون وضع الحلول المناسبة لها؛ وهنا تکمن المشکلة بأبعادها الفکریة والفقهیة والأصولیة: - فمن الناحیة الفکریة، کیف یتعامل القانون مع ظواهر اختلف العلم على حقیقة وجودها واختلف المنادون بوجودها على أسبابها ومسبباتها وحدود ربطها بالحیاة المادیة؟ - ومن الناحیة الفقهیة، کیف یصدر القانون حکماً یمسُّ حقوقاً شابها نقصٌ غیر مُثبت؟ - ومن الناحیة الأصولیة، کیف أُقیم حکمی، إن کنت قاضیاً، على قناعة نسبیة لأستند فی حکمی على قاعدة لم توضع أصلاً لتکوینها؟ لکن ألا تُعد تلک الأعمال والظواهر مادیة بتأثیرها على الانسان وحقوقه؟ بحیث بات لزاماً على کلٍ من القانون والقضاء التعامل معها وکأنها جزءٌ من الحیاة المادیة؟ لما تُرتّـبه من تغییرات واضحة على حقوق الأفراد وواجباتهم. ألا یَــعُــدُّ انصراف الاهتمام القانونی عنها اختباءٌ عن الواقع؟ إن البحث فی ظواهر التأثیرات الناجمة عن أعمال السحر والشعوذة، مرتبطٌ بالأساس بعلومٍ وصفیة کعلم النفس وعلم الاجتماع، ونکاد لا نرى بحثا أو اهتماماً لها فی نطاق الدراسات القانونیة، لکن الأضرار التی تسببها أو یدعی محدثوها أو المتضررین منها أنها مسندةٌ لتلک الأعمال، تطفو على سطح خاضع لمرأى القانون ویده الضاربة؛ لکن إشکالیات البحث قانوناً فیها متعددة: 1- ففی مقابل الانطلاق من البُعد الفکری للقانون فی مدى امکان التعامل مع أعمال السحر والشعوذة، لیس فقط على أنها أعمال غیر مشروعة، بل هل یقر القانون بقدرتها على التغییر الواقعی والمساس بحقوق الأفراد وواجباتهم؟ 2- کیف یمکن إسناد الأضرار الناجمة عن أعمالهم، وکیف یتم إثبات رابطة السببیة بینها وبین تِلْکُمُ الأضرار؟ 3- ثمَّ کیف یستند القاضی فی حکمه على الربط بین استقرائه لواقع الضرر، واستنباطه للحکم القانونی المُراد تطبیقه لجبر ذلک الضرر، أو معالجة الآثار الناجمة عن تلک الأعمال، والتی دخلت فی الاکتراث القانونی لمسِّها بحقوق الأفراد وواجباتهم؟ جمیع هذه الاشکالیات سوف نحاول وضع الحلول لها من خلال هذا البحث الذی ارتأینا أن تکون الدراسة فیه تحلیلیة نعالج فیها بعض الأفکار والأحکام والآراء والقرارات القضائیة ذات الشأن، ولکون المسألة تثیر إشکالیة فی السببیة نفسها، فإننا عمدنا إلى الإشارة إلى موقف القانون الجنائی، حیث تعد بعض القوانین أعمال السحر والشعوذة من قبیل الجرائم، وهذا ما قد یسد النقص الحاصل فی القانون المدنی حول عد هذه الأعمال أعمالاً غیر مشروعة، إذ أن الاعتماد على ما قررته القوانین الجنائیة سیفضی إلى إثارة المسؤولیة المدنیة لممارسی هذه الأعمال، فضلاً عن مسؤولیاتهم الجنائیة، ناهیک عن أن نظریات السببیة، مثل نظریة السبب المنتج ونظریة تعادل الأسباب، هی ذاتها فی کلتا المسؤولیتین، کما أن أصحابها هم ذاتهم فی کلا المجالین، السببیة المدنیة والسببیة الجنائیة. وسنوزع الدراسة على وفق الخطة العلمیة الآتیة: - - المبحث الأول: السحر بوصفه ظاهرة. ویشتمل على مطلبین: المطلب الأول: ماهیة الظاهرة القانونیة، والتی نعنی بها الظاهرة المحکومة بالقانون. المطلب الثانی: الصفة المادیة للسحر بوصفه ظاهرة فی نطاق القانون. - المبحث الثانی: إسناد الأضرار لأعمال السحر والشعوذة. ویشتمل أیضاً على مطلبین: المطلب الأول: ماهیة أضرار أعمال السحر والشعوذة وتأثیرها على الأفراد. المطلب الثانی: إثبات إسناد الأضرار إلى أعمال السحر والشعوذة. - المبحث الثالث: افتراض السببیة واستنباط السند القانونی المطلب الأول: السببیة المفترضة فی أضرار أعمال السحر والشعوذة. المطلب الثانی: استنباط السند القانونی فی معالجة تأثیرات أعمال السحر والشعوذة. وسننهی البحث، بمشیئة الله تعالى، بخاتمة نوضح فیها أهم الاستنتاجات والتوصیات. ومن الله التوفیق. المبحث الأول السحر بوصفه ظاهرة کثیراً ما نسمع بمصطلح الوقائع القانونیة والأعمال القانونیة والأنظمة القانونیة، لکن قلما نلاحظ من یرکز على الظاهرة القانونیة، فهناک ظواهر اجتماعیة، وهذه الأخیرة لو تناولها المشرع بالتنظیم وأفرد لها أحکاماً، فستتحول إلى ظاهرة قانونیة محکومة بالقانون، وبالطبع یهتم المشرع بالظواهر التی لها صفة مادیة فی المجتمع، والتی تنتج آثاراً ملموسة سلباً أو ایجاباً. وینقسم هذا المبحث على مطلبین، یتناول الأول منهما ماهیة الظاهرة القانونیة، ویتناول الثانی منهما الصفة المادیة للسحر بوصفه ظاهرة فی نطاق القانون، وعلى النحو التالی: المطلب الأول ماهیة الظاهرة القانونیة من الثابت أن القانون لیس فناً فحسب، بل هو أیضاً علم، فهو یقوم على دراسة ظواهر اجتماعیة معینة، والظواهر الاجتماعیة التی یحکمها القانون ویهتم بها، هی تلک التی تصلح لأن تکون محلاً لدراسة علمیة وهی تتصف بصفة العموم بحیث تشمل جمیع الأفراد، وهنا تشبه الظاهرة القانونیة الظاهرة الطبیعیة بوصفها وحدة متکاملة. کما أنه یحوی العدید من القواعد التی تبین الغایات والوسائل، وهذه القواعد تتصف بالإلزام لما تحویه من جزاء مادی. وما من شک أن دراسة القانون لا تستقیم دون الصفة العلمیة، بجانب المعنى الفنی المرتبط بالنصوص القانونیة والأحکام القضائیة واضفاء الجانب العلمی علیها، وبالتالی الابتعاد عن النظرة الشکلیة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى من الصعب دراسة علم القانون بتفسیر الظواهر التی یهتم بها، بمعزلٍ عن العلوم الأخرى کعلم الاجتماع مثلاً. فحیثما یوجد مجتمع وتنتشر فیه الظواهر، فإنه یوجد بالضرورة قانون یحکم الظواهر السائدة فیه. إذن ینبغی عند تکوین القاعدة القانونیة ملاحظة الأفکار والظواهر الاجتماعیة السائدة فی المجتمع والاحاطة بها احاطة شاملة، شریطة أن تکون متوافقة مع غایات القانون وتخضع لحکمه، وإن لم تکن کذلک فالقانون یحارب مثل هذه الظواهر ویتصدى لها عن طریق تلک القواعد. وعلى هذا هناک وضع مجرد متمثل بظاهرة اجتماعیة سلبیة کالسحر، ینبغی أن تعالجه القاعدة القانونیة بحل ملائم لمواجهته، فالفرضیة قائمة ومتحتمة، لکن تحتاج إلى حکم، کی تکتمل القاعدة القانونیة بعنصریها وهما الفرض والحکم. إضافة لذلک فإن حمایة الأمن الاجتماعی والأمن الإنسانی تقتضی حمایة المجتمع من کافة المخاطر الاجتماعیة والعمل على مناهضة آثارها السلبیة، للوقوف بوجه الظواهر والمتغیرات الاجتماعیة التی تطرأ على الفکر والسلوک والمنطق. وهذا کله یستدعی أن یأتی القانون ویجعل من أولویاته توفیر الأمن داخل المجتمع عبر تبنی ممارسات ذات طابع اجتماعی کالسحر والشعوذة بالتنظیم کظاهرة قانونیة، لها حکمها. ومن هذا المنطلق، لیس من المعقول أن یتجاهل المشرع ظاهرة السحر والشعوذة-کظاهرة اجتماعیة-التی بدأت تلقی بآثارها السلبیة المتمثلة بأضرار مادیة ومعنویة، هذا من جهة ومن جهة أخرى، یتمثل دور القضاء الرئیس فی تطبیق القانون وتحقیق الاستقرار فی العلاقات الاجتماعیة، فالقاضی یقوم باستنباط الحلول المناسبة والملائمة للحالات الخاصة المطروحة أمامه من القواعد القانونیة العامة والمجردة ذاتها، وان لم تسعفه تلک القواعد فی حل المنازعة فإنه یحاول استخلاص الحل من القواعد العامة للقانون، وعلى القاضی أن لا یقبل التفسیر الحرفی لنصوص القانون، بل علیه الأخذ فی الاعتبار تغیر الظروف المختلفة للمجتمع وأن یسایر التطور ویبعث فی القانون حرکة دینامیکیة. وبشأن الحدیث عن القضاء، نذکر على سبیل المثال تسجیل المحاکم السعودیة لـ 345 قضیة سحر وشعوذة فی عام 2016. الجدیر بالذکر أن ممارسة السحر والشعوذة قد تصب فی الکثیر من المجتمعات- کالدول الافریقیة مثل جنوب افریقیا وتنزانیا وغیرها- فی نطاق حریة التعبیر والرأی، وحریة الشعائر الدینیة کتراث تقلیدی یجب حمایته من جانب القانون، غیر أن الممارسات السحریة الاجرامیة التی تبعث على العنف وسوء الحظ والاضرار بالممتلکات والأموال (السحر الأسود) هی التی تدعو الى منعها أو ترتیب جزاء على ممارستها. وخلاصة ما تقدم هی أنه ینبغی على المشرع أن یتعرض لظاهرة السحر والشعوذة بالتنظیم، وأن یوجه القاضی من خلال القواعد القانونیة فی کیفیة التعامل مع هذه الظاهرة فیما لو کانت سبباً فی الحاق الضرر بأفراد المجتمع، ولا ضیر – فی حال خلو القانون من هکذا قواعد- أن یستند القضاء إلى المبادئ العامة للقانون فی حال أن عرضت الدعاوى الخاصة بهذه الظاهرة امامه. فإن انتشار أیة ظاهرة فی المجتمع، وخلقها ضرراً للأفراد ینبغی أن تتحول إلى ظاهرة قانونیة لها قواعد وأحکام فی النظام القانونی. المطلب الثانی الصفة المادیة للسحر بوصفه ظاهرة فی نطاق القانون فی إطار موضوع البحث والدراسة فإن السؤال الذی یثار ابتداءً هو هل أن القانون حینما یتعرض للظواهر السائدة فی المجتمع بالتنظیم، هل یختار منها ما هو محسوس أو مادی ولا یهتم بما هو مخفی وغیبی؟ لیس من شک أن القانون یهتم بالظواهر الاجتماعیة التی تتصف بالعموم وتصلح محلاً لدراسة علمیة، ولأول وهلة قد یحجم المشرع عن التعرض لظواهر تتعلق بالغیبیات ومنتشرة بین فئة معینة داخل المجتمع کالسحر مثلاً، على أساس أنه لا من دلیل على الاعتقاد بوجوده أولاً وتأثیره على الغیر ثانیاً. لکن حینما تسود هذه الظاهرة ویتخذ الکثیر من الأشخاص منها حرفة لهم وتمتد اضرارها الى الواقع المادی من أضرار مادیة وجسمانیة ونفسیة، فهنا سیکون من واجب المشرع التصدی لهذه المشکلة والاتیان بقواعد قانونیة، أو مد حکم القانون لکی یشمل معالجة أهم الاثار المترتبة على ممارسة السحر أو منعه أصلاً. وبهذا الصدد ثمة رأی فی الفقه یذهب إلى أن ممارسة السحر ذات طبیعة غیبیة یصعب التثبت منها، مما یتعارض مع جمیع أوجه فن الصیاغة التشریعیة للنصوص الجنائیة، وتکمن صعوبة تجریم السحر والشعوذة فی تحدید الرکن المادی للجریمة وصعوبة اثباته والاستدلال على الرکن المعنوی، وکذلک رابطة السببیة بین عنصری الرکن المادی السلوک الاجرامی والنتیجة الإجرامیة، وبالتالی یکون السحر والشعوذة من الافعال غیر القابلة للانضباط. أما لو تم ممارسة السحر والشعوذة بشکل مادی منضبط فیکون التعامل الأمثل مع مثل هذه الظاهرة هو ما یتمثل فی تجریم النصب والاحتیال، فهنا یتفق التجریم مع المنطق القانونی السلیم من حیث اهمال الجانب الغیبی والترکیز على الجانب المدرک للجریمة، وفی هذا یقول أحدهم ((أننا نجد أن تلک المبررات لم تعد تصلح أساساً لإغفال المشرع النص على تلک الجرائم خاصة بعد أن انتقلت تلک الأعمال من نطاق السریة والأقبیة المظلمة إلى نطاق العلن، وصارت لها مراکز وقنوات فضائیة تمارس من خلالها ویسهل إثباتها، وإقامة الدلیل علیها. ومن نافلة القول الإشارة إلى أن المشرع العراقی نص على تجریم بعض الأعمال التی تدخل فی نطاق السحر ومنها (انتهاک حرمة الموتى والقبور) المادة (373و374) والتی قد یلجأ إلیها السحرة فی بعض أعمالهم. لذلک نرى أن الضرورة باتت ملحة فی الوقت الحاضر إلى إدراج نص فی الباب الثامن من قانون العقوبات باب (الجرائم الاجتماعیة) للنص على تجریم هذه الظواهر بشکل صریح وتشدید العقاب على مرتکبیها کونها باتت تمثل خطراً ماحقاً یمس امن المجتمع وسلامة عقائده ویهدد وعی البسطاء ویسلب أموالهم)). وبالطبع فإن من شأن تجریم السحر والشعوذة هو ضرورة أن تستتبعه المسؤولیة المدنیة للجانی، فالمعروف أن القاضی الجنائی إذا کان قد حکم بالإدانة وجب على القاضی المدنی التقید بذلک والقضاء بالتعویض، هذا إذا ما توافرت أرکان المسؤولیة المدنیة. وتجدر الإشارة إلى أن قانون العقوبات الاماراتی المعدل بالقانون الاتحادی رقم (7) لسنة 2016 قد نص على تجریم السحر وحدد عقوبة لمن یمارسه فی المادة (316 مکرر1) حیث ذهب إلى أنه :(یعاقب بالحبس والغرامة التی لا تقل عن خمسین ألف درهم، کل من ارتکب عملاً من أعمال السحر أو الشعوذة سواء کان ذلک حقیقة أو خداعاً، بمقابل أو بدون مقابل). هذا بالنسبة للقانون الجنائی، أما بالنسبة لموقف القانون المدنی العراقی رقم (40) لسنة 1951 المعدل، فلا نجد نصاً مباشراً بالطبع حول الاضرار الناجمة عن أعمال السحر والشعوذة. ویبدو أن اعتقاد المشرع ذهب حینها الى عدم الاقتناع بوجود هذه الظاهرة، وإن وجدت فهی ظاهرة لیست بمادیة ملموسة تخضع لحکم القانون. ولکن ینبغی علینا القول إن السحر والشعوذة تعد فی النهایة أعمالاً غیر مشروعة تؤدی الى الحاق الضرر بالغیر، ومن الممکن أن تخضع بالتالی لحکم المادة (202) من القانون المدنی العراقی التی تنص على أنه: (کل فعل ضار بالنفس من قتل أو جرح أو ضرب أو أی نوع آخر من أنواع الایذاء یلزم بالتعویضات)، والمادة (204) منه التی تنص على أنه: (کل تعد یصیب الغیر بأی ضرر آخر غیر ما ذکر فی المواد السابقة یستوجب التعویض)، وأخیراً المادة (205) التی جاء فیها: (یتناول حق التعویض الضرر الأدبی کذلک، فکل تعد على الغیر فی حریته أو فی عرضه أو فی شرفه أو فی مرکزه الاجتماعی أو اعتباره المالی یجعل المتعدی مسؤولاً عن التعویض). لکن هل ما یهمنا هو الصفة المادیة فی الفعل غیر المشروع أم الترکیز على الأضرار الناتجة عنه والتی یجب جبرها؟ من الواضح أن ممارسة السحر والشعوذة تعد عملاً غیر مشروعاً، فهی تخل بالثقة العامة وتخل کذلک بالشعور العام لأفراد المجتمع. کما أن اعمال السحر والشعوذة تنهى عنها المبادئ العامة للقانون وتحرمها، تلک التی تقوم على المنطق والعقل وطبیعة الأشیاء والعدالة، وان لم یرد بشأنها نص صریح فی القانون. وهذه الممارسة تتم فی الغالب فی شکل مادی، بأن یأتی الساحر أو المشعوذ بکتابة بعض النصوص فی ورقة صغیرة ولفها واعطاءها للشخص الذی یطلب العون منه والقاءها فیما بعد فی منزل شخص آخر أو فی جهة معینة. أو جلب أی شیء یخص أحد ما والقراءة فیه. أو ممارسة طقوس أخرى معینة. وهذه کلها مسائل مادیة تتألف من عناصر محسوسة ولا محسوسة تحدث فی المکون المادی والنفسی على حد سواء، کما أن الاضرار التی تنجم عنها قد تکون مادیة أو أدبیة. وقد تنحصر أضرار السحر والشعوذة فی مجرد أضرار أدبیة تتمثل فی بث الرهبة والخوف فی نفوس الأخرین، فالفقه یذهب بما معناه إلى أنه من الوارد أن یهدد شخص آخر بالسحر فیما إذا لم یبرم تصرفاً قانونیاً بالإکراه معه، وکانت الظروف التی تحیط بالشخص الواقع تحت الاکراه تحمل على خوفه من أعمال السحر، بأن کان مریضاً ویعیش فی إحدى القرى وغیر متعلم، فهنا ینبغی على القاضی أن یدرس کل هذه الظروف الملابسة وحالته الشخصیة لتکوین قناعته فی مدى اقدام هذا الشخص على ابرام التصرف القانونی بتأثیر من هذا السحر. خلاصة القول، إن هناک الکثیر من الأوضاع القانونیة تتمثل فی مجرد شیء غیر مادی وغیر ملموس، یتناولها القانون بالتنظیم لحکم الاضرار الناشئة عنها، فمثلاً المعلومات المجردة التی یقوم شخص بتوریدها للغیر على سبیل المشورة قد تؤدی إلى الحاق ضرر به، فیما لو کانت غیر صحیحة أو مغرضة أو ناقصة، وقد لا یوجد دلیل مادی على وجودها أو قابلیتها على إیذاء الاخرین، فالأخیرة لا یمکن حیازتها، فهل معنى ذلک أن المشرع یهمل جانبها ولا یشملها بحکمه؟ الجواب قطعاً سیکون بالنفی، ومثل ذلک أعمال السحر والشعوذة فهی فی النهایة آراء وأفکار ومعلومات وطقوس حینما تمارس تجاه شخص وتبُثُّ فی نفسه الخوف والهلع، ویعرف على وجه کافٍ مصدرها، فینبغی حینها التصدی لذلک من جانب المشرع وعدها أعمالاً غیر مشروعة. ذلک لأن القانون لا بد من أن یستجیب لاحتیاجات المجتمع وأن یأخذ بعین الاعتبار الروح الاجتماعیة، وإلا کان بمثابة رسالة میتة غیر قادرة على احداث تغییر فیه. المبحث الثانی إسناد الأضرار لأعمال السحر والشعوذة السحر والشعوذة کغیرها من الاعمال غیر المشروعة تؤدی – بلا شک-إلى الحاق الضرر بالغیر سواء کانت أضراراً مادیة أم معنویة، غیر أن الشیء المهم هنا هو اثبات أن تلک الأضرار تسند إلى تلک الاعمال، خاصة إذا ما تعلق الامر بالغیبیات ومسائل غیر ملموسة. المطلب الأول ماهیة أضرار أعمال السحر والشعوذة وتأثیرها على الأفراد قبل الخوض فی بیان أضرار أعمال السحر والشعوذة، لا بد من التعرج قلیلاً على مفهوم السحر والشعوذة. فأما السحر فقد قیلت فیه تعاریف عدة من بینها: هو ما یشتمل على اللعنات الضارة والأرواح الشریرة وکل ما یستخدم لتعطیل الاخرین. وعرف کذلک بأنه مزاولة النفوس الخبیثة لأفعال وأقوال یترتب علیها أموراً خارقة للعادة. وتم تعریفه کذلک بأنه: عقد ورقی وکلام یتکلم به أو یکتبه الساحر أو یعمل به شیئاً یؤثر فی بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غیر مباشرة له. ویعرفه آخر بأنه استخدام القوة الخارقة للطبیعة لإحداث ضرر نفسی أو بدنی أو ازعاج الآخرین أو إصابة الممتلکات. وعرف السحر الأسود بأنه استخدام قوة خارقة من خلال القیام بالطقوس باتصال ید الساحر بجسم الضحیة. وأما الشعوذة فهی علم التخیلات والاخذ بالعیون المخیلة بسرعة فعل صناعها برؤیة الشیء على خلاف ما هو علیه، وهو علم مبنی على خفة الید بأن یرى الناس الامر واحداً مکرراً بسرعة التحریک ویرى الجماد حیاً ویخفی المحسوس عن أعین الناس، فهی السیطرة على حواس الناس وأفئدتهم. ونعتقد أن کل التعاریف السابقة أعطت مفهوماً صحیحاً للسحر والشعوذة من نواح مختلفة، ومن جانبنا نستطیع أن نعرف السحر والشعوذة بأنها: ممارسة مزعومة من خلال أدوات تمویه وخداع لأیة قوة غامضة وحیازة أیة معرفة غامضة، وهو کل أمر مخفی من حیث السبب یهدف للسیطرة على إرادة الشخص، لتخیل أمر ما على غیر حقیقته بغیة الحصول على فائدة أو التسبب بحادث. وفیما یتعلق بأضرار السحر والشعوذة وتأثیرها على الافراد فهی کثیرة ومتنوعة، فقد قام أحد الباحثین فی مجال طب المجتمع بإجراء بحث میدانی على عینة من المجتمع التونسی، ویذکر أن السحر والشعوذة یؤدیان إلى أضرار تتعلق بالنسب، فبدافع العلاج یقدم السحرة والمشعوذین أحیاناً على اغتصاب الفتیات، خاصة اللواتی لا یستطعن الانجاب. کما تمتد اضرار السحر والشعوذة فی صورة المکر والاحتیال على الأفراد، وذلک بسلب أموالهم من قبل السحرة والمشعوذین مقابل الکشف لهم عن تطلعاتهم المستقبلیة، کالتسریع فی عملیة الزواج والنجاح فی التجارة والحصول على الوظیفة والانقطاع عن التدخین وشرب الکحول. ومن الاضرار ما یتعلق بالکید والانتقام، کإنهاء علاقة زوجیة وبث الخراب فیها واحداث الکره والنفور بین الزوجین لغایة التفریق بینهما. فضلاً عن کل ما تقدم فهناک السحر والشعوذة بداعی العلاج، فلا یزال الکثیر من المجتمعات تظن أن السحرة قادرون (بدجلهم) على معالجة الأضرار التی عجز الطب الحدیث فی التعامل معها، کأمراض السرطان. فتارةً تسمع أن هناک طبیباً یعالج مختلف الامراض بعینه الملونة التی فیها أشعة خارقة، وتارة أخرى تسمع أن طبیباً أشفى مریضاً مقعداً لأکثر من عشرین سنة وجعله یمشی على قدمیه من جدید. وکل ذلک فی حقیقة الامر لا یتعدى سوى أعمال سحرة ومشعوذین. ومن تطبیقات القضاء فی هذا الشأن ما قضی به من أنه ((إذا أوهم المدعى علیه وزوجته بقدرته على الاتصال بالجن وإمکان شفاء الزوجة من العقم وأخذ یحدث أصواتاً مختلفة یسمیها بأسماء الجن فی غرفة مظلمة یطلق فیها البخور ویقرأ التعاویذ وتمکن بهذا من سلب مبلغ من المال، ففی هذه الواقعة یتوافر فیها الطرق الاحتیالیة لتکوین جریمة النصب)). ولا یشترط فی ممارسة أعمال السحر والشعوذة، أن یحترف ممارسوها هذه الأعمال، إذ یکفی العمل بمفرده دون أن یقترن بالاعتیاد الواجب توافره فی الاحتراف، فالمشکلة لا تکمن فقط فی احتراف هذه الأعمال، فأمر تحریمها وتجریمها أمرٌ لا مندوحة منه، لکن الأمر الأهم أن تتسبب هذه الأعمال فی حصول أضرارٍ حقیقیة للناس، ولو کانت بکلمة، أو تکهُّن، أو توقُّع، أو محاولة قراءة الطالع، ودفع الشخص المتلقی لعمل ما یضرُّ به، أو تحریض الناس، وبث الشائعات. والحقیقة أن الضرر الناجم عن هذه الممارسات هو ذو صبغة مادیة، بحیث یُرتِّب علیه الناس آثاراً ملموسة فی أفعالهم وامتناعهم عن ممارسة بعض الأفعال، فکثیراً ما نسمع، بل ونرى، بیوتاً هجرها أصحابها لاعتقادهم أن نفراً من الجن یعیش فیه (مسکوناً بالأرواح الشریرة)، وقد یؤثر هذا القول وانتشاره کـشائعات وبلبلة صاخبة على قیمة البیت، بل قد یُشکل انتشار الشائعات عن سُکنى الجنِّ عیباً مؤثراً فیه، بحیث ینقص من قیمته، أو ینقص من منفعته، أو یمتنع الجمیع عن شرائه أو المکوث فیه بصفة مستأجر، فهنا الضرر وقع بالفعل، لکن کیف یمکن إسناده لتلک التی یراها الناس أنها حقیقة رائجة، ویتعاملون معها على أنها واقعة ثابتة لا محال، وإن کانت زائفة، سوَّلت أنفس الناس على الانصیاع لها؟ الحقیقة هنا أن الضرر الناجم _ فی مثالنا السابق _ قد لا یُعزى-حقیقةً- إلى الجن ومکوثهم فی بیوت الانس، بقدر إسناده إلى ما شیع من حدیث عن موضوع السُکنى، فهذا الحدیث الشائع والذائع بین الناس، لدرجة أضحت الدار مشتهرة بهذه السمة التی ینفر معها الکثیر من مجرد التفکیر فیها، لما لها من وقع فی النفوس، ولما تُوجسه فی الأنفس من خیفةٍ ووجل، وفی أقل تقدیر قلقٍ وعدم اطمئنان، حتى أن بعض الفقهاء المسلمین اختلفوا فمنهم من لم یعده عیباً موجباً للضمان، ومنهم من اعتبره کذلک، لأنه مما تکرهه النفوس قطعاً، فإن کون الدار مشهورة بعوامر الجان لا تُسکن غالباً، وکذا لو اشتهرت بالشؤم لا تُطلب للتملیک غالبا. وتجدر الإشارة إلى أن العدید من السحرة والمشعوذین أصبحوا یمارسون أنشطتهم تحت ستار ما یسمى بـ (مراکز العلاج الروحانیة)، وهی مکاتب تحترف هذا العمل، وبالتأکید فإن هذه المکاتب حینما تقدم خدماتها للعملاء فإنها تکون بمقابل مالی، وبذلک یشبه هذا العمل بما یسمى بعقود تقدیم الخدمات، غیر أنه من المستبعد أن یکون عقداً مشروعاً من الناحیة القانونیة لمخالفته للآداب العامة. ذلک لأن المشرع العراقی ینص فی المادة (130) من القانون المدنی على أنه: (یلزم أن یکون محل الالتزام غیر ممنوع قانوناً ولا مخالفاً للنظام العام أو للآداب وإلا کان العقد باطلاً). ووفقاً لما تقدم، إذا وجد ضرر مادی لحق بالشخص وکان متمثلاً بخسارة فی ذمته المالیة نتیجة دفعه مقابلاً مالیاً للساحر لقاء خدمة معینة، فیکون من حقه الاستناد إلى قواعد المسؤولیة التقصیریة لإثبات مسؤولیة الساحر، بِعَدِّ الأخیر مرتکباً لجریمة نصب واحتیال وفق القواعد العامة المقررة فی القوانین الجزائیة. وهنا تکون رابطة السببیة قائمة إذا ما قام الساحر أو المشعوذ (الجانی) بممارسة التدلیس الذی أوقع شخص المجنی علیه فی غلط، وأن یکون تسلیم المال مقابل خدمات السحر والشعوذة قد تم بناءً على غلط. وبالرغم مما ذکر، فلا تقتصر أضرار السحر والشعوذة على خسارة مادیة تلحق بالمتضرر، بل أن معظم أضرار السحر تتمثل فی أضرار معنویة أو أدبیة، فهذا مشعوذ یجلس مع مجموعة من الأصدقاء ویطلب من أحدهم أن یعطیه أی شیء یخصه کشعرة من فروة الراس أو قلم للکتابة، ویقول له أستطیع الان أن أجلب ذوی الأرواح الشریرة الى مجلسک بحیث یتحدثون الیک، وإذا به یصاب بالفزع والخوف یؤثر علیه هذا الموقف بحیث لا یستطیع النوم فی اللیل ویصاب بکآبة حادة بسبب ذلک. وما أکثر حالات القلق التی تحدث بسبب الخوف من موقف ما. ویقوم المشعوذ فی الغالب بطقوس خاصة کإشعال النار وإثارة البخور وإعداد بعض الوصفات الغذائیة أو الشراب، ومن هنا تکون آثار الشعوذة والدجالة على صحة الضحیة خطیرة، جراء تناولها لمواد سامة مضرة وغیر معروفة ممزوجة بمواد غریبة یصعب کشفها. ومن الأضرار الأخرى الناجمة عن السحر والشعوذة، أنه فی حالات مس الجن فإن المشعوذ أو الساحر یلجأ إلى العنف أو الضرب لتخلیص المریض من تلک الأرواح الشریرة التی استحوذت على جسمه، والمعلوم أن هذا الأسلوب یمکن أن یؤدی إلى ضرر کالوفاة مثلاً کنتیجة منطقیة للفعل الذی مارسه المشعوذ، وبالتالی یخضع ذلک لحکم المادة (202) و (203) من القانون المدنی العراقی. ونشیر هنا إلى أن قانون العقوبات الاماراتی المعدل جرّم ثلاث ممارسات وأفعال تتعلق بالسحر والشعوذة، أولها الساحر، وثانیهما من یستعین بساحر بقصد الإضرار وإلحاق الأذى بالغیر، وثالثها من یحوز أو یتصرف بأی شکل بمواد أو أدوات مخصصة للسحر والشعوذة. ونلاحظ هنا أن من یقصد ساحراً بقصد الاضرار بالغیر یکون شریکاً مع الساحر ومتضامناً معه فی تحمل المسؤولیة التقصیریة الناجمة عن أعمالهم الشخصیة، ویمکن الاشارة هنا الى ما عرضه المشرع العراقی فی القانون المدنی عند تنظیمه لمسؤولیة المباشر والمتسبب فی احداث الضرر. وفیما یتعلق بحیازة مواد وأشیاء تستخدم فی السحر أو التصرف فیها، فنحن نعتقد أنها تخضع لحکم المادة (231) من القانون المدنی العراقی على اعتبار أنها أشیاء خطرة بطبیعتها أو نتیجة استخدامها وتداولها بین الناس. وبالتالی لو أضرت بالغیر فیفترض خطأ الحائز لها فرضاً یمکن اثبات عکسه. المطلب الثانی إثبات إسناد الأضرار إلى أعمال السحر والشعوذة لا یتصور إلا أن تکون المسؤولیة الناشئة عن أعمال السحر والشعوذة هی مسؤولیة تقصیریة، مبناها مخالفة التزام قانونی وهو ضرورة عدم الاضرار بالغیر، ومن المألوف أن متضرراً ما من هذه الممارسات، وبغیة الحصول على التعویض، علیه أن یثبت أرکان المسؤولیة عموماً وهی الخطأ من جانب الساحر أو المشعوذ، والضرر الذی لحق به من جراء ذلک، وکذلک أن یثبت أن هذا الضرر یرجع الى الفعل غیر المشروع الذی ارتکبه الساحر أو المشعوذ. ونحن اذ نتحدث عن الاثبات علینا ابتداء أن نعلم بأن هذه المسؤولیة واجبة الاثبات فی الغالب، فنحن بصدد مسؤولیة الشخص عن فعله الشخصی، ولهذا على المتضرر أن یثبت أن الساحر ارتکب فعلاً غیر مشروع یحرمه القانون، وهو فی سبیل ذلک یستند إما الى المادة (202) من القانون المدنی العراقی التی تنص على أنه: (کل فعل ضار بالنفس من قتل أو جرح أو ضرب أو أی نوع آخر من أنواع الایذاء یلزم بالتعویضات من أحدث الضرر) أو إلى نص المادة (204) مدنی عراقی والتی تقضی بأنه: (کل تعد یصیب الغیر بأی ضرر آخر غیر ما ذکر فی المواد السابقة یستوجب التعویض). وهذا کله من أجل اثبات الخطأ. ومن الممکن افتراض خطأ الساحر أو المشعوذ حینما یقوم باستخدام شیء خطیر یؤدی إلى الحاق الضرر بالمدعی، کأن یقوم طبیب مشعوذ بإعطاء أحد المرضى مادة عشبیة على سبیل الدواء توفی على إثر تناوله له. فیکون المشعوذ هنا مرتکباً للخطأ من ناحیتین، هما استخدامه لمادة غیر خاضعة لجهاز رقابة الأدویة من قبل وزارة الصحة مثلاً، وارتکابه خطأ عدم الاحتیاط بأن لم یتخذ التدابیر اللازمة لمنع وقوع الضرر بالمریض، مما یعد انتهاکاً صریحاً لالتزام قانونی بضمان السلامة للمریض. وبناء على ما سبق-وفی ظل موقف المشرع الفرنسی-فإن ممتهنی الشعوذة والدجل والسحر إذا ما التزموا بتحقیق نتیجة ما للعمیل، فإن الضحیة فی حال عدم تحقق تلک النتیجة یحق له رفع الدعوى أمام المحکمة المختصة من أجل المطالبة بالتعویض، على أساس وجود عقد بینه وبین المدین الساحر أو المشعوذ وأن المدین أخفق فی تحقیق النتیجة المطلوبة، وبذلک یکون خطؤه مفترضاً على وفق القواعد العامة فی المسؤولیة العقدیة، ویمکن أن یتخلص الساحر من تلک المسؤولیة بإثبات السبب الأجنبی. هذا فی ظل القانون المدنی الفرنسی، أما فی ظل القانون المدنی العراقی، فلقد تقدم بنا القول أن أعمال السحر والشعوذة لا یمکن أن تکون محلاً لعقد ما وذلک لمخالفتها للآداب العامة، وبالتالی لا مجال للحدیث عن المسؤولیة العقدیة. وتقدم بنا القول إن الکثیر من السحرة والمشعوذین أصبحوا معروفین من حیث مکان إقامتهم، فهناک طبیب مشعوذ وامرأة مشعوذة وآخر رجل دین، ومن هنا تکون الدولة مرتکبة لخطأ هی الأخرى بالإهمال فی تغاضیها عن أعمال هؤلاء، فالدولة ینبغی أن تحرص على استتباب الامن ومساءلة مخالفیه، وعلى هذا یقع على عاتق الدولة واجب الحیطة والحذر وضرورة اتخاذ التدابیر اللازمة لمنع هذه الممارسات التی قد تصیب الافراد بأضرار یصعب جبرها. أما بشأن اثبات الضرر فهو أمر لا بد منه، ولکی یتم التعویض عنه ینبغی أن یکون هذا الضرر محققاً ومباشراً، بأن یکون نتیجة طبیعیة لفعل الساحر أو نشاطه، لا فرق بعد ذلک فی أن یکون ضرراً أدبیاً أو مادیاً، متوقعاً أم غیر متوقع. وأمام هذه الصعوبة فی الاثبات، قد یکون اللجوء إلى الخبرة القضائیة وسیلة یلجأ الیها القاضی لکشف الحقیقة، والا فالقضاء والقوانین المقارنة تذهب الآن إلى أنه فی حال أن تعذر على المتضرر اثبات رابطة السببیة بین فعل أو نشاط ما وبین الضرر الذی لحق بالغیر، فیمکن افتراض هذه الرابطة مع ترک عبء اثبات نفی وجودها للمدعى علیه، وذلک لتحقیق العدالة. وهذا ما سیکون محور البحث فیما یلی: المبحث الثالث السببیة المفترضة واستنباط السند القانونی قد لا تکون القواعد القانونیة التقلیدیة کافیة لتتعامل مع أضرار السحر والشعوذة، تلک الأضرار التی لا یوجد بشأنها اثبات علمی بین ممارسة هذا النشاط وذاک الضرر الذی یلحق بالغیر. وبالتالی قد یصعب على المدعی اثبات أن ممارسة النشاط المتمثل بالسحر والشعوذة هی التی أدت الى الحاق الضرر به، وأمام عدم قدرة القانون على مواکبة الأنشطة الحدیثة وظهور أنواع جدیدة من الأضرار وحکمها، فقد ترک الأمر للمحاکم، وبدأت هذه المحاکم بنقل عبء الاثبات من على عاتق المدعی الى المدعى علیه تارة وافتراض وجود رابطة سببیة بین نشاط خطر ما والضرر الذی یلحق بالغیر تارة أخرى. وبناءً على هذا سنتناول السببیة المفترضة فی اعمال السحر والشعوذة فی المطلب الأول، واستنباط السند القانونی فی معالجة تأثیرات أعمال السحر والشعوذة فی المطلب الثانی. المطلب الأول السببیة المفترضة فی أضرار أعمال السحر والشعوذة للسحر حقیقة واعیة، تُدرکه فئة لا یستهان بها من الناس، ویهابه الکثیرون ممن قد لا یؤمنون بوجوده، إذ أن له تأثیر سواء على الذمم المالیة أو جسم الضحیة أو الجانب المعنوی، ویجب على القضاء ألا یبتعد عن السحر بحجة عدم إمکانیة اثباته. جدیر بالذکر أن تطور المسؤولیة المدنیة لم یقتصر على رکن الخطأ وافتراضه دون الاعتداد بالضرر أو ما یسمى بـ (المسؤولیة الوقائیة)، بل تعدى إلى رکن رابطة السببیة، ذلک لأنه ثبت أنه من غیر الممکن تعویض بعض الأضرار-ومن ضمنها أضرار السحر والشعوذة-التی تصیب الانسان وفق المبادئ العامة التقلیدیة فی المسؤولیة المدنیة، تلک القائمة على ضرورة وجود الخطأ والضرر ورابطة السببیة، ولأهمیة موضوع السببیة المفترضة فی المسؤولیة المدنیة وکونه المحور الرئیس فی بحثنا، فسنبحث فیه بشیء من التفصیل. ذهب البعض إلى أن معنى رابطة السببیة هو وجود صلة مباشرة بین الخطأ الذی ارتکبه المسؤول والضرر الذی أصاب الغیر. ولرابطة السببیة أهمیة کبیرة فی مجال المسؤولیة المدنیة، فبواسطتها یتم تحدید الفعل الذی سبب الضرر فیما لو کانت هناک أفعال عدیدة محاطة بالضرر، کما تکتسب رابطة السببیة أهمیتها کذلک عند البحث فی أسباب الاعفاء من المسؤولیة، ذلک لان قطع هذه الرابطة بین الخطأ والضرر- لسبب أجنبی أو فعل الغیر أو فعل المتضرر- معناه التخلص من المسؤولیة، وبالطبع تثار أهمیة رابطة السببیة حینما یحدث فعل تترتب علیه عدة أضرار، فوجب حینها البحث عن الضرر المباشر للتعویض عنه، فهو الذی یکون نتیجة طبیعیة لمخالفة التزام ما، أما غیره من الأضرار، فالراجح فیها عدم ثبوت رابطة بینها وبین فعل المسؤول. وتقوم قواعد المسؤولیة المدنیة التقلیدیة على اشتراط صفة التأکید فی الـضرر الموجـب للتعویض، الأمر الذی یثیر صعوبة کبیرة بالنسبة لرابطة السببیة بین الفعـل المنـتج والـضرر الکامل. فاذا ما أصاب المدعی ضرر لخطأ من المدعى علیه، فإن هذا لا یکفی لتوافر المسؤولیة المدنیة، وانما یشترط أن تقوم ثمة صلة سببیة بین الخطأ والضرر، أی أن یکون الضرر نتیجة للخطأ وتلک هی رابطة السببیة، ولیس من شک أنه إذا انعدمت هذه الرابطة بین الخطأ والضرر فلا محل للمساءلة. وتکاد تکون التشریعات متفقة على تکلیف المدعی بإقامة الدلیل على ما یدعیه وإلا أصبح ادعاؤه غیر ذی جدوى، ویکون سبباً فی رد دعواه، فلو تضرر شخص من نشاط ما أو منتج وأراد الحصول على التعویض، فانه ینبغی علیه أن یثبت أن ذلک النشاط أو المنتج کان سبباً فی إلحاق الضرر به، فمن المبادئ العامة للقانون أن البینة على المدعی والیمین على من أنکر. وتنص المادة: (٢٠٧) من القانون المدنی العراقی على أنه: (١-تقدر المحکمة التعویض فی جمیع الأحوال بقدر ما لحق المتضرر من ضرر وما فاته من کسب بشرط أن یکون هذا نتیجة طبیعیة للعمل غیر المشروع). ونصّ المشرع العراقی کذلک فی المادة (٢١١) من القانون نفسه على أنه: (إذا اثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبی لا ید له فیه کآفة سماویة أو حادث فجائی أو قوة قاهرة أو فعل الغیر أو خطأ المتضرر کان غیر ملزم بالضمان ما لم یوجد نص أو اتفاق على غیر ذلک). وکذلک نص المادة (٢٠٤) التی تقضی بأنه: (کل تعد یصیب الغیر بأی ضرر آخر… یستوجب التعویض) أما المشرع المصری فذهب فی المادة (١٦٣) إلى أنه: (کل خطأ سبب ضرراً للغیر یلزم من ارتکبه بالتعویض). ویستفاد من هذه النصوص أنه یشترط لکی یحصل المتضرر على التعویض أن یکون الخطأ قد سبب ضرراً، بمعنى ضرورة توافر رابطة السببیة بین الخطأ والضرر. وبالنسبة للمشرع الفرنسی فقد ذهب هو الآخر إلى وجوب ثبوت رابطة السببیة لقیام المسؤولیة، على سبیل المثال المادة (١٣٨٢) قبل التعدیل، التی تمثل المبدأ العام فی المسؤولیة عن الأعمال الشخصیة والمادة (١٣٨٤) الخاصة بالمسؤولیة عن فعل الغیر، والمادة (١٣٨٥) الخاصة بالمسؤولیة عن فعل الحیوان. والقاعدة أن التعویض فی المسؤولیة المدنیة، عقدیة کانت أو تقصیریة، لا یکون إلا عن الضرر المباشر، وهو الضرر الذی یکون نتیجة طبیعیة لعدم تنفیذ الالتزام، وفی هذا تنص المادة (٢٢١) مدنی مصری على أنه: (١-إذا لم یکن التعویض مقدر فی العقد أو بنص القانون، فالقاضی هو الذی یقدره ویشمل التعویض ما لحق المتضرر من ضرر وما فاته من کسب، بشرط أن یکون هذا نتیجة طبیعیة لعدم الوفاء بالالتزام أو التأخیر فی الوفاء به، ویعتبر الضرر نتیجة طبیعیة إذا لم یکن فی استطاعة الدائن أن یتوقاه ببذل جهد معقول). وعلى هذا یقتصر التعویض على الضرر المباشر ویکون لارتباط الأخیر برابطة سببیة أکیدة، بعکس الضرر غیر المباشر الذی لا تعویض عنه لعدم ارتباطه مع فعل المسؤول برابطة سببیة، بل هو یرتبط مع الفعل برابطة ما دون أن یکون نتیجة حقیقیة لهذا الفعل. ولقد أظهرت العدید من الدراسات أن المفهوم التقلیدی للمسؤولیة المدنیة-عقدیة کانت أم تقصیریة-تستلزم إثبات الخطأ والضرر ورابطة السببیة بینهما للحصول على التعویض. وفی هذا تنص المادة (١٣١٥) من القانون المدنی الفرنسی على أنه: (من یطالب بتنفیذ التزام یجب علیه إثباته، کذلک من یدعی التخلص من التزامه یجب علیه إثبات الوفاء به أو یثبت الواقعة التی أدت الى انقضائه). وتنص المادة (١) من قانون الإثبات المصری رقم ٢٥ لسنة ١٩٦٨ على أنه: (على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدین إثبات التخلص منه). أما بشأن قانون الإثبات العراقی رقم (١٠٧) لسنة ١٩٧٩ المعدل، فنصت المادة (٧/أولاً) منه على أنه: (البینة على المدعی والیمین على من أنکر). وفی القانون المصری فإن استخلاص رابطة السببیة بین الخطأ والضرر یعد من مسائل الواقع التی تستقل بها محکمة الموضوع، ولا رقابة لمحکمة التمییز أو النقض علیها، بشرط أن تورد الاسباب المؤدیة الى ما انتهت الیه. إذن، لو کانت هناک صعوبة فی إثبات رابطة السببیة فی مجال الأضرار التقلیدیة، خاصة لو تم الأخذ بنظریة (السبب المنتج)، فلا شک فی أن ذلک یعد من العوائق فی تحقق المسؤولیة فی مجالات عدیدة، کالأضرار الأدبیة الناجمة عن السحر والشعوذة، وأضرار أبراج الهواتف النقالة، وتأثیرات الإشعاعات النوویة والأضرار الناجمة عن تشوهات الجنین. وقد لا یستطیع المتضرر کذلک على وفق نظریة السبب المنتج أو الفعال من أن یسند الفعل الضار بشکل حاسم إلى أحد الفاعلین إذا تعددوا (تعدد الاسباب فی إحداث الضرر دون معرفة الفاعل على وجه الدقة)، بسبب عدم توافر الإمکانیة العلمیة لکشف رابطة السببیة بین الضرر والفعل الضار. وبمناسبة مشکلة تعدد الأسباب فی إحداث الضرر دون معرفة الفاعل هناک دعوى شهیرة تتعلق باثنین من الصیادین أطلقا النار بالتزامن مما أدى إلى اصابة صبی فی التاسعة من عمره بعدة طلقات، استحال تحدید أیهما بالذات هو الذی أطلقها حیث کان الصبی قد عهد رعایته لهذین الصیادین من جانب عمه الذی غادر مکان الصید، فی هذه الدعوى انتقدت محکمة النقض الفرنسیة، حکم محکمة استئناف (أورلیان) الذی رفض إلزام الصیادین بتعویض الضرر بحجة عدم ثبوت سببیة مباشرة بین الخطأ المنسوب للصیادین والضرر وصعوبة تحدید الفاعل من بینهما، ووضحت محکمة النقض أن الصیادین قد امتنعا عن اتخاذ الاحتیاطات اللازمة لمنع المخاطر، وهو خطأ یرتبط بالضرر، وکان على الصیادین تعدیل خطة الصید بالتنظیم بما یتناسب مع رعایة الصبی بعد رحیل عمه، وعلى هذا الأساس قالت المحکمة أن الصیادین لم یتخذا ما کان ینبغی علیهما أن یتخذاه من الاحتیاطات بغیة تأمین السلامة الکاملة للصبی، وان مثل هذا الامتناع الخاطئ هو إهمال خطیر یمکن معه إعمال مسؤولیتهما التضاممیة. ویظهر من الحکم السابق أن حالة عدم المعرفة الیقینیة لمصدر الضرر، لم یمنع القضاء من افتراض السببیة والحکم بالمسؤولیة التضاممیة على کلا الصیادین، وهذا وسیلة القضاء لعدم ترک المتضرر بلا تعویض وتطبیق لروح القانون ولیس حرفیة نصوصه. بعبارة أخرى فإن تحقق السببیة المؤکدة أمر متعذر فی أحوال عدیدة وهو أمر نسبی، ولا ینبغی أن یمنع تعذر اثبات تأکد السببیة القاضی من القول بوجودها. وعلى الأساس ذاته انتقد الفقه الامریکی -کما یلاحظ البعض الصعوبات التی تواجه المدعی فی إثبات رابطة السببیة، موضحاً أن الدعاوى المتعلقة بالأضرار الایکولوجیة، والأضرار المصاحبة للتعرض للإشعاع أو المواد السامة الصناعیة، لا تتلاءم مع المفاهیم الثابتة التقلیدیة حول رابطة السببیة کرکن واجب الإثبات فی المسؤولیة المدنیة. وحینما نقول بضرورة الأخذ بنظریة السببیة المفترضة، فلا یعنی هذا أننا نقوم بهدر قیمة المبادئ العامة التقلیدیة التی تأسست علیها المسؤولیة المدنیة، من ضرورة إثبات کون فعل الفاعل هو السبب فی إحداث الضرر، بل نقصد من هذا أن هناک من الأضرار التی یصعب على المتضرر-والذی غالباً ما یکون فی موضع الطرف الضعیف الذی یستوجب حمایته-إثبات خطأ طرف آخر فیها، إما لتعقد وسائل الإثبات أو لحداثة تلک الأضرار وطبیعتها الخاصة. لهذا ینبغی بالقاضی العمل على وفق غائیة القانون وروحه، ولیس بالاعتماد على حرفیة القانون أو القاعدة القانونیة. ویترتب على افتراض رابطة السببیة تسهیل عبء الإثبات على عاتق المدعی ونقله إلى المدعى علیه، لکن الافتراض یترک قرینة بسیطة یمکن إثبات عکسها بالسبب الاجنبی. إن الغایة من افتراض السببیة هی حمایة حق المتضرر من خلال تسهیل عبء الإثبات وتسهیل الحصول على التعویض، وکذلک حمایة المتضرر فی حال کون مصدر الضرر غیر محدد من بین مجموعة محددة من الاشخاص، کما فی أضرار الألعاب الجماعیة والصید الجماعی، حیث یلزم الجمیع بتعویض الضحیة بالتضامم. إن بعض الاضرار تواجه صعوبات تتعلق بإثبات رابطة السببیة مثلما سبق القول، فالضرر البیئی مثلاً غالباً ما یکون بطبیعته ضرراً غیر مباشر ، وحینها إذا ما تم تحدید أن أحد أنواع التلوث قد الحق ضرراً بالبیئة، فقد یکون متعذراً إثبات أن الضرر قد لحق بأحد الأشخاص بطریقة مباشرة، ولتمسک القضاء عادة بمفهوم رابطة السببیة المباشرة بین الفعل الضار والضرر، فإنه قد یکون من المستحیل تحدید الشخص المسؤول، لکن مع هذا استطاع القضاء تذلیل هذه الصعوبات من خلال الاعتماد على فکرة (خلق الخطر أو التعریض للمخاطر) وهو مفهوم مطابق لما یسمى بــ( فوات الفرصة)، والتی من شأنها تسهیل إثبات رابطة السببیة بین النشاط الخطیر والأضرار الواقعة، فبموجب هذه الفکرة یعد الضرر مباشراً فی کل حالة تقع فیها مخاطر لا تترتب عادة على حالة المتضرر، فیتم مثلاً افتراض رابطة السببیة فی فوات فرصة شفاء المریض أو الحیاة وخطأ الطبیب الجراحی ، فقد درج القضاء على اعتبار الضرر مباشراً طالما ثبت أن التدخل الجراحی کان من الممکن أن ینجح لو أنه تم صحیحاً وفقاً للأصول الطبیة الصحیحة ، أی کان من الممکن تفادیه، ولذا تتوافر السببیة فی حالة اختیار الطبیب طریقة تولید غیر مناسبة ، ترتب علیها تعریض حیاة المریضة للخطر، لأنه کان من الممکن تفادیه، کذلک الحال لو کان الطبیب قد حقن المریضة بحقنة اثناء عمل اشعة حقناً سلیماً، لما وقع الضرر الذی أصابها ، حتى ولو لم یثبت مدى الأثر الضار الذی ساهمت هذه الحقنة فی إحداثه. وتوجد بعض النصوص التشریعیة التی افترض فیها المشرعون رابطة السببیة، مثال ذلک ما جاء فی المادة العاشرة من القانون الفرنسی رقم ٣٠ لسنة ١٩٦٨ والخاص بالمسؤولیة المدنیة فی مجال الطاقة النوویة، فقد أقامت قرینة بالنسبة للمتضررین من الحوادث النوویة، فافترض المشرع رابطة السببیة بالنسبة للأضرار الجسدیة التی تحدث عقب وقوع حادثة نوویة. کذلک افترض المشرع الیابانی رابطة السببیة فی القانون الصادر فی ١٩٧٣ الخاص بتعویض الاضرار الجسدیة الراجعة للتلوث والذی دخل حیز النفاذ فی عام ١٩٧٣، فقرر قرینة سببیة لمصلحة المتضررین المقیمین فی منطقة ملوثة وأعفاهم من إثبات رابطة السببیة بین الضرر الذی لحق بهم والنشاط مصدر التلوث فی البیئة. وعلى التوجه نفسه ذهب المشرع الالمانی فی القانون الصادر فی ١٩٩٠ بشأن المسؤولیة البیئیة، حیث قرر فی المادة السادسة منه قرینة لصالح المتضرر، فقد افترض رابطة السببیة بین نشاط المنشأة الملوثة وبین الأضرار التی تحدث للمتضررین إذا کان من شأن هذه المنشأة أن تحدث مثل هذه الأضرار. کذلک نصت المادة الرابعة من القانون السویدی لعام ١٩٨٦ بشأن المسؤولیة المدنیة البیئیة بأنه: (لقیام المسؤولیة المدنیة على المدعی أن یثبت أن إطلاق الملوثات هو الذی یسبب هذه الاضرار ویکفی لقیام ذلک تقدیم دلیل احتمالی…). وقد ذهب القضاء الامریکی کذلک إلى قبول القرائن على الخطأ، وتحدیداً فی الاضرار الناجمة عن التصادم البحری، ویطلق على تلک القرینة (بنسیلفینیا) وهی قرینة على السببیة، تطبق فی الحالات التی یتم فیها مخالفة إحدى القواعد الخاصة بمنع التصادم فی البحر. ومن الجدیر بالذکرأن رابطة السببیة تنعدم متى ثبت أن الضرر قد وقع لسبب أجنبی لا ید للمدین فیه، فإن لم یستطع المسؤول نفی هذه القرینة البسیطة فإن السببیة تکون حقیقیة، أی یکون قد ثبت بطریقة یقینیة أن نشاط المسؤول هو مصدر الضرر الذی لحق بالمتضرر، فمن شأن قرینة السببیة ان تقلب عبء الإثبات بأن یقع على عاتق المسؤول نفی هذه القرینة بدلاً من أن یقع على عاتق المتضرر عبء إثبات رابطة السببیة. وعند تحلیل فکرة السببیة المفترضة نجدها تقف وسطاً بین نظریة تعادل الاسباب ونظریة السبب المنتج أو الفعال، فهی أوسع من نظریة تعادل الأسباب، واقل اتساعاً من نظریة السبب المنتج، حیث تعتمد فکرة السببیة المفترضة على الاکتفاء بوجود تدخل مادی للشیء فی إحداث الضرر حتى یفترض قیام تلک الرابطة، فمثلاً فی مجال أضرار المنتجات یکفی لقیام الرابطة إثبات کون المنتج معیب مع وجود الضرر. وفی مجال مسؤولیة المنتج عن مضار منتجاته المعیبة، ولتسهیل عبء الإثبات على عاتق المستهلک ، افترض المشرع الفرنسی کذلک فی القانون الخاص بالمسؤولیة عن أضرار المنتجات المعیبة لسنة ١٩٩٨ أن المنتجات قد خرجت للتداول بإرادة المنتج، غیر أن کل ما تقدم لیس إلا افتراضا قابلاً لإثبات العکس ، وهو ما یعنی انقطاع رابطة السببیة وبالتالی انتفاء المسؤولیة، بعبارة أخرى إن افتراض السببیة لیس سوى قرینة بسیطة یمکن إثبات عکسها بکافة الطرق، وبشکل أدق فإن هذا الافتراض یؤدی بنقل عبء الإثبات تخفیفاً على المتضرر لأغراض العدالة، بحیث یکلف المدعى علیه إثبات انقطاع رابطة السببیة اذا ما رغب فی نفی مسؤولیته ، بوصفه ذو درایة ومهنیة تسمح له بذلک. ولکل ما تقدم فإن واجهت المحکمة نزاعاً یتعلق بضرر السحر والشعوذة بحیث یصعب على المدعی اثبات اسناده الى نشاط ساحر أو مشعوذ، لعدم وجود الدلیل المادی، فعلى القاضی ألا یغفل الرجوع إلى التفسیر المتطور للقانون، والتعامل مع روح القانون بدلاً من التضییق على مصالح الأفراد بالتفسیر الحرفی للنصوص، وتصدیقاً لذلک فقد نصت المادة (٣) من قانون الإثبات العراقی رقم (١٠٧) لسنة ١٩٧٩ على: (إلزام القاضی باتباع التفسیر المتطور للقانون ومراعاة الحکمة من التشریع عند تطبیقه). وکذلک المادة الثانیة من القانون نفسه حیث جاء فیها: (إلزام القاضی بتحری الوقائع لاستکمال قناعته). وسبیل القاضی فی کل ذلک هو افتراض رابطة السببیة أحیاناً والاعتماد على القرائن والاحتمال الراجح أحیاناً أخرى. المطلب الثانی استنباط السند القانونی فی معالجة تأثیرات أعمال السحر والشعوذة سنحاول هنا أن نستخرج السند القانونی الملائم للتصدی للأضرار الناجمة عن السحر والشعوذة، والمقصود بالسند القانونی هو وجود دلیل فی القانون یثبت بالتنظیم واقعة معینة أو تصرفاً ما وذلک لوجود حکم له فیه. ومثلما تقدم بنا القول فلا یوجد سند قانونی مباشر یمکن ان یرتکن الیه فی اعمال السحر والشعوذة، ولکن بقراءة موقف بعض الأنظمة القانونیة، یمکن لنا أن نقوم بصیاغة بعض النصوص القانونیة التی تحکم ظاهرة السحر والشعوذة، سواء من خلال الاستعانة بالنصوص الجنائیة فی تلک الأنظمة، أو غیر ذلک. ابتداء علینا أن نحسم الجدل المثار حول مدى مشروعیة اعمال السحر والشعوذة، فلقد ثبت فی القرآن والسنة تحریمهما بالأدلة، کما أن العدید من القوانین نصت على تجریم هذه الأعمال من بینها قانون العقوبات الأردنی رقم (16) لسنة 1960 المعدل حیث ذهب المشرع إلى أنه: (یعاقب بالعقوبة التکدیریة کل من یتعاطى بقصد الربح مناجاة الأرواح أو التنویم المغناطیسی أو التنجیم أو قراءة الکف أو قراءة ورق اللعب وکل ماله علاقة بعلم الغیب وتصادر الألبسة والنقود والاشیاء المستعملة). ونحن نلاحظ أن المشرع الأردنی-ومشرعی القوانین التی تعتمد على نصوص جرائم النصب والاحتیال المشار الیها فی الهامش-، لم یکن موفقاً حینما جعل شرط العقوبة هو قصد الربح، ذلک لأن هناک الکثیر من الأضرار التی یتسبب بها السحرة والمشعوذین وتلحق بأشخاص لم یطلبوا منهم هذه الخدمة، بعبارة أخرى لم یقوموا بدفع أی مقابل مالی لقاء ذلک، ثم أن الضرر قد لا یکون بالضرورة مالیاً، بل قد یکون بدنیاً أو نفسیاً. ووفقاً لما تقدم نرى أن الاکتفاء بنصوص القوانین الجنائیة التی یتم بموجبها تجریم السحر والشعوذة على أنها من قبیل النصب والاحتیال لا یجدی نفعاً فی کل الوقائع ذلک لأن الضرر الذی یلحق بالغیر من هذه الأنشطة قد لا یکون فی جمیع الأحیان مادیاً بل قد یکون جسمانیاً أو معنویاً. ومن أجل هذا قامت بعض الدول بمحاولات لتجریم السحر والشعوذة فی حد ذاتها، ففی الکویت تم تقدیم مقترح من قبل أحد نواب البرلمان بإضافة مادتین جدیدتین إلى قانون العقوبات لمعاقبة السحرة والمشعوذین وکالاتی: 1- یعاقب بالحبس المؤقت مدة عشر سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة الاف دینار کل من مارس أعمال السحر والشعوذة بأی صورة کانت أو شارک فی ذلک، وتکون العقوبة مدة خمسة عشر سنة إذا ترتب على ممارسة تلک الأفعال الإضرار بدنیاً أو نفسیاً بأحد الأشخاص...) (2-یعاقب بالحبس المؤقت مدة خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف دینار کل من استورد أو جلب أو حاز أو باع أو سلم مواد مما یستعمل فی الاعمال الموضحة بالمادة السابقة وهو عالم بذلک). وفی مملکة البحرین تمت إضافة مادة جدیدة وهی مادة (310) مکرراً بموجب القانون رقم (24) لسنة 2010 الى قانون العقوبات رقم (15) الصادر فی سنة 1976 ونصها: (یعاقب بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتین العقوبتین کل من زاول على سبیل الاحتراف والتکسب أیاً من أعمال السحر أو الشعوذة أو العرافة، ویعد من هذه الاعمال الاتیان بأفعال أو التلفظ بأقوال أو استخدام وسائل القصد منها ایهام المجنى علیه بالقدرة على إخباره عن الغیبیات أو اخباره عما فی الضمیر او تحقیق حاجة او رغبة او نفع أو ضرر بالمخالفة للثوابت العلمیة والشرعیة). وعلى هذا ففی ظل النظام القانونی العراقی فإن ممارسة السحر والشعوذة تعد بلا شک عملاً غیر مشروعاً تنجم عنه أضرار ما تثیر المسؤولیة المدنیة، وسند کل ذلک ما یلی: 1- إذا ما تم التعامل مع السحر والشعوذة على أنها اعمال نصب واحتیال فمعالجة تأثیر تلک الأنشطة یکون بالعقوبة المقررة فی قانون العقوبات وما یتبعه من حق مدنی متمثل بالتعویض، لکن ما یدعم توجهنا فی الأخذ بمسؤولیة الساحر والمشعوذ التقصیریة هو أن التعویض فی هذه المسؤولیة الواجب جبره لا یقتصر على الضرر المادی المتعلق بالخسارة المالیة فی الذمة، بل یمکن أن یکون فی شکل ضرر معنوی لحق بالمتضرر. 2- فی ظل الانتشار الواسع لمکاتب الشعوذة فی العراق والمشعوذین، فحتى لو سلمنا بأن هذا النشاط یقع فی دائرة تقدیم الاستشارات والمعلومات للمرضى وذوی الشأن فإن المسؤولیة تثار فی حال کون تلک الاستشارات والمعلومات خاطئة أو غیر دقیقة أو خطیرة تمس بسلامة جسد المستهلک أو صحته، هذا الالتزام (ونقصد به الالتزام بالسلامة) الذی یجد سنده فی القانون والمبادئ العامة للقانون. 3- إن نشاط السحر والشعوذة فی حد ذاته یعد عملاً خطیراً، ففکرة خلق الخطر هی التی تخلق أضراراً معنویة (نفسیة) وإن لم یکن هناک اتصال مادی بین فعل أو نشاط المشعوذ وبین جسم المتضرر وهذا یعد فی حد ذاته من الأسس التی قامت علیها المسؤولیة التقصیریة. 4- إذا اثبت المتضرر فی منازعة ما عدم وجود سبب آخر للضرر الذی أصابه، واثبت کذلک وجود معرفة بینه وبین الساحر والمشعوذ، أو لقائه به، فما على القاضی سوى اللجوء إلى القرائن أو الاکتفاء بالظن والخطأ الاحتمالی أو افتراض رابطة السببیة بین نشاط ذاک الساحر والضرر الذی لحق الضحیة، بشکل یفسح المجال للمدعى علیه فی أن یتخلص من المسؤولیة فیما لو أثبت السبب الأجنبی. 5- إن أکثریة حالات الشعوذة تقع ضمن ممارسة مهنة الطب والصیدلة، أو التداوی بالأعشاب، وعلى هذا ینبغی ألا ینظر الى ذلک الطبیب أو المعالج هل بممارسته للنشاط یعد مخالفاً لالتزام موجود فی نص القانون وبالتالی مرتکباً لخطأ تقصیری من عدمه، بل لا بد من النظر کذلک الى مدى مخالفته للمبادئ العامة للقانون وقواعد اخلاقیات المهنة لمکافحة هذه النشاط إذا نجم عنه ضرر. أما إذا أبرم عقد بین ساحر أو مشعوذ من جهة وشخص لجأ للأول لأی غرض فی نفسه من جهة ثانیة، فالعقد باطل، ویتم رجوع الثانی على الأول بدعوى الکسب بلا سبب، لوجود إثراء فی ذمة المدین (الساحر أو المشعوذ)، وافتقار فی ذمة الشخص الثانی الدائن، ورابطة سببیة بین الاثراء والافتقار، وأن یکون الاثراء بلا سبب، وهذا واضح فی أعمال السحر والشعوذة المحرمة قانوناً. ویلاحظ هنا أنه إذا کان من الصعب على المتضرر الرجوع بدعوى المسؤولیة التقصیریة کأثر للعقد الباطل فی حال وجود الضرر، بسبب صعوبة الاثبات، فمن الممکن الرجوع بدعوى الکسب دون سبب کدعوى مستقلة، ولیست احتیاطیة، فلم یعد ضروریاً البحث عن أساس تستند الیه دعوى الکسب دون سبب، فهذا الکسب مصدر مستقل مصادر الالتزام. وبذلک یکون المدعی مخیراً بین دعوى الکسب دون سبب أو دعوى المسؤولیة التقصیریة. الخاتمـة فی نهایة البحث فی حقیقة أعمال السحر والشعوذة، واشکالیة اسناد الأضرار إلى هکذا أفعال لصعوبة تحقق رابطة السببیة بینها، فإننا نسجل هنا أولاً أهم ما توصلت الیه الدراسة فی الموضوع ونثبت ثانیاً ما نراه مناسباً من توصیات حوله، ونشیر بأن هذه الدراسة ستفتح آفاقاً للبحث فی هذا الموضوع الدقیق فی جوانبه الأخرى أو التعمق فیه بشکل أکبر. أولاً: الاستنتاجات 1- لیس من المستبعد أن تتلقى محاکمنا ذات یوم دعاوى تتعلق بطلب للمدعی فی أن ضرراً أصابه – مادیاً کان أم معنویاً-من نشاط سحر على ید أحد السحرة أو المشعوذین أو من یقومون بأعمال الدجل، خاصة فی ظل الانتشار الواسع لهذه الأفعال بین المجتمع. 2- للسحر حقیقة وله تأثیر سواء على الذمم المالیة للأفراد أو على جسم الضحیة أو الجانب المعنوی، ویجب على القضاء ألا یبتعد عن السحر وقبول الدعاوى بشأنه، بحجة عدم إمکانیة اسناد الأضرار له. 3- إذا کان القانون یهتم بالتنظیم للظواهر المادیة الملموسة دون التصدی لما تسمى بالغیبیات فی نظر البعض ونقصد بها ممارسات السحر والشعوذة، فینبغی على المشرع کذلک ألا یغفل ما ینجم عن هذه الأنشطة من أضرار سواء کانت مادیة متمثلة بخسارة قیمة مالیة فیما لو کان هناک استعمال لوسائل النصب والاحتیال فی النشاط، أو أضرار مادیة جسمانیة أو نفسیة. وفی مجتمعنا أدلة قاطعة على مثل هذه الممارسات وکذا الأضرار التی نجمت منها. 4- إن أکثریة الأضرار الناجمة من الممارسات الشعوذیة تتمثل بخسارة مبالغ مالیة دفعت لمشعوذین لقاء الحصول على علاج لمرض ما، وحالات الطلاق نتیجة التعرض لطقوس السحر والشعوذة، کذلک الأمراض الجسمانیة، کالإصابة بمرض یسلب إرادة وعزیمة الشخص ویکون التحکم به من شخص آخر، والنفسیة المتمثلة بإیقاع الرهبة فی قلوب الضحایا نتیجة للتهدید بهذه الأعمال أو التعرض لها فعلاً، وهذه الأضرار تم احصاؤها من قبل بعض الباحثین بناءً على أخذ عینات من الأشخاص الصادقین ممن کانوا متضررین من الممارسة الشعوذیة. 5- إن کسب السحرة والمشعوذین على حساب المغفلین ممن انخدعوا بما یُمارس علیهم من أفعال أو أعمال تعد من قبیل الخفة أو استراق البصر، یعد کسباً غیر مشروع وجب رده بدعوى الکسب بلا سبب، لتحقق شروط الرجوع بهذه الدعوى. 6- بإمکان الادعاء العام تحریک الدعوى الجزائیة ضد المشعوذین والسحرة، على اعتبار أن ممارسة السحر والشعوذة فیها ما یخالف النظام العام، وبالإمکان هنا الاستناد لمجموعة من النصوص الجنائیة فی قانون العقوبات لمعاقبة الجانی، فحینما یعطی المشعوذ للضحیة مادة من شأنها أن تؤدی إلى هلاکه، فیکون المشعوذ قد ارتکب جریمة القتل، ویعد مرتکباً لخطأ عدم مراعاة النظم والقوانین وعدم اتخاذ الحیطة والحذر عند إعطاء هذه المادة له، وهنا یأتی دور القاضی فی استخلاص رابطة السببیة بین الخطأ والضرر الذی أصاب الضحیة. وقد تکون النصوص المتعلقة بالضرب المبرح ملائمة فی التعامل مع هذه القضایا بخاصة حینما یقوم المشعوذ باستخدام العنف الزائد على جسم المتضرر بداعی اخراج الجن أو الأرواح الشریرة منه. 7- عند الحدیث عن الصعوبات بشأن رابطة السببیة فی المسؤولیة المدنیة عن اعمال السحر والشعوذة، ینبغی الاخذ فی الاعتبار أن خطأ المتضرر قد یشترک مع خطأ المشعوذ عند حدوث الضرر، وهنا قد یتوزع عبء التعویض علیهما. فمراجعة مریض ما لمشعوذ أو ساحر مثلاً هو فعل غیر مسموح به من وجهة نظرنا، واستغلال المشعوذ لذلک خطأ من الجانب الآخر. وینبغی کذلک النظر فی مدى استغراق خطأ أحدهما للآخر بأن یکون هذا الخطأ عمدیاً أو نتیجة لخطأ آخر، فإذا استغرق خطأ الساحر لخطأ المتضرر تکون المسؤولیة کاملة على الساحر، أما إذا استغرق خطأ المتضرر لخطأ الساحر أو المشعوذ، فلا مسؤولیة على الساحر. 8- لیس بإمکان المشعوذ الاحتجاج بأن ما یقوم به من ممارسات یعد من باب حریة الرأی والتعبیر، صحیح أن هذا یعد حقاً مکفولاً فی الدساتیر، إلا أنه یجب التقید بأن لا یکون من شأن ممارسة هذا الحق الحاق الضرر بالغیر. 9- إن الاستعانة بالخبرة من جانب القاضی قد یکون حلاً مناسباً فی الحالات التی تحدث للمتضرر امراض (اضرار جسمانیة) کالتسمم مثلاً نتیجة تناوله مواد معدة أو موصوفة له من قبل المشعوذ، وهذا کله یتم بناءً على تقاریر طبیة علمیة بهذا الخصوص، وهذه ستساهم بدون شک فی تقدیم الأدلة الملموسة للقاضی وذلک لربط علاقة السببیة بین نشاط المشعوذ والضرر الذی نجم عنه، وبخلاف ذلک سیضطر القاضی إلى استبعاد المسؤولیة الجزائیة وما یستتبعه کل مطالبة بالتعویض من جانب المتضرر أو خلفه العام أو نائبه. 10- وفیما یتعلق بالمسؤولیة المدنیة وصعوبة إیجاد ربط بین نشاط المشعوذ والضرر الذی یلحق بالغیر، فالاتجاه الآن فی الأنظمة القانونیة المقارنة هو افتراض رابطة السببیة، لکیلا یحرم المتضرر من التعویض لمجرد تعذر إیجاد تلک السببیة بین الفعل والضرر. وهذا کله یتم بناءً على ضوابط یتبعها القاضی والتی بحثنا فیها بالتفصیل فی متن البحث.
ثانیاً: التوصیات 1- نقترح على المشرع فی القانون المدنی التعرض لظاهرة السحر والشعوذة وعدِّهما عملاً غیر مشروعاً یوجب المسؤولیة، أو الضمان. 2- إعطاء سلطة تقدیریة للقاضی فی استخلاص السببیة القانونیة بشأن أعمال السحر والشعوذة بالاعتماد أحیاناً على فکرة الخطأ الاحتمالی وافتراض رابطة السببیة فی أحیان أخرى دون الاخلال بالمبادئ العامة للمسؤولیة المدنیة. 3- اعفاء المتضرر من أعمال السحر والشعوذة حین المطالبة بالتعویض من عبء اثبات وجود رابطة بین نشاط المشعوذ أو الساحر وبین الضرر الذی لحق به، ونقله على عاتق المشعوذ کی یثبت عدم وجود هذه الرابطة. 4- نوصی المشرع بالنص صراحة على الالتزام بضمان السلامة والالتزام بالحیطة والحذر کأهم التزامین یمکن من خلالهما التعامل مع الاضرار التی تصیب الأشخاص نتیجة الممارسات الشعوذیة، والاستفادة من هذا الالتزام سیکون فی حالات قیام بعض الأطباء بممارسة بعض الطقوس کعلاج للمرضى، وکذلک ما یسمى بالعلاج الروحانی والتداوی بالأعشاب.
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) First: Books 1. Dr. Ashraf Jaber Sayed, Compensation for Missing The Opportunity for Healing or Life, Arab Renaissance House, Cairo, 2010. 2. Dr. Tharwat Abdel Hamid, Health Damage sourcing from spoiled or contaminated food, New University Publishing House, Alexandria, 2007. 3. Dr. Hassan Ali Al-Dhanoun, Origins of Commitment, Knowledge Press, Baghdad, 1970. 4.Dr. Hassan Ali Al-Dhanon, The Simple of civil responsibility, part3, Wael library for publishing, 2006. 5. Dr. Hassan Kira, Entrance to the Law, Knowledge Facility, Alexandria, 1993. 6. Hussein Rajab Mohammed Mikhlif al-Zaidi: Rules of weighting between opposing evidence in the civil suit, Zain Human Rights Publications, T1, 2011. 7. Hussein Amer and Abdul Rahim Amer, Liability, Default and St., T2, House of Knowledge, No Publishing Place, 1979. 8. Dr. Rawi Mohamed Abdel Fattah, Responsible for Damage sought by the Anglo-American System, Law School Press, Asyut, 2009. 9. Raouf Obaid, criminal causality, Al-Arabi though house, cairo, 1984. 10.Abad Leaders, Civil Liability for Environmental Damage, New University House, 2016. 11. Abdelhamid Al-Swarbi, Legal and Judicial Evidence, Knowledge Facility, Alexandria, 2003. 12. Dr. Abdul Razzaq Ahmed Al-Sanhouri, Sources of The Right to Islamic Jurisprudence, C4, Al-Halabi Human Rights Publications, Beirut, 1998. 13. Dr. Abdul Razzaq Al-Sanhouri, mediator in the commentary on civil law, theory of commitment in general, sources of commitment in general, C1, Arab Renaissance House, Cairo, 1981. 14.Dr. Abdulrasheed Mamoun, causality relationship in civil responsibility, Al-Nahdha Al-Arabia house, without year of publication. 15. Dr. Abdul Majeed al-Hakim, Abdul Baqi al-Bakri, Mohammed Taha al-Bashir, Brief in The Theory of Compliance in Iraqi Civil Law, C1, Sources of Commitment, Al-Atk for the Book Industry, Cairo, 1983. 16. Dr. Adnan Sarhan, Provisions of Sale in the Civil Transactions Law, Horizons Bright Publishers, Sharjah, 2010, i2. 17. Dr. Atta Saad Mohammed Hawass, Conditions of Responsibility for Pollution Damages, New University House, Alexandria, 2012. 18. Dr. Ali Merah, Doctrinal Trends in The Interpretation of The Legal Phenomenon, Dar Homeh, Bouzaria, Algeria, 2011. 19. Dr. Fayez Mohammed Hussein, Role of Legal Logic in The Formation and Application of Law, Study in The Philosophy of Law, University Press House, Alexandria, 2009. 20. Faisal Mohammed Al-Beheiry, Impact of the Modern Scientific Renaissance on Legal Thought, Study in The Philosophy of Law, 2015. 21. Dr. Maher Abdul Shoish and Dr. Mohammed Suleiman al-Ahmad and Haitham Hamed al-Masarawa, Theory of The Equivalent of Reasons in Criminal Law, T1, Dar al-Hamid, Amman, 2000. 22. Dr. Magdi Mahmoud Mohib Hafez, Fraud and Crimes Associated with It, Golden Eagle Printing, Without Place and Year of Publication. 23. Dr. Majid Khader Al-Sabawi, Causality theory in criminal law, i1, 2014. 24. Dr. Mohammed Suleiman al-Ahmad, Naseeb Okam's base and her role in the formation of a sound legal queen, T2, Zain Human Rights Publications, Beirut, 2017. 25. Dr. Mohammed Shukri Srour, The Problem of Compensation of Damage caused by an unspecified person among a specific group of persons, The Arab Thought House, The Problem of Compensation of Damage, 1983. 26Dr. Mahmoud Najeeb Husny, causality relationship in penal law, cairo, without year of publication and print. 27. Dr. Nabila Ismail Raslan, Civil Liability for Environmental Damage, New University House, Alexandria, 2007.
Second: Research and articles
Fourth: Laws 1- Iraqi Civil Code No. (40) of 1951 amended. 2- Egyptian Civil Law No. (131) of 1948. 3.Jordan's Penal Code No. (16) of 1960. 4.Iraqi Penal Code No. (111) of 1969. 5.Iraqi Evidence Law No (179) of 1979. 6- The Penal Code of the United Arab Emirates No. 3 of 1987, amended by Federal Law No. (7) of 2016. 7- The Penal Code of the Kingdom of Bahrain No. (15) issued in 1976 and amended by Law No. (24) for 2010. 8. French Civil Code of 1804 amended by Legislative Decree No. 131 of 2016. 9- Qatar Penal Code No. 11 of 2011 amended by Law No. 4 of 2017, 10- Moroccan Criminal Code Set amended on March 12, 2018.
References (English & French ) - In English and French 1- Hendrik, Henny Damaryanti, Budimansyah, The Criminal Policy On Regulation Concerning Black Magic In Indonesian Law, International Journal of Multi Disipline Science (IJ-MDS) e-ISSN: 2615-1707 DOI: http://dx.doi.org/10.26737/ij-mds.v1i1.418. 2- Maakor Quarmyne, Witchcraft: A Human Rights Conflict Between Customary/Traditional Laws and the Legal Protection of Women in Contemporary SubSaharan Afric, William &Mary journal of women and the law, volume 17, issue 2, article 7, 2011. 3- John Alan Cohan, the problem of witchcraft violence in Africa, Sofulk university law review, volume XLIV, number 4, 2011. 4- Mariève Lacroix, Relativite Aquilinne en Droit de la Responsibility civil — Analays Comparee Des Systemes Germanique, Canadien ET Quebeques, paper published in McGill Law Journal — Revue de droit de McGill,(2013) 59:2 McGill LJ 425 — Référence : (2013) 59 : 2 RD McGill 425, p.13. Last access, 30-3-2016. 5- Remond-Gouililloud(Martin),Prejudice ecologique, responsibility civil ou civil code art, 1382 a 1386, Fas. 112.J-CL.1992. No.26.
| ||
References | ||
المصـادر أولاً: الکتب 1- د. أشرف جابر سید، التعویض عن تفویت فرصة الشفاء أو الحیاة، دار النهضة العربیة، القاهرة، 2010. 2- د. ثروت عبد الحمید، الأضرار الصحیة الناشئة عن الغذاء الفاسد أو الملوث، دار الجامعة الجدیدة للنشر، الإسکندریة، 2007. 3- د. حسن علی الذنون، أصول الالتزام، مطبعة المعارف، بغداد، 1970. 4- د. حسن علی الذنون، المبسوط فی المسؤولیة المدنیة، ج 3، دار وائل للنشر، عمّـان، 2006. 5- د. حسن کیره، المدخل الى القانون، منشأة المعارف، الإسکندریة، 1993. 6- حسین رجب محمد مخلف الزیدی: قواعد الترجیح بین أدلة الإثبات المتعارضة فی الدعوى المدنیة، منشورات زین الحقوقیة، ط١، ٢٠١١. 7- حسین عامر وعبد الرحیم عامر، المسؤولیة المدنیة التقصیریة والعقدیة، ط٢، دار المعارف، دون مکان نشر، ١٩٧٩. 8- د. راوی محمد عبد الفتاح، المسؤولیة عن الاضرار الناشئة عن التصادم البحری فی النظام الانجلو امریکی، مطابع کلیة الحقوق، اسیوط، ٢٠٠٩. 9- د. رؤوف عبیید، السببیة الجنائیة، دار الفکر العربی، القاهرة، 1984. 10- عباد قادة، المسؤولیة المدنیة عن الاضرار البیئیة، دار الجامعة الجدیدة، ٢٠١٦. 11- عبد الحمید الشواربی، القرائن القانونیة والقضائیة، منشأة المعارف، الاسکندریة، ٢٠٠٣. 12- د. عبد الرزاق أحمد السنهوری، مصادر الحق فی الفقه الاسلامی، ج4، منشورات الحلبی الحقوقیة، بیروت، 1998. 13- د. عبد الرزاق السنهوری، الوسیط فی شرح القانون المدنی، نظریة الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام بوجه عام، ج١، دار النهضة العربیة، القاهرة، ١٩٨١. 14- د. عبد الرشید مأمون، علاقة السببیة فی المسؤولیة المدنیة، دار النهضة العربیة، القاهرة، (دون ذکر سنة نشر). 15- د. عبد المجید الحکیم وعبد الباقی البکری ومحمد طه البشیر، الوجیز فی نظریة الالتزام فی القانون المدنی العراقی، ج1، مصادر الالتزام، العاتک لصناعة الکتاب، القاهرة، 1983. 16- د. عدنان سرحان، أحکام البیع فی قانون المعاملات المدنیة، آفاق مشرقة ناشرون، الشارقة، 2010، ط2. 17- د. عطا سعد محمد حواس، شروط المسؤولیة عن أضرار التلوث، دار الجامعة الجدیدة، الاسکندریة، ٢٠١٢. 18- د. علی مراح، الاتجاهات الفقهیة فی تفسیر الظاهرة القانونیة، دار هومه، بوزریعة، الجزائر، 2011. 19- د. فایز محمد حسین، دور المنطق القانونی فی تکوین القانون وتطبیقه، دراسة فی فلسفة القانون، دار المطبوعات الجامعیة، الإسکندریة، 2009. 20- فیصل محمد البحیری، أثر النهضة العلمیة الحدیثة على الفکر القانونی، دراسة فی فلسفة القانون، 2015. 21- د. ماهر عبد شویش ود. محمد سلیمان الأحمد وهیثم حامد المصاروة، نظریة تعادل الأسباب فی القانون الجنائی ، دار الحامد، عمـّـان، 2000، ط1. 22- د. مجدی محمود محب حافظ، جرائم النصب والاحتیال والجرائم الملحقة بها، النسر الذهبی للطباعة، دون مکان وسنة نشر. 23- د. مجید خضر السبعاوی، نظریة السببیة فی القانون الجنائی، ط1، 2014. 24- د. محمد سلیمان الأحمد، قاعدة نصل أوکام ودورها فی تکوین ملکة قانونیة سلیمة، ط2، منشورات زین الحقوقیة، بیروت، 2017. 25- د. محمد شکری سرور، مشکلة تعویض الضرر الذی یسببه شخص غیر محدد من بین مجموعة محددة من الاشخاص، دار الفکر العربی مشکلة تعویض الضرر ،١٩٨٣. 26- د. محمود نجیب حسنی، علاقة السببیة فی قانون العقوبات، القاهرة، (دون ذکر مطبعة وسنة نشر). 27- د. نبیلة اسماعیل رسلان، المسؤولیة المدنیة عن الإضرار بالبیئة، دار الجامعة الجدیدة، الاسکندریة، ٢٠٠٧. ثانیاً: البحوث والمقالات: 1- د. سعید الحسین عبدولی، میکروسوسیولوجیا الجریمة من خلال الممارسات السحریة والشعوذیة دراسة سوسیولوجیة أنثروبولوجیة تبحث فی علاقة الجریمة بالسحر والشعوذة: منطقة سیدی علی بن عون مثالا للدراسة، مجلة الدراسات والبحوث الاجتماعیة، العدد، 5، تونس، 2014. 2- د. صالح بن بکر الطیار، مفهوم المسؤولیة المدنیة، مقال متاح على شبکة الانترنت وعلى الموقع الالکترونی: www.consultant-altayar.com 3- د. صالح شطیبی وعمرو بو مزوغ، دور القضاء المغربی فی التصدی لقضایا الشعوذة والدجالة بالمغرب، بحث منشور فی المجلة المغربیة فی الفقه والقضاء، العدد الأول، 2015. 4- د. عادل عمر، دور القانون فی تحقیق أمن واستقرار المجتمع، مقال منشور فی صحیفة (دنیا الوطن)، بتاریخ 3/6/2016 متاح على الرابط الالکترونی: pulpit.alwatanvoice.com تاریخ الزیارة 2/4/2020. 5- د. عبد الکریم صالح عبد الکریم و د. عبد الله فاضل حامد، قیمة المبادئ العامة للقانون فی التشریع والقضاء، بحث منشور فی مجلة جامعة رابةرین، العدد، 3، 2015. 6- عمارة نعیمة، الاتجاه نحو تأسیس المسؤولیة المدنیة على مبدأ الحیطة، مقال منشور على الانترنت متاح على الموقع الالکترونی: manifest.univ.ouragla.dz،2013. 7- القاضی عمر حسن شنته، تجارة الوهم، مقال متاح فی موقع (مجلس القضاء الأعلى) / جمهوریة العراق : www.hjc.iq تاریخ الزیارة 2/4/2020. 8- محمد سلیمان الأحمد، عناصر القاعدة القانونیة الفرضیة والحکم، بحث منشور فی مجلة الرافدین للحقوق، تصدرها کلیة القانون-جامعة الموصل، العدد الخامس، 1998. 9- د. محمد سلیمان الأحمد ود. عبد الکریم صالح عبد الکریم، افتراض رابطة السببیة فی المسؤولیة المدنیة، بحث منشور فی مجلة العلوم القانونیة، جامعة عجمان، العدد 7، السنة الرابعة، 2018. 10- د. محمد سلیمان الأحمد وهیثم حامد المصاروة، المسؤولیة التضاممیة، بحث منشور فی مجلة المحامین تصدرها نقابة المحامین الأردنیین، العددان (11-12)، تشرین الثانی – کانون الأول، 2000. 11- د. مشاعل عبد العزیز الهاجری، الطریقة المثلى لتجریم السحر، مقال متاح على الانترنت، eltibas.wordpress.com، 2012، تاریخ الزیارة، 29-11-2017. ثالثاً: الرسائل الجامعیة:
1- إبراهیم بن یحیى بن أحمد الحکمی، الحمایة الجنائیة من جریمة الشعوذة وتطبیقاتها فی المملکة العربیة السعودیة، رسالة ماجستیر، جامعة نایف العربیة للعلوم الأمنیة، 2004. 2- حسین بن عبد الرحمن بن فهد الموسى، الاثبات فی جریمة السحر بین الشریعة والقانون، رسالة ماجستیر، جامعة نایف للعلوم الأمنیة. 3- فریدة تکارلی، مبدأ الحیطة فی القانون الدولی للبیئة، رسالة ماجستیر، کلیة القانون-بن عکنون، جامعة الجزائر، ٢٠٠٥. 4- نعیم سکندری، أثر السحر فی المجتمع الکویتی، أکادیمیة الدراسات الإسلامیة، رسالة ماجستیر، جامعة ملایا، 2011. 5- وناس یحیى، الآلیات القانونیة لحمایة البیئة فی الجزائر، اطروحة دکتوراه، جامعة ابوبکر بلقاید-تلمسان، ٢٠٠٧. رابعاً: القوانین: 1- القانون المدنی العراقی رقم (40) لسنة 1951 المعدل. 2- القانون المدنی المصری رقم (131) لسنة 1948. 3- قانون العقوبات الأردنی رقم (16) لسنة 1960. 4- قانون العقوبات العراقی رقم (111) لسنة 1969. 5- قانون الإثبات العراقی رقم (107) لسنة 1979. 6- قانون العقوبات لدولة الامارات العربیة المتحدة رقم (3) الصادر سنة 1987 المعدل بالقانون الاتحادی رقم (7) لسنة 2016. 7- قانون العقوبات لمملکة البحرین رقم (15) الصادر فی سنة 1976 وتعدیله بالقانون رقم (24) لسنة 2010. 8- القانون المدنی الفرنسی لسنة 1804 المعدل بالمرسوم التشریعی رقم 131 لسنة 2016. 9- قانون العقوبات القطری رقم 11 لسنة 2011 المعدل بالقانون رقم 4 لسنة 2017. 10- مجموعة القانون الجنائی المغربی المعدل فی 12 اذار 2018. باللغة الإنجلیزیة والفرنسیة: 1- Hendrik, Henny Damaryanti, Budimansyah, The Criminal Policy On Regulation Concerning Black Magic In Indonesian Law, International Journal of Multi Disipline Science (IJ-MDS) e-ISSN: 2615-1707 DOI: http://dx.doi.org/10.26737/ij-mds.v1i1.418.
2- Maakor Quarmyne, Witchcraft: A Human Rights Conflict Between Customary/Traditional Laws and the Legal Protection of Women in Contemporary SubSaharan Afric, William &Mary journal of women and the law, volume 17, issue 2, article 7, 2011.
3- John Alan Cohan, the problem of witchcraft violence in Africa, Sofulk university law review, volume XLIV, number 4, 2011.
4- Mariève Lacroix, Relativite Aquilinne en Droit de la Responsibility civil — Analays Comparee Des Systemes Germanique, Canadien ET Quebeques, paper published in McGill Law Journal — Revue de droit de McGill,(2013) 59:2 McGill LJ 425 — Référence : (2013) 59 : 2 RD McGill 425, p.13. Last access, 30-3-2016.
5- Remond – Gouililloud (Martin), Prejudice ecologique, responsibility civil ou civil code art, 1382 a 1386, Fas. 112. J-CL. 1992. No. 26. | ||
Statistics Article View: 2,297 PDF Download: 763 |