السیاسة الجنائیة العقابیة فی قانون المخدرات والمؤثرات العقلیة العراقی رقم 50 لسنة 2017 | ||
الرافدین للحقوق | ||
Article 6, Volume 21, Issue 68, September 2019, Pages 196-232 PDF (604.8 K) | ||
Document Type: بحث | ||
DOI: 10.33899/alaw.2019.126033.1019 | ||
Author | ||
اسامة النعیمی* | ||
کلیة الحقوق /جامعة الموصل | ||
Abstract | ||
المستخلص أن هذا البحث هو محاولة لتسلیط الضوء على السیاسة الجنائیة العقابیة التی انتهجها المشرع العراقی فی قانون المخدرات والمؤثرات العقلیة رقم 50 لسنة 2017 ، لاسیما فی ظل انتشار ظاهرة الاتجار والتعامل غیر المشروعین بالمواد المخدرة والمؤثرات العقلیة واتساع دائرة تعاطیها والادمان علیها ، بحیث اصبحت هذه الظاهرة حدیث الشارع العراقی ، لما لها من اثار سلبیة خطیرة تهدد المجتمع ککل على کافة مستویاته الاجتماعیة والاقتصادیة والصحیة ، وبیان مدى مواکبة هذه السیاسة للسیاسة العقابیة المعاصرة ، فضلا عن مدى کفایتها فی مکافحة ظاهرة التعامل غیر المشروع بالمواد المخدرة والمؤثرات العقلیة فی صوره کافة أو الحد منها على أقل تقدیر . | ||
Keywords | ||
العقوبات; الاصلیة; التکمیلیة; التدابیر; الوقائیة | ||
Full Text | ||
السیاسة الجنائیة العقابیة فی قانون المخدرات والمؤثرات العقلیة العراقی رقم 50 لسنة 2017-(*)-
(*) أستلم البحث فی 24/8/2019 *** قبل للنشر فی 28/8/2019. (*) Received on 24/8/2019 *** accepted for publishing on 28/8/2019. Doi: 10.33899/alaw.2019.126033.1019 © Authors, 2019, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license (http://creativecommons.org/licenses/by/4.0). المستخلص إن هذا البحث هو محاولة لتسلیط الضوء على السیاسة الجنائیة العقابیة التی انتهجها المشرع العراقی فی قانون المخدرات والمؤثرات العقلیة رقم 50 لسنة 2017، لاسیما فی ظل انتشار ظاهرة الاتجار والتعامل غیر المشروعین بالمواد المخدرة والمؤثرات العقلیة واتساع دائرة تعاطیها والادمان علیها، بحیث اصبحت هذه الظاهرة حدیث الشارع العراقی، لما لها من اثار سلبیة خطیرة تهدد المجتمع ککل على کافة مستویاته الاجتماعیة والاقتصادیة والصحیة، وبیان مدى مواکبة هذه السیاسة للسیاسة العقابیة المعاصرة، فضلا عن مدى کفایتها فی مکافحة ظاهرة التعامل غیر المشروع بالمواد المخدرة والمؤثرات العقلیة فی صوره کافة أو الحد منها على أقل تقدیر. Abstract This research is an attempt to highlight the criminal penal policy adopted by the Iraqi legislator in the Law on Narcotic Drugs and Psychotropic Substances No. 50 of 2017, especially in light of the spread of the phenomenon of trafficking and illegal handling of narcotic drug or psychotropic substances and the widening circle of abuse and addiction, The Iraqi street at various levels because of its negative effects seriously threaten the society at large at all levels of social, economic and health, and to indicate the extent to keep pace with this policy of contemporary penal policy, as well as the extent of its adequacy in combating the phenomenon of non-interference Intimidation of narcotics or psychotropic substances in all its forms or at least to reduce them. المقدمـة إن مقدمة بحثنا یمکن توضیحها فی النقاط الآتیة: أولاً: التعریف بموضوع البحث وأهمیته یشهد العراق فی الآونة الأخیرة انتشارا لظاهرة الاتجار غیر المشروع بالمواد المخدرة وتعاطیها واتساع دائرة الإدمان علیها یوما بعد یوم، وأصبحت هذه الظاهرة حدیث الشارع العراقی على مختلف مستویاته، لما لهذه الظاهرة من أثار سلبیة تهدد المجتمع ککل على المستوى الاجتماعی والاقتصادی والصحی والإنسانی، مما یدعو إلى ضرورة تضافر جهود أجهزة الدولة المختلفة على الصعید التشریعی والتنفیذی والقضائی، فضلا عن مؤسساتها الاجتماعیة لمکافحة هذه الظاهرة والقضاء علیها بالطرق والوسائل کافة. ولاشک إن الدور الأهم فی مکافحة هذه الظاهرة یتطلب وجود قواعد قانونیة محددة وواضحة وصارمة تنظم التعامل المشروع فی المواد المخدرة من جهة، وتجرم التعامل غیر المشروع بها وتضع العقوبات المناسبة لها من جهة أخرى، وعلى أن یراعى فی وضع هذه القواعد تحقیق مصلحة المجتمع والأسرة والفرد للوصول إلى الغایة المنشودة منها والمتمثلة بوضع حد لهذه الآفة الوبائیة التی تهدد الصحة العامة للإنسان وتدمر الأفراد والأسر والمجتمعات، وبناءً علیه فقد اخذ المشرع العراقی على عاتقه وضع النصوص التی تنظم التعامل المشروع فی المواد المخدرة، وکذلک تلک التی تجرم التعامل غیر المشروع بها ووضع العقوبات المناسبة التی تفرض على مرتکبی تلک الجرائم، وذلک ضمن قانون خاص هو قانون المخدرات والمؤثرات العقلیة رقم 50 لسنة 2017. ومن هذا المنطلق تتضح أهمیة البحث فی السیاسة الجنائیة العقابیة التی تبناها المشرع العراقی لمواجهة هذه الظاهرة وبیان مدى فاعلیتها فی القضاء على هذه الآفة الخطیرة أو الحد منها على أقل تقدیر، فضلا عن تلمس أوجه القصور التی تعتریها فی محاولة لسد ثغراتها ودرء عیوبها. ثانیاً: تساؤلات البحث إن تساؤلات البحث التی نحاول إیجاد إجابات لها یمکن إجمالها بالاتی: هل إن السیاسة العقابیة التی انتهجها المشرع العراقی فی قانون المخدرات والمؤثرات العقلیة الحالی قد واکبت السیاسة العقابیة الحدیثة، وهل هی کافیة لمکافحة التعامل غیر المشروع بالمواد المخدرة فی صوره کافة، فإذا کانت الإجابة بالإیجاب فسوف تنتهی المشکلة، أما إذا کانت بالنفی، فلا بد من الالتجاء إلى سیاسة عقابیة أخرى لمکافحة هذه الظاهرة والقضاء علیها أو الحد منها على اقل تقدیر. ثالثاً: نطاق البحث إن موضوع البحث یحتم علینا أن نحدد نطاقه ضمن نصوص قانون المخدرات والمؤثرات العقلیة العراقی رقم 50 لسنة 2017 من خلال تحلیلها وفهم ضوابطها لیتبین لنا سیاسة المشرع الجنائیة فی تحدید العقاب على هذه الجرائم والتدابیر المتبعة للقضاء علیها أو الحد منها ومن آثارها على اقل تقدیر. رابعاً: منهجیة البحث سنعتمد فی البحث على المنهج الاستقرائی والمنهج التحلیلی للنصوص الخاصة بالعقاب على جرائم المخدرات وبالقدر الذی یمکن من خلاله الإجابة على تساؤلات البحث. خامسا: هیکلیة البحث لتناول موضوع البحث فقد ارتأینا تقسیمه وفقا للاتی: المبحث الأول: السیاسة الجنائیة العقابیة البحتة المطلب الأول: العقوبات الأصلیة المطلب الثانی: العقوبات التکمیلیة المبحث الثانی: السیاسة الجنائیة العقابیة الوقائیة والعلاجیة المطلب الأول: التدابیر الوقائیة المطلب الثانی: التدابیر العلاجیة
المبحث الأول السیاسة الجنائیة العقابیة البحتة تحتل دراسة السیاسة الجنائیة العقابیة أهمیة کبیرة بوصفها احد أقسام السیاسة الجنائیة والتی من خلالها یتبین ماهیة المبادئ التی استرشد بها المشرع عند تحدیده لصور العقوبات التی تفرض على الأفعال التی تضر بمصالح الأفراد داخل المجتمع والمجرمة من قبله، وکذلک تلک المبادئ التی تتعلق بتطبیقها وتنفیذها. وان السیاسة الجنائیة الناجحة فی مجال العقوبات تکون من خلال فرض العقاب المناسب على الأفعال الجرمیة سواء من حیث نوعها أم من حیث مقدارها، وبما یحقق هدف العقوبة الأساسی المتمثل بمکافحة الجریمة وهو هدف العقوبة بعید المدى الذی یتحقق عن طریق أهداف قریبة تکون بمثابة الوسائل إلى بلوغ هذا الهدف وهی الردع العام والردع الخاص وتحقیق العدالة وتأهیل وإصلاح الجانی. ومن المعلوم إن العقوبة "الجزاء الجنائی" هی المظهر القانونی لرد الفعل الاجتماعی إزاء مرتکب الجریمة، ولها تقسیمات عدیدة، إذ تقسم من حیث جسامتها إلى عقوبات الجنایات والجنح والمخالفات، ومن حیث محلها إلى عقوبات بدنیة وسالبة أو مقیدة للحریة ومالیة، وکذلک تقسم من حیث أصالتها أو تبعیتها إلى عقوبات أصلیة وتبعیة وتکمیلیة. وبالرجوع إلى الفصل الثامن من قانون المخدرات والمؤثرات العقلیة العراقی النافذ الذی جاء تحت عنوان (العقوبات) یتبین إن سیاسة المشرع فی هذا الصدد تقوم على أساس فرض نوعین من العقوبات على مرتکبی جرائم المخدرات هما العقوبات الأصلیة والعقوبات التکمیلیة, وهو ما سنتناوله فی مطلبین وکالاتی: المطلب الأول العقوبات الأصلیة تمثل العقوبات الأصلیة صورة الجزاء الجنائی الأساسی للجریمة، ویجوز الحکم بها بشکل منفرد من دون أن یکون توقیعها معلقا على الحکم بعقوبة أخرى، ولا یمکن تنفیذها إلا إذا نص علیها القاضی فی حکمه وحدد نوعها ومقدارها، وبها یتحقق الهدف المبتغى من العقاب. والعقوبات الأصلیة التی قررها المشرع العراقی لمرتکبی جرائم المخدرات تشمل الإعدام، والسجن بنوعیه المؤبد والمؤقت، والغرامة وهو ما سنتناوله وفقا للاتی: أولا: عقوبة الإعدام تعد عقوبة الإعدام من أقدم العقوبات التی عرفتها الأنظمة العقابیة، وقد کان نطاق فرضها وتنفیذها بالغ الاتساع فی المراحل الأولى لتطور السیاسة الجنائیة العقابیة، إذ کانتمقررة لعدد غیر محدد من الجرائم، کما إن تنفیذها کان یتسم بالقسوة والوحشیة تحقیقا لفکرة الانتقام والردع التی سیطرت على أهداف العقوبة فی ذلک الوقت. ویتمثل الإیلام فی عقوبة الإعدام فی إزهاق روح المحکوم علیه بوسیلة یحددها القانون، وهو بلا أدنى شک یمثل اشد وأقصى أنواع الإیلام الذی یمکن أن تتضمنه عقوبة جنائیة، إذ یحرم المحکوم علیه من حق أساسی بدونه یصبح عدما، وهو الحق فی الحیاة. وعقوبة الإعدام من العقوبات المقررة لجرائم الجنایات، إذ تعد الجریمة من نوع الجنایات إذا کانت العقوبة المقررة لها الإعدام أو السجن المؤبد أو المؤقت لأکثر من خمس سنوات إلى خمسة عشرة سنة. وقد فرض المشرع العراقی فی المادة (27) من القانون عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد على کل من ارتکب إحدى الجرائم الآتیة: 1- استیراد أو جلب أو تصدیر مواد مخدرة أو مؤثرات عقلیة أو سلائف کیمیائیة. 2- إنتاج أو صنع مواد مخدرة أو مؤثرات عقلیة أو سلائف کیمیائیة. 3- زراعة النباتات التی ینتج عنها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلیة أو استیرادها أو جلبها أو تصدیرها فی أی طور من أطوار نموها، ویلزم للعقاب على أی فعل من الأفعال أعلاه أن یتم ذلک بقصد المتاجرة، وان یکون ذلک فی غیر الحالات التی یجیزها القانون. ومما تقدم یتضح إن سیاسة المشرع العراقی لمکافحة ظاهرة التعامل غیر المشروع فی المواد المخدرة تقوم على مبدأ التشدید فی العقاب المفروض على مرتکبی جرائم الاستیراد، الجلب، التصدیر، الصنع، زراعة النباتات التی ینتج عنها مواد مخدرة أو استیرادها أو جلبها أو تصدیرها إذا ارتکبت بقصد المتاجرة بها أو ببذورها فی غیر الأحوال التی یجیزها القانون، وذلک من خلال تقریره لعقوبة الإعدام لمرتکبی أی فعل من هذه الأفعال. وهو اتجاه نذهب إلى تأییده وذلک لکون هذه الأفعال تمثل الأفعال الأکثر خطورة فی مجال التعامل غیر المشروع فی المواد المخدرة مما یتطلب إنزال اشد العقوبات على مرتکبیها، إذ إنهم یسعون إلى تحقیق الکسب المادی بصورة غیر مشروعة على حساب الضحایا من أبناء المجتمع، فضلا عما لها من آثار سلبیة خطیرة على امن وسلامة المجتمع، وکذلک لما لها من أثار کبیرة على انتشار ظاهرة تعاطی المخدرات والإدمان علیها. ومما یلاحظ أیضا أن عقوبة الإعدام جوازیه للمحکمة فلها أن تحکم بها أو بعقوبة السجن المؤبد، لذا فأننا نقترح على المشرع تعدیل نص المادة (27) من القانون وذلک بجعل عقوبة الإعدام هی العقوبة الوحیدة المقررة لهذه الجرائم، لاسیما إذا أخذنا بنظر الاعتبار – فضلا عما بیناه أنفا - المبالغ والأرباح الکبیرة التی یجنیها مرتکبی هذه الأفعال المجرمة والتی یمکن استخدامها لأغراض الإفلات من العقاب خاصة مع نمو وتفشی ظاهرة الفساد، کما إن ذلک من شانه تحقیق أغراض العقوبة فی تحقیق العدالة والردع بنوعیه العام والخاص. ثانیا: عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت عقوبة السجن هی إحدى العقوبات السالبة للحریة، وهی ثانی عقوبة من حیث شدتها بعد عقوبة الإعدام، ویقصد بها إیداع المحکوم علیه فی إحدى المؤسسات العقابیة المدة المقررة فی الحکم، وهی على نوعین، الأول: السجن المؤبد ومدته عشرون سنة، والثانی: السجن المؤقت ومدته أکثر من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة ما لم ینص القانون على خلاف ذلک. وعقوبة السجن بنوعیه من العقوبات المقررة لجرائم الجنایات، إذ تعد الجریمة من نوع الجنایات إذا کانت العقوبة المقررة لها الإعدام أو السجن المؤبد أو المؤقت ویلاحظ فی هذا الصدد إن المشرع قد فرض عقوبة السجن المؤبد کعقوبة جوازیه تحکم بها المحکمة فی حال عدم الحکم بالإعدام على مرتکبی إحدى الجرائم الواردة فی المادة (27) التی سبق وان بیناها آنفا، وأنه جاء فی المادة (28) وفرض عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت على مرتکبی جرائم الحیازة أو الإحراز أو الشراء أو البیع أو التملک للمواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة أو السلائف الکیمیائیة الواردة فی الجدول رقم (1) المرفق بالقانون أو لنبات من النباتات التی تنتج عنها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلیة أو سلمها أو تسلمها أو نقلها أو تنازل عنها أو تبادل فیها أو صرفها بأیة صفة کانت أو توسط فی شیء من ذلک إذا ارتکبت بقصد المتاجرة بها، وجریمة تقدیم مواد مخدرة أو مؤثرات عقلیة للتعاطی أو الإسهام أو التشجیع على تعاطیها فی غیر الأحوال التی أجازها القانون، وکذلک جریمة استعمال المواد المخدرة المدرجة فی الجداول (1، 2، 3) أو التصرف فیها بأیة صورة کانت فی غیر الأغراض المخصصة لها، ثم ألحق بهذه الجرائم جریمة إدارة أو إعداد أو تهیئة مکان لتعاطى المواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة ، وجریمة إغواء حدث أو تشجیع زوجه أو احد أقاربه إلى الدرجة الرابعة على تعاطی المواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة. وکذلک عاقب بالسجن المؤقت على جریمة الاعتداء على احد الموظفین أو المکلفین بخدمة عامة أو مقاومته بالقوة أو العنف أو السلاح إذا کان ممن یتولون القیام بتنفیذ أحکام هذا القانون وکان ذلک أثناء قیامه بتأدیة وظیفته أو بسببها. ثالثا: عقوبة الحبس وهی من العقوبات السالبة للحریة أیضا، وتأتی بحسب شدتها بعد عقوبة السجن المؤبد وعقوبة السجن المؤقت، ویراد بها إیداع المحکوم علیه فی إحدى المؤسسات العقابیة المدة المقررة فی الحکم، وهی على نوعین، الأول: الحبس الشدید ومدته لا تقل عن ثلاثة اشهر ولا تزید على خمس سنوات، والثانی: الحبس البسیط ومدته لا تقل عن أربع وعشرین ساعة ولا تزید عن سنة واحدة. والحبس من العقوبات المقررة لجرائم الجنح، إذ تعد الجریمة من نوع الجنح إذا کانت العقوبة المقررة لها الحبس والغرامة. وقد فرض المشرع فی المادة (28/ سادسا) بفقرتیها (1، 2) عقوبة الحبس الشدید على مرتکبی جرائم الحیازة أو الإحراز أو الشراء أو البیع أو التملک للمواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة أو السلائف الکیمیائیة أو تسلمها أو تسلیمها أو نقلها أو التنازل عنها أو تبادلها أو صرفها بأیة صفة کانت أو توسط فی شیء من ذلک إذا ارتکبت بقصد المتاجرة بها، ویلزم لذلک أن یکون محل الجریمة من ضمن المواد المخدرة أو المؤثرات عقلیة أو السلائف کیمیائیة الواردة فی الجداول (2، 3، 4، 5،6،7، 8، 9، 10). ونزل بالعقوبة وجعلها الحبس مدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزید على ثلاث سنوات لجریمة استیراد أو صنع أو إنتاج أو حیازة أو إحراز أو شراء أو زراعة نباتات ینتج عنها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلیة أو اشتراها بقصد التعاطی والاستعمال الشخصی. کما هبط بالعقوبة وجعلها الحبس مدة لا تقل عن ستة اشهر ولا تزید على سنتین لجریمة السماح للغیر بتعاطی المخدرات فی أی مکان عائد له، وکذلک لجریمة ضبط شخص فی مکان اعد أو هیأ لتعاطی المخدرات وکان یجری تعاطیها مع علمه بذلک. فیما عاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة اشهر أو بغرامة لا تقل عن (3000000) ثلاثة ملایین دینار ولا تزید على (5000000) خمسة ملایین دینار أو بإحدى هاتین العقوبتین الطبیب الذی یقوم بإعطاء وصفة طبیة لصرف مواد مخدرة أو مؤثرات عقلیة لغیر أغراض العلاج الطبی مع علمه بذلک. ونعتقد أن العقوبة المقررة فی الحالة الأخیرة لا تتناسب مع خطورة الجریمة، فضلا عن بساطتها التی تشجع الأطباء على الاستخفاف بالقانون، کما أنها من الجرائم العمدیة التی لا یخرج الفعل المکون لها عن الأفعال المحققة للمساهمة الجنائیة التی شدد المشرع العقاب علیها فی القانون، لذلک نقترح على المشرع تشدید العقوبة وبالشکل الذی یتناسب مع خطورة الجریمة وصفة القائم بها. رابعا: عقوبة الغرامة عقوبة الغرامة من العقوبات المالیة التی تصیب الذمة المالیة للمحکوم علیه، ویراد بها إلزام المحکوم علیه بان یدفع لخزینة الدولة المبلغ المحدد فی الحکم. والغرامة فی القانون العراقی على ثلاثة أنواع، إذ قد تکون عقوبة أصلیة مباشرة عندما تکون العقوبة الوحیدة للجریمة، وقد تکون عقوبة بدلیه – اختیاریة – فیحکم بها بدلا من عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت أو عقوبة الحبس عندما ینص علیها القانون کعقوبة مع إحدى العقوبات السابقة، کما قد تکون عقوبة تکمیلیة عندما ینص علیها القانون کعقوبة إضافیة یحکم بها إضافة إلى العقوبة الأصلیة. والملاحظ أن المشرع العراقی قد فرض عقوبة الغرامة وجعلها عقوبة تکمیلیة یعاقب بها المحکوم علیه إضافة إلى العقوبة الأصلیة لجمیع جرائم المخدرات وتدرج فی مبالغ الغرامة المفروضة على مرتکبی هذه الجرائم بحسب جسامة الجریمة والقصد منها، إذ حدد مقدار عقوبة الغرامة وجعل لها حدین بحیث لا تقل عن عشرة ملایین دینار ولا تزید عن ثلاثین ملیون دینار للجرائم الواردة فی المادة (28/ أولا وثانیا وثالثا ورابعا وخامسا)، کما حدد مقدارها بمبلغ لا یقل عن خمسة ملایین دینار ولا یزید عن عشرة ملایین دینار للجرائم الواردة فی المادة (28/ سادسا/ 1، 2)، والمادة (32)، فیما حدد مقدارها بمبلغ لا یقل عن ثلاثة ملایین دینار ولا یزید عن خمسة ملایین دینار للجرائم الواردة فی المادة (33 / أولا). وقد استثنى من ذلک الجرائم الواردة فی المادة (27) من القانون، إذ حدد العقوبة التی تفرض على مرتکبیها بالإعدام أو السجن المؤبد، وکذلک جریمة إعطاء وصفة طبیة لصرف مواد مخدرة أو مؤثرات عقلیة لغیر أغراض العلاج الطبی المنصوص علیها فی المادة (31) حیث جعل فیها المشرع من عقوبة الغرامة عقوبة اختیاریة یحکم بها القاضی کبدیل لعقوبة الحبس الشدید لمدة لا تقل عن ثلاثة اشهر، وحدد مقدارها بحیث لا تقل عن ثلاثة ملایین دینار ولا تزید عن خمسة ملایین دینار. وفیما یتعلق بالمادة (31) فان المشرع العراقی قد وقع فی خطا أثناء صیاغة المادة، إذ استخدم أداة (أو) التخییریة عند تحدیده لعقوبة الجریمة ثم أردف ذلک بعبارة (أو بإحدى هاتین العقوبتین)، والمفروض فی هذه الحالة إما أن یکتفی المشرع بذکر الحرف (أو) وعدم ذکر عبارة (أو بإحدى هاتین العقوبتین) لأنها تصبح تزیدا لا مبرر له، أو یجعل من عقوبة الغرامة عقوبة تکمیلیة تفرض مع العقوبة الأصلیة، ویلزم لذلک تبدیل الأداة (أو) بالحرف(و) الذی یفید الجمع بین العقوبتین، وبالتالی إبقاء الاختیار بین احدهما للقاضی وذلک بالإبقاء على عبارة (أو بإحدى هاتین العقوبتین). وأخیرا فقد فرض المشرع فی المادة (33/ ثانیا/ أ) عقوبة الغرامة وجعلها عقوبة أصلیة لجریمة حیازة أو إحراز مواد مخدرة أو مؤثرات عقلیة بکمیات تزید أو تقل عن الکمیات الناتجة من تعدد عملیات الوزن، وحدد مقدارها بمبلغ لا یقل عن ملیونی دینار ولا یزید على خمسة ملایین دینار( (وکذلک جریمة الإحجام عن الإخبار بوجود نباتات مخدرة مزروعة فی مکان ما لأغراض غیر مشروعة المنصوص علیها فی المادة (33/ ثالثا). والملاحظ مما تقدم إن السیاسة الجنائیة العقابیة التی اعتمدها المشرع العراقی فی قانون المخدرات والمؤثرات العقلیة لمکافحة ظاهرة التعامل غیر المشروع فی المواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة تمیزت بعدة خصائص والتی یمکن إجمالها کالآتی: أولا: التشدید فی العقاب إن سیاسة المشرع فی التشدید فی العقاب تتبین من خلال فرضه لعقوبة الإعدام أو السجن المؤبد على مرتکبی الجرائم الواردة فی المادة (27)، وأیضا فرضه عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت على مرتکبی الجرائم الواردة فی المادة (28)، والتی هی فی غالب صورها ترتبط بقصد المتاجرة بالمواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة أو السلائف الکیمیائیة فی غیر الأحوال التی یجیزها القانون. کما وتجدر الإشارة إلى أن سیاسة المشرع فی التشدید فی العقاب تظهر أیضا من خلال النص على الظروف المشددة للعقوبة بالنسبة للجرائم الواردة فی المادتین (27، 28) من القانون إذا تحققت إحدى الحالات الآتیة: 1- العود 2- إذا کان الفاعل من الموظفین أو المکلفین بخدمة عامة المنوط بهم مکافحة الاتجار والاستعمال غیر المشروع للمواد المخدرة والمؤثرات العقلیة أو الرقابة على تداولها أو حیازتها. 3- إذا اشترک الفاعل فی عصابة دولیة أو کان فعله متلازما مع جریمة من الجرائم المخلة بأمن الدولة الداخلی أو الخارجی. 4- إذا استعمل الفاعل العنف أو السلاح أثناء ارتکابه للجریمة. 5- إذا کان مکان ارتکاب الجریمة دار عبادة أو مؤسسة تعلیمیة عسکریة أو مدنیة أو سجن أو مکان حجز أو دار إصلاح للإحداث أو دار لإیواء المشردین والمتسولین أو لرعایة الأیتام أو نادی ریاضی أو مؤسسة مجتمع مدنی. وکذلک المساواة فی العقوبة بین الجریمة فی صورتها التامة والشروع فیها وذلک فی (المادة 35/ سادسا)، على خلاف المقرر بالنسبة لعقوبة الشروع فی الجریمة الواردة فی المادة (31) من قانون العقوبات النافذ التی تجعل من عقوبة الشروع اخف من عقوبة الجریمة التامة. ثانیا: التدرج فی العقاب کما اعتمدت سیاسة المشرع العراقی على التدرج فی العقاب تبعا لجسامة السلوک الإجرامی وخطورة الآثار المترتبة علیه، فضلا عن مدى تردی الجانی فی هوة الإجرام، إذ بدأ بفرض عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد على مرتکبی الجرائم الواردة فی المادة (27) التی ترتکب بقصد المتاجرة بالمواد المخدرة، ثم هبط بالعقوبة وجعلها السجن المؤبد أو المؤقت والغرامة التی لا تقل عن عشرة ملایین دینار ولا تزید عن ثلاثین ملیون دینار بالنسبة للجرائم الواردة فی المادة (28) التی تشمل الأفعال الإجرامیة الأکثر خطورة وتأثیرا بعد الاتجار بالمواد المخدرة کحیازتها أو إحرازها بقصد المتاجرة بها أو تقدیمها للتعاطی أو إدارة أو تهیئة مکان لذلک، ثم نزل بالعقوبة تدریجیا إلى أن وصل إلى عقوبة الغرامة التی لا تقل عن ملیونی دینار ولا تزید على خمسة ملایین دینار للجرائم الواردة فی المادة (33)، وهی جریمة حیازة أو إحراز مواد مخدرة أو مؤثرات عقلیة بکمیات تزید أو تقل عن الکمیات الناتجة من تعدد عملیات الوزن، وکذلک جریمة الإحجام عن الإخبار بوجود نباتات مخدرة مزروعة فی مکان ما لأغراض غیر مشروعة. وسیاسة التدرج فی العقاب التی انتهجها المشرع جعلت من السیاسة العقابیة کما نعتقد سیاسة ملائمة، إذ انه بالتدرج فی العقوبات ظهرت سیاسة المشرع فی العقاب بحسب خطورة السلوک المجرم وخطورة مرتکبه ، بالإضافة إلى قیامه بالموازنة بین المقاصد التی یتطلبها القانون فی الصور المختلفة لجرائم التعامل غیر المشروع فی المواد المخدرة، وتقدیره لکل منها العقوبة التی تناسبها تبعا لذلک. ثالثا: الجمع بین العقوبات إن سیاسة المشرع العقابیة قد اعتمدت أیضا على الجمع بین نوعین من العقوبات، العقوبات السالبة للحریة (السجن أو الحبس) والعقوبات المالیة (الغرامة) لغالبیة صور التعامل غیر المشروع بالمواد المخدرة، وهذا یتضح من خلال استخدام المشرع لحرف (الواو) الذی یفید الجمع وعدم استخدامه أداة (أو) التخییریة فی نصوص المواد العقابیة (28، 31، 32، 33)، وبما یفید التزام القاضی بفرض العقوبتین وعدم فرض إحداهما دون الأخرى على مرتکب أی جریمة من الجرائم الواردة فی المواد أعلاه، وهذه سیاسة عقابیة یتبعها المشرع لغرض التشدید فی مسؤولیة مرتکب الجریمة، وقد انتهجها المشرع العراقی فی قانون المخدرات والمؤثرات العقلیة، وهو أمر یحسب له وذلک لمکافحة هذه الجرائم والحد من انتشارها فی المجتمع. فضلا عن ذلک فان المشرع لم یکتف بالجمع بین العقوبات وإنما حدد لنوعی العقوبة حدین أعلى وأدنى لیمکن من خلال ذلک القاضی من إعمال سلطته التقدیریة لاختیار العقوبة المناسبة لمرتکب الجریمة، وهو ما یمثل اعتمادا من المشرع لمبدأ التفرید العقابی الذی یعد احد أهم المبادئ التی یقوم علیها القانون الجنائی الحدیث، والذی یقصد به أن تأتی العقوبة متناسبة مع جسامة وخطورة الجریمة ومع درجة مسؤولیة الجانی عنها والظروف التی أحاطت بارتکابها، وبالتالی فلم یعد للجریمة الواحدة عقوبة واحدة متساویة بالنسبة لجمیع الجناة.
المطلب الثانی العقوبات التکمیلیة العقوبات التکمیلیة، هی "عقوبات ثانویة للجریمة تستهدف توفیر العقاب الکامل لها، وهی مرتبطة بالجریمة دون عقوبتها الأصلیة ولا توقع إلا إذا نطق بها القاضی وحدد نوعها، ولا یتصور أن یوقعها بمفردها"، وتقوم سیاسة المشرع العراقی على فرض ثلاثة أنواع من العقوبات التکمیلیة على مرتکبی جرائم التعامل غیر المشروع فی المواد المخدرة هی المصادرة ونشر الحکم وغلق المحل، وسنتناول هذه العقوبات کالآتی: أولا: المصادرة المصادرة بحسب الأصل عقوبة مالیة، وهی فی جوهرها تعنی إضافة مال للجانی إلى مال الدولة دون مقابل، أو هی عبارة عن "نزع ملکیة المال جبرا بغیر مقابل وإضافته إلى ملک الدولة"، فهی سبب من أسباب کسب الملکیة بخلاف الغرامة التی تتمثل فی إشغال ذمة المحکوم علیه بدین للدولة. والمصادرة نوعان، عامة وتنصب على جمیع أموال المحکوم علیه أو جزء منها دون اشتراط أن تکون لهذه الأموال علاقة بالجریمة المحکوم عنها وأحیانا دون ارتباط بأی جریمة، وخاصة تنصب على شیء بعینه من مال المحکوم علیه یکون قد استعمل فی ارتکاب الجریمة أو معدا لهذا الاستعمال أو قد تحصل منها. کما قد تکون المصادرة تدبیرا احترازیا، لا ترد إلا على أشیاء لا یجوز التعامل فیها بحکم القانون، إذ إن مجرد حیازتها یعد بحد ذاته جریمة ، وتهدف هذه المصادرة إلى سحب شیء خطر من التعامل منعا لضرره، وهی لهذا السبب تدبیر عینی وقائی لا مفر من اتخاذه فی مواجهة الکافة، فهی تنصب على الشیء ذاته لإخراجه من دائرة التعامل لرفع الضرر ودفع الخطر من بقائه فی ید من یحوزه أو یحرزه، وعلى أیة حال فأن المصادرة – عقوبة کانت أم تدبیرا احترازیا – فانه لا یجوز فرضها إلا فی الأحوال التی ینص علیها القانون وعلى شخص تمت إدانته عن الجریمة والحکم علیه بإحدى العقوبات الأصلیة. وقد ألزم المشرع فی المادة (34 / أولا وثانیا) المحکمة المختصة بنظر إحدى الجرائم المنصوص علیها فی المادتین (27، 28) أن تقوم بمصادرة جمیع الأموال المنقولة وغیر المنقولة العائدة للمتهم وزوجه وأولاده أو غیرهم - سواء أکانت هذه الأموال موجودة فی العراق أو خارجه - إذا ثبت لها أن هذه الأموال ناتجة عن ارتکاب إحدى هذه الجرائم، وذلک بعد أن أوجب علیها حجز هذه الأموال والتحقق من المصادر الحقیقة لها. ولتحقیق الغرض أعلاه فقد الزم المشرع أیضا فی المادة (34/ ثالثا) جمیع المصارف العراقیة والأجنبیة العاملة فی العراق بتزوید المحکمة بجمیع البیانات المتعلقة بالأرصدة والمدخرات والودائع والأسهم والسندات المالیة العائدة ملکیتها لمن یجری التحقیق معهم بالجرائم الواردة فی القانون، فضلا عن إلزامها بتنفیذ قرارات المحکمة الخاصة بحجز الأموال ومصادرتها. کما أوجب المشرع فی المادة (35/ أولا وثانیا) مصادرة المواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة أو السلائفالکیمیائیةأو النباتات التی ینتج عنها مواد مخدرة أو مؤثرات عقلیة فی جمیع الحالات، فضلا عن مصادرة جمیع الآلات والأدوات والأجهزة والأوعیة ووسائلالنقل التی تم ضبطها والمستخدمة فی ارتکاب أی جریمة من جرائم المخدرات، وعلى أن یتم إرسال جمیع المواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة أو السلائف الکیمیائیة وبشکل مباشرة إلى الجهات المختصة بحفظها. وبناءً على ما تقدم یتضح أن المصادرة للأموال المنقولة وغیر المنقولة هی أمر وجوبی ولیس جوازیاً، ومع ذلک فانه ینبغی التمییز بین أمرین، الأول أن الحکم بالمصادرة یعد عقوبة مالیة إضافیة وهو أمر وجوبی، ومن ثم فانه لا یخضع للسلطة التقدیریة للمحکمة التی یجب علیها فی حال الحکم على مرتکب إحدى الجرائم الواردة فی المادتین (27، 28) بعقوبة أصلیة أن تأمر بمصادرة هذه الأموال، وهذا الاتجاه یحسب للمشرع إذ إن هذه العقوبة تصیب المتاجرین بالمخدرات فی اعز ما یغریهم على الاتجار بها، کما إنها تجعلهم أمام خطر فقد أموالهم وثرواتهم. أما الثانی، فهو أن المصادرة تکون أیضا وجوبیة ولکن کتدبیر احترازی بالنسبة للمواد المخدرة والمؤثرات العقلیة وکذلک وسائل النقل والآلات والأدوات والأجهزة والأوعیة التی استخدمت فی ارتکاب الجرائم والتی یعد استعمالها أو حیازتها بحد ذاته جریمة، وان کان الحکم قد صدر بحق المتهم بالبراءة، إذ إن الحکم بالبراءة لا یبرر استمرار حیازة المواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة أو الأشیاء التی استعملت فی صنعها أو استعمالها أو تداولها، ولکن مع الأخذ بعین الاعتبار عدم الإخلال بحقوق الغیر حسن النیة. ثانیا: نشر الحکم وهی عقوبة تکمیلیة، ومن ثم لا یمکن الحکم بها إلا بوجود عقوبة أصلیة، کما انه لا یمکن الحکم بها إذا کان الحکم صادرا بالبراءة وهذه العقوبة تمس بمکانة المحکوم علیه واعتباره فی المجتمع، إذ إنها تنطوی على التشهیر به وبالجریمة التی ارتکبها والعقوبة المفروضة بحقه، ولها صدى على مرکزه المالی لاسیما إذا کان ممن یمارسون مهنة تعتمد على ثقة الجمهور، إذ تنال من هذه الثقة وتقلل من عدد العملاء حتما، ومن ثم تحقق غرضها فی ردع المحکوم علیه بالنظر إلى مرکزه الاجتماعی فی المجتمع، کما إنها عقوبة تقتضیها المصلحة العامة أحیانا إذا کانت الجریمة من الجرائم الخطیرة والتی ترتب آثاراً کبیرة، وبالتالی تحقق غرضها فی تعریف الناس بالحکم وان العدالة قد أخذت مجراها، فضلا عن الردع العام لعموم أفراد المجتمع. وقد أجاز المشرع فی المادة (35 / خامسا) للمحکمة فی حالة الحکم بالإدانة بالسجن أو الحبس فی جمیع جرائم المخدرات أن تقرر نشر ملخص الحکم بعد اکتسابه لدرجة البتات بإحدى الصحف الیومیة وعلى أن یتحمل المحکوم علیهأجور النشر. ویستفاد من ذلک أن نشر الحکم عقوبة جوازیة، فالمحکمة یجوز لها أن تقرر نشر ملخص الحکم أو عدم نشره، فإذا ما قررت نشره ففی هذه الحالة یجب أن یکون الحکم الصادر بالعقوبة قد قضى بعقوبة السجن المؤبد أو المؤقت أو قضى بعقوبة الحبس الشدید أو البسیط أما إذا کان الحکم قد قضى بغیر هذه العقوبات فلا یمکن للمحکمة أن تقرر نشر الحکم، کما ویجب أن یکون الحکم الصادر باتا، والحکم البات هو الحکم الذی لا یقبل الطعن فیه إما لاستنفاذ طرق الطعن وإما لمضی المدة المقررة للطعن من دون أن یتم الطعن فی الحکم، ومن ثم لا یمکن نشر الحکم إلا بعد اکتسابه لصفة البتات، فضلا عن ذلک یجب أن یتم النشر فی إحدى الصحف الیومیة حیث حدد القانون وسیلة النشر ولم یترکها للقاضی، وعلى أن یتم ذلک على نفقة المحکوم علیه. ولنا فی هذا الصدد ملاحظة على موقف المشرع العراقی إذ نرى إن ما تحققه عقوبة نشر الحکم من الردع بنوعیه الخاص والعام سواء بالنسبة للمحکوم علیهم بالسجن أو الحبس أم بالنسبة لجمهور أفراد المجتمع یمکن أن یتحقق فی شقه الثانی إذا تم نشر الحکم الصادر بعقوبة الإعدام وذلک حتى یعلم من یتاجر بأرواح أفراد المجتمع وصحتهم ومستقبلهم المصیر الذی ینتظره، علیه نقترح تعدیل نص الفقرة (خامسا) من المادة (35) وذلک من ناحیتین الأولى: جعل عقوبة نشر الحکم وجوبیه وعدم ترک ذلک لسلطة المحکمة التقدیریة، والثانیة: شمول الأحکام الصادرة بالإعدام بهذه العقوبة. ثالثا: غلق المحل عقوبة غلق المحل عقوبة تکمیلیة جوازیة، ویراد بها منع المحکوم علیه من ممارسة العمل ذاته الذی کان یمارسه قبل إنزال العقوبة به، والغایة من هذه العقوبة تتمثل فی عدم السماح للمحکوم علیه من الاستعانة مرة أخرى بظروف العمل فی المحل لارتکاب جرائم جدیدة. وقد أوجب المشرع فی المادة (35/ ثالثا) الحکم بغلق کل محل مرخص له بموجب المادة (8) من القانون باستیراد أو تصدیر أو نقل المواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة أو السلائف الکیمیائیة أو حیازتها مدة لا تقل عن شهر ولا تزید على سنة واحدة. کما إن المشرع ألزم المحکمة فی الفقرة (رابعا) من المادة ذاتها الحکم فضلا عن عقوبة الغلق بمنع المحکوم علیه من مزاولة العمل أو المتاجرة أو الصناعة ذاتها فی المحل، سواء أکان ذلک من قبله أو من قبل احد أفراد أسرته أو أی شخص أخر قام المحکوم علیه بتأجیر المحل له أو تنازل له عنه بعد وقوع الجریمة، واستثنى من ذلک مالک المحل أو من له حق عینی فیه بشرط عدم وجود أی علاقة له بالجریمة المرتکبة، کما انه أجاز الحکم بمنع مزاولة العمل لمدة لا تزید عن ثلاث سنوات وذلک فی حالة العود إلى ارتکاب الجریمة خلال السنوات الخمس التی تلی صدور الحکم النهائی. ویلاحظ أن المشرع قد قصر عقوبة غلق المحل على المحلات المجازة بموجب المادة (8) من القانون وجعلها عقوبة وجوبیه، بینما لم یشمل بالعقوبة المحلات الأخرى التی تدار أو تعد أو تهیأ لتعاطی المخدرات کالمقاهی والکافیتریات.... الخ، وهو ما نعتقد بأنه یشکل خللا فی سیاسیة المشرع العراقی فی العقاب على هذه الجرائم، إذ إن مثل هذه العقوبة تمثل وسیلة مهمة للحد من انتشار ظاهرة تعاطی المخدرات والإدمان علیها، ومن ثم نقترح على المشرع تعدیل نص الفقرة (ثالثا) من المادة (35) من القانون والنص على شمول هذه المحلات بعقوبة الغلق، أسوة بما سار علیه المشرع العراقی فی القانون رقم 68 لسنة 1965 الملغی، مع الإبقاء على وجوبیة العقوبة. المبحث الثانی السیاسة الجنائیة العقابیة الوقائیة والعلاجیة إن محاولة المشرع وقایة المجتمع من الجریمة قبل وقوعها یمثل احد أهم أهداف السیاسة الجنائیة العقابیة الناجحة، وذلک یتم من خلال إقراره لمجموعة من التدابیر الوقائیة الهادفة إلى مکافحة الجریمة، سواء أکان ذلک قبل البدء بارتکابها أم للکشف عن مرتکبیها والقبض علیهم. ومع الإقرار بأهمیة التدابیر الوقائیة إلا إن هذه التدابیر قد لا تحقق الأهداف المرجوة منها فی جمیع الحالات، وبالتالی یتطلب الأمر من المشرع القیام بالنص على نوع أخر من التدابیر من اجل مکافحة الجریمة والحد منها، وهنا تأتی التدابیر العلاجیة التی تستهدف مرتکبی الجریمة کوسیلة لتحقیق هذا الهدف. وقد ضمن المشرع العراقی قانون المخدرات النافذ النصوص الهادفة إلى وقایة المجتمع من الجریمة، وکذلک تلک الهادفة إلى علاج المدمنین على المخدرات ومتعاطیها، وهو الأمر الذی یتفق مع الاتجاهات المعاصرة للسیاسة الجنائیة. وعلى ضوء ما تقدم سنقسم هذا المبحث إلى مطلبین، الأول نخصصه للحدیث عن التدابیر الوقائیة، والثانی عن التدابیر العلاجیة. المطلب الأول التدابیر الوقائیة تتمثل سیاسة المشرع الجنائیة للوقایة من الجریمة، بإقراره للأعذار القانونیة بنوعیها المعفیة من العقوبة والمخففة للعقوبة، وهذا ما سنوضحه من خلال النقطتین التالیتین: أولا: إقرار العذر القانونی المعفی من العقوبة الأعذار القانونیة المعفیة من العقاب هی "تلک الأسباب التی حددها المشرع على سبیل الحصر، والزم فیها القاضی بإعفاء الجانی کلیة من العقاب على الجریمة التی ارتکبها على الرغم من ثبوت مسؤولیته الجنائیة عنها"، أو هی "الأحوال أو الظروف التی ینص علیها القانون والتی یترتب على تحققها رفع العقوبة عن الفاعل مع قیام مسؤولیته عن الجریمة". وهذه الأعذار أو کما یطلق علیها ب (موانع العقاب) لا تمس بوجود الجریمة، إذ إن الواقعة الإجرامیة محل العذر تبقى محتفظة بکافة أرکانها وعناصرها بما فی ذلک إسنادها إلى فاعلها رغم الإعفاء من العقوبة، لذلک فهی تتفق مع موانع المسؤولیة وأسباب الإباحة بکونها جمیعا یترتب علیها عدم توقیع العقوبة على الجانی، إلا إنها تختلف عن موانع المسؤولیة فی إن الأخیرة تنفی احد شروط تحمل المسؤولیة من تمییز أو اختیار أو کلاهما، فی حین إن هذه الشروط تبقى متوافرة على الرغم من وجود العذر، کما إن موانع العقاب تحول دون توقیع تدبیر على الجانی، فیما یکون للمحکمة الحق فی إخضاع الجانی للتدبیر الملائم کالإیداع فی مستشفى للإمراض العقلیة فی حالة توافر مانع من موانع المسؤولیة الجزائیة، أما أسباب الإباحة فهی حالات تمحو صفة الجریمة عن الفعل، ومن ثم یستفید منها کل من ساهم فی ارتکاب الجریمة سواء أکان فاعلا أم شریکا على حد سواء، فی حین إن توافر الأعذار المعفیة من العقوبة – کما تقدم - لا یترتب علیها زوال الجریمة بل تبقى الجریمة کما هی محتفظة بکافة أرکانها، ولذلک لا یستفید منها إلا من تتوافر لدیه دون غیره من المساهمین فی الجریمة. والحکمة التی یهدف المشرع إلى تحقیقها من خلال تقریر الإعفاء ترتبط بالسیاسة الجنائیة العقابیة، إذ انه قد یرى إن مصلحة المجتمع التی تتحقق بالإعفاء من العقاب تعلو على مصلحة المجتمع فی توقیع العقوبة، وبالتالی یقرر إعفاء الجانی من العقوبة تحقیقا للمصلحة الأولى، فالنص على الإعفاء من العقاب یرجع إلى الفائدة التی ترجع لعموم أفراد المجتمع المتمثلة فی الحد من ظاهرة الإجرام، لکونها تؤدی إلى تشجیع الجانی على عدم الاستمرار فی طریق الجریمة والمساعدة على الحیلولة دون وقوعها إذا تم الإبلاغ عنها قبل البدء فی تنفیذها أو بالمساعدة على کشف الجریمة فی الحالات التی یصعب على السلطات العامة اکتشافها، وذلک بالإرشاد إلى بقیة المساهمین فیها فی حال الإبلاغ عنها بعد ارتکابها. وقد نص المشرع فی المادة (37/ أولا) من قانون المخدرات النافذ على الإعفاء من العقوبة فی جمیع جرائم التعامل غیر المشروع بالمواد المخدرة إذا بادر أی من الجناة بإخبار السلطات العامة عن الجریمة قبل ارتکابها وقبل قیام السلطات بالبحث والاستقصاء عن مرتکبیها وعلمها بالفاعلین الآخرین، فإذا حصل الإخبار بعد قیام السلطات بذلک فان الجانی لا یستحق الإعفاء إلا إذا ترتب على الإخبار تسهیل القبض على بقیة المساهمین بارتکاب الجریمة. والملاحظ إن سیاسة المشرع فی هذا الصدد تستند إلى إقرار الإعفاء من العقاب لمرتکبی أی من الجرائم الواردة فی قانون المخدرات، وان هذا الإعفاء على صورتین هما: 1- الإعفاء الوجوبی: ویلزم للحکم به أن یرد الإخبار للسلطات العامة قبل البدء بارتکاب الجریمة، أو أن یقع قبل البدء فی التحقیق عنها وعلم السلطات المختصة بمرتکبیها. 2- الإعفاء الجوازی: والذی بموجبه للمحکمة أن تقرر إعفاء الجانی من العقاب إذا حصل الإخبار بعد ارتکاب الجریمة وبعد البدء بالتحقیق فیها إذا کان هناک أکثر من مساهم فی الجریمة، إلا انه یشترط فی هذه الحالة أن یؤدى الإخبار إلى تسهیل القبض على بقیة مرتکبی الجریمة. فإذا توافرت شروط الإعفاء فی أی من الحالتین نتج عن ذلک امتناع عقاب مرتکب الجریمة رغم توافر أرکان الجریمة، وهذا الامتناع ینصرف لجمیع العقوبات الأصلیة والتبعیة والتکمیلیة، کما انه یقتصر على من توافرت فیه شروط العذر المعفی من العقوبة دون غیره من المساهمین فی ارتکاب الجریمة، وهذا یتفق مع کون الأعذار القانونیة شخصیة ولیست مادیة، وکذلک فان الإعفاء لا یمنع من الحکم على مرتکب الجریمة بتدبیر احترازی مناسب رغم امتناع العقاب لکونه لا ینفی الخطورة الإجرامیة لدیه، فضلا عن ذلک فانه لا یمنع من إلزام الجانی بتعویض الضرر الناشئ عن الجریمة وفقا لقواعد المسؤولیة التقصیریة. ثانیا: إقرار العذر القانونی المخفف من العقوبة الأعذار القانونیة المخففة من العقاب هی "حالات حددها الشارع على سبیل الحصر یلتزم فیها القاضی بان یهبط بالعقوبة المقررة للجریمة وفقا لقواعد معینة فی القانون"، أو بتعبیر آخر هی "أوضاع خصها المشرع بالنص الصریح، توجب تخفیف العقاب إلى اقل من الحد الأدنى المقرر قانونا، متى توافرت أسباب أو وقائع أو صفات معینة". والأعذار المخففة نوعان منها ما یعد عذرا قانونیا عاما، ومنها ما یعد عذرا قانونیا خاصا، وهذا یفید أن اثر الأولى یتسع لیشمل کافة الجرائم بصفة عامة دون تحدید، أما الثانیة فان أثرها ینحصر فی نطاق محدد من الجرائم التی حددها المشرع، وهی تختلف عن الأعذار المعفیة من حیث أثرها فالعذر المخفف یقتصر أثره على مجرد تخفیف العقوبة إلى اقل من الحد الأدنى المقرر لها قانونا، فی حین إن العذر المعفی – کما تقدم – ینصب أثره على العقوبة فیؤدی إلى استبعادها کلیة والامتناع عن عقاب مرتکب الجریمة، وفی کلا الحالتین یستفید من العذر من تحققت شروط العذر فیه دون بقیة المساهمین معه فی الجریمة. وقد نص المشرع فی المادة (37 / ثانیا) من القانون على العذر المخفف من العقوبة لجمیع المشمولین بإحکامه إذا بادر أی منهم إلى إخبار السلطات العامة عن الجریمة خلال مرحلة التحقیق أو المحاکمة، بشرط أن یترتب على الإخبار القبض على مرتکبی الجریمة أو الکشف عن أشخاص اشترکوا بالجریمة ولهم علاقة بعصابات محلیة أو دولیة. ویلزم لتخفیف العقوبة فی هذه الحالة تحقق شرطین هما: 1- أن یرد الإخبار إلى السلطات العامة عن جریمة من الجرائم الواردة فی قانون المخدرات أو المؤثرات العقلیة، وان یتم ذلک أثناء إجراء التحقیق أو المحاکمة فی الجریمة. 2- أن یؤدی الإخبار إلى تسهیل القبض على مرتکبی الجریمة - وهو ما یستلزم وجود أکثر من مساهم فی ارتکابها - أو الکشف عن الأشخاص المساهمین فیها الذین تربطهم علاقات بالعصابات الإجرامیة التی تتعامل بالمواد المخدرة سواء أکانت عصابات محلیة أم کانت عصابات دولیة. ویظهر إن علة إقرار العذر المخفف من العقوبة تتمثل فی سعی المشرع إلى استکمال خطته الرامیة إلى مکافحة الجریمة أو الحد منها وذلک بإفساحه المجال أمام من ساهم فی الجریمة إلى مساعدة السلطات العامة فی الکشف عن الجرائم المرتکبة بأی طریقة وتسهیل القبض على مرتکبیها، لاسیما أولئک الذین ینتمون إلى عصابات محلیة أو دولیة. هذا وان تحقق العذر المخفف من العقوبة یترتب علیه التزام المحکمة بتخفیف العقوبة وجوبا بحکم القانون، مع إبقاء السلطة التقدیریة للقاضی فی تقدیر العقوبة والنزول بها فی حدود النص القانونی. المطلب الثانی التدابیر العلاجیة تستند السیاسة الجنائیة المعاصرة لمکافحة ظاهرة الإدمان على المواد المخدرة وتعاطیها فی جزء منها على النظر إلى الإدمان والتعاطی کحالة مرضیة یقع المدمن أو المتعاطی فریسة لها لأسباب وعوامل متعددة قد لا یکون له ید فیها، وأن العقاب علیها لیس هو الحل الأمثل لمکافحتها، ومن ثم یجب على الدولة ومؤسساتها العمل على إیجاد الآلیات اللازمة لتمکین المدمن أو المتعاطی من التخلص من هذا المرض عن طریق إخضاعه للعلاج والأشراف الطبی السلیم. وقد تبنى المشرع العراقی فی قانون المخدرات النافذ فکرة العلاج الطبی کجزء من سیاسته العقابیة لمکافحة ظاهرة الإدمان على المواد المخدرة وتعاطیها، وذلک بتقریره لتدبیرین علاجیین نتناولهما کالآتی: أولا: إیداع المدمن فی إحدى المؤسسات الصحیة یعد هذا التدبیر احد أهم التدابیر فی مجال مکافحة الإدمان على تعاطی المواد المخدرة، إذ ینظر الکثیرون إلى المدمن على انه مریض أکثر من کونه مجرما، ومن ثم ینبغی الاهتمام بعلاجه وتخلیصه من الآثار السلبیة التی تلحق به قبل أن یستفحل به الإدمان ویودی بحیاته أکثر من التفکیر بعقابه، کما أن علاج المدمن أو المدمنین – بوصفه أمرا ممکنا – من شانه إعادة تأهیل المدمنین وإدماجهم فی المجتمع حتى لا یعودوا إلى التعاطی مرة أخرى. وقد أجاز المشرع فی المادة (39 / أولا / أ) للمحکمة بدلا من الحکم بالعقوبة المقررة فی المادة (33) من القانون، أن تحکم بإیداع من ثبت إدمانه على المواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة فی إحدى المؤسسات الصحیة التی تنشا لهذا الغرض ، من اجل علاجه وتخلصیه من تأثیر هذه المواد عن طریق إخضاعه لبرنامج علاجی متکامل یؤدی إلى إزالة هذه السموم من جسمه وبالتالی شفائه کلیا، فإذا رفض المحکوم علیه الخضوع للعلاج، فانه یجوز بموجب الفقرة (ثالثا) من المادة ذاتها للمحکمة بدلا من الحکم علیه بعقوبة الحبس المقررة فی المادة (33) أن تأمر بإیداعه إحدى المصحات العلاجیة لذات المدة المقررة لعقوبة الحبس. ولمتابعة حالة المودع فقد أوجب المشرع بمقتضى الفقرة (ثانیا) من المادة ذاتها أن یتم ذلک من قبل لجنة أو لجان طبیة متخصصة یتم تشکیلها فی وزارة الصحة، حیث یقع على عاتقها دراسة حالة المودع ومدى استجابته أو المرحلة التی وصل إلیها فی العلاج، ورفع تقریرها للمحکمة لاتخاذ القرار المناسب بحقه، سواء أکان بالإفراج عنه فی حال شفائه أم بتمدید إیداعه لمدة أو مدد أخرى. کما أوجبت الفقرة (أولا/ ج) من المادة ذاتها على المحکمة المختصة فی حال وصول تقریر إلیها بشفاء المدمن الذی تم إیداعه إحدى المؤسسات الصحیة وإصدارها قراراها بالإفراج عنه من المؤسسة الصحیة، أن تلزم من تم الإفراج عنه بمراجعة عیادة نفسیة واجتماعیة. ومن جهة أخرى فقد أوجب المشرع فی المادة (39 / أولا/ ب) المحکمة بإلزام من ثبت تعاطیه المواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة بمراجعة عیادة (نفسیة – اجتماعیة) لمرتین فی الأسبوع لمساعدته على التخلص من عادة تعاطی المخدرات، وان تستمر المراجعة لحین قیام الطبیب المکلف بعلاجه ومتابعة حالته برفع تقریر للمحکمة عن حالته لتقرر إما وقف مراجعته أو استمرارها لمدة أو مدد أخرى، وفی کل الأحوال لا یجوز أن یتأخر الطبیب فی رفع التقریر عن (90) تسعین یوما من تاریخ بدء المریض بمراجعة العیادة. ومع تأییدنا لموقف المشرع العراقی فی إقراره لتدبیر الإیداع فی إحدى المصحات العلاجیة، سواء أکان ذلک للمدمنین على المواد المخدرة أم لمتعاطیها الذی ینسجم مع الفکرة التی تنظر إلى اللجوء إلى علاج المدمنین أو المتعاطین کوسیلة فعالة لمکافحة ظاهرة الإدمان على المواد المخدرة أو تعاطیها بدلا من الاقتصار على عقابهم والذی یمکن أن یکون بلا جدوى فی العدید من الحالات، فإننا نرى بان موقف المشرع فی النص على هذا التدبیر قد شابه الکثیر من الإرباک، ویمکن بیان ذلک کالآتی: 1- إن المشرع قد میز عند النص على تدبیر الإیداع فی إحدى المؤسسات الصحیة بین فئتین من الأشخاص الذین لهم اتصال غیر مشروع بالمواد المخدرة وهم فئة المدمنین وفئة المتعاطین، وقرر لکل فئة التدبیر المناسب لها، إذ قرر للفئة الأولى الإیداع فی إحدى المؤسسات الصحیة لمعالجة الإدمان على المواد المخدرة التی تنشؤها وزارة الصحة لهذا الغرض، بینما قرر للفئة الثانیة مراجعة عیادة (نفسیة – اجتماعیة)، إلا انه الزم الجهة التی تتولى متابعة حالة المتعاطی برفع تقریرها عن حالته خلال مدة لا تتجاوز تسعین یوما، بینما لم یلزم الجهة التی تتولى متابعة حالة المدمن برفع تقریرها للمحکمة خلال مدة محددة، وهو الأمر الذی لا نجد له مبررا، إذ إن علاج المدمن وان کان یستلزم مدة أطول من المدة التی یستلزمها علاج المتعاطی إلا انه ینبغی على المشرع تحدید مدة رفع التقریر إلى المحکمة وان یکون ذلک کل فترة مناسبة ولتکن مثلا (180) یوما على غرار المدة التی یجوز فیها للمؤسسة الصحیة ان تمدد بقاء الشخص المدمن الذی تقدم من تلقاء نفسه طالبا العلاج إذا رأت أن حاجته إلى العلاج تقتضی ذلک - کما سنبین ذلک لاحقا - حتى تطلع المحکمة على حالته ومدى استجابته للعلاج وبشکل مستمر، وحتى لا یفسح المجال أمام أیة جهة للقیام بفعل غیر مشروع تجاه المدمن کابتزازه هو أو عائلته. 2- إن المشرع قد الزم من یتم الإفراج عنه من المدمنین على مراجعة عیادة نفسیة واجتماعیة، إلا انه لم یتطرق إلى بیان الحکم الواجب الاتخاذ فی حالة عدم الالتزام بالمراجعة، وذلک على العکس من الحکم الخاص بشان عدم امتثال متعاطی المواد المخدرة الذی یتقدم من تلقاء نفسه للعلاج – کما سنبین ذلک لاحقا - إذ أوجب المشرع على المؤسسة الصحیة إشعار المحکمة المختصة بذلک لاتخاذ الإجراءات القانونیة بحقه وفقا لإحکام المادة (33) من القانون. 3- إن المشرع أجاز للمحکمة فی حال رفض المدمن خضوعه للعلاج أن تقرر إیداعه فی إحدى المؤسسات الصحیة المدة المقررة لعقوبة الحبس المنصوص علیها فی المادة (33)، وقد یبدو للوهلة الأولى إن المحکمة لها السلطة التقدیریة فی أن تحکم على الشخص المدمن للمواد المخدرة بالحبس أو الإیداع وهو ما یستشف صراحة من خلال عبارات النص، إلا أننا مع الرأی، الذی یذهب إلى أن التخییر الوارد فی النص لا یراد منه فی الواقع إلا أن یترک للمحکمة الحریة فی تقدیر حالة کل متهم من جهة استحقاقه للعقوبة أو التدبیر، إذ إن الحبس والإیداع فی إحدى المصحات العلاجیة لیسا عقوبتین متعادلتین تحکم المحکمة بهما بحسب سلطتها التقدیریة بغض النظر عن حالة کل متهم وظروفه، بل إن کلا منهما قرر ملاحظا فیه غرض خاص. ویلاحظ إن المشرع عند إیراده للحکم أعلاه قد استخدم عبارة (فللمحکمة إیداعه مکان الحبس بالمدة المنصوص علیها فی المادة (33) من القانون، ونعتقد أن هذه الصیاغة تثیر اللبس حول المراد منها إذ أنها من الناحیة اللغویة غیر دقیقة، ونرى انه کان بإمکان المشرع الاستعاضة عنها بعبارة (فللمحکمة أن تقرر إیداعه المؤسسة الصحیة للمدة المقررة لعقوبة الحبس المنصوص علیها فی المادة (33) من القانون. وأخیرا فان تدبیر الإیداع هو تدبیر جوازی للمحکمة ولیس وجوبیاً إلا انه یشترط لجواز الحکم بتدبیر الإیداع فی مصحة للعلاج، أن تکون الجریمة التی ارتکبها الجانی هی إحدى الجرائم الواردة فی المادة (33) من القانون، وهی تشمل جریمة السماح للغیر بتعاطی المخدرات فی إحدى الأماکن العائدة للجانی ولو بغیر مقابل، وکذلک جریمة الضبط فی مکان اعد أو هیأ للتعاطی، ومن ثم لا یمکن الحکم بالتدبیر على مرتکب أی جریمة أخرى خلافها، کما یشترط أن تتوافر أرکان الجریمة فی حق الجانی، وبالتالی لا یجوز للمحکمة أن تقضی بالإیداع فی حال الحکم بالبراءة، فضلا عن ذلک یجب أن یثبت تعاطی الجانی للمواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة أو الإدمان علیها، وللمحکمة أن تتبین حالة التعاطی أو الإدمان من وقائع الدعوى المطروحة أمامها، کما لها إن تستعین بآراء الخبراء فی هذا الصدد، وحسنا فعل المشرع إذ لم یقید المحکمة بتعریف محدد للتعاطی أو الإدمان، لاسیما وان مفهوم الإدمان یختلف باختلاف المادة المخدرة التی یتم تعاطیها، فان لم یثبت التعاطی أو الإدمان فلا یجوز الحکم بالتدبیر. ثانیا: عدم جواز تحریک الدعوى الجزائیة ضد المتعاطی الذی یتقدم من تلقاء نفسه طلبا للعلاج إن اقتناع متعاطی المواد المخدرة بالخضوع إلى العلاج ووجود الرغبة والإرادة لدیه للتخلص من شرورها والأضرار التی تسببها توجب على من یتولى وضع السیاسة العقابیة أن یأخذ ذلک بنظر الاعتبار عند تقریره للاستراتیجیات الخاصة بمکافحة ظاهرة تعاطی المواد المخدرة أو الإدمان علیها، ومن هنا فقد قرر المشرع فی المادة (40/ أولا) عدم جواز تحریک الدعوى الجزائیة على من یتقدم من متعاطی المواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة من تلقاء نفسه إلى إحدى المستشفیات الخاصة بعلاج المدمنین طالبا إخضاعه للعلاج. کما وألزم المشرع بموجب الفقرة (ثانیا / أ، ب، ج) من المادة ذاتها المؤسسة الصحیة التی یتقدم إلیها المتعاطی طالبا العلاج إبقائه تحت الملاحظة لمدة لا تزید على (30) یوما، فإذا ثبت لها انه ممن أدمن على تعاطی المواد المخدرة وانه یحتاج إلى فترة أطول لأغراض العلاج فلها إبقائه فی المؤسسة لمدة لا تزید على (90) یوما، وفی کل الأحوال لها أن تمدد مدة بقائه لمدة (180) یوما إذا رأت أن حاجته للعلاج تقتضی ذلک. وفی حال شفاء المریض فقد أجاز المشرع فی الفقرة (ثالثا) من المادة ذاتها للجنة الطبیة المختصة إلزام من تقرر إخراجه من المؤسسة الصحیة بمراجعة إحدى العیادات النفسیة والاجتماعیة لمتابعة حالته وإخضاعه لبرنامج علاجی نفسی واجتماعی، وبالمقابل أوجب على الطبیب المعالج فی هذه العیادات رفع تقریره عن حالة من تقرر إخراجه من المؤسسة الصحیة إلى اللجنة التی قررت ذلک والتی یکون لها على ضوء هذا التقریر أن تقرر إما وقف مراجعة المریض للعیادة وأما الاستمرار لحین اکتساب الشفاء التام.. وفی حال رفض المتقدم لبرنامج العلاج المقرر، فقد ألزم المشرع بموجب الفقرة (رابعا) من المادة ذاتها المؤسسة الصحیة التی تقدم إلیها متعاطی المواد المخدرة للعلاج أن تقوم بإشعار المحکمة المختصة بذلک لغرض اتخاذ الإجراءات القانونیة بحقه وفقا لأحکام المادة (33) من القانون. والملاحظ مما تقدم إن المشرع قد قرر لمن تقدم تلقائیا من متعاطی المواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة عذرا قانونیا معفیا أو مانعا من العقاب وهو ما عبر عنه بالنص على انه (لا تقام الدعوى الجزائیة....)، وانه قد راعى فی ذلک رغبة المتقدم للخضوع إلى برنامج علاجی للتخلص من الآثار السلبیة لتعاطی المخدرات أو الإدمان علیها، الأمر الذی من شانه تشجیع المتعاطی وغیره ممن تعاطى هذه المواد أو أدمن علیها على سلوک طریق العلاج بدلا من التعرض للعقوبة الجزائیة. وان هذا العذر لا یستفید منه إلا من توافرت فی حقه شروط العذر المعفی من العقاب دون بقیة المساهمین معه فی ارتکاب الجریمة سواء أکانوا فاعلین أم شرکاء، لان اثر العذر شخصی بحت، ولان علة تقریره لا تتحقق إلا فیمن توافرت فیه شروطه، أما بقیة المساهمین فلا تتحقق فیهم تلک الشروط، ومن ثم لم تتحقق العلة التی أراد المشرع تحقیقها من وراء النص على الإعفاء. ومع ذلک نجد إن المشرع قد أوجب على المؤسسة الصحیة فی حال رفض المتقدم الخضوع والالتزام ببرنامج العلاج المقرر له أن تقوم بإشعار المحکمة المختصة بذلک لغرض اتخاذ الإجراءات القانونیة بحقه وفقا لأحکام المادة (33) من القانون، والتساؤل الذی یمکن طرحه فی هذا الصدد هل تنطبق أحکام المادة أعلاه على من یتقدم من المتعاطین أو المدمنین للمواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة إلى إحدى المؤسسات الصحیة تلقائیا لطلب العلاج أم لا تنطبق لإمکانیة تطبیقها بحق المتعاطی أو المدمن فی حال عدم التزامه بالعلاج، وهل إن الإیداع فی هذه الحالة یعد جزاءً جنائیا، ومن ثم یمکن الاستعاضة عنه بالعقوبة المقررة فی المادة أعلاه فی حال عدم الالتزام بالعلاج. وقبل الإجابة على التساؤل أعلاه لابد من الإشارة إلى أن سیاسة المشرع فی العقاب على تعاطی المواد المخدرة تقوم على النظر إلى المتعاطی کمریض یحتاج إلى العلاج أکثر من حاجته إلى العقاب، ومن ثم فانه لم یفرد نصا خاصا یعاقب على التعاطی کجریمة مستقلة، وهی ذات السیاسة التی کان یتبعها المشرع فی قانون المخدرات رقم 68 لسنة 1965 الملغی. وبالرجوع إلى الجرائم الواردة فی المادة (33) یلاحظ أنها تشمل جریمة السماح للغیر بتعاطی المخدرات فی إحدى الأماکن العائدة للجانی ولو بغیر مقابل، وکذلک جریمة الضبط فی مکان اعد أو هیأ للتعاطی، وان أرکان کلا الجریمتین لا یمکن أن تتحقق فی حال تقدم المتعاطی أو المدمن تلقائیا إلى إحدى المؤسسات الصحیة لطلب العلاج، ومن ثم لا یمکن إنزال حکمها على المتعاطی أو المدمن الذی یتقدم تلقائیا إلى إحدى المؤسسات الصحیة لطلب العلاج فی حال عدم التزامه بالعلاج، إذ إن الجریمة الأولى جریمة مستقلة تتحقق أرکانها بمجرد سماح مرتکب الجریمة للغیر بتعاطی المواد المخدرة فی مکان عائد له، سواء أکان ذلک بمقابل أم بدون مقابل، أما الثانیة فیلزم لتحققها مجرد تواجد الشخص والقبض علیه فی مکان اعد أو هیأ لتعاطی المواد المخدرة وعلمه بان التعاطی یجری فی هذا المکان بالفعل، کما إن تعاطی المواد المخدرة لیس بشرط لقیام الجریمة فی کلا الحالتین. أما بالنسبة للتساؤل الثانی فالواضح إن الإیداع فی هذه الحالة وان کان ینتقص من حقوق المودع وذلک بتقیید حریته إلا انه لا یعد تدبیرا جزائیا، وذلک لان التدبیر الجزائی لا یتقرر إلا بموجب حکم قضائی ولا یطبق إلا على شخص ثبت ارتکابه للجریمة، وإنما هو واجب على الدولة التزمت به تجاه المتعاطی أو المدمن الذی یتقدم من تلقاء نفسه للعلاج حتى یتم إخضاعه لبرنامج علاجی – صحی ونفسی واجتماعی - متکامل لغرض شفائه وتخلیصه من داء التعاطی والإدمان، فضلا عن تشجیع غیره من المتعاطین أو المدمنین على الإقبال للتقدم طلبا العلاج، وان کل ما فی الأمر إن المشرع قرر عذرا قانونیا شخصیا ذا طبیعة خاصة لمن تقدم من تلقاء نفسه من المتعاطین أو المدمنین على المواد المخدرة لغرض العلاج، وان أثره یقتصر على عدم جواز تحریک الدعوى الجزائیة ضده، فإذا ما تم تحریکها فلا یقبل ذلک. وبناءً على ما تقدم نرى أن ما ورد فی الفقرة (رابعا) من المادة (40) یتعارض مع موقف المشرع العراقی الذی لم یفرد نصا خاصا فی قانون المخدرات والمؤثرات العقلیة النافذ یعاقب على جریمة تعاطی المواد المخدرة، کما انه یتعارض مع الهدف الذی تم من اجله النص على عدم جواز تحریک الدعوى الجزائیة تجاه من یتقدم تلقائیا من المتعاطین أو المدمنین على المواد المخدرة لطلب العلاج، علیه نقترح على المشرع إلغاء نص الفقرة أعلاه والاستعاضة بدلا عنها بالنص على إجراء إداری یلزم بموجبه المؤسسة الصحیة التی تقدم إلیها المتعاطی طلبا للعلاج بالتحفظ علیه لحین اکتسابه الشفاء التام. ومن جهة أخرى نرى إن العلة التی من اجلها قرر المشرع عدم جواز تحریک الدعوى الجزائیة ضد المتعاطی الذی یتقدم من تلقاء نفسه إلى المؤسسة الصحیة طلبا للعلاج تتحقق ذاتها فی حال قیام احد من أفراد عائلة المتعاطی - أصوله أو فروعه - أو زوجته بقدیم طلب إلى المؤسسة الصحیة لعلاج المتعاطی، علیه نقترح على المشرع تعدیل نص الفقرة (أولا) من المادة (40) لتشمل کذلک حالة تقدیم طلب لعلاج المتعاطی للمواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة من قبل أحد أصوله أو فروعه أو زوجته، ونقترح لذلک النص التالی: "أولا: لا تقام الدعوى الجزائیة على من یتقدم من متعاطی المواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة من تلقاء نفسه للعلاج فی المستشفى المختصة بعلاج المدمنین، ولا على من یثبت تعاطیه أو إدمانه للمواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة إذا طلب علاجه أحد أصوله أو فروعه أو زوجته". الخاتمـة بعد أن انتهینا من کتابة بحثنا الموسوم السیاسة الجنائیة العقابیة فی قانون المخدرات والمؤثرات العقلیة العراقی رقم 50 لسنة 2017، فأننا قد خرجنا بمجموعة من النتائج والتوصیات ندرجها کالآتی:- أولا: النتائج 1- اعتمدت سیاسة المشرع الجنائیة على التشدید فی العقاب، وذلک من خلال فرضه لعقوبة الإعدام أو السجن المؤبد على مرتکبی الجرائم الواردة فی المادة (27)، وأیضا فرضه عقوبة السجن المؤبد أو المؤقت على مرتکبی الجرائم الواردة فی المادة (28)، والتی هی فی غالب صورها ترتبط بقصد المتاجرة بالمواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة أو السلائف الکیمیائیة فی غیر الأحوال التی یجیزها القانون، فضلا عن النص على الظروف المشددة للعقوبة بالنسبة للجرائم الواردة فی المادتین أعلاه، وکذلک المساواة فی العقوبة بین الجریمة فی صورتها التامة والشروع فیها بالنسبة لجمیع الجرائم الواردة فی القانون. 2- اعتمدت سیاسة المشرع العراقی على التدرج فی العقاب تبعا لجسامة السلوک الإجرامی وخطورة الآثار المترتبة علیه، فضلا عن مدى تردی الجانی فی هوة الإجرام، فضلا عن قیامه بالموازنة بین کل قصد من المقاصد التی یتطلبها القانون فی الصور المختلفة لجرائم التعامل غیر المشروع فی المواد المخدرة، وتقدیره تبعا لذلک لکل منها العقوبة التی تناسبها. 3- إن سیاسة المشرع العقابیة قد اعتمدت أیضا على الجمع بین نوعین من العقوبات، العقوبات السالبة للحریة (السجن أو الحبس) والعقوبات المالیة (الغرامة) لغالبیة صور التعامل غیر المشروع بالمواد المخدرة، وهی سیاسة عقابیة یتبعها المشرع لغرض التشدید فی مسؤولیة مرتکب الجریمة ولمکافحة ظاهرة التعامل غیر المشروع بالمواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة والحد من انتشارها فی المجتمع، وکذلک اعتمد المشرع فی سیاسته العقابیة مبدأ التفرید العقابی الذی یعد احد أهم المبادئ التی یقوم علیها القانون الجنائی الحدیث والذی من خلاله یمکن للقاضی اختیار العقوبة المناسبة – من حیث النوع والمقدار - التی تتلاءم مع جسامة الجریمة وخطورة الجانی. 4- اعتمد المشرع ضمن سیاسته أیضا السیاسة العقابیة الوقائیة وذلک من خلال إقراره لمجموعة من التدابیر الوقائیة الهادفة إلى مکافحة الجریمة، سواء أکان ذلک قبل البدء بارتکابها أم للکشف عن مرتکبیها والقبض علیهم، والمتمثلة بالأعذار المعفیة من العقوبة وکذلک المخففة منها. 5- تبنى المشرع العراقی کجزء من سیاسته العقابیة الفکرة التی تنظر إلى الإدمان والتعاطی کحالة مرضیة یقع المدمن أو المتعاطی فریسة لها لأسباب وعوامل متعددة، وأن العقاب علیها لیس هو الحل الأمثل لمکافحتها، ومن ثم ینبغی تمکینه من التخلص من هذا المرض عن طریق إخضاعه للعلاج والأشراف الطبی، وذلک بتقریره إیداع المدمن فی إحدى المؤسسات الصحیة التی تنشأ لغرض علاج الإدمان والتعاطی، وکذلک عدم جواز تحریک الدعوى الجزائیة ضد المتعاطی الذی یتقدم من تلقاء نفسه إلى أحدى المؤسسات الصحیة طالبا العلاج. ثانیا: التوصیات نقترح على المشرع العراقی وبقدر تعلق الأمر بالسیاسة الجنائیة العقابیة التی انتهجها فی قانون المخدرات والمؤثرات العقلیة رقم 50 لسنة 2017 ما یأتی: 1- تعدیل نص المادة (27) من القانون وذلک بحذف عقوبة (السجن المؤبد) من نص المادة وجعل عقوبة الإعدام هی العقوبة الوحیدة لهذه الجرائم، وذلک لکون الأفعال التی جرمها المشرع فی المادة أعلاه تمثل الأفعال الأکثر خطورة فی مجال التعامل غیر المشروع فی المواد المخدرة مما یتطلب إنزال اشد العقوبات على مرتکبیها، فضلا عما لها من أثار سلبیة خطیرة على امن وسلامة المجتمع، وانتشار ظاهرة تعاطی المخدرات والإدمان علیها. 2- تصحیح الخطأ الذی وقع فیه المشرع أثناء صیاغة المادة (31)، وذلک إما بالاکتفاء بذکر الأداة (أو) وعدم ذکر عبارة (أو بإحدى هاتین العقوبتین) لأنها تصبح تزیدا لا مبرر له، أو أن یجعل من عقوبة الغرامة عقوبة تکمیلیة تفرض مع العقوبة الأصلیة ویلزم لذلک تبدیل الأداة (أو) بالحرف(و) الذی یفید الجمع بین العقوبتین، وبالتالی إبقاء الاختیار بین احدهما للقاضی وذلک بالإبقاء على عبارة (أو بإحدى هاتین العقوبتین). 3- تصحیح الخطأ المطبعی الذی ورد فی نص المادة (29) الخاصة بتحدید الظروف المشددة، إذ ذکر أن هذه الظروف تشدد العقاب بالنسبة لمرتکبی الجرائم الواردة فی المادتین (28، 29) والصحیح هی المواد (27، 28)، لان المادة (29) هی التی أوردت الظروف المشددة للعقوبة. 4- تشدید العقوبة الواردة فی المادة (31)، وبالشکل الذی یتناسب مع خطورة الجریمة وصفة القائم بها، إذ إن العقوبة المقررة لها لا تتناسب مع خطورة الجریمة، فضلا عن بساطتها التی تشجع الأطباء على الاستخفاف بالقانون، کما أنها من الجرائم العمدیة التی لا یخرج الفعل المکون لها عن الأفعال المحققة للمساهمة الجنائیة التی شدد المشرع العقاب علیها فی القانون. 5- تعدیل نص الفقرة (خامسا) من المادة (35) وذلک من ناحیتین الأولى: جعل عقوبة نشر الحکم وجوبیه وعدم ترک ذلک للسلطة التقدیریة للمحکمة، والثانیة: شمول الأحکام الصادرة بالإعدام بهذه العقوبة، إذ إن ما تحققه عقوبة نشر الحکم من الردع بنوعیه الخاص والعام سواء بالنسبة للمحکوم علیهم بالسجن أو الحبس أم بالنسبة لجمهور أفراد المجتمع یمکن أن یتحقق فی شقه الثانی إذا تم نشر الحکم الصادر بعقوبة الإعدام وذلک حتى یعلم الذین یتاجرون بأرواح أفراد المجتمع وصحتهم ومستقبلهم المصیر الذی ینتظرهم. 6- تعدیل نص الفقرة (ثالثا) من المادة (35) وذلک بالنص على شمول المحلات التی تدار أو تعد أو تهیأ لتعاطی المخدرات کالمقاهی والکافیتریات.... الخ، بعقوبة الغلق، وعدم قصر العقوبة على المحلات المجازة بموجب المادة (8) من القانون، مع الإبقاء على وجوبیة العقوبة، إذ إن مثل هذه العقوبة تمثل وسیلة مهمة للحد من انتشار ظاهرة تعاطی المخدرات والإدمان علیها. 7- إلغاء نص الفقرة (رابعا) من المادة (40) لکونها تتعارض مع موقف المشرع العراقی الذی لم یفرد نصا خاصا یعاقب فیه على جریمة تعاطی المواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة، کما انه یتعارض مع الهدف الذی تم من اجله النص على عدم جواز تحریک الدعوى الجزائیة تجاه من یتقدم تلقائیا من المتعاطین أو المدمنین على المواد المخدرة لطلب العلاج، والاستعاضة بدلا عنها بالنص على إجراء إداری یلزم بموجبه المؤسسة الصحیة التی تقدم إلیها المتعاطی طلبا للعلاج بالتحفظ علیه لحین اکتسابه الشفاء التام. 8- تعدیل نص الفقرة (أولا) من المادة (40) لتشمل کذلک حالة تقدیم طلب العلاج من قبل أحد أصول المتعاطی أو فروعه أو زوجته، ونقترح لذلک النص التالی: "أولا: لا تقام الدعوى الجزائیة على من یتقدم من متعاطی المواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة من تلقاء نفسه للعلاج فی المستشفى المختصة بعلاج المدمنین، ولا على من یثبت تعاطیه أو إدمانه للمواد المخدرة أو المؤثرات العقلیة إذا طلب علاجه أحد أصوله أو فروعه أو زوجته"، لأن العلة التی من اجلها قرر المشرع عدم جواز تحریک الدعوى الجزائیة ضد المتعاطی الذی یتقدم من تلقاء نفسه إلى المؤسسة الصحیة طلبا للعلاج تتحقق ذاتها فی حال قیام احد من أفراد عائلة المتعاطی - أصوله أو فروعه - أو زوجته بتقدیم طلب إلى المؤسسة الصحیة لعلاج المتعاطی.
The Author declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) First: legal books 1- Dr. Ahmed Fathi Sorour - The Origins of Criminal Policy - Arab Renaissance House - Cairo – 1972 . 2- Dr. Sami Abdel - Karim Mahmoud - criminal penalty - I 1 - Halabi rights publications - Beirut - Lebanon – 2010 . 3- Dr. Abdul Aziz Mohamed Mohsen - Legal excuses mitigating punishment in Islamic jurisprudence and positive law / comparative study - New University House - Alexandria – 2013 . 4- Dr. Ali Hussein Al-Khalaf, d. Sultan Abdul Qader Al-Shawi - General Principles in the Penal Code - Press of the Ministry of Higher Education and Scientific Research - University of Baghdad – 1982 . 5- Dr. Ali Abdul Qader Al-Kahwaji - Explanation of the Penal Code - General Section - Criminal Responsibility and Criminal Punishment - I 1 - Halabi Rights Publications - Beirut - Lebanon – 2009 . 6- Dr. Maher Abdel - Shweish - Penal Code - General Department - Dar Al - Hikma Press - University of Mosul – 1990 . 7- Dr. Mohamed Zaki Abu Amer - Penal Code - General Department - New University House - Alexandria – 2012 . 8- Dr. Mohammed Fathi Eid - Drug Abuse in Comparative Law - C2 - Arab Center for Security Studies and Training - Riyadh - Saudi Arabia – 1988 . 9- Dr. Mahmoud Naguib Hosny - Explanation of the Penal Code - General Section - I 5– Arab Renaissance House - Cairo – 1982 . 10- Dr. Mahmoud Mahmoud Mustafa - Explanation of the Penal Code - General Section - I 10 - Cairo University Press - Cairo – 1983 . Second: Research and Periodicals 1- Dr. Sabah Masbah Mahmoud Al-Hamdani, Nadia Abdullah Al-Taif Ahmad - What is the preventive policy of criminal - Research published in Tikrit University Journal of Law - Issue 1 - Part 1 - Volume 2 - Year 2 - Faculty of Law and Politics - Tikrit – 2017 . 2- Dr. Mamdouh Abdel - Hamid Abdel - Muttalib - Crimes against the use of drugs and psychotropic substances / comparative study - Research published in the Journal of Rights - Issue 1 - Year 29 - Council of Scientific Publishing - Kuwait – 2005 . Third: Theses 1- Sabah Karam Shaaban - Drug Crimes in Iraq / Comparative Study - Master Thesis submitted to the Faculty of Law and Politics - University of Baghdad – 1977 . Fourth: Laws 1- The Iraqi Narcotics Act No. 68 of 1965 . 2- Iraqi Penal Code No. 111 of 1969 and its amendments . 3- The Iraqi Narcotic Drugs and Psychotropic Substances Act No. 50 of 2017 . | ||
References | ||
المصـادر أولاً: الکتب القانونیة
ثانیاً: البحوث والدوریات
ثالثاً: الرسائل الجامعیة
رابعاً: القوانین
16. قانون المخدرات والمؤثرات العقلیة العراقی رقم 50 لسنة 2017 | ||
Statistics Article View: 1,187 PDF Download: 546 |