تجاوز حدود الحق فی الدفاع الشرعی فی إطار القانون الدولی | ||
الرافدین للحقوق | ||
Article 6, Volume 22, Issue 70, March 2020, Pages 260-289 PDF (761.17 K) | ||
Document Type: بحث | ||
DOI: 10.33899/alaw.2020.165264 | ||
Author | ||
فارس احمد احمد الدلیمی* | ||
النور الجامعة | ||
Abstract | ||
منح میثاق الامم المتحدة الصادر عام 1945 وعلى وجه التحدید فی نص المادة(51) الحق للدول فی رد العدوان دِفاعا عن النفس؛ لابل قَد أُعتبر هذ الحق بأنه حق طبیعی لا یجوز حرمان الدولة التی تتعرض للعدوان منه او حتى الانتقاص منه، وهذا الحق یمکن ان تتخذه الدولة للدفاع عن نفسها بمفردها او تتخذه مجموعة من الدول یجمعها هدف معین وهذا ما یسمى بالدفاع الشرعی الجماعی. واذا کان هذا الحق قد اعطی للدول الأعضاء فی المیثاق الدولی، فإن واضعی النص قد وضعوا قیدا للحد منه، وهو ان لا یکون هناک تعسف فی استعماله او التجاوز فی مداه لیلحق ضررا بالدولة الاخرى وشعبها، بل یجب ان یکون مبدأ التناسب والضرورة حاضرین بین فعل العدوان الحاصل على الدولة وبین الدفاع من اجل صد الاعتداء او الحد منه، على انه فیما لو تم التجاوز فان حق الدفاع الشرعی سینقلب الى عدوان صارخ تتحقق ازاءه مسؤولیة الدولة القائمة بالدفاع طبقا لقواعد المسؤولیة الدولیة بنوعیها المدنیة والجنائیة الفردیة. | ||
Highlights | ||
یتحدد البحث فی التعریف بتجاوز حدود الدفاع الشرعی ومن ثم بیان ارکان هذا التجاوز ومن ثم صور مختارة لتجاوز حدود الحق فی الدفاع الشرعی | ||
Keywords | ||
الدفاع الشرعی; مبدأ التناسب; الهجمات السیبرانیة | ||
Full Text | ||
تجاوز حدود الحق فی الدفاع الشرعی فی إطار القانون الدولی-(*)- Exceeding the limit of the right to legal defence under international law
(*) أستلم البحث فی 9/1/2020 *** قبل للنشر فی 25/2/2020. (*) Received on 9/1/2020 *** accepted for publishing on 25/2/2020. Doi: 10.33899/alaw.2020.165264 © Authors, 2020, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license (http://creativecommons.org/licenses/by/4.0). المستخلص منح میثاق الامم المتحدة الصادر عام 1945 وعلى وجه التحدید فی نص المادة (51) الحق للدول فی رد العدوان دِفاعا عن النفس؛ لابل قَد أُعتبر هذ الحق بأنه حق طبیعی لا یجوز حرمان الدولة التی تتعرض للعدوان منه او حتى الانتقاص منه، وهذا الحق یمکن ان تتخذه الدولة للدفاع عن نفسها بمفردها او تتخذه مجموعة من الدول یجمعها هدف معین وهذا ما یسمى بالدفاع الشرعی الجماعی. واذا کان هذا الحق قد اعطی للدول الأعضاء فی المیثاق الدولی، فإن واضعی النص قد وضعوا قیدا للحد منه، وهو ان لا یکون هناک تعسف فی استعماله او التجاوز فی مداه لیلحق ضررا بالدولة الاخرى وشعبها، بل یجب ان یکون مبدأ التناسب والضرورة حاضرین بین فعل العدوان الحاصل على الدولة وبین الدفاع من اجل صد الاعتداء او الحد منه، على انه فیما لو تم التجاوز فان حق الدفاع الشرعی سینقلب الى عدوان صارخ تتحقق ازاءه مسؤولیة الدولة القائمة بالدفاع طبقا لقواعد المسؤولیة الدولیة بنوعیها المدنیة والجنائیة الفردیة. الکلمات المفتاحیة: الدفاع الشرعی ، مبدأ التناسب ، الهجمات السیبرانیة Abstract The United Nations Charter provides for the inherent right of collective or individual right to self-defence. This right has also been considered as a natural right in accordance with it a state has the right to engage in self-defence against an immediate threat. The right can be taken individually by a state facing an armed attack or by a collective action. However, to limit this right, Article 51 requires that a use of force must reach a certain gravity, and the use of this right is also linked to the necessity and proportionality criteria. Thus, if the degree of force used is objectively unreasonable and exceeds the harm expected from the attack, a defendant cannot legally claim self-defence. The aim of this paper will be to define what it means to "exceed the limits of legal defence", through analysing cases where the legitimate defence is not achieved, and that constitute a violation of international legal rules. Keywords: self-defence, proportionality criteria, international law, Article 51, exceeding self-defence- limit . المقدمـة أولاً : موضوع البحث: مما لاشک فیه ان ای دولة تتعرض الى اعتداء بای شکل کان سواء اکان مصدره البحر ام الجو او البر، فانه لامحالة تسعى الدولة المعتدى علیها الى رد العدوان بالوسائل والاسلحة التی تتناسب مع حجم العدوان او الفعل غیر المشروع الذی تعرضت له، وفی ذلک حق مقرر للدولة فی الدفاع عن نفسها وامنها، طبقا لما بینته القواعد القانونیة الدولیة، ومنها على وجه الخصوص میثاق الامم المتحدة الصادر سنة 1945. واذا کان المیثاق الاممی قد اعطى الدول الحق الطبیعی بالرد على العدوان دفاعا عن النفس أیا ما کان مصدره، وللدولة ان تتخذ من الاجراءات ما یدفع عنها الخطر فإن هذا الحق مقید فی ان یکون فی الحدود التی تدفع الخطر الحال فقط، وان دفع الخطر یجب ان لا یغادر الحدود المرسومة له، والا حینئذ نکون امام حالة تشکل انتهاکا للقواعد القانونیة التی اجازت الدفاع الشرعی ومنعت تجاوزه کی لا ینقلب الدفاع الشرعی الى عدوان لیس له ما یبرره.
ثانیاً : أهمیة البحث یعتبر هذا البحث- من وجهة نظرنا المتواضعة- من البحوث ذات الاهمیة کونه یتعرض لتجاوز حدود الحق فی الدفاع الشرعی طبقا للقانون الدولی، ثم الانتقال من حالة الدفاع الى حالة اخرى هی العدوان. ثالثا : اشکالیة البحث : تتحدد الاشکالیة فی هذا البحث فی تعریف المقصود بتجاوز حدود الدفاع الشرعی، ومن ثم بیان بعض الصور التی لا یتحقق فیها الدفاع الشرعی، لنکون بصدد انتهاک لهذا الحق الذی تم بوسائل متعددة تشکل انتهاکا للقواعد القانونیة الدولیة. رابعاً : منهجیة البحث: لقد تم استخدام المنهج التحلیلی للقواعد القانونیة التی أقرها المجتمع الدولی ممثلا بالأمم المتحدة بتحریم وتجریم العدوان باعتباره جریمة دولیة، ومنع تجاوز حدود الحق فی الدفاع الشرعی. خامساً : نطاق البحث : یتحدد نطاق البحث فی التعریف بتجاوز حدود الدفاع الشرعی ومن ثم بیان ارکان هذا التجاوز ومن ثم صور مختارة لتجاوز حدود الحق فی الدفاع الشرعی. سادساً : هیکلیة البحث : حاولنا قدر الامکان ان تکون هیکلیة البحث متوازنة من أجل ان تغطی الجوانب التی یتضمنها البحث، فآثرت تناوله من خلال ثلاثة مباحث وخاتمة على وفق التقسیم التالی: المبحث الاول : التعریف بتجاوز حدود الحق فی الدِفاع الشرعی وارکانه فی القانون الدولی المبحث الثانی: شروط تجاوز الحق فی الدفاع الشرعی طِبقا لقواعد القانون الدولی المَبحث الثالث: بعض صور تجاوز حدود الحق فی الدفاع الشرعی فی القانون الدولی الخاتمة أ-النتائج ب-المقترحات
المبحث الاول التعریف بتجاوز حدود الحق فی الدِفاع الشرعی وارکانه فی القانون الدولی ان العدوان المُسلح الذی تتعرض له دولة ما من دولة اخرى او من مجموعة من الدول، لابد ان یلاقى رداً من الدولة المعتدى علیها، وهذا حقٌ طبیعی کرس بموجب قواعد القانون الدولی التی بذل المجتمع الدولی جهوداً لإقراره، وعمِل على انمائه طوال عقود من الزمن، الا ان الحق بالرد على مصدر الاعتداء یجب ان یکون متناسبا مع الفعل العدوانی، وبالتالی فانه لزاما على الدولة ضحیة العدوان ان تکون ممارستها لِحقها فی الدفاع الشرعی متناسبة وحجم الاعتداء، وان لا تتجاوز حدود الرد على مصدر العدوان، على العکس من ذلک سیتغیر فعلها من حقها فی الدفاع الشرعی الى تجاوز لهذا الحق، ومن ثم الحاق الضرر بالدولة الاخرى، ولأجل بیان المقصود بتجاوز حدود حق الدفاع الشرعی، سَیقسم هذا المبحث الى مطلبین نتناول فی الاول التعریف بتجاوز حدود الحق فی الدفاع الشرعی، فیما یتم تناول ذاتیة تجاوز حدود حق الدفاع الشرعی فی المطلب الثانی. المطلب الاول التعریف بتجاوز حدود الحق فی الدفاع الشرعی لقد نص النظام القانونی الدولی على حق الدفاع الشرعی فی العدید من الاتفاقیات منها اتفاقیات لاهای الخاصة بٍحقوق ووجبات الدول والأشخاص المحایدین عام 1907 فی حالة حصول حرب فقد جاء فی المادة العاشرة على انه (لا یمکن ان یُعد عملاً من أعمال القتال الفعل الذی تأتیه الدولة المحایدة ولو کان متضمنا استعمال القوة لدفع الاعتداء على حیادها). وأفاضت التشریعات الجزائیة الوطنیة والدولیة فی الحدیث عن الدفاع الشرعی والمقصود به، بوصفه أحد أسباب الإباحة التی تمکن المدافع من رد عدوان المهاجم بما یتناسب وحجم العدوان والوسیلة المتبعة، کونه حقا للدولة فی صد العدوان، وافاضت النصوص الدولیة، منها وعلى وجه الخصوص نص المادة (51) من میثاق الامم المتحدة الصادر عام 1945، وقبلها المادة (16) من عهد عصبة الأمم عام1919، قد اکدتا على ان الدول لها الحَق فی الدفاع عن نفسها، فیما لو تعرضت الى اعتداء من دولة او مجموعة من الدول باستخدام القوات المسلحة، الا ان رد الاعتداء والدفاع عن النفس یجب ان یکون متناسبا مع الاعتداء الواقع علیها، وفی غیاب التناسب سنکون امام تجاوز لحدود الحق فی الدفاع الشرعی. وقبل التعرض للمقصود بتجاوز حدود الحق فی الدفاع الشرعی، لابد ابتداء من القول ان الدفاع الشرعی هو صد عدوان حال او وشیک وغیر مشروع، وقع من دولة على دولة اخرى مع الالتزام فیه باستخدام القوة اللازمة، التی تتناسب مع ما استخدمه الطرف المهاجم، بما یحقق الهدف برد العدوان ومنعه من تحقیق اهدافه، فهو رخصة او اجراء مؤقت بموجب القانون، للدولة لصد العدوان الذی تعرضت له سیادتها او ای جزء من اقلیمها سواء الاقلیم الجوی او الاقلیم البری او الاقلیم المائی لحین تدخل مجلس الامن، والعدوان یمکن ان یتخذ صور عدة، بینها القرار 3314 الذی اصدرته الجمعیة العامة للأمم المتحدة سنة 1974. ان الدفاع الشرعی یعد مُفاضلة بین مَصلحتین مُتناقضتین احداهما جدیرة بالحمایة، وهی مصلحة الطرف المعتدى علیه، ومصلحة آثمة هی مصلحة الطرف المعتدی. ولما کان الدفاع الشرعی مشروعا فان ای عمل یعوق استٍعماله یُعد فعلا غیر مشروع، وتَحقق هذا الحق یَجعل من الفعل المرتکب فعلا مباحا مشروعا لا یسأل مرتکبه عنه، لأنه وهو یقوم به فی کنف سبب من اسباب الاباحة هو الدفاع الشرعی. وطبقا لقواعد القانون الدولی فالدولة تُباشر حَقها فی الدٍفاع الشرعی عندما تُمارس حقا مقررا بموجب قواعده، کمیثاق الامم المتحدة الصادر عام 1945، لا بل ان المیثاق اعلاه وفی نص المادة (51) منه قد اعطى للدول فرادى او جماعات الحق فی الدفاع عن النفس، فیما لو تعرضت لعدوان، الى ان یتخذ مجلس الامن من التدابیر الضروریة من اجل حفظ السلم والامن الدولیین. ونرى ان الدولة وهی تمارس حقها فی الدفاع الشرعی، والذی یُعد استثناءً لمبدأ تَحریم استخدام القوة أو التهدید بها، قد تلجأ للاستخدام المفرط للقوة وتأتی بأفعال لا تتناسب مع حجم الفعل الذی تعرضت له، ومن هنا کان لزاما ان یکون هناک ضابط لسلوک الدولة التی تباشر حقها فی الدفاع الشرعی، فعلیها الالتزام بضرورة مراعاة التناسب بین فعل العدوان وبین ردة الفعل لرد وصد العدوان، بوصف ان ای تجاوز سیؤدی الى حصول خسائر للطرف المهاجم، تفوق بمجملها الخسائر التی حَصلت للدولة التی تُمارس الدفاع الشرعی ومن ثم تتجاوز حدوده اثناء رد العدوان. ویقصد بتجاوز حدود الدفاع الشرعی فی القانون الدولی الجنائی (انتفاء حالة التَناسب بین جسامة فعل الدِفاع المتخذ من الدولة المدافعة، والخطر الذی نجم عن العدوان المرتکب من قبل الدولة المعتدیة، وذلک على الرغم من توافر شروط الدفاع الشرعی الواجب توافرها فی فعل العدوان من جهة، وفی لزوم الدفاع من جهة اخرى). ان اساس تَجاوز حدود حَق الدفاع الشرعی هو انتفاء التناسب بین فعل المدافع والخطر الذی ابداه المهاجم، وانه بهذا الانتفاء او التخلف بین جسامة الخطر والدفاع، سنکون امام تجاوز لحدود حق الدفاع الشرعی الذی یدور وجودا وعدما مع حق الدفاع الشرعی الحاصل ابتداء، فاذا کانت ردة فعل المدافع اشد قوة وعنفا، ویلحق اثارا واضرارا جسیمة بالطرف المهاجم سنکون امام تجاوز لحدود حق الدفاع الشرعی، ومن ثم تحقق حالة العدوان، فیحصل ان یَنقلب الدفاع الشرعی الى جریمة دولیة هی جریمة العِدوان فیما لو توافرت جمیع شروطها وارکانها المادی والمعنوی والدولی، التی نص علیها نظام روما الاساسی. فیما ذهب آخر لتعریف تجاوز حق الدفاع الشرعی بأنه: (خروج المدافع عن حدود حقه فی الدفاع الشرعی)، یمکننا ان نستخلص من التعریف الآنف الذکر ان المقصود بخروج المدافع انما یعنی ان الدولة ممثلة بعناصر قواتها المسلحة باستخدامها قوة اکبر مما یستجوبه فعل الدفاع اللازم لرد الاعتداء الواقع علیها ابتداء، وهو بالتالی لم یکن ابعاد العدو عن حدود الدولة، بل الاندفاع الى اراضی الدولة التی ابتدأت باستخدام القوة، وبإمکانیات واسلحة تفوق ما استخدمه الطرف المهاجم عدة وعددا. ان عناصر تجاوز حدود الدفاع الشرعی تتوزع بین عنصرین احدهما مادی والآخر معنوی، فالعنصر المادی انما یقصد به تلک الاضرار التی تلحق الطرف المهاجم التی تفوق بمجملها تلک الاضرار التی کانت من الممکن ان تلحق الطرف المعتدى علیه ابتداء، اما العنصر الآخر فیتمثل فی نیة الطرف المدافع، ممثلا بأفراد الدولة، بعدم تَجاوز حدود الدفاع الشرعی، ولابد من التأکد هنا على النیة فاذا کانت متجهة الى احداث اضرار وخسائر جسیمة بالدولة المعتدیة تفوق بمجملها تلک الاضرار او الخسائر التی کانت من الممکن ان تلحق الدولة المعتدى علیها ابتداء، فإننا نکون امام تجاوز لحدود حق الدفاع الشرعی. طبقا لذلک فان ما یترتب على تجاوز حد الدفاع الشرعی انتفاء وصف الاباحة، واعتبار الفعل جریمة دولیة، ویتوقف تحدید وصف الجریمة هذا على مدى توافر قصد العدوان لدى الدولة المدافعة، فاذا توافر لدیها القصد فی التجاوز تعتبر مسؤولة عن ارتکابها جریمة عمدیة، اما فی حالة غیاب القصد العدوانی فنکون امام جریمة غیر عمدیة. المطلب الثانی ذاتیة تجاوز حدود الحق فی الدِفاع الشرعی یتضح مما سبق ان تجاوز الدفاع الشرعی یعبر عنه بأنه اخلال المدافع بحقه بصد العدوان، او رده بعد قیام حالة الاعتداء، فإن حالة التجاوز تختلف عن الدفاع الشرعی الوقائی، وکذلک هناک بعض الاختلافات بین التجاوز فی الدفاع الشرعی وحالة الضرورة، التی تُلجأ احد الاطراف لاستخدام القوة دفاعا عن النفس، وبناءً على ذلک سیقسم المطلب الى فرعین الاول لبیان الاختلاف بینتجاوز الدفاع الشرعی والدفاع الوقائی، والآخر لبیان الاختلاف مع حالة الضرورة. الفرع الاول: تجاوز حدود حق الدفاع الشرعی والدفاع الوقائی یعد الالمان واضعی اسس الحرب الوقائیة او الدفاع الوقائی التی شهدت لاحقاً تَطورا ملموسا على ید القائد الفرنسی نابلیون، ومن ثم برر هتلر القائد الالمانی اللجوء للحرب الوقائیة من اجل خدمة بلاده وذلک باتباع الهجوم الخاطف والسریع على خصومه. ویُعرف الدفاع الوقائی بانه (استخدام القوة العسکریة للرد على خطر محتمل من عدوان مسلح دون ان یکون هذا العدوان حاصلا). ان حق الدفاع الشرعی فی ظل القانون الدولی التقلیدی لم یکن یشکل حقاً محدداً او مستقلا، بل ان الدولة کانت مطلقة الید فی استعمال هذا الحق حتى لو یکن هناک استعمال للقوة ای مجرد التهدید، فکانت الدولة تستخدم الوسائل الوقائیة مستندة الى اسباب معقولة دفاعاً عن مصالحها الحیویة، اما بعد اقرار میثاق الامم المتحدة 1945 فهذا الحق لم یقید، وقراءة المادة (51) من میثاق الامم المتحدة التی ترد استثناء على مبدأ حظر استخدام القوة تبین ان النص لم یتطرق للدفاع الشرعی الوقائی الذی تم استبعاده بوصفه سابق على العدوان، وان الدولة تباشره بإرادتها، دون تعرضها لخطر حال، وهو بهذا الوصف یشکل تهدیدا للسلم الدولی الذی اشارت الیه المادة (2) من میثاق الامم المتحدة، التی حرمت استخدام القوة او التهدید بها فی العلاقات الدولیة. ونذهب مع الرأی القائل بان حق الدفاع الشرعی فی ظل میثاق الامم المتحدة قد اضحى استثناءً على المبدأ العام الذی یقضی بحظر استخدام القوة فی العلاقات الدولیة، وبالتالی یلجأ الیه من اجل دفع الضرر الذی ترتب على الاعتداء فی الفترة ما بین بدایة الاعتداء واتخاذ مجلس الامن الاجراءات الضروریة. وعلى العکس من الرأی السالف الذکر فالدفاع الشرعی الوقائی یُمکن ان یکون مشروعاً، بوصفه لیس حقا جدیدا؛ بل متصلا مع حق الدفاع الشرعی، وان وجه الاختلاف بین الاثنین انما راجع للتأقیت، اذ کما هو معلوم ان الدفاع الوقائی یقع قبل وقوع فعل العدوان، فی حین ان الدفاع الشرعی یقع بعد حصول العدوان، فضلا عن ذلک فان الدفاع الوقائی یختلف عن تجاوز الدفاع الشرعی، فالأول یقع قبل حصول عدوان او استخدام للقوة، فی حین ان تجاوز حق الدفاع الشرعی یحدث بعد ان یکون هناک اعتداء فعلی استخدمت فیه القوة العسکریة، وتم الرد علیه بقوة اکبر دون مراعاة لمبدا التناسب بین الفعل والرد علیه. ومن الجدیر بالذکر ان ما قام به الکیان الصهیونی ابان قصف مفاعل تموز العراقی فی7 حزیران عام 1981 لا یُعد دفاعاً شرعیاً، بل یکیف على انه عمل عدائی ینطبق علیه وصف الدفاع الوقائی، وکذلک فعل الولایات المتحدة الامریکیة التی تذرعت بالدفاع الوقائی عندما شنت حربها على العراق سنة 2003، بوصف ان العراق حینها یمتلک اسلحة للدمار الشامل یهدد امنها. الفرع الثانی: تجاوز حدود الدفاع الشرعی وحالة الضرورة (تُعد حالة الضرورة من موانع المسؤولیة وهی تختلف عن تجاوز حدود الدفاع الشرعی فی ان التجاوز یعتبر عملا عدائیا موجب للمسؤولیة، فی حین ان حالة الضرورة عملا قاهرا یعفی من المسؤولیة ولکنها لا تعفی من التعویض). وحالة الضرورة (necessity) التی تعد مکونا مهما من مکونات قانون النزاعات المسلحة، وطریقا الغرض منه القیام بما هو ضروری لا خیار غیره عند التعرض لخطر جسیم، مما یضعها فی موقف تلجأ فیه الى استخدام القوة من اجل صد العدوان، وحالة الضرورة موقتة ومُلحة تُلجأ الدولة أو قواتها المسلحة للتصدی لفعل عدائی، وهی المبرر للجوء لاستخدام القوة فی حدود مبدأ التناسب، الا ان هذه الحالة لیست دائمة؛ بل انها حالة عاجلة تقف عند حد منع العدو من الاستمرار بفعله العدائی، وتقف عند تحقیق الهدف الذی من اجله استخدمت قواتها المسلحة، على انه اذا کان فعلها مُستمرا ومن دون حاجة مُلحة فان الفعل یشکل عدوانا ضد سیادة وامن دولة اخرى. والحاجة الملحة تعنی ما اضطر الیه الانسان او الدولة وتم اللجوء الیها بوصفها حالة لا بد منها وان الاختیار ینعدم نظرا للاضطرار للظروف غیر الاعتیادیة مما تستدعی تصرفا مغایرا للوضع الطبیعی للواقع الذی تستخدم الضرورة فی ظله، فالضرورة انما تعنی انعدام ای وسیلة اخرى لإحقاق الحق. والوثائق الدولیة لا تعد حالة الضرورة جریمة دولیة، بل تعتبرها من جملة الافعال المُباحة، کالدفاع الشرعی، وهذا ما اکدته المادة (14) من مشروع مُدونة الجرائم المُخلة بسلم الانسانیة وأمنها عام 1954 التی نصت على:- (لا تعتبر جریمة الافعال المرتکبة فی معرض الدفاع الشرعی او تحت الاکراه او فی حالة الضرورة). وأشارت المادة (31) من نظام روما الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة عام 1998، والذی دخل حیز النفاذ فی عام 2002، الى ان حالة الضرورة والدفاع الشرعی یُعدان من مَوانع المسؤولیة الجنائیةوان هذا النص یستوعب الاثنین معا اذ یمکن المحکمة الجنائیة الدولیة ان تلجأ الى قواعد القانون الدولی او المبادئ العامة للقانون لقبول دفوع اخرى ومنها حالة الضرورة والانتقام والمعاملة بالمثل. بوصف ان المحکمة الجنائیة الدولیة هی محکمة افراد لا دول، فإن الافراد الخاضعین لولایتها القضائیة، سواء کانوا افرادا عادیین ام مسؤولین مدنیین ام عسکریین، بإمکانهم ان یتمسکوا بحالة الضرورة، فیما لو تعرضوا الى افعال تهدد حیاتهم او ممتلکاتهم، فقاموا برد الاعتداء بالوسیلة المتاحة، وهنا لا تنهض مسؤولیاتهم الدولیة الجنائیة، کون ان ما قاموا به من افعال، وعلى الرغم من درجة خطورتها، فهی تندرج تحت الافعال الطارئة والضروریة، وانهم فی حالة ضرورة تعدم الاختیار. وتعد قضیة السفینة (کارولین) 1837 مثالا على حالة الضرورة اذ قامت بریطانیا بضرب السفینة (کارولین) لنقلها معدات حربیة للثوار الکندیین المقاومین للاحتلال البریطانی بوصف أن السفینة کانت تشکل خطراً وتصرفت على أساس الضرورة، إلا أن الحکومة الأمریکیة ردت على ذلک بأن حالة الضرورة تشترط الخطر الحال والوشیک الوقوع وهو غیر متوافر فی هذه الحادثة. وکانت المانیا بررت احتلالها للنرویج والدنمارک سنة 1940 من ان احتلال البلدین اعلاه ضروری لمنع انکلترا وفرنسا من التقدم الى البلطیق، وبالتالی یجب العبور الى حدود الدولتین، وبررت المانیا هذا الاحتلال بوصفه یشکل خطراً على المانیا بوصفه یخلُ بحیاد الدول الاسکندنافیة. ویُعد قصف ملجأ العامریة فی بغداد مثالاً على تجاوز حالة الضرورة، إذ قامت الولایات المتحدة الأمریکیة بتاریخ 13 شباط عام 1991 بِقصف المَلجأ الذی کان یضُم اطفالاً ونساء، مُتذرعة بالضرورةِ العسکریة، وان قیادات عسکریة عراقیة کانت مُتواجدة فیه طبقا لمعلومات استخباریة، فاستخدم الطیران الامریکی قذائف خاصة لمُهاجمة المَلجأ، واتضح لاحقا عدم صحة المعلومات العسکریة الامریکیة، یذکر ان القصف اعلاه خلف المئات من الضحایا بین صفوف المدنیین العراقیین غالبیتهم من النساء والاطفال. المبحث الثانی شروط تجاوز حدود الحق فی الدفاع الشرعی طبقا لقواعد القانون الدولی من المعروف ان حق الدفاع الشرعی ینهض عندما تتعرض الدولة الى عدوان او ای عمل مسلح اخر اتجاه اقلیمها أیاً کان بریا ام جویا او بحریا، ویبرز هنا دور الدولة فی الرد على مصدر الاعتداء، الا انها قد تلجأ الى استخدام قوة اکثر مما تعرضت له وتکون هنا فی حالة تعسف فی استخدام القوة، وتنهض حالة تجاوز الدفاع الشرعی، ولبیان شروط تجاوز الحق فی الدفاع الشرعی نقسم المبحث الى ثلاثة مطالب اولهما قیام حالة الدفاع الشرعی وفی المطلب الثانی نتناول انعدام التناسب، فی حین خصص المطلب الثالث لتجاوز الدفاع الشرعی بسوء نیة. المطلب الاول قیام حالة الدفاع الشرعی من دون شک فإن الدفاع الشرعی یعد رخصة منحها المشرع الدولی، لکی تستطیع الدولة المعتدى علیها من صد الاعتداء الواقع علیها طبقا لقواعد القانون الدولی، وانه لا مسؤولیة عن الدفاع الشرعی؛ بل ان اللجوء الیه قد یکون جماعیا من قبل عدة دول، والتی تساند الدولة التی وقع علیها الاعتداء، من اجل إعادة الحالة الى ما کانت علیه قبل الاعتداء، بوصف ان الاعتداء فعل یهدد الامن والسلم الدولیین، وان فعل الاعتداء انما یتقاطع مع المصالح العلیا والاعتبارات والمقاصد التی ینشدها المجتمع الدولی، وفی ذلک تطبیق سلیم لنص المادة (51) من میثاق الامم المتحدة. ونرى بأنه کی نکون امام حالة تجاوز طبقا لقواعد القانون الدولی، لابد ان یکون لدینا ابتداء حالة دفاع شرعی، ناشئة عن اعتداء على اراضی او افراد دولة ما، ولابد من ان یکون الخطر والاعتداء الذی تتعرض له هذه الدولة خطر حال، مما یتعذر معه الالتجاء الى مجلس الامن او القضاء الدولی، فتجاوز حدود الحق فی الدفاع الشرعی ینهض عند اللجوء الى استخدام أسلحة لها تأثیر واسع الانتشار، منها التی تلحق اضراراً ببیئة، جراء استخدام اسلحةِ کیمیائیة او اسلحة نوویة، او مهاجمة اعیاناً مدنیة او ممتلکات ثقافیة لا تتناسب مع الاسلحة التی ابتدأ بها العدوان، مما ینتج عن ذلک خسائر لدى الطرف المعتدی ابتداء، فنکون والحالة هکذا امام تجاوز حدود الدفاع الشرعی. ومن الواجب القول ان من دون ان یکون هناک دفاعاً شرعیاً لا یمکن ان یحصل التجاوز، فالدولة التی ینسب الیها المسؤولیة لتجاوزها حدود الدفاع الشرعی لا بد وان تکون قد تعرضت الى اعتداء من قبل دولة، وان هذا الاعتداء قد الحق الضرر بمصالحها ، فلا خیار امامها سوى الدفاع فتنشأ حالة الدفاع الشرعی الذی یقره القانون الدولی بموجب نص المادة (51) من میثاق الامم المتحدة. والذی نراه ان الدولة تکون فی حالة دفاع شرعی عند تعرضها لخطر حال، لا یمکن التصدی له إلا باستخدام القوة، الا انها قد تتجاوز حالة الدفاع الشرعی لسبب او اکثر کالإهمال او التعمد او الطموح فی الحاق خسائر بالطرف الآخر، الذی تکون وسیلته اقل خطرا من تلک التی استخدمها المدافع، فتنشأ حالة التجاوز جراء استخدام مفرط للقوة، فیتحقق شرط عدم التناسب الذی یعد شرطا لازما لنشوء حالة التجاوز. المطلب الثانی انعدام التناسب بین الاعتداء والدفاع الشرعی ان المقصود بالتناسب بین فعل الدفاع وفعل الاعتداء، هو ان تکون الوسیلة التی استعملها المدافع من الوسائل المتاحة لدیة لدفع الخطر، فیما اذا کانت لدیه عدة وسائل متاحة اخرى فی متناوله للدفاع عن نفسه او مال ونفس غیره، ویتحقق التناسب کذلک اذا کانت الوسیلة المتبعة فی صد الاعتداء هی الوسیلة الوحیدة المتیسرة بیده واستخدم الحیطة والحذر اللازمین عند استخدامها. ولا جدال فان شرط التناسب مستمد من القواعد المطبقة فی اطار القوانین الوطنیة، والمعیار المتبع لقیاس مدى التناسب فی ذلک، (الشخص المعتاد) بمعنى وضع الشخص المعتاد- الطبیعی مکان المُعتدى علیه ان کان قد استخدم ذات الوسائل او اقل منها، فهنا یتحقق التناسب، واما اذا کان ما قام به زیادة على ما قام به الشخص المعتاد، فذلک یعد تزید یدخل فی دائرة العدوان الذی یعطی لمن یتعرض له حق الدفاع الشرعی لمواجهته، ومن دون شک فان الدولة المعتدى علیها والتی تلجأ الى الدفاع الشرعی لرد العدوان لا بد من اخطار مجلس الامن بالإجراءات التی تم اتخاذها وذلک إلى أن یتخذ مجلس الأمن التدابیر اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولی، ویقع على عاتق الدولة المعتدى ابلاغ مجلس الامن علیها، على انه بإمکان دولة لیست معتدى علیها ولکن لها مصلحة غیر مباشرة بإبلاغ مجلس الامن، کأن یکون هناک اتفاقیة تفرض علیها الابلاغ وفقا لحق الدفاع الشرعی الجماعی. اما بخصوص تجاوز حدود الدفاع الشرعی، فیعد عدم التناسب شرطا لازما له ، وعدم التناسب انما یعنی ان تبدأ دولة هجوما غیر مشروع على دولة اخرى، قد لا یکون بدرجة من الجسامة ومن دون استخدام اسلحة ثقیلة او اسلحة نوویة او کیمیائیة، فیقوم الطرف المدافع بالرد والتصدی على الافعال الانفة الذکر باستخدام اسلحة ذات تأثیر فعال ومؤثر، قد یلحق خسائر فادحة بالطرف المهاجم، سواء بالمدنیین خلف الحدود او العسکریین، وکان بالإمکان صد الاعتداء بأسلحة تتناسب ما استخدمه الطرف المهاجم، وهنا تبرز حالة عدم التناسب بین فعل الدفاع والخطر. علیه فانه یقع التزام على القادة والمسؤولین مدنیین ام عسکریین التفکیر ملیاً بالإصابات المدنیة المحتملة، او تدمیر الممتلکات المدنیة مقابل تحقیق اهداف عسکریة، الناتجة عن عدم احترام مبدأ التناسب الذی نصت علیه القواعد القانونیة الدولیة، ومنها نص الفقرة(1) من المادة (57) من البروتوکول الإضافی الأول لاتفاقیات جنیف الأربع عام 1977 والتی نصت على: (1-تبذل رعایة متواصلة فی إدارة العملیات العسکریة، من أجل تفادی السکان المدنیین والأشخاص والأعیان المدنیة). ومن دون شک فإن حق الدِفاع الشرعی، لیس حقاً مُطلقاً، ومن الثابت انه یردُ استثناءً على القواعد العامة بوجوب أن تتولى السلطات العامة رد العدوان وإیقاع العقاب، سواء کانت تلک السلطات داخلیة أو دولیة، وإن هذا الاستثناء إنما یقترن بشروط لعل أهمها التناسب بین القوة اللازمة والمناسبة لرد العدوان. وبیان شرعیة استعمال أی سلاح ینبغی البحث فی ظرفین اولهما رصد آثار السلاح المستخدم فی صد الاعتداء والاخر التأکد من طریقة استعماله للتأکد بدقة من تحقیق اهداف معینة، بعیدا عن الاضرار العریضة سواء بالممتلکات والاعیان والمدنیین. فاذا ما وجد ان الاسلحة المستخدمة فی رد الاعتداء قد تم استخدامها بإفراط شدید یفوق الحاجة المطلوبة ولا تتناسب مع ما تم استخدامه من اسلحة من قبل الدولة المعتدیة، فنکون بهذه الحالة امام تجاوز لحدود حق الدفاع الشرعی. ونرى ان التناسب الذی اشترطه المشرع فی تحقق حالة الدفاع الشرعی، لیس المقصود به التناسب المطلق بین العدوان والرد علیه، بل التناسب بین الوسیلتین المستخدمتین فی کلا العملین، على ان التناسب ینعدم فی حالة الرد بأسلحة فتاکة او اسلحة ذات اثار مدمرة من قبل الدولة التی ترد على الاعتداء امام اسلحة تقلیدیة استخدمتها الدولة التی باشرت بالاعتداء اولا، وهنا نکون امام حالة تجاوز لحق الدفاع الشرعی. المطلب الثالث تجاوز حدود الدفاع الشرعی بسوء نیة مما لا شک فیه ان الدفاع الشرعی حق مصان بموجب القواعد القانونیة الدولیة ومنها میثاق الامم المتحدة، وانه عندما تمارس الدولة حقها فی رد فعل الاعتداء فأنها تتصدى لفعل الاعتداء ابتداء بما یتناسب وحجم الاعتداء الحاصل من قبل الدولة المعتدیة. ومن دون شک ان قواعد القانون الدولی الجنائی ومنها نظام روما الاساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة، وفی نص المادة (30) التی اشارت الى ضرورة توافر العلم والارادة کی یسأل الفاعل عن جریمة دولیة، وتوافر العلم والإرادة انما یعنی حضور القصد الجنائی المتمثل بالإرادة المصممة على ارتکاب الفعل بعیدا عن الاکراه، فضلا عن العلم بمجمل مادیات الجریمة، والقصد الجنائی هو المعبر عن النیة فاذا حضر نکون امام نفس شریرة معلنة تصمیمها على ارتکاب الجریمة. ولا جرم انه فی سیاق الحدیث عن التجاوز فی الدفاع الشرعی ومدى دور النیة فی حصوله من عدمه، فان النیة السلیمة فی حالة التجاوز تتمثل فی ان لا یکون المدافع قد تعمد احداث ضرر اشد مما یستلزمه الدفاع، أی ان یکون المدافع معتقدا انه لا یزال فی حدود الدفاع الشرعی وان فعله ما یزال متناسبا مع القدر اللازم من القوة لمنع الاعتداء او وقفه. ومن الرأی السابق یتوجب القول ان الدولة المدافعة تتحقق لدیها النیة السیئة فی صد الاعتداء عندما تتخذ قرارا بصد العدوان، بطریقة تتحقق بها تجاوز لحدود الدفاع الشرعی، وذلک بان تتعمد بإحداث اضرار قد تکون غیر ضروریة اثناء صد الاعتداء الواقع ابتداءً، کاستخدام اسلحة تلحق خسائر کبیرة فی الطرف المعتدی، یمکن استبدالها بأخرى اقل تأثیرا من تلک التی استخدمت فی مرحلة ما بعد الدفاع الشرعی، وهی التی تسببت فی احداث الاضرار غیر الضروریة. واذا کان میثاق الامم المتحدة قد منح الدول حق الدِفاع الشرعی عن النفس بموجب نص المادة (51) فإن حق الدولة فی الدفاع عن نفسها ضد الاعتداء یجب ان لا یتجاوز القدر المعقول، الذی یدفع الاعتداء والضرر عنها وان لا تتجاوز او تبالغ برد الاعتداء، بوصف ان ای تجاوز لحدود الدفاع الشرعی والمقترن بسوء النیة سیجعل من فعلها جریمة دولیة تثیر مسؤولیتها. ومن دون شک فالجریمة الدولیة تشکل انتهاکا صریحا للمصالح التی تحمیها قواعد القانون الدولی، فلابد من حمایة الأمن والسلم الدولیین، فالسلام یُعد واحداً من المصالح الجوهریة الجدیرة بالحمایة والرعایة. وان لجنة القانون الدولی فی الامم المتحدة کانت قد بینت بأن الجریمة الدولیة هی (کل الافعال التی تشکل انتهاکاً لقانون وأعراف الحرب). فضلا عن ذلک فقد تصدى الفقه لتعریف الجریمة الدولیة بالقول بأنها (أعمال بربریة تُشکل اعتداءً على الضمیر الإنسانی، وانتهاکاً جدیاً للحقوق الاساسیة للإنسان کالحق فی الحیاة والحریة والأمن وحمایة المُمتلکات). ان شرط التناسب بین اعمال الدفاع والقوة المستخدمة فی الهجوم المسلح یقتضی ان تکون هناک اعمال عدوانیة عسکریة مادیة قد وقعت بالفعل، وقیام الدولة المعتدى علیها باستخدام القوة المسلحة لرد هذا العدوان الفعلی من دون نیة سیئة مسبقة، ویمکن تقدیر شرط التناسب بالمقارنة بین القوتین المستخدمتین فی اعمال العدوان وأعمال الدفاع الشرعی. ویمکن القول ان حضور سوء النیة الذی یُعد احد عناصر الرکن المعنوی فی الجرائم الدولیة، سیؤدی الى انهیار مبدأ التناسب بین فعل الاعتداء الواقع ابتداء وفعل التصدی الذی تجاوز الحدود المقبولة فی الدفاع الشرعی، وهذا ما یؤید حالة التجاوز ومن ثم حصول الاضرار التی لا تتناسب وحجم الاعتداء. ولا جرم ان تجاوز الدفاع الشرعی مع وجود القصد الجنائی ای وجود النیة المسبقة والتصمیم على الحاق الاذى والضرر بالطرف المهاجم، انما ینبئ عن وجود قصد سابق ونیة مبیتة فی التعرض للطرف المهاجم، مما ینعدم معه التناسب بین فعل الاعتداء الحاصل على الدولة والرد علیه بوسائل تفوق تلک التی استخدمها الطرف المهاجم، کأن یکون الرد بأسلحة نوویة على أسلحة تقلیدیة. ومن هنا یشکل تجاوز حق الدفاع الشرعی بعیدا عن حسن النیة جریمة دولیة یُسأل مرتکبها، على العکس من الحق فی الدفاع الشرعی الذی لا یسأل من استخدمه بوصفه حقاً مشروعاً، فضلا عن عَده مانعاً من موانع المسؤولیة، طبقا لنص الفقرة (ج) مِن المادة (31) من النظام الاساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة. المبحث الثالث صور خاصة عن تجاوز حدود حق الدفاع الشرعی فی القانون الدولی سبق القول ان انعدام التناسب بین فعل الاعتداء والرد علیه او ما یطلق علیه تجاوز حق الدفاع الشرعی، سیلحق ضراراً بالطرف الآخر، فالذی یستفید من الدفاع الشرعی یجب ان لا یتجاوز حدود رد الاعتداء؛ بل یجب ان یکون هناک وکما سبق الاشارة الیه تناسب بین الفعلین الاعتداء والدفاع الشرعی، وینعدم التناسب اذا ما استخدم الطرف المدافع اسلحة نوویة او اذا لجأ الى اسلحة اخرى تلحق اضرار کبیرة فی الطرف المهاجم دون ان یکون هذا الطرف قد استخدمها، علیه سنتناول فی هذا المبحث وبمطلبین صورتین من صور العدوان یتحقق بهما تجاوز لحدود الدفاع الشرعی، فالمطلب الاول سیکون مخصصا لاستخدام الأسلحة النوویة، ونتناول فی المطلب الآخر استخدام الهجمات السیبرانیة. المطلب الاول التجاوز باستخدام الاسلحة النوویة من السهولة بمکان القول ان تجاوز حدود حق الدفاع الشرعی یکون متحققا عندما ینعدم التناسب بین فعل الاعتداء الذی نهض اولا وبین الرد علیه، او ما یمکن ان نطلق علیه بالدفاع الشرعی، على ان غیاب التناسب قد یکون ظاهرا وجلیا فی حالات لا یجد المتابع ای صعوبة فی اکتشاف حالة التجاوز، بحصول اعتداء على احدى الدول والتی ترد علیه باستخدام أسلحة دمار شامل. وکانت قواعد القانون الدولی قد منعت استخدام القوة؛ لابل حتى التهدید بها وعد ذلک فعلا مخالفاً للقانون بمقتضى نص المادة (الثانیة) فی فقرتها (الرابعة) من میثاق الامم المتحدة عام 1945، الا انه قد اجازتها فی اضیق نطاق کما فی نص المادة (51) من المیثاق اعلاه، لا یتعدى الدفاع عن النفس وبما یتناسب وحجم الاعتداء، وفی ذلک تطبیق لمبادئ القانون الدولی والقانون الدولی الانسانی، وعلى وجه الخصوص المتعلقة بمبادئ الضرورة والتناسب والتمییز، ومن دون شک فان من یتغاضى عن هذه المبادئ سیلجأ لأسلحة تدمیریة، کرد على الاعتداء الحاصل ابتداءً. وأسلحة الدمار الشامل ) (Weapons of Mass Destruction تشمل الأسلحة الکیمیائیة والبیولوجیة والنوویة، التی اذا ما استخدمت سواء فی شن العدوان او فی الدفاع الشرعی، یمکن ان تحدث اضراراً للسکان المدنیین، فضلا عن الأعیان المدنیة والعسکریة والبیئة الطبیعیة. ویعرف السلاح النووی بأنه: (سلاح تدمیر فتاک یستخدم فی عملیات التفاعل النووی، ویعتمد فی قوته التدمیریة على عملیة الانشطار النووی أو الاندماج النووی؛ ونتیجة لهذه العملیة تکون قوة انفجار قنبلة نوویة صغیرة أکبر بکثیر من قوة انفجار أضخم القنابل التقلیدیة، إذ بإمکان قنبلة نوویة واحدة تدمیر أو إلحاق أضرار فادحة بمدینة بکاملها، لذا تعتبر الأسلحة النوویة احدى أسلحة الدمار الشامل، ویخضع تصنیعها واستعمالها إلى ضوابط دولیة حرجة ویمثل السعی نحو امتلاکها هدفاً تسعى إلیه کل الدول). ومما لا شک فیه ان هناک فرقاً جوهریاً بین استخدام الأسلحة النوویة والأسلحة التقلیدیة، اذ ان الانفجارات التی تولدها الاسلحة النوویة تکون اشدُ تأثیراً وقوة على السکان المدنیین، ویمکن القول انه فی حال استخدام هذا النوع من الأسلحة سنکون امام غیاب تام لمبدأ التمییز بین المدنیین والعسکریین، فضلا عن عدم التمییز بین الأهداف العسکریة والاهداف والممتلکات المدنیة، وهذا یشکل انتهاکا لقواعد القانون الدولی الانسانی، فضلا عن ان استخدام مثل هکذا نوع من الاسلحة، انما یعدم التناسب بین القوتین المستخدمتین فی بدء فعل الاعتداء وبین الدفاع الشرعی ومن ثم حصول التجاوز. وبذل المجتمع الدولی جهودا حثیثة للعمل من اجل الحد من انتشار الأسلحة النوویة، الى ان تم إقرار معاهدة منع انتشار الأسلحة النوویة عام 1968 ، والتی أجازت استخدام الطاقة النوویة للأغراض السلمیة دون الأغراض العسکریة، وطلبت من الدول النوویة عدم نقل الأسلحة النوویة او تقنیات تفجیر الأسلحة النوویة لدول غیر ذات سلاح نووی. فضلا عن ذلک فان محکمة العدل الدولیة قد اصدرت عام 1996 فتوى بشأن استخدام الأسلحة النوویة او التهدید بها، مؤکدة على ان استخدام الأسلحة یجب ان یکون فی حدود تحقیق مبدأ التمییز بین المقاتلین وغیر المقاتلین، وان قواعد القانون الدولی الانسانی تهدف الى حمایة المدنیین، وان الاطراف المتحاربة یقع علیها التزام بأن لا تستخدم الأسلحة التی لا تمیز بین الأهداف العسکریة والأهداف المدنیة. وبینت المحکمة فی فتواها بأن تحریم استخدام الأسلحة النوویة یعود لطبیعتها التدمیریة، فضلا عما تُلحقه من اضرار قد تسببها للبشریة، ولجوء الطرف المدافع لاستخدام الأسلحة النوویة دون مراعاة لمبدأ التناسب سیثیر مسؤولیته الدولیة، بوصف ان الخسائر التی سیخلفها هذا السلاح من الصعب رصدها، او وقف انتشارها فی منطقة معینة دون اخرى. وقنبلتی هیروشیما وناکزاکی الیابانیتین عام 1945 شاهد على الطبیعة التدمیریة للسلاح النووی، والذی لا یمکن ان یکون استخدامه خاضعاً لحق الدفاع الشرعی. وباستخدام الطرف القائم بالدفاع الشرعی اسلحة ذات قوة هائلة او ما یمکن ان یطلق علیه بأسلحة الدمار الشامل ومنها الأسلحة نوویة مقابل اسلحة تقلیدیة غیر ذات اثار کبیرة، وهنا لا یمکن الاحتجاج بالدفاع الشرعی، فالدفاع الشرعی یتحقق فی حدود معینة، الغایة منها رد الاعتداء ووقفه عند حدود عدم الإضرار بالدولة المستهدفة من العدوان، ولا محالة فإنه باللجوء الى اسلحة الدمار سنکون امام تجاوز للدفاع الشرعی، لغیاب التناسب بین فعل الاعتداء وبین الدفاع الشرعی الذی اصبح غیر شرعیاً بحصول التجاوز. ویمکن التساؤل فیما لو قامت دولة ما برد الاعتداء النووی الواقع علیها بأسلحة نوویة فهل یمکن ان نصف الحالة هنا بالدفاع الشرعی ام بتجاوز له؟ نرى ان الرد بسلاح نووی لصد سلاح نووی اخر یعد ممکنا ولیس بتجاوز للدفاع الشرعی اذا کان الرد متناسبا مع فعل الاعتداء وحجم الضحایا سواء بالأشخاص ام المنشآت الاخرى، فضلا عن حجم الاسلحة ونوعیتها وقدرتها التدمیریة على احداث الاضرار، فتحقیق مبدأ التناسب بین الفعل ورده یجب ان یکون حاضرا عند استخدام هذا النوع من الاسلحة، والفیصل بین الدفاع الشرعی وتجاوزه هی الآثار الآنیة او تلک التی ستحقق فی المستقبل. ولا محالة ان رأینا السابق سوف لا یلقى قبولا بوصف ان اللجوء لاستخدام الاسلحة النوویة من قبل طرفی النزاع سیلحق الدمار بکلا الدولتین؛ بل ربما یصیب العالم بأسره، ولا یمکن السیطرة على اثار الاسلحة النوویة، فالردُ النووی یکون شاملاً ومن الصعوبة بمکان قیاس آثاره، إذ لا قیاس الا ما کان قابلا للقیاس، وذلک لا ینطبق على الحرب النوویة فالدمار الشامل لا یمکن قیاسه، وحینها یکون مبدأ التناسب لا معنى له. وحرمت القواعد القانونیة الدولیة استخدام اسلحة محددة، الا ان الوضع قد بقی على حاله بخصوص استخدام الأسلحة النوویة، سواء بالحظرِ او التقیید منها، وبینت تلک القواعد ضرورة التمسک بمبدأ الضرورة واتباع وسائل قتال بما تُحقق هذا المبدأ للحیلولة دون وقوع خسائر بالمدنیین، او إلحاق الأذى بهم او الإضرار بالممتلکات المدنیة بشکل عَرضی. ولا جرم ان استخدام الأسلحة النوویة بأی شکل سوف لا یحقق مبدأ التمییز کذلک، وهذا ما یلحق الخسائر الکبیرة بین المدنیین، بوصف ان الأسلحة النوویة اذا ما استخدمت کسلاح لرد فعل العدوان، وتوصیف الحالة على انها دفاع شرعی، فإن النتائج ستکون کارثیة وواسعة الانتشار ملحقة الضرر بالإنسان وبالممتلکات أیاً کان نوعها. المطلب الثانی التجاوز باستخدام الهجمات السیبرانیة ان التطورات العلمیة التی شهدها العالم قد القت بظلالها على المبتکرات والصناعات فی مجال الاسلحة، وفی هذا الاتجاه برزت على الساحة ما یطلق علیه بالهجمات السیبرانیة، التی هی نشاط إلکترونی، تُعد الأشد تأثیراً فی مسرح العملیات العسکریة من تلک التی تسببها الأسلحة التقلیدیة. والهجمات السیبرانیة هی تلک التی تستخدم فیها الأسلحة ذات التعطیل الشامل لقدرات العدو، وکذلک للتسلل الى انظمة الکترونیة مُعدة لحمایة او تنظیم سیر عمل مُنشآتً حیویة کَمحطات تزوید الطاقة الکهربائیة او معامل تحلیة المیاه والمطارات والسدود، بهدف تطویعها والسیطرة علیها ومن ثم جعلها خارج الخدمة، ومن دون شک فان هذا النوع من الهجمات ستلحق دمارا واضرارا مادیة سواء فی الممتلکات والاعیان ذات الصلة المباشرة بحیاة الانسان. وبینت بعض القوامیس اصل کلمة (السیبرانیة) ومنها حاسوب مایکروسوفت الذی تطرق الى ان الکلمة مشتقة من (Cyber) التی تشیر الى علم التحکم الالی الذی یتناول الطرق المستخدمة لمراقبة النظم المعقدة سواء من قبل الانسان ام الطرق الالیة. ولم تتغاضى قواعد القانون الدولی عن الاشارة الى مصطلح (الهجمات)، أذ اشارت المادة (49) من البرتوکول الإضافی الاول لاتفاقیات جنیف 1977 الى مصطلح (الهجمات) بأنه قد جاء مطلقا، ولم یکن محددا باستخدام سلاح معین دون غیره، وبالتالی قد یکون سلاح تقلیدیاً ام سلاحاً الکترونیاً، یتم استخدامه من ای اقلیم کان، أکان سواء اقلیماً بریاً ام جویاً ام بحریاً، فی حین ان السلاح السیبرانی اذا ما استخدم سیترک اثارة على البنى التحتیة والبیئة الطبیعیة، ذات المساس المباشر بحیاة الانسان فیکون المدنیون فی هذه الحالة الهدف المستهدف فی کل الاحوال. وقد تستخدم الهجمات السیبرانیة لتعطیل او تدمیر الاجهزة الالکترونیة المتعلقة بتنظیم شبکة الکهرباء او محطات المیاه والسدود، فضلا عن شبکات الاتصال المخصصة للملاحة الجویة او منشآت تحتوی على مواد خطرة او للتسهیل للقیام بهجمات مسلحة تقلیدیة ، وهذا یتعارض مع النتائج التی تترکها، اذ ان الاهداف المتوخاة ذات مساس بحیاة المدنیین، وهذا یعدم التناسب مع ما استخدم من قوة لرد العدوان، وان انهیار مبدأ التناسب سیؤدی الى تجاوز فی الحدود المرسومة للدفاع الشرعی. ویمکن القول ان مسالة تجاوز حدود الدفاع الشرعی قد تجد لها تطبیقا فی حالة استخدام اسلحة الکترونیة، وعلى وجه الخصوص الهجمات السیبرانیة، فاذا ما تعرضت دولة تمتلک اسلحة الکترونیة لعدوان بأسلحة تقلیدیة، فان الدولة المُعتدى علیها لها الحق بالرد على مصدر العدوان، بما یتناسب مع ما استخدمته الدولة التی قامت بالاعتداء ابتداءً، الا انه قد تلجأ هذه الدولة الى القیام بهجوم سیبرانی لرد العدوان، فنکون امام حالة اللاتناسب، ومن ثم انتفاء شروط الدفاع الشرعی، وتحقق حالة التجاوز ومن ثم مسؤولیة الدولة المتجاوزة . وقد تستخدم الهجمات السیبرانیة لتعطیل او تدمیر الاجهزة الالکترونیة المتعلقة بتنظیم شبکة الکهرباء او محطات المیاه والسدود، فضلا عن شبکات الاتصال المخصصة للملاحة الجویة او منشآت تحتوی على مواد خطرة او للتسهیل للقیام بهجمات مسلحة تقلیدیة، وهذا یتعارض مع النتائج التی تترکها، اذ ان الاهداف المتوخاة ذات مساس بحیاة المدنیین، وهذا یعدم التناسب مع ما استخدم من قوة لرد العدوان، وان انهیار مبدأ التناسب سیؤدی الى تجاوز فی الحدود المرسومة للدفاع الشرعی. ویمکن الحکم باختلال مبدأ التناسب بمعیار إحلال دولة محل الدولة الضحیة واخضاعها لنفس الظروف، ومن ثم مقارنة مقدار الدفاع الذی لجأت الیه لصد العدوان المقترف ضدها، فاذا کان معادلا او اقل من ذلک المقدار الذی استخدمته الدولة الضحیة کان التناسب محققا، اما اذا کان المقدار زائدا على ذلک، فتعتبر الدولة المدافعة متجاوزة حدود الدفاع الشرعی. وقد ینطبق ذلک فیما لو قامت دولة بهجوم سیبرانی وردت الدولة المعتدى علیها بأسلحة تقلیدیة ولکنها احدثت اضراراً فی الدولة المعتدیة اکبر من تلک التی اصابتها، ولبیان التجاوز فی الدفاع من عدمه انما یحسب بالآثار الحالیة او التی قد تحصل فی المستقبل، فاذا ما کان رد الدولة التی استخدمت اسلحة تقلیدیة حجمه واسع النطاق وان الخسائر التی احدثها بمجملها تفوق تلک التی احدثها الهجوم السیبرانی سیکون لدینا تجاوز فی الدفاع الشرعی. ولکن قد یثار التساؤل فیما اذا قامت دولة بهجوم سیبرانی وقامت الدولة الاخرى بالرد بهجوم سیبرانی آخر فهل یمکن الجزم بان هناک حالة دفاع شرعی ام حالة من التجاوز للدفاع الشرعی؟ نتفق مع الرأی القائل بأن الرکون الى مسألة الدفاع عن النفس واللجوء الیها کمبرر للقیام بهجمات سیبرانیة مضادة، هو امر صعب ومعقد لکون الاخیرة غیر متفق على مفهومها على صعید القانون الدولی العام والانسانی بالذات بدلیل اثبتته الوقائع، اذ لم یسجل بعد ان قامت دولة بعملیات قتالیة تحت عنوان الدفاع عن النفس لمجرد تعرضها لهجمات سیبرانیة. فضلا عن ان: قواعد القانون الدولی لم تتطرق او تنظم مسألة اللجوء الى الهجمات السیبرانیة، وباستخدام هذه الهجمات سنکون بالفعل بعیدین عن قیاس التناسب ومن ثم بیان الطرف الذی تجاوز حدود الدفاع الشرعی من عدمه. ولا بد من القول ختاما ان الدولة التی تتجاوز حدود حق الدفاع الشرعی، سواء اکان التجاوز باستخدام اسلحة تقلیدیة ام اسلحة نوویة او اللجوء الى الهجمات السیبرانیة، فإنها لامحالة سوف تنهض بحقها المسؤولیة الدولیة بشقیها المدنی الذی یلزم اصلاح الضرر، سواء بإعادة الحال الى ما کانت علیه او التعویض المالی ومن ثم الترضیة، بالإضافة للمسؤولیة الجنائیة التی تلحق الأفراد سواء اکانوا افراداً عادیین ام قادة مدنیین أو عسکریین. الخاتمـة بعد ان تناولنا موضوع تجاوز حدود الحق فی الدفاع الشرعی فی اطار القانون الدولی فأننا قد توصلنا الى مجموعة من النتائج واخرى من المقترحات ندرجها کما یلی: النتائج: 1- ان تجاوز حدود الحق فی الدفاع الشرعی ینهض عندما ینتفی التناسب بین فعل العدوان والرد علیه فیکون الرد اشد سواء بالطریقة او بالوسیلة. 2- ان تجاوز الدفاع الشرعی مع وجود القصد الجنائی ای النیة المسبقة والتصمیم على الحاق الاذى والضرر انما یشکل جریمة دولیة. 3- لکی تنهض حالة التجاوز فی الدفاع الشرعی لا بد من ان تکون الدولة المدافعة یتوافر لدیها القصد الجنائی ای بمعنى ان تکون النیة سیئة حاضرة ابان الرد على العدوان. 4- لا یمکن ان نکون امام حالة الدفاع الشرعی فیما لو استخدمت الدولة التی تعرضت للعدوان ابتداء اسلحة ذات قوة تدمیریة هائلة کأسلحة الدمار الشامل او قامت بهجمات سیبرانیة. التوصیات 1- النص فی النظام الاساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة على تجریم استخدام الهجمات السیبرانیة. 2- الاشارة فی الاتفاقیات الدولیة الخاصة بالقانون الدولی الانسانی الى حظر مهاجمة وسائل الاتصالات الالکترونیة بوصفها ذات تماس مباشر بحیاة المدنیین. 3- تصنیف استخدام الهجمات السیبرانیة على انها استخدام للقوة، وبالتالی خضوع مستخدمی الهجمات السیبرانیة للمسؤولیة الدولیة الجنائیة الفردیة.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) First: In Arabic A- Books: 1. Dr. Abu al-Khair Ahmed Attia Omar, Theory of Preemptive Military Strikes (Preventive Defense) in light of the rules of contemporary international law, Dar al-Nahda al-Arabiya, Cairo, B.T. 2. Ahmed Abdul Karim Othman, International Crimes in the Light of International Criminal Law and Islamic Law, Law Books, Cairo, 2009 3. Dr. Ahmed Abes Nema Al-Fatlawi, Cyber Attacks, An Analytical Legal Study on The Challenges of Its Contemporary Organization, Zain Human Rights Publications, Beirut, 2018. 4. Dr. Ahmed Abes Nema Al-Fatlawi, International Humanitarian Law, Zain Human Rights Publications, Beirut, i1, 2019. 5.Dr. Ahmed Mohammed al-Mahdi Allah, General Theory of International Criminal Justice, I1, Arab Renaissance House, Cairo 6. Dr. Rauf Obeid, Principles of the General Section of Egyptian Penal Legislation, Arab Thought House, without a year of publication. 7. Joseph M. Syracuse, Nuclear Weapons, translated by Mohamed Fathi Khader, Hindawi Foundation for Education and Culture, i1, 2015. 8. Dr. Sami Al-Nasraoui, General Principles in the Penal Code, C1, I1, Dar es Salaam, Baghdad, 1977. 9. Dr. Sami Gad Wasel, State Terrorism under International Law, Knowledge Facility, Alexandria, 2003. 10. Dr. Suhail Hussein Al-Fatlawi, International Disputes, Dar al-Qadisiyah Press, Baghdad, 1985. 11. Charles Russo, General International Law, Translation of Shukrallah Khalifa, Al-Ahlia Publishing and Distribution, Beirut, 1982. 12. Sherif Atlam, International Humanitarian Law Guide to the Academic Community, ICRC, Geneva, 2006 13. Ali Hussein Khalaf and Dr. Sultan Abdul Qadir Al-Shawi, General Principles in the Penal Code, Iraq, Ministry of Higher Education and Scientific Research, Al-Resala Press, Kuwait, 1982. 14. Ali Mohammed Kazem Al-Musawi, Direct Involvement in Cyber Attacks, Modern Book Foundation, I1, Beirut, 2019. 15- Mahmoud Najib Hosni, Draft Penal Code, General Section, I1, 1977. 16. Dr. Montaser Saeed Hamouda, International Criminal Court - General Theory of International Crime - Provisions of International Law, New University House, Alexandria, 2006. 17. Dr. Wissam Naamat Ibrahim al-Saadi, International Humanitarian Law and The Efforts of the International Community in Its Development, University Thought House, Alexandria, 2015 Research 1. Dr. Khalid Akab Hassoun and Khalid Salman Jawad, Legal Defense within the Framework of the International Criminal Court, Tikrit University Journal of Law, Sunnah 1 and Volume (1) Issue (2) Part (1) March 2017 2. Dr. Raad Fajr Fatih al-Rawi and Dr. Hassan Mohammed Saleh, Case of Necessity in International Criminal Law, Tikrit University Journal of Humanities, Volume 22, Issue 7 October, 2015 3. Tarek Al-Jassim and Dr. Ahmed Zuhair Shamia, Preventive Legal Defense and Its Legitimacy in International Relations, Ba'ath University Magazine, Volume 36, Issue 6, 2014 4. Dr. Mohammed Younis Al-Sayegh, Right to Use Legitimate Defence and Use of Force in International Relations, Rafidain of Law Journal, University of Mosul, college of Law, Volume 9, Year 12, Issue 34, 2007 Thesis : 1. Omari Zakkar Mona, Legal Defense in Public International Law, Master's Thesis, Faculty of Law and Political Science, University of the Brothers Of Mantore, Algeria, 2011 2. Zahra Emad Mohammed Klenter, International Responsibility for Cyber Attacks, Master's Thesis, college of Law, Kufa University, 2016 3. Dr. Mohammed Mahmoud Khalaf, Right of Legal Defense in International Criminal Law, Doctoral Thesis, Faculty of Law, Cairo University, 1973, International documents 1. Charter of the League of Nations in 1919 2. UN Charter 1945 3 Draft Code of Crimes against the Peace and Security of Humanity in 1954 4. Statute of the International Criminal Court in 1998 5. The first additional protocol to the Geneva Conventions in 1977 6. International Court of Justice's advisory opinion on the legality of the threat or use of nuclear weapons in 1996, UN General Assembly, 51st Session, Document 218/51 Second: in English 1. ABOU-EL. THE UNITED NATIONS OFFICE IN THE UNITED STATES HAS BEEN ABLE TO ESTABLISH A NEW SYSTEM OF INTERNATIONAL LAW AND LAW. The government's policy of "social and economic development" is to ensure that the rights of the individual are not met. Web sites: Nuclear Weapons, website https://ar.wikipedia.org/wiki/ date of visit 1/1/2020. Rome Statute Review Conference, asp.icc.int, visit date 27/1/2020 | ||
References | ||
المصـادر اولا: باللغة العربیة أ- الکتب: 1- د. ابو الخیر احمد عطیة عمر، نظریة الضربات العسکریة الاستباقیة (الدفاع الوقائی) فی ضوء قواعد القانون الدولی المعاصر، دار النهضة العربیة، القاهرة، ب.ت. 2- احمد عبد الکریم عثمان، الجرائم الدولیة فی ضوء القانون الدولی الجنائی والشریعة الاسلامیة، دار الکتب القانونیة، القاهرة،2009 3- د. احمد عبیس نعمة الفتلاوی، الهجمات السیبرانیة، دراسة قانونیة تحلیلیة بشأن التحدیات تنظیمها المعاصر، منشورات زین الحقوقیة، بیروت،2018. 4- د. احمد عبیس نعمة الفتلاوی، القانون الدولی الانسانی، منشورات زین الحقوقیة، بیروت، ط1، 2019. 5- د. احمد محمد المهدی بالله، النظریة العامة للقضاء الدولی الجنائی، ط1، دار النهضة العربیة، القاهرة 6- د. رؤوف عبید، مبادئ القسم العام فی التشریع العقابی المصری، دار الفکر العربی، بدون سنة نشر. 7- جوزیف إم سیراکوسا، الأسلحة النوویة، ترجمة محمد فتحی خضر، ﻣﺆﺳﺴﺔ هنداوی للتعلیم والثقافة، ط1، 2015. 8- د. سامی النصراوی، المبادئ العامة فی قانون العقوبات،ج1، ط1، دار السلام، بغداد، 1977. 9- د. سامی جاد واصل، ارهاب الدولة فی اطار القانون الدولی، منشأة المعارف، الاسکندریة، 2003 . 10- د. سهیل حسین الفتلاوی، المنازعات الدولیة، مطبعة دار القادسیة، بغداد، 1985. 11- شارل رسو، القانون الدولی العام، ترجمة شکر الله خلیفة، الاهلیة للنشر والتوزیع، بیروت، 1982. 12- شریف عتلم، القانون الدولی الانسانی دلیل للأوساط الاکادیمیة، اللجنة الدولیة للصلیب الاحمر، جنیف، 2006. 13- علی حسین خلف و د. سلطان عبد القادر الشاوی، المبادئ العامة فی قانون العقوبات، العراق، وزارة التعلیم العالی والبحث العلمی، مطبعة الرسالة، الکویت، 1982. 14- علی محمد کاظم الموسوی، المشارکة المباشرة فی الهجمات السیبرانیة، المؤسسة الحدیثة للکتاب، ط1، بیروت، 2019. 15- محمود نجیب حسنی، مشروع قانون العقوبات، القسم العام، ط1، 1977 . 16- د. منتصر سعید حمودة، المحکمة الجنائیة الدولیة-النظریة العامة للجریمة الدولیة- أحکام القانون الدولی ، دار الجامعة الجدیدة، الاسکندریة، 2006 . 17- د. وسام نعمت ابراهیم السعدی، القانون الدولی الانسانی وجهود المجتمع الدولی فی تطوره، دار الفکر الجامعی، الاسکندریة، 2015. ب ـ البحوث 1- د. خالد عکاب حسون وخالد سلمان جواد، الدفاع الشرعی فی اطار المحکمة الجنائیة الدولیة، مجلة جامعة تکریت للحقوق، السنة(1) والمجلد(1) العدد(2) الجزء(1) اذار 2017 2- د. رعد فجر فتیح الراوی ود. حسن محمد صالح، حالة الضرورة فی القانون الدولی الجنائی، مجلة جامعة تکریت للعلوم الانسانیة، المجلد(22)، العدد(7) اکتوبر،2015 3- طارق الجاسم ود. احمد زهیر شامیة، الدفاع الشرعی الوقائی ومدى مشروعیته فی العلاقات الدولیة، مجلة جامعة البعث، المجلد 36، العدد6، 2014 4- د. محمد یونس الصائغ، حق استعمال الدفاع الشرعی واستخدام القوة فی العلاقات الدولیة، مجلة الرافدین للحقوق، جامعة الموصل، کلیة الحقوق، مجلد 9، السنة12، العدد34، 2007. جـ ـ الرسائل العلمیة: 1- العمری زقار منیة، الدفاع الشرعی فی القانون الدولی العام، رسالة ماجستیر، کلیة الحقوق والعلوم السیاسیة، جامعة الاخوة منتوری، الجزائر، 2011 2- زهراء عماد محمد کلنتر، المسؤولیة الدولیة الناشئة عن الهجمات السیبرانیة، رسالة ماجستیر، کلیة القانون، جامعة الکوفة، 2016 3- د. محمد محمود خلف، حق الدفاع الشرعی فی القانون الدولی الجنائی، اطروحة دکتوراه، کلیة الحقوق، جامعة القاهرة،1973، د ـ الوثائق الدولیة 1- میثاق عصبة الامم سنة 1919 2- میثاق الامم المتحدة سنة 1945 3- مشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الانسانیة وامنها سنة 1954 4- النظام الاساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة سنة 1998 5- البرتوکول الاضافی الاول لاتفاقیات جنیف سنة 1977 6- فتوى محکمة العدل الدولیة بشأن مشروعیة التهدید بالأسلحة النوویة او استخدامها عام 1996،الجمعیة العامة للأمم المتحدة، الدورة الحادیة والخمسون، الوثیقة218/51. ثانیا: باللغة الانکلیزیة 1. ABOU-EL.WAFA, AHMED.: Criminal International Law, Revue Egtptienne De Droit International, VOL.62, 2006. 2. Baxter, Bichard, R, Jurisdiction over war crimes and crimes aginst Humanity: Individual and state accountability, Atreatise on international criminal law,Bassiouni,M,Cherif,Volume11,New York University,1971. مواقع الشبکة الالکترونیة: 1. السلاح النووی، الموقع الالکترونی https://ar.wikipedia.org/wiki/ تاریخ الزیارة 1/1/ 2020. 2. المؤتمر الاستعراضی لنظام روما الاساسی، الموقع الالکترونی: asp.icc.int، تاریخ الزیارة 27/1/2020. | ||
Statistics Article View: 790 PDF Download: 439 |