الاستراتیجیة الاسلامیة لتجنب وعلاج الازمات المالیة العالمیة | ||
الرافدین للحقوق | ||
Article 1, Volume 19, Issue 60, June 2014, Pages 274-314 PDF (0 K) | ||
Document Type: بحث | ||
DOI: 10.33899/alaw.2014.160754 | ||
Authors | ||
محمد یونس یحیى الصائغ1; شیماء عبد الستار جبر اللیلة2 | ||
1القسم العام، کلیة الحقوق، جامعة الموصل، الموصل، العراق | ||
2کلیة العلوم السیاسیة، جامعة الموصل، الموصل، العراق | ||
Abstract | ||
اذا کان العالم یشهد ازمة کل عقد من السنین فقد اصبح ومنذ بدایة التسعینات من القرن الماضی یشهد ازمات متعددة فی العقد الواحد ، لقد بدأ العالم یشهد فی السنوات الاخیرة ازمات محلیة واخرى اقلیمیة وعالمیة متعاقبة وبدأت تتبلور ازمات یسیرة وصغیرة واخرى کبیرة وخطیرة رمت بظلالها على العدید من الاقتصادیات کبیرها وصغیرها واصابت بالذعر العدید من الساسة ورجال الاعمال. تبین الازمة المالیة الراهنة ان معالجة القضایا العالمیة هی اکبر من ان تترک لدولة او مجموعة محدودة من الدول، وإنما تتطلب تحرکاً جماعیاً سیعمل على استلهام الحلول والبدائل من مختلف التجارب. وعلى الدول النامیة عدم الانسیاق الاعمى امام الدعوات المنادیة باعتماد أی اجراء ما لم یتم تشخیصه ،وتحدید مدى ملاءمته وانسجامه مع اوضاعها الاقتصادیة والثقافیة والدینیة. ویرى العدید من الباحثین والمفکرین ان الفقه الاسلامی یمتلک من المقومات والدعائم ما یمکنه من مواجهة هذه الازمات بالرجوع الى القران الکریم لفهم ما یحث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد بالقران من احکام وتعالیم وطبقوها ماحل بنا ماحل من کوارث وازمات ، وما وصل بنا الحال الى هذا الوضع لان النقود لاتلد نقوداً. | ||
Full Text | ||
الاستراتیجیة الاسلامیة لتجنب وعلاج الازمات المالیة العالمیة-(*)- Islamic strategy to avoid and cure global financial crisis
(*) بحث مستل من رسالة الماجستیر الموسومة بـ((العولمة والمنظمات الدولیة المالیة دراسة قانونیة مقارنة)) مقدمة إلى کلیة القانون، جامعة الموصل، 2010. أستلم البحث فی 31/5/2011 *** قبل للنشر فی 16/6/2011. (*) Received on 31/5/2011 *** accepted for publishing on 16/6/2011. Doi: 10.33899/alaw.2014.160754 © Authors, 2014, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license (http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
المستخلص اذا کان العالم یشهد ازمة کل عقد من السنین فقد اصبح ومنذ بدایة التسعینات من القرن الماضی یشهد ازمات متعددة فی العقد الواحد ، لقد بدأ العالم یشهد فی السنوات الاخیرة ازمات محلیة واخرى اقلیمیة وعالمیة متعاقبة وبدأت تتبلور ازمات یسیرة وصغیرة واخرى کبیرة وخطیرة رمت بظلالها على العدید من الاقتصادیات کبیرها وصغیرها واصابت بالذعر العدید من الساسة ورجال الاعمال. تبین الازمة المالیة الراهنة ان معالجة القضایا العالمیة هی اکبر من ان تترک لدولة او مجموعة محدودة من الدول، وإنما تتطلب تحرکاً جماعیاً سیعمل على استلهام الحلول والبدائل من مختلف التجارب. وعلى الدول النامیة عدم الانسیاق الاعمى امام الدعوات المنادیة باعتماد أی اجراء ما لم یتم تشخیصه ،وتحدید مدى ملاءمته وانسجامه مع اوضاعها الاقتصادیة والثقافیة والدینیة. ویرى العدید من الباحثین والمفکرین ان الفقه الاسلامی یمتلک من المقومات والدعائم ما یمکنه من مواجهة هذه الازمات بالرجوع الى القران الکریم لفهم ما یحث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد بالقران من احکام وتعالیم وطبقوها ماحل بنا ماحل من کوارث وازمات ، وما وصل بنا الحال الى هذا الوضع لان النقود لاتلد نقوداً.
Abstract If the world is witnessing a crisis every decade it has become since the beginning of the nineties of the last century witnessed multiple crises per decade, has begun the world is witnessing in recent years crisis, local and other regional and global successive began to crystallize crises easy and small and the other large and dangerous threw a shadow over many economies, large and small, and wounded panicked many politicians and businessmen. Developing countries not to be deceived in front of the blind calls pro-adoption of any action unless it is diagnosed, and determine its suitability and compatibility with their economic, cultural and religious.
المقدمـة توصف الازمة المالیة العالمیة بالکره المتدحرجة على سطح مستو لمنضدة او سطح صقیل قد تؤثر فیها العدید من المؤثرات فتتدحرج وتسقط من على ذلک السطح من قریب او بعید بقوة او بهدوء ویسر، انها الازمة المالیة ، انها حادث لیس مرتبطاً بزمان ولا مکان وسماته المفاجأة والمباغتة. واذا کان العالم یشهد ازمة کل عقد من السنین فقد اصبح ومنذ بدایة التسعینات من القرن الماضی یشهد ازمات متعددة فی العقد الواحد ، لقد بدأ العالم یشهد فی السنوات الاخیرة ازمات محلیة واخرى اقلیمیة وعالمیة متعاقبة وبدأت تتبلور ازمات یسیرة وصغیرة واخرى کبیرة وخطیرة رمت بظلالها على العدید من الاقتصادیات کبیرها وصغیرها واصابت بالذعر العدید من الساسة ورجال الاعمال. ویرى العدید من الباحثین والمفکرین ان الفقه الاسلامی یمتلک من المقومات والدعائم ما یمکنه من مواجهة أی ازمة وان الحاجة تبدو ملحة للرجوع الى القران الکریم لفهم ما یحث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد بالقران من احکام وتعالیم وطبقوها ماحل بنا ماحل من کوارث وازمات ، وما وصل بنا الحال الى هذا الوضع لان النقود لاتلد نقوداً.
اهمیة البحث تنبع اهمیة البحث من کون الازمات المالیة العالمیة تؤرق العدید من الدول والحکومات وتهدد اقتصادیات العدید من الدول کبیرها وصغیرها بالوقوع بخطر الانهیار فی عصر العولمة المالیة وارتباط الاقتصادیات بعضها ببعض الامر الذی جعل جمیع الاقتصادیات تتأثر بعضها البعض ولا تکون احداها بمنأى من خطر الانهیار المفاجئ لذا کان لابد من البحث عن الیه او کیفیة تستطیع الدول بواسطتها ان تنأى باقتصاداتها من مخاطر الازمات المفاجأة.
مشکلة البحث ان مشکلة البحث تکمن فی قدرة الاقتصاد الاسلامی على اداء دور معین فی معالجة الازمات المالیة العالمیة ومحاولة اصلاح المؤسسات المالیة واخراجها من دائرة الازمات المالیة التی تنتابها وذلک لحمایة النظام المالی والاقتصادی للدول بشکل عام والدول النامیة بشکل خاص. منهجیة البحث نعتمد فی کتابة هذا البحث على المنهج التحلیلی الوصفی فی بیان اسباب الازمات المالیة العالمیة وبیان مراحلها وانواعها وعلى المنهج التاریخی فی بیاننا لأسس وقواعد الامن والاستقرار فی الفقه الاسلامی. هیکلیة البحث وللإحاطة بهذا الموضوع وللتعرف على مفهوم الازمات المالیة العالمیة وتلمس التصور الاسلامی لحدوث الازمة المالیة واستراتیجیة الوقایة منها وعلاجها، سیتمحور هذا البحث على ثلاثة مباحث یکون الاول مخصصاً لماهیة الازمات المالیة العالمیة فی حین نتطرق عبر المبحث الثانی الى الازمة المالیة العالمیة الراهنة بینما یکون الثالث مکرساً للمنظور الاسلامی لتجنب الازمات المالیة العالمیة وعلاجها.
المبحث الاول ماهیة الازمات المالیة العالمیة تتعرض الاقتصادیات عبر تطورها لازمات من حین الى اخر رغم اختلاف حدتها وظروف حدوثها بحسب بیئة کل دولة تحدث فیها وبحسب ظروفها المؤسسیة والهیکلیة ولقد تسارعت حدة الازمات المالیة مع بدایة عقد التسعینات من القرن الماضی اکثر من السنوات السابقة لها وذلک فی خضم عولمة الاسواق المالیة والتدفق المفاجئ لرؤوس الاموال. سنحاول فی هذا المبحث القاء الضوء على مفهوم الازمات المالیة فی المطلب الاول واسباب الازمات المالیة العالمیة فی المطلب الثانی.
المطلب الاول مفهوم الازمة المالیة وانواعها سنبحث فی تناول مفهوم الازمات المالیة فی الفرع الاول بینما نتناول فی الفرع الثانی ابرز انواع الازمات المالیة .
الفرع الاول مفهوم الازمات المالیة الازمات المالیة عبارة عن محطات تمر بها الاقتصادیات فی مسارها التاریخی وهی مؤشر على هشاشة وسوء اداء فی النظام المالی لهذا البلد او ذاک، ولا یوجد اتفاق بین الفقهاء على تعریف او مفهوم محدد للازمات المالیة وفیما یأتی بعض هذه التعاریف التی اعطاها الفقهاء للازمة المالیة فالبعض ومنهم Kamnskey عرفها بـ((انها التوسع فی الائتمان المحلی المصحوب بزیادة الطلب على النقود فی ظل اسعار صرف ثابتة ، مما یؤدی الى حدوث مضاربات حادة فی العملة المحلیة وانخفاض کبیر فی حجم الاحتیاطیات الدولیة وعندها تضطر الحکومات الى التخلی عن اسعار الصرف الثابتة لعملتها المحلیة لعدم قدرتها على الدفاع عنها عند مستوى ثابت، ان الحفاظ على مستوى سعر صرف ثابت امر صعب ومکلف مما یضطر السلطات النقدیة الى رفع سعر الفائدة المحلیة بهدف دعم العملة المحلیة عند مستوى معین، ویعود رفع اسعار الفائدة المحلیة الى ارتفاع خدمة الدین العام الذی تتحمله الحکومات )). فی حین یعرفها فقیه اخر بانها ((ذلک الاضطراب او التوتر المالی الذی یؤدی الى تعرض المتعاملین فی الاسواق المالیة لمشکلات سیولة واعسار مما یستدعی تدخل السلطات المختصة لاحتواء تلک الاوضاع وقد تأخذ الازمة شکل ازمة مدیونیة، او ازمة عملات او ازمة فی المؤسسات المصرفیة وتشمل الازمة الحالیة جمیع هذه الاشکال)). وعرفها frankela krosانها اشارات الى هبوط فی معدل الصرف الرسمی للعملة الوطنیة (المحلیة ) بما لا یقل عن 25% وزیادة معدلات التضخم بما لا یقل عن 10 % سنویاً. وبعد استعراض االتعاریف المتقدمة یمکننا ان نعرف الازمة المالیة بانها : حدث غیر متوقع ولا یمکن التکهن به یصیب الاقتصاد الکلی بالهشاشة ویصاحبه انخفاض کبیر فی قیمة العملة الوطنیة والاحتیاطات من العملة الاجنبیة وتوسیع کبیر فی حجم القروض الاجنبیة لا یستطیع معه الجهاز المالی للدولة من القیام بمهامه الاساسیة.
الفرع الثانی انواع الازمات المالیة هنالک ثلاثة انواع من الازمات المالیة نتناولها بشیء من الایجاز فیما یأتی: 1- ازمات العملة : ان هذا النوع من الازمات یحدث عندما تتدهور قیمة عملة معینة بدلالة عملة او عملات مرجعیة ویکون هذا التدهور اکثر من 25% ویتم بناء هذا المؤشر بمزج تغیر سعر صرف العملة بتغیر مستویات الاحتیاطیات الرسمیة ومعدلات الفائدة المفترض فیهما انهما یعبران عن کثافة دفاع السلطات النقدیة عن سعر صرف العملة. 2- ازمة الاسواق المالیة: ان هذا النوع من الازمات یحدث کنتیجة لما یعرف اقتصادیاً بظاهرة ( الفقاعات )) ذلک ان الفقاعة تتکون عندما یرتفع سعر الاصول بشکل یتجاوز قیمتها العادلة على نحو ارتفاع سعره ولیس بسبب قدرة هذا الاصل على تولید الدخل فی هذه الحالة یصبح انهیار اسعار الاصل مسألة وقت عندما یکون هناک اتجاه قوی لبیعه فیبدأ سعره بالهبوط ومن ثم تبدأ حالات الذعر فی الظهور فتنهار الاسعار ویمتد هذا الاثر نحو اسعار الاصول الاخرى . 3- الازمات المصرفیة: ان هذا النوع من الازمات یحدث عندما تکون حجم الاصول غیر الکفوءة الموجودة لدى بنک معین کبیرة جداً او عندما تتفق المعلومات الصادرة عن مختلف الجهات (اعلام، دراسات) على ان هناک مؤشرات ذعر (تجمید ودائع، غلق بنوک، ضمان ودائع، وجود مخططات انقاذ حکومیة للبنوک) وتعرف الازمة المصرفیة بانها ارتفاع مفاجئ وکبیر فی سحوبات الودائع من البنوک التجاریة وینبع ذلک اساساً من الانخفاض المتواصل فی نوعیة الموجودات المصرفیة.
المطلب الثانی اسباب الازمات المالیة العالمیة ان تشخیص اسباب الازمات المالیة هو مفتاح العلاج السلیم فتصور الشیء تصوراً سلیماً ودقیقاً ومحایداً وموضوعیاً هو جزء من تقدیم الحل السلیم الموضوعی الرصین، یقول علماء الاقتصاد العالمی ومنهم الذین حصلوا على جائزة نوبل فی الاقتصاد مثل موریس الیه ((ان النظام الاقتصادی الرأسمالی یقوم على بعض المفاهیم والقواعد التی هی اساس تدمیره اذا لم تعالج وتصوب تصویباً عاجلاً)). ویمکن تلخیص مجموعة من الاسباب التی قادت الى الازمة المالیة العالمیة ومن اهمها ما یأتی: 1- یمکن القول ان من اهم الاسباب التی قادت الى الازمات المالیة العالمیة ترجع الى الفکر الاقتصادی الذی تبناه القائمون على الشأن السیاسی والاقتصادی الذی سیطر على خیاراتهم وسیاساتهم وقراراتهم منذ السبعینیات وهو الفکر الذی استند الى بروز اقتصادیات العرض (supply Economics) فی مقابل اقتصادیات الطلـب (Demand Economics). 2- تعطیل الیات التصحیح التی تضمنتها اتفاقیات بریتون وودز فیما یخص صندوق النقد الدولی : لقد تم انشاء صندوق النقد الدولی بموجب اتفاقیات بریتون وودز وذلک من اجل مساعدة الدول الاعضاء على تثبیت اسعار الصرف دون اللجوء الى عملیات تخفیض تنافسیة وعلى تحریر تجارة السلع والخدمات ولما کان ثبات اسعار الصرف من المسائل الجوهریة التی قامت علیها اتفاقیة بریتون وودز فقد کان على الدول الاعضاء العمل على ثبات اسعار الصرف لذلک فقد تم الزام الدول الاعضاء بان تحدد قیمة عملتها بوزن معین من الذهب وان تحتفظ بهذا السعر ثابتاً الا اذا قام اختلال جوهری ففی هذه الحالة یجوز تعدیل سعر الصرف بعد موافقة الصندوق وقد تم تأمین سیولة لدى الصندوق من مختلف العملات حتى اذا واجه المیزان الجاری لأحدى الدول الاعضاء خللاً ما سواء کان ذلک فائضاً ام عجزاً تمت معالجته کما یأتی: اذا کان عجزاً مؤقتاً او موسمیاً او عابراً او قابلاً للانعکاس فان الصندوق یقرض الدولة العاجزة العملات اللازمة (بفائدة حقیقیة) حتى یزول العجز وینقلب الى وفر فتسدد الدول المعنیة ما کانت قد اقترضته اما اذا کان الخلل اساسیاً فان الدولة العاجزة تخفض قیمة عملتها بالنسبة الى الذهب فتنخفض قیمتها بالنسبة الى قیمة عملات باقی الاعضاء الامر الذی یفترض ان یزید من قدرتها التنافسیة فترتفع صادراتها وتنخفض وارداتها ویتم تصحیح العجز. وخلال الثلاثین عاماً التی تلت انتهاء الحرب العالمیة الثانیة کان العالم النقدی مبنیاً على الدولار فالدولار الامریکی أدى دور العملة الرئیسة فی عملیات التبادل التجاری الدولی والتمویل ووضعت قیمة تبادل العملات وکذلک بنیت الاحتیاطیات الرسمیة والخاصة على اساس الدولار وخلال هذه المدة الزمنیة ازدهر اقتصاد العالم وبدأت معظم الدول الصناعیة بإزالة الحواجز امام التبادل الحر وبجعل عملاتها قابلة للتبدیل بحریة وانتعشت اقتصادیات أوربا واسیا الشرقیة بعد الحرب ونمت بمعدلات کبیرة لکن هذا الانتعاش حمل معه بذرة ازمة کبیرة اذ بدأ الدولار الامریکی یتجمع خارج امریکا بکمیات کبیرة وبدأت تتکون فی دول مثل المانیا والیابان فوائض کبیرة من التبادل التجاری بینما ازداد عجز الخزینة الامریکیة بسبب الانفاق الضخم على برامج التسلح والحروب الخارجیة مثل حرب فیتنام وبسبب الاستثمارات المتزایدة للشرکات الامریکیة فی الخارج. وهکذا بعد ان کانت الولایات المتحدة الامریکیة البلد الاول ذا الوفر فی میزانه الجاری منذ حوالی عشرین سنة او اکثر تحولت الى بلد یشکو من عجز کبیر جداً ومستمرة وهکذا وقف صندوق النقد الدولی عاجزاً امام ظاهرة استمرار عجز المیزان الجاری للولایات المتحدة دون ان یتمکن من القیام بای جهد تصحیحی رغم جمیع المحاولات التی بذلت. 3- التدفق الکبیر لرؤوس الاموال الى الداخل مع ما یرافقها من توسع کبیر فی الاقتراض دون التأکد من الملاءة الائتمانیة للمقترضین او حتى سجلهم الائتمانی وهذا مما یساعد على زیادة فی حجم القروض المشکوک فی تحصیلها من قبل البنوک المحلیة وعند ذلک یحدث انخفاض اسمی فی قیمة العملة المحلیة ازاء العملات القیادیة وهذا مما یؤدی الى موجة من التدفقات الرأسمالیة نحو الخارج. 4- ارتفاع الفاعلیة المالیة للاقتصاد: ویعنی ذلک ان نسبة المطلوبات المعروضة للقطاع الخاص الى الناتج المحلی الاجمالی تزداد والسلطات تستجیب لذلک بضخ السیولة فی النظام المصرفی من اجل الحفاظ على اسعار فائدة منخفضة على الرغم من التأثیر السلبی على العملة فالنظام المصرفی القلیل السیولة والعالی الفاعلیة المالیة قد یکون قناة مهمة للقلق المالی حتى لو لم یکن النظام المصرفی فی حالة عسر مالی. 5- وجود خلل فی تطبیق السیاسات النقدیة والمالیة الکلیة والملائمة خاصةً اذا تزامن ذلک مع انعدام الشفافیة، وانتشار الفساد والتلاعب فی البیانات والقوائم المالیة فی المؤسسات التی تکون المبعث الاولی للاضطراب. ومن المعروف ان العلاقات الدولیة تتشکل وتتطور لکی تلائم المتغیرات التی تلحق بالمجتمع الدولی ومن خلال نظرة فاحصة لهذه العلاقات یتبین لنا انها ظلت تفسح مجالاً کبیراً لأثر تدخل العامل السیاسی على الروابط التی تقوم بین الدول بالتصدی لمشاکل الحروب، الحدود، الاستعمار، وتقسیم النفوذ، الاستقلال .....الخ ان کل هذه المشاکل کانت ولاتزال ذات طابع نسبی، الا انها باتت تأخذ ما یمکن ان نطلق علیه بالثبات النسبی، وهذا الثبات النسبی للعلاقات الدولیة بالنسبة لهذه الامور لم یمنع من ان یأخذ عامل جدید دوره فی اهتمام العلاقات الدولیة وبالتالی المنظمات الدولیة واصبح یحل حلولاً تاماً محل العامل السیاسی بل یؤثر علیه نقصد بذلک العامل المالی والاقتصادی ولا نغالی اذ قلنا ان هذا العامل اصبح بمثابة الموجه والمسیطر على مجریات العلاقات الدولیة فی کل ابعادها. المبحث الثانی الازمة المالیة العالمیة لعام 2008 خلال العقود الثلاثة الماضیة حدثت تحولات مهمة على صعید العلاقات الاقتصادیة والمالیة الدولیة فی ظل سیاسات اللیبرالیة الاقتصادیة الجدیدة ، افرزت اجواء عولمیة فرضت ما دعی بـ( العولمة المالیة ) هذه التحولات تجسدت بـ:- 1- ظهور المشتقات المالیة. 2- التقدم التکنلوجی الکبیر فی مجال الاتصالات. 3- ظهور انواع جدیدة من الشرکات کالشرکات القابضة والشرکات التابعة لأغراض معینة. 4- هیمنة الفکر اللبرالی الجدید المتمثل فی (اجماع واشنطن) الذی تجسد فی برامج التثبیت والتکییف الهیکلی برعایة صندوق النقد الدولی والبنک الدولی وحکومة الولایات المتحدة. وقد افرزت هذه التحولات ظهور مؤسسات مالیة عملاقة ومتشابکة وتتمتع بقدر کبیر من الحریة والقدرة على المناورة ومن امثلتها (صنادیق التحوط) التی تدیر اموالاً هائلة تصل الى مئات الملایین من الدولارات کشرکة استثمارات الامانة وهی مؤسسة مالیة امریکیة یعادل حجم الاموال التی تدیرها على مستوى العالم القیمة الرأسمالیة للتداول فی الاسواق المالیة فی الاقتصادات الناشئة مجتمعة ویأتی فی هذا الاطار الصنادیق السیادیة. هذا زیادة على ظهور المعاملات المالیة التی تتم من خلال (المراکز المالیة المغتربة) التی لا تخضع لأیة رقابة خارج الولایات المتحدة وقد بدأت هذه الاصدارات بأدوات مالیة فی ما یدعى (یورو دولار) ثم تجاوزت أوربا الى الیابان وشرق اسیا وامریکا اللاتینیة ولکنها احتفظت بالتسمیة نفسها فظهر هنالک الیورو بوند والیورو مارکت. ان هذه الاصدارات لا تخضع لأیة ولایة وهی بالتالی قادرة على خلق السیولة دون رقابة. ان جمیع هذه التحولات تتم فی اطار العولمة المالیة ،لذلک سنحاول هنا التطرق للسمات الاساسیة للعولمة المالیة کونها کانت الخلفیة وراء حدوث الازمة المالیة العالمیة. 1- النمو الهائل للتدفقات الاستثماریة الاجنبیة. 2- الزیادة السریعة فی معاملات الاوراق المالیة عبر الحدود. 3- ارتفاع معدلات التعامل فی اسواق العملات المالیة بشکل اکبر من نمو التجارة العالمیة. 4- الارتباط المتزاید بین مؤشرات اسعار الاسهم فی الاسواق الصاعدة ومؤشر (نازداک) أی مؤشر اسهم شرکات التکنلوجیا المتقدمة فی الولایات المتحدة. وسنلقی فی هذا المبحث الضوء على السیاسات الاقتصادیة الامریکیة ودورها فی تولید الازمة فی المطلب الاول بینما سنخصص المطلب الثانی لدراسة المراحل التی مرت بها هذه الازمة اما المطلب الثالث فسنخصصه لتناول اسباب هذه الازمة اما فی المطلب الرابع فسنتطرق الى اهم اثار هذه الازمة اما المطلب الخامس فسنخصصه لتناول ابرز السبل المتاحة لمواجهة هذه الازمة.
المطلب الاول المراحل التی مرت بها الازمة المالیة العالمیة لعام 2008 نشبت الازمة الحالیة فی قلب المرکز الرأسمالی العالمی وفی اکبر اقتصاد عالمی أی فی الولایات المتحدة الامریکیة ، وانطلقت من ( وول ستریت ) ویمکن ملاحظة مرور الازمة الحالیة بالمراحل الاتیة:
المرحلة الاولى: التمویل العقاری اتبع الاحتیاطی الفدرالی سیاسة الفوائد فی مواجهة التضخم وبهدف ضبطه على حساب اطلاق الاقتصاد، حیث توسعت البنوک فی منح القروض للأفراد ومتوسطی الدخل وغیر القادرین على السداد والمسماة بالقروض (المتدنیة الجودة ) وذلک دون التحقق من قدرة اصحاب القروض على السداد او حتى الاستعلام عن هویتهم الائتمانیة فی معظم الاحوال.
المرحلة الثانیة : تضخم حجم التمویل قامت المصارف (مباشرة اوعن طریق مؤسسات متخصصة) بتجمیع القروض العقاریة ضمن محافظ واصدرت بموجبها سندات مالیة ذات ریع مغر وعمدت الى بیع هذه السندات الى المصارف والمؤسسات الاخرى لتقوم هذه بدورها ببیعها الى الزبائن (افراد او شرکات تأمین او ادخار) وقام بعضها باستعمال السیولة الناجمة عن عملیات بیع هذه السندات لإعادة تمویل قروض عقاریة جدیدة وهکذا تضخم جحم التمویل لیبلغ ارقاماً خیالیة قدرها بعض المحللین لدى مصرف (لیمان براذرز) مثلاً بحوالی (700) ملیار دولار.
المرحلة الثالثة : ظهور بوادر العجز عمد الاحتیاطی الفدرالی الامریکی حفاظاً على مستوى التضخم ومنعاً من ارتفاعه الى رفع سعر الفائدة مما ادى الى زیادة اعباء سداد الدیون العقاریة على اصحاب الدخل المتوسط والمحدود وبدأت بوادر التوقف عن الدفع واسترداد الاملاک العقاریة ومن اجل درء مخاطر السندات تم اصدار سندات تأمینیة مضادة بحیث تدفع عندما یتعثر دفع القرض العقاری وبالتالی یتأخر سداد السندات العقاریة فتتهافت المصارف على شرائها. المرحلة الرابعة : وهی ما انتهت الیه الازمة المالیة وذلک عندما بدأت کرة الثلج بالتدحرج اذ توسعت الازمة فقد رافق استرداد العقارات امران: الاول : قیام العدید من ملاک العقارات بإتلافها عمداً قبل التخلی عنها. والثانی: ان المصارف المقترضة واجهت ازمة تصریف هذه العقارات نظراً لتعددها وکثرة ما عرض منها فی الاسواق فی وقت واحد وارتفاع فوائد التسلیف لإعادة بیعها فوجد الافراد والمؤسسات والمصارف الاستثماریة الذین اشتروا السندات التی تمثل المحافظ العقاریة انفسهم امام اوراق مالیة دون ایرادات وقد فقدت نسبة لا یمکن تقدیرها من قیمتها وکانت النتائج کارثیة اصابت جمیع المتعاملین من زبائن وافراد ومصارف متخصصة ومصارف استثماریة ومؤسسات.
المطلب الثالث الاسباب الرئیسیة لازمة النظام المالی العالمی ان من اهم الاسباب التی ادت الى الازمة المالیة العالمیة الحالیة ما یأتی: 1- الفائدة المتصاعدة : لقد ارتبطت بوادر الازمة بصورة اساسیة بالارتفاع المتوالی لسعر الفائدة من جانب بنک الاحتیاطی الفدرالی الامریکی منذ عام 2004 وهو ما شکل زیادة اعباء القروض العقاریة من حیث خدمتها وسداد اقساطها. 2- تصاعد الانفاق العسکری : لقد ارتفع معدل الانفاق العسکری الى معدلات غیر مسبوقة (لا تظهرها الموازنة المعلنة للبنتاغون) فقد تجاوزت کلفة حربی العراق وافغانستان بحسب الدراسة التی قام بها جوزف ستیغلتز الـ 3 تریلیونات دولار وفی عام 2008 بلغت میزانیة البنتاغون حوالی 482 ملیار دولار لتغطیة الرواتب والعملیات (عدا العراق وافغانستان). 3- التحول فی طبیعة الاقتصاد العالمی : فی عصر العولمة الاقتصادیة اصبح الاقتصاد العالمی اقتصاداً رمزیاً یقوم على المضاربة فی الاصول المالیة وقد اصبح حجم الاقتصاد الرمزی یفوق الاقتصاد الحقیقی بأربعین مرة او یزید وهو ما ادى الى بروز الفقاعات المالیة التی من الممکن ان تنفجر فی أی لحظة ولم یعد الاستثمار فی الاوراق المالیة مرتبطاً بحقیقة ما تمثله هذه الاوراق بقدر ما صار تعبیراً عن حرکة رؤوس الاموال فکلما تزایدت التوقعات بارتفاع اسعار الاوراق وتزاید اتجاه المصارف والمؤسسات المالیة الى شرائها. 4- الرهون العقاریة الاقل جودة: وهذا یأتی من ان المواطن الامریکی یشتری عقاره بالدین من البنک مقابل رهن هذا العقار حیث یرتفع ثمن العقار المرهون ونتیجة لسهولة الحصول على قرض فان صاحب الرهن یسعى للحصول على قرض جدید ولکنه مقابل رهن جدید من الدرجة الثانیة ومن هنا تسمى الرهون الاقل جودة لأنها رهونات من الدرجة الثانیة أی انها اکثر خطورة فی حال انخفاض ثمن العقار وقد توسعت البنوک فی هذا النوع من القروض مما رفع من درجة المخاطرة فی تحصیل تلک القروض. 5- اتباع سیاسة توریق الدیون ( securitization ) وتسبیلها بالبیع وهو امر مألوف فی الاقتصاد التقلیدی ومن ذلک خصم السندات والکمبیالات. لکن الامر توسع على الصعید المصرفی الدولی وصیرته مصارف الولایات المتحدة ظاهرة فی نهایة الثمانینات بسبب تکالب المصارف على توریق دیونها وهذا ما یفسر انعکاس الفشل المالی فی السوق الامریکیة على السوق الاوربیة بشکل مباشر. 6- السیاسة النقدیة والانفلاشیة التی اتبعتها السلطات المعنیة وخاصةً رئیس الاحتیاطی الفدرالی (البنک المرکزی ) (الن غرینسیان) (1987-2006 ) حیث ادت هذه السیاسة الى استمرار الولایات المتحدة الامریکیة فی الانفاق بما یفوق انتاجها وبالتالی ان تستمر فی ان تعیش على حساب مدخرات الدول الاخرى. 7- سوء سلوکیات مؤسسات الوساطة المالیة التی تقوم على اغراء الراغبین (محتاجی) القروض والتدلیس علیهم واغرائهم والغرر والجهالة للحصول على القروض من المؤسسات المالیة ،وهذا یقود فی النهایة الى الازمة. 8- ضعف النظم المحاسبیة الرقابیة والتنظیمیة :لقد تعرضت البلدان النامیة الى ازمات مالیة عدیدة وذلک بسبب ضعف النظام المحاسبی والاجراءات المحاسبیة وخاصةً فیما یتعلق بالدیون ونسبتها فی محفظة المصارف الائتمانیة کما ان ضعف النظام القانونی المساند للعملیات المصرفیة وعدم الالتزام بالحدود القصوى للقروض المقدمة من المصارف ونقص الرقابة المصرفیة من الاسباب التی کانت وراء وقوع الازمات المالیة فضلاً عن ذلک فان التقییم غیر الدقیق وغیر الکافی للمخاطر الائتمانیة. 9- التوسع فی تطبیق نظام بطاقات الائتمان بدون رصید (السحب على المکشوف) التی تحمل صاحبها تکالیف عالیة ، وعندما یعجز صاحب البطاقة عن سداد ما علیه من مدیونیة زید له فی سعر الفائدة وهکذا حتى یتم الحجز علیه او رهن سیارته او منزله، وهذا ما حدث فعلاً للعدید من حاملی هذه البطاقات وقادت الى الخلل فی میزانیة البیت الابیض وکانت سبباً فی ازمة بعض البنوک الربویة. 10- ویعزو البعض سبب الازمة الحالیة الى الجشع الذی الصق بقیادة النظام المصرفی العالمی من خلال ما صرحت به مجلة التایمز الامریکیة فی العدد 29/ لسنة 2008 ظهر غلافها یحمل عنوان ثمن الجشع فالجشع هو الدافع کما یقال فی علم الجریمة الذی یتم بالاقتراض المتعاظم والاسترسال فی الاقتراض لتحقیق ربح لا یمکن تحقیقه بالتعامل الاقتصادی او المالی العادی.
المطلب الخامس سبل معالجة الازمة المالیة العالمیة ان سبل معالجة اثار الازمة المالیة العالمیة یکمن فی البحث عن اسباب حدوث هذه الازمة تمهیدا لعلاجها او التخفیف من اثارها السلبیة قدر الامکان وذلک من اربعة جوانب الجانب النقدی المالی والجانب الاقتصادی الحقیقی والاجراءات التصحیحیة فی الداخل والاجراءات التصحیحیة للنظام المالی. 1- لقد ادت الازمة المالیة العالمیة الى احداث ردود فعل کبیرة من اجل الخروج من هذه الازمة کان من ابرزها اعتماد الولایات المتحدة الامریکیة لخطة انقاذ بمبلغ 700 ملیار دولار تدور حول: أ- تقدیم مساعدات للعائلات للتقلیل من ارتفاع حالات عدم القدرة على التسدید. ب- اعتماد سیاسة نقدیة مرنة بضخ السیولة من اجل التأثیر فی معدل الفائدة، وهکذا عمل الاحتیاطی الفدرالی على تخفیض سعر الفائدة الى غایة الوصول به الى 1% من اجل عدم توقف المستثمرین عن طلب الائتمان فیکرس ذلک حالة من الرکود الاقتصادی. 2- ان عدداً من الدول النامیة والاسواق الناشئة قد اتخذت اجراءات فی هذا المجال ولکن من الملاحظ ان المعالجة النقدیة التسلیفیة غیر کافیة وحدها لمنع الاثار السلبیة والثانویة فی الاقتصاد الحقیقی لذلک یفترض ان تتخذ جمیع الاجراءات الاضافیة (غیر النقدیة) التی تشجع الاستهلاک والاستثمار الخاص مثل تخفیض الضرائب وخاصةً على اصحاب المداخیل المتوسطة والصغیرة. 3- وعلى الرغم من اهمیة الاجراءات المتخذة من اجل تشجیع الاستهلاک والاستثمار الخاص فإنها قد تبقى غیر کافیة وقاصرة لمنع الرکود او الانکماش الاقتصادیین لذلک یجب على الدولة (القطاع العام) ان تقتحم الحلبة مباشرةً فترفع من نفقاتها الاستثماریة والجاریة لکی تعوض النقص الحاصل فی مستوى الطلب الخاص. اما فیما یتعلق بموقف صندوق النقد الدولی من الازمة المالیة العالمیة فانه قد قام بالعدید من الاجراءات من اجل الخروج من الازمة من اهمها: 1- قام صندوق النقد الدولی بتقدیم تسهیل تمویلی للسیولة القصیرة الاجل والمخصصة للبلدان القادرة على النفاذ الى الاسواق یمکن ان تصل الى 500 % من حصة البلد العضو باجل استحقاق 3 اشهر ویمنح للدول الاعضاء ذات السجل الایجابی فی اتباع سیاسات سلیمة تستطیع النفاذ الى اسواق المال ولدیها مدیونیة یمکن الاستمرار فی تحمل اعبائها. 2- منح تسهیلات وقروض للدول ذات الاساس الاقتصادی الصلب والتی تتعرض مؤقتاً لضغوط مالیة حیث اشار الصندوق الى ان لدیه 200 ملیار دولار متاحة للاقتراض مع مجموعات من الدول الاعضاء . 3- مراجعة اولویات الصندوق بالاتجاه نحو مساعدة الدول الاعضاء على معالجة الازمات الوشیکة والمهمة والعاجلة ومراجعة ادوات القروض المتوافرة لدى الصندوق.
المبحث الثالث الاسلام والازمات المالیة العالمیة لقد ساد تصور عام فی النظریة الغربیة انه لا اقتصاد بلا بنوک ولا بنوک بلا فائدة وکثیراً ما قدم النظام الغربی البنوک والبورصات وشرکات التأمین الغربیة وغیرها من المؤسسات العملاقة على انها الانموذج الذی یجب ان یحتذى به فی جمیع انحاء العالم على مختلف ایدلوجیاته. ویجد المفکرون الاسلامیون ان بدایة الازمة الحالیة هی فی الاقراض بالربا واثقال کاهل الناس بقروض ربویة ذهبت الى سد احتیاجات اساسیة کالمنازل او غیرها من الکمالیات وقد وجد فیها الاقتصاد الامریکی محرکاً اساسیاً لاستمرار النمو لکن جاءت ریاح الاعصار بما لا تشتهی سفن الادارة الامریکیة. ویرى هؤلاء ان عملیة الاتجار بالائتمان تمر بمرحلتین هما: المرحلة الاولى: جمع الاموال من المدخرین بفائدة وتسمى الایداع او الودائع وهذه التسمیة غیر حقیقیة لان هذه الاموال تسجل لدى المصرف على انها ایرادات دائنه، العمیل فیها دائن المصرف فیها مدین فهذه الایرادات تدخل ذمة المصرف المدینة ویتملکها ملکیة کاملة ویستثمرها البنک لحساب نفسه وربحها وخسارتها له او علیه وحده ولیس للعمیل الدائن الا رأس ماله وفوائده. المرحلة الثانیة: هی توزیع الاموال على المحتاجین من اصحاب الاعمال او المستهلکین وتتم عن طریق الاقراض بفائدة ویلاحظ انها ایضاً عملیة مداینة ،المصرف فیها دائن واصحاب الاعمال فیها مدینون ولیس للبنک فیه الا رأس مال القرض وفائدته سواء ربح صاحب المشروع او خسر ویکسب البنک الفرق بین فائدتی الایداع والاقراض وقد دلت بعض الدراسات لمیزانیات البنوک ان معدل ما بین 70 -80 % من معاملات البنوک تتم عن طریق اقراض المال للمحتاجین ویقوم نظام البنوک على ان سداد المدین لجزء من دینه یخصم اولاً من الفوائد المتراکمة وقد جرت العادة ان المدینین لا یستطیعون الوفاء بدیونهم کاملةً ویفاجاً المدین انه قد اوفى البنک قیمة الدین کاملاً ولکن الدین باق على حاله کاملاً زیادةً على جزء من الفوائد وهکذا تتحول ذمة المقترض الى مدیونیة دائمة تمتص جهده وعرقه وتؤدی بمشروعه فی النهایة الى کارثة اقتصادیة. والسؤال الذی یورده دعاة الحل الاسلامی هنا هو : هل تأثرت المصارف الاسلامیة بالأزمة المالیة العالمیة؟ ثم ما العوامل التی تجعل النظام المالی الاسلامی قادراً على مواجهة الازمات؟ ثم هل المصرفیة الاسلامیة الیوم قادرة على الدخول بقوة ومنافسة المصرفیة التقلیدیة؟ ویجیب هؤلاء على ذلک بان الازمة المالیة العالمیة اتت على الاخضر والیابس فلم تدع قطاعاً من القطاعات الاقتصادیة الا واثرت فیه خصوصاً قطاع المؤسسات المالیة سواء التقلیدیة او المتوافق منها مع الشریعة الاسلامیة، بدلیل نتائج ارباح الربع الرابع من العام (2008) لبنک دبی الاسلامی، وغیرة من البنوک, الا ان الواضح ان المؤسسات المالیة الاسلامیة اقل تأثراً بالأزمة المالیة العالمیة اذا ما قورنت بمثیلاتها من المؤسسات التقلیدیة. اما فیما یتعلق باحتمال مواجهة الاقتصاد الاسلامی للازمات فان هذا وارد والذی یقرأ التاریخ یجد ان ذلک واضح فی تاریخ الدول الاسلامیة فالتاریخ الاسلامی لا یشهد دائماً اقتصاداً مستقراً لیس فیه أی ذبذبات بل انه احیاناً تمر على المسلمین ازمات قد لا یجد الشخص حینها ما یستطیع به اطعام نفسه وعائلته. لکن المعاملات المالیة الاسلامیة تتمیز بالعدید من الممیزات التی تجعلها اقدر من غیرها على مواجهة الازمات وسنحاول فی خضم هذا المبحث تناول التصور الاسلامی لتجنب وعلاج الازمات المالیة العالمیة مبتدئین بمسببات الازمات المالیة وضوابط الاقتصاد الاسلامی فی المطلب الاول اما فی المطلب الثانی فسنخصصه لدور المصارف الاسلامیة فی مواجهة الازمات المالیة.
المطلب الاول مسببات الازمات المالیة وضوابط الاقتصاد الاسلامی یعتقد المفکرون الاسلامیون ان جوهر الازمات المالیة التی عصفت بالرأسمالیة المعاصرة منذ حقب زمنیة طویلة یتمثل فی تأکل القیم والاخلاقیات التی تحکم سلوکیات الافراد فی تعاملاتهم المالیة وغیر المالیة فمن الملاحظ انه فی السنوات القلیلة الماضیة ظهرت مواد دراسیة بعنوان (اخلاقیات العمل) تضاف الى مقررات بعض الجامعات الامریکیة اقراراً بهذا الخلل. وسنحاول فی هذا المطلب تناول مسببات الازمات المالیة وفقاً للمنظور الاسلامی وذلک فی الفرع الاول اما الفرع الثانی فسنخصصه لتناول ضوابط وقواعد الامن والاستقرار فی الاقتصاد الاسلامی.
الفرع الاول مسببات الازمات المالیة وفقاً للمنظور الاسلامی ان للازمات المالیة العدید من الاسباب وفقاً للمنظور الاسلامی سنحاول تناولها فیما یأتی :- أولاً: الربا: یرى الفقهاء المسلمون ان من اهم اسباب الازمة المالیة العالمیة هی الربا فقد ارتبطت بوادر الازمة بصورة اساسیة بالارتفاع المتوالی لسعر الفائدة من جانب بنک الاحتیاطی الفدرالی الامریکی منذ عام 2004 وهو ما شکل زیادة فی اعباء القروض العقاریة من حیث خدمتها وسداد اقساطها ، وتفاقمت الازمة بحلول النصف الثانی من عام 2007 حیث توقف عدد کبیر من المقترضین عن سداد الاقساط المالیة المستحقة علیهم وهکذا نرى ان النظام المصرفی الغربی یقوم على الفائدة اخذاً وعطاءاً ویعمل فی اطار منظومة تجارة الدیون شراءً وبیعاً ووساطة وکلما ارتفع معدل الفائدة على الودائع ارتفع معدل الفائدة على القروض الممنوحة للأفراد والشرکات، والمستفیدون هم المصارف والوسطاء المالیون والغبن والظلم یقع على المقترضین الذین یحصلون على القروض سواء لأغراض الاستهلاک او لأغراض الانتاج وهکذا نرى ان السبب الاول للازمة المالیة العالمیة هو سوء اداء مؤسسات الوساطة المالیة فی تعاملها بالربا اخذاً وعطاءً. ثانیاً: ضعف التزام المؤسسات المالیة بالقیم والاخلاق:- ان ضعف التزام الافراد بمبادئ ولوائح المؤسسات المالیة هو ثمرة خبیثة للرؤیة الکونیة للإنسان فی ظل الرأسمالیة المعاصرة واعتبار الانسان نفسه الة انتاج واستهلاک وتجریده من ابعاده الاجتماعیة وتقیید حساباته للربح والخسارة بهذه الارض مما جعله انانیاً میکافیلیاً یتصرف بنزواته واهوائه ولا یفکر الا فی نفسه واشباع رغباته وهو یعنی انه یبرر الغش والخداع والتدلیس والاحتکار والمعاملات الوهمیة. وهذه الموبقات تؤدی الى الظلم أی ظلم اصحاب الاموال من الاغنیاء والدائنین للفقراء والمساکین والمدینین وهذا سوف یقود الى تذمر المظلومین عندما لا یستطیعون تحمل الظلم وسوف یقود ذلک الى تذمر المدینین وحدوث الثورات الاجتماعیة عند عدم سداد دیونهم وقروضهم. ثالثاً: بیع الدیون: یرى بعض الفقهاء ومنهم سورس البلیونیر والمستثمر الامریکی من اصل هنغاری ان اهم اسباب الازمة المالیة الحالیة انتشار کثیر من الادوات الاستثماریة المعقدة التی یرى ان بعضها غیر مجد ویجب التخلص منه خاصه اذا لم تستطع المؤسسات الرقابیة فهمه ومراقبته ذلک ان الکثیر من هذه الادوات تحمل فی طیاتها الظلم والمقامرة فی اموال المستثمرین فجوهر ازمة الرهن العقاری هی ظاهرة بیع الدیون واعادة بیعها وهذا التمویل بالدین الذی یقوم على الفائدة هو اسلوب غیر مجد فهو یزعزع استقرار النظام المالی ویعمق تفاوت الدخل ویؤدی الى هدر موارد المجتمع. رابعاً: ان النظام المالی والمصرفی الغربی یقوم على نظام جدولة الدیون بسعر فائدة اعلى او استبدال قرض واجب السداد بقرض جدید بسعر فائدة اعلى کما کان المرابون یقولون فی الجاهلیة (اتقضى ام تربی) وهذا یلقی اعباء اخرى على المقترض المدین الذی عجز عن دفع القرض الاول بسبب سعر الفائدة الاعلى. خامساً: یقوم النظام المالی العالمی ونظام الاسواق المالیة على نظام المشتقات المالیة التی تعتمد على معاملات وهمیة ورقیة شکلیة تقوم على الاحتمالات ولا یترتب علیها أی مبادلات فعلیة للسلع والخدمات فهی عینها المقامرات والمراهنات التی تقوم على الحظ والقدر، والادهى والامر ان معظمها یقوم على ائتمانات من المصارف فی شکل قروض وعندما تأتی الریاح بما لا تشتهی السفن ینهار کل شیء وتحدث الازمة المالیة. سادساً: التوسع فی الانفاق: تبنى الفلسفة الاقتصادیة الرأسمالیة على الانفاق الاستهلاکی من خلال خلق الطلب من خلال جعل (التسوق متعة) ویقدر الخبراء ان ثلثی الاقتصاد الامریکی مبنی على الانفاق لذلک یتوجه الاقتصاد التقلیدی الى جانب العرض فیتوسع فیه من خلال توجیه وسائل اعلامه لترویج ثقافة کیف تنفق؟ ولو ادى ذلک الى توجیه المستهلکین نحو الاسواق والتبذیر بینما تبنى فلسفة الاقتصاد الاسلامی على الضغط على الطلب بترشید الاستهلاک لذلک فهو یمنع الاسراف والتبذیر لدورهما فی تولید التضخم کما یمنع التقتیر لدوره المسیء فی انکماش الطلب الکلی. وفی مطلع القرن الحالی ونتیجة النفقات العسکریة على الارهاب وعلى الحرب على العراق وافغانستان جاءت الازمة المالیة العالمیة الحالیة نتیجة الانفاق الامریکی المجنون لتعلن نهایة حقبة جیوسیاسیة وبدء تشکیل اقطاب جدیدة.
الفرع الثانی قواعد وضوابط الامن والاستقرار فی الاقتصاد الاسلامی یقوم النظام المالی والاقتصادی الاسلامی على مجموعة من القواعد التی تحقق له الامن والامان والاستقرار وتقلل المخاطر وذلک بالمقارنة مع النظم الوضعیة ومن اهم هذه القواعد ما یأتی:
أولاً : اسس السوق الاسلامی أرسى الرسول الکریم محمد صلى الله علیه وسلم اسس السوق الاسلامی عند هجرته الى المدینة المنورة لبناء الدولة الاسلامیة فکان اول ما بناه هو المسجد لتربیة النفوس على الفضیلة والایمان ، ثم سال الرسول علیة الصلاة والسلام عن السوق فدلوه على سوق للیهود فامر بإشادة سوق للمسلمین وقال ((هذا سوقکم فلا ینتقصن ولا یضربن علیه خراج)) وهذا دلیل على وجوب استقلالیة اسواق المسلمین وحرمة انتقاصها باحتکار او فساد او غش وما الى ذلک وفیه ایضاً دلیل على حرمة فرض الرسوم والضرائب على الاسواق.
ثانیاً : ضوابط السوق اوضح الرسول الکریم علیه الصلاة والسلام مبدأ الحریة الاقتصادیة قائلاً ((لا یبیعن حاضر لباد، دعوا الناس فی غفلاتهم یرزق الله بعضهم من بعض )). وقال ایضاً صلى الله علیه وسلم ((لا تستقبلوا السوق ولا تحفلوا ولا ینفق بعضکم لبعض)). ویفترض ذلک ان العملیات الاقتصادیة من غیر الممکن لها ان تسیر بتلقائیة ساذجة تدفعها الى ذلک ید خفیه او یحکمها قانون طبیعی یشبه قوانین النظام البیولوجی الذی یتصف فی العادة بالجبریة ومن ثم فان النظام الاقتصادی الاسلامی لا یتصور فیه الاقتصاد بصفته نظاماً تعاونیاً تؤدی فیه القوانین الاقتصادیة مهمة تحویل سعی الافراد الى تحقیق مصالحهم بتلقائیة غبیة او جبریة لها حکم الضرورة . ومن ثم فان العملیات الاقتصادیة یجب ان تناط بجهة قادرة على توجیه هذه العملیات لتحقیق اهدافها الاجتماعیة فالکون لیس آلة خلقها الله ثم ترکها تدور بدون تدخل کما ترى ذلک المدرسة الفرنسیة بالتالی فان تدخل الدولة ضروری.
ثالثاً: المشارکة فی الربح والخسارة یقوم النظام المالی والاقتصادی الاسلامی على قاعدة المشارکة فی الربح والخسارة وعلى التداول الفعلی للأموال والموجودات ، ویحکم ذلک الحلال الطیب والاولویات الاسلامیة وتحقیق المنافع المشروعة والغنم بالغرم والتفاعل الحقیقی بین اصحاب الاموال واصحاب الاعمال والخبرة والعمل على وفق ضوابط العدل والحق وبذل الجهد وهذا یقلل من حدة أی ازمة حیث لا یوجد فریق رابح دائماً وفریق خاسر ابداً بل المشارکة فی الربح والخسارة.
رابعاً : یقوم النظام المالی والاقتصادی الاسلامی على منظومة من القیم والمثل والاخلاق مثل الامانة والمصداقیة والشفافیة والبینة والتیسیر والتعاون والتکامل والتضامن فلا اقتصاد اسلامیاً بدون اخلاق ومثل وتعتبر هذه المنظومة من الضمانات التی تحقق الامن والامان والاستقرار للمتعاملین کافةً وفی نفس الوقت تحرم الشریعة الاسلامیة المعاملات المالیة والاقتصادیة التی تقوم على الکذب والمقامرة والتدلیس والغرر والجهالة والاحتکار. خامساً: ان الاقتصاد الاسلامی حث على تحجیم الدین بین الناس وتوسعته مع المحتاجین بضوابط وکانه یسعى لضبط السوق مانعاً ایاه من الوقوع بمخاطر وازمات اما الاقتصاد التقلیدی فقد حث على التوسع بالدین مهیأً کل السبل للبطاقات الائتمانیة والتسهیلات الائتمانیة والتلاعب بالرهن وبیع الدین وما الى ذلک من ممارسات ینهى عنها الشرع الاسلامی. سادساً: اقطاع الاراضی واحیائها : تقوم الدولة الاسلامیة بمنح رعایاها الاراضی لاستغلالها والانتفاع منها ، وقد سمح الاسلام ایضاً لرعایا الدولة الاسلامیة بإحیاء الارض الموات فمن احیا ارضاً میتة فهی له على ان یستغلها خلال ثلاث سنوات والا اخذت منه ، بهذه الطریقة تستغل الارض استغلالاً جیداً وتتوافر فرص العمل للکثیرین وتنخفض الاسعار وینتهی احتکار الاغنیاء للأراضی والاموال. سابعاً: سهم الغارمین: اوجب الاسلام على المال زکاه سنویة مقدارها 2,5 % من المال النامی تدفع من ملاکه الى الفقراء کمساهمة اجتماعیة فمن احد مصاریف الزکاة المهمة جداً هی اغناء الفقراء والمساکین خاصةً اذا کانوا قادرین على العمل وفی هذا محاربة للبطالة وتشجیع للاستثمار ومن مصاریف الزکاة سهم الغارمین أی المدینین وهم مدینون غرقوا فی دیون عجزوا عن سدادها. ثامناً: نهى الرسول صلى الله علیه وسلم عن الاقتصاد الورقی (توریق الدیون) قائلاً لاتبع ما لیس عندک لما فی ذلک من جهالة وغرر وتؤدی لحالات بیع وشراء وهمیة تؤدی فی الغالب الى تدهور الحالة الاقتصادیة وهذا ما نبهت الیه اسواق البورصة فعمدت الى التخفیف منها فالقائمون على العملیة یبقون ولمدة شهر مدینین وبالتالی یمکنهم بیع وشراء الاصل ذاته عدة مرات وحصد او قبض الفوارق الحاصلة بسبب الاسعار المتغیرة یومیاً . ثامناً : التلقائیة المستهدفة موضوعیاً :یفترض هذا القانون ان هناک قوانین فی السوق قادرة على قیادة العملیات الاقتصادیة اذا ما توافرت لها شروط المنافسة المتکافئة ومن ثم فان تدخل الدولة ربما کان مفسدا ًلهذه القوانین اکثر مما یفید العملیة الاقتصادیة وتأسیساً على هذا عمد الاقتصاد الاسلامی من خلال الدولة على تهیئة الظروف المناسبة للمنافسة المتکافئة ومن ثم اراد طرفا العملیة الاقتصادیة ان یتصرفا بعفویة دون تدخل من عوامل اخرى للتأثیر على هذا الطرف او ذاک ومن هنا اشر الفقه الاسلامی الحالات التی تعیق حریة التنافس وتمنع من التصرف بتلقائیة بالتأثیر على خیارات الفرد بالتدلیس او بالسمسرة والوساطة ویتجلى هذا فی حجب الوسیط الانتهازی وتحریم حجب المعلومات عن احد طرفی العملیة الاقتصادیة وایجاب توفیر الدولة للمعلومات التی تزیل الجهالة لذلک حرم تلقی السلع والنجش واباح لمن تعاقد مع الجهالة حق فسخ العقد لعدم توافر المعلومات او تزییفها فشرع خیار العیب وخیار الغبن وفی کل ذلک کان لنا نتائج مهمة . تاسعاً: ربط عملة الدولة الاسلامیة بالذهب والفضة: ذلک ان الاسلام حرم کنز الذهب والفضة وربط بهما احکاماً شرعیة ثابته فقد فرض الزکاة فیهما وحدد الدیة بهما ایضاً وتم تحدید احکام الصرف فی المعاملات النقدیة بالذهب والفضة ایضاً وهذا کله یبین لنا ان ذلک اقراراً من الرسول علیه الصلاة والسلام بجعل الذهب والفضة هما الوحدة القیاسیة النقدیة التی تقدر بها اثمان المبیعات واجرة الجهود وکذلک ربطت عملة الدولة بهما وقد سار العالم على اتخاذ الذهب والفضة عملة ونقداً الى ان تم الغاء ربط الدولار بالذهب عندما اعلن الرئیس الامریکی نیکسون فی 15/8/ 1971 الغاء نظام بریتون وودز. ومنذ ذلک الوقت یعانی العالم من مشاکل نقدیة حادة معروفة لدى الجمیع. وبالنتیجة فإننا نتوصل الى ان هذه القوانین العاملة فی الشریعة الاسلامیة تقودنا الى انه لا یوجد سبب واضح یدعو الدولة الى تبنی سیاسة تشمل على القسم الاعظم من الحیاة الاقتصادیة للجماعة فلا مصلحة للدولة فی ان تتبنى سیاسة واسعة على مستوى النشاط الاقتصادی ذلک لان الدولة متى ما تمکنت من تحدید الحجم الاجمالی للموارد المخصصة لزیادة هذه الوسائل والمعدل الاصلی للمکافحة الممنوحة فإنها تکون قد قامت بکل ما هو ضروری وبهذا فانه یمکننا القول ان الشریعة الاسلامیة قد توصلت الى نتائج من الکفاءة والقدرة ما جعلها تتمیز عن الانظمة الاقتصادیة کافة اذ غایة ما وصل الیه الاقتصاد الحدیث هو قوله بالتدخل المحدود للدولة وفق المعاییر التی قدمناها.
المطلب الثانی دور المصارف الاسلامیة فی مواجهة الازمات المالیة تقوم المصارف بدور جوهری واساسی فی مجال النشاط الاقتصادی ولذلک تحرص جمیع الدول على تملک جهاز مصرفی یعتمد علیه فی تسییر وتوجیه شؤونها الاقتصادیة بما یحقق اهدافها القومیة. وقد لاقت المصارف فی کل بلاد العالم تنظیماً یجعلها اداة فعالة فی نهضة هذه البلاد اجتماعیاً واقتصادیاً. ولابد من ان یکون للعالم الاسلامی نصیبه من هذا التنظیم ذلک انه یمر فی الوقت الحاضر بدور انتقالی لذلک کان حریاً بالمفکرین المسلمین ان یبذلوا کل عنایتهم لاستحداث ما یتطلبه هذا التطور من تغییرات هیکلیة اجتماعیة وقانونیة واقتصادیة. ومن اجل الالمام بالتنظیم الاسلامی للمصارف المالیة واسالیب مواجهتها للازمات المالیة سوف نتناولها فی خضم هذا المطلب وذلک عبر تناولنا فی الفرع الاول التعریف بالمصارف الاسلامیة بینما یکون الفرع الثانی مکرساً لمناقشة خصائص هذه المصارف فی حین سنتناول عبر الفرع الثالث استراتیجیة الحل الاسلامی للازمات المالیة. الفرع الاول التعریف بالمصرف الاسلامی ان المصرف الاسلامی هو مؤسسة مالیة تحمل رسالة اقتصادیة واجتماعیة ودینیة تهدف الى تحقیق نفع عام للمجتمع الاسلامی قائم على اسس اخلاقیة وانسانیة واقتصادیة واجتماعیة ، أی انه مؤسسة لا تهدف الى الربح بقدر ما تستهدف تحقیق قیم تربویة واقتصادیة علیا لتحقق بالضرورة اعلى درجات التکافل الاجتماعی من خلال مبدأ العدالة الاجتماعیة فی توزیع الثروة. کما قد عرفه البعض بانه مؤسسة مصرفیة ذات اطار شامل وذات اغراض متعددة تتعامل فی الائتمان النقدی فی الاستثمارات التی تتفق ومعطیات الشریعة الاسلامیة وبما ینسجم مع اهداف الدین الاسلامی وبما یخدم مصلحة المجتمع الاسلامی. وقد عرف بعض کتاب الاقتصاد الاسلامی المصارف الاسلامیة بانها "بنوک لا ربویة" أی التی لا تتعامل بالفائدة بینما عرفها اخرون بانها البنوک التی تباشر انشطتها المصرفیة مع التزامها باجتناب العوائد الربویة. کما ویعرف المصرف الاسلامی بانه مؤسسة مالیة مصرفیة لتجمیع الاموال وتوظیفها وتقدیم الخدمات المصرفیة بما لا یخالف الشریعة الاسلامیة ومقاصدها وبما یخدم المجتمع وعدالة التوزیع بوضع المال فی مساره السلیم. کما یعرف المصرف الاسلامی بانه منظمة حدیثة النشأة تسعى لنبذ سعر الفائدة واتباع قواعد الشریعة الاسلامیة فی معاملاتها. هذا وقد اضحت المصارف الاسلامیة فی وقتنا الحاضر تقدم وسائل تنمیة وتطویر فریدة من نوعها لا تستطیع ان تقدمها المصارف التقلیدیة وفی الوقت نفسه هی مربحة وتسعى الى تحقیق الغایة الاساسیة والمثلى للمجتمع وهو التکافل الاجتماعی بین جمیع افراده کما تقدم خدمات المنفعة العامة بمختلف اشکالها وکذلک المساهمة فی التنمیة الاقتصادیة واعادة اعمار البنى التحتیة فی دولها من خلال الانشطة الاقتصادیة. واستناداً الى ما تقدم یمکننا القول بان طبیعة عمل المصارف الاسلامیة واساس عملها انها لا تتعامل بالربا (سعر الفائدة) وتطبق الشریعة الاسلامیة ومبادئها فی جمیع معاملاتها ولها العدید من الاهداف الاجتماعیة والاقتصادیة والدینیة التی تنسجم مع الدین الاسلامی من اجل تحقیق منفعة المجتمع ومساعدة افراده وبناءً على ذلک یمکننا تعریف المصارف الاسلامیة بانها تلک المصارف التی تعمل وفقاً لآلیة مصرفیة تحدد اطارها الشریعة الاسلامیة.
الفرع الثانی خصائص المصارف الاسلامیة ان للمصارف الاسلامیة العدید من الخصائص التی تمیزها عن غیرها من المصارف التقلیدیة فتجعلها اقل تأثراً بالأزمات المالیة ومن بین هذه الخصائص ما یأتی: أولاً: انها مصارف تبنى تعاملاتها على اساس الشریعة الاسلامیة وتستبعد التعامل بالفائدة الربویة وهو اهم ما یمیز المصارف الاسلامیة عن المصارف التقلیدیة اذ انها تعمل على وفق مبادئ الدین الاسلامی وذلک من اجل تنقیة المجتمع الاسلامی من کل ما لا یتلاءم مع مبادئه الاسلامیة. قال تعالى ((الذین یأکلون الربا لا یقومون الا کما یقوم الذی یتخبطه الشیطان من المس ذلک بانهم قالوا انما البیع مثل الربا واحل الله البیع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وامره الى الله ومن عاد فأولئک اصحاب النار هم فیها خالدون )). ثانیاً: توجیه الجهد نحو التنمیة الشاملة الاقتصادیة والاجتماعیة وتعمیق القیم الروحیة بتحقیق التکافل الاجتماعی : ان المصارف الاسلامیة تسعى الى تحقیق اهداف التنمیة الشاملة الاجتماعیة والاقتصادیة فی اطار متوازن وکذلک تحقیق التکافل الاجتماعی فی المجتمع الاسلامی وذلک عبر منح الزکاة وتوزیعها وانفاقها بأوجه الصرف المشروعة وذلک من اجل توفیر الخدمة الاجتماعیة العامة للمجتمع الاسلامی. ثالثاً: ان هدف المصرف الاسلامی هو تعظیم ثروة المودعین والمالکین فی حین یهدف المصرف التقلیدی الى تعظیم ثروة المالکین فقط. رابعاً: لقد حرمت الشریعة الاسلامیة کل صور وصیغ واشکال بیع الدین بالدین مثل خصم الاوراق التجاریة، وخصم الشیکات المؤجلة السداد کما حرمت نظام جدولة الدیون مع رفع سعر الفائدة ولقد نهى رسول الله صلى الله علیه وسلم عن بیع الکالئ بالکالئ (بیع الدین بالدین) وقد اکد خبراء وعلماء الاقتصاد الوضعی ان من اسباب الازمة المالیة المعاصرة هو قیام بعض شرکات الوساطة المالیة بالتجارة فی الدیون مما ادى الى اشتعال الازمة وهذا ما حدث فعلاً. خامساً: تنوع صیغ الاستثمار الاسلامی اذ تتصف الاستثمارات بالمصرف الاسلامی بما یأتی: - التفاوت فی توقیت تحقق العائد والایراد. - التفاوت فی توقیت تحصیل العائد والایراد. - التفاوت فی درجة المخاطرة او الضمانات اللازمة. - التقید بالضوابط الشرعیة التی تحکم العدید من ادوات الاستثمار . سادساً: التأکید على العمولة باعتبارها اجرة عمل والاهتمام الواسع والکبیر بتوسیع الدخول التی تدر عنها وبما تسمى (على اساس العمولات). سابعاً: محاولة التقلیل او الحد من ظاهرة التضخم: تساهم المصارف الاسلامیة فی الحد من ظاهرة التضخم وذلک عن طریق قیامها بتعزیز واستقرار قیمة الوحدة النقدیة اذ تنخفض فرصة خلق النقود فیها وبذلک تحافظ على العلاقة السلیمة بین المعروض النقدی والناتج القومی ذلک ان المصارف الاسلامیة لا تسمح بالسحب على المکشوف فی الحسابات الجاریة وبذلک ینخفض دورها فی خلق النقود بینما المصارف التقلیدیة تقوم بخلق النقود او الائتمان عن طریق منح الاعتمادات للسحب على المکشوف وبذلک تنفق اضعاف ما مودع لدیها من مبالغ وتخلق ضغوطاً تضخمیة تعیق التنمیة الاقتصادیة. ثامناً: تجمیع الاموال العاطلة ودفعها الى مجال الاستثمار وذلک بالنظر لعزوف الکثیر من المسلمین عن التعامل مع المصارف التقلیدیة خشیة الوقوع فی الحرام لذلک فان المصارف الاسلامیة تسعى الى دفع الکثیر من هؤلاء نحو استثمار اموالهم المجمدة وتنمیتها فی مشروعات تنمویة مختلفة لتجعل منها اداة فعالة فی خدمة الاقتصاد الوطنی.
الفرع الثالث استراتیجیة الحل الاسلامی للازمات المالیة لقد تنبأ علماء الاقتصاد الوضعی من قبل بانهیار النظام الاقتصادی الاشتراکی لأنه یقوم على مفاهیم ومبادئ تتعارض مع فطرة الانسان وسجیته ومع احکام ومبادئ الشریعة الاسلامیة کما تنبأ العدید من رواد النظام الاقتصادی الرأسمالی بانهیاره لأنه یقوم على مفاهیم ومبادئ تتعارض مع سنن الله عز وجل ومع القیم والاخلاق کما انه یقوم على الاحتکار والفوائد الربویة (نظام فوائد القروض والائتمان) التی یرونها اشر شر على وجه الارض وتقود الى عبادة المال وسیطرة اصحاب القروض (المقرضون) على المقترضین وتسلب حریاتهم واعمالهم ودیارهم وتسبب اثاراً اجتماعیة واقتصادیة خطیرة. وفی هذا الفرع نتناول استراتیجیة الحل الاسلامی للازمات المالیة وتکمن فی: أولاً: یذکر انه من اسباب الازمة المالیة هو ضعف التزام المؤسسات المالیة بالقیم والاخلاق والسؤال هنا هو هل هناک وسیلة لتهذیب هذه الشخصیة المتوحشة التی غرستها الرأسمالیة فی اتباعها؟ ان لدى المسلمین رؤیة کونیة مختلفة تهذب سلوک الفرد وتجعله اکثر اعتدالاً واکثر صدقاً واکثر تعاوناً وذلک لان الرؤیة الکونیة الاسلامیة وکذلک رؤیة جمیع الدیانات السماویة تقوم على جعل الدنیا مزرعة للآخرة فالحق سبحانه وتعالى یقول لنا (وابتغ فیما اتاک الله الدار الاخرة ولا تنس نصیبک من الدنیا واحسن کما احسن الله الیک ولا تبغ الفساد فی الارض ان الله لا یحب المفسدین) أی یا ایها الانسان عش فی هذه الارض وتمتع بنعمها ولکن اضبط هذا العبث بقیم التکافل والاعتدال والصدق والامانة ولا تفسد فی الارض هذا اذا اردت ان تکسب الاخرة التی هی افضل وادوم من هذه الدنیا الفانیة کما یؤکد الحق سبحانه فی قوله (بل تؤثرون الحیاة الدنیا والاخرة خیر وابقى) هذه الرؤیة تمثل حافزاً للإنسان بجعله مرتبطاً بالآخرة اکثر من الدنیا لذلک فهو یعیش فی هذه الدنیا مهذباً لنزواته واخلاقیاته لأنه یطمح الى ما هو افضل الى رضاء الله وثوابه وتوفیقه وهکذا فإننا نرى أن هنالک الملایین من الناس الذین یبحثون عن مستحقی الزکاة لیدفعوا الیهم بزکاة اموالهم بینما نجد ان الدول الغربیة تنفق ملایین الدولارات لتکافح ظاهرة التهرب من الضرائب وتتابع اصحابها وبذلک نجد ان الفرق بین المسلمین والغرب هو فرق فی المنظومة العقائدیة والاخلاقیة التی یعمل فی اطارها النظام المالی. ثانیاً: ان النظام المالی والاقتصادی الاسلامی یقوم على مبدأ التیسیر على المقترض الذی لا یستطیع سداد الدین لأسباب قهریة یقول تبارک وتعالى (وان کان ذو عسرة فنظرة الى میسرة وان تصدقوا خیر لکم ان کنتم تعلمون ) فی حین اکد علماء وخبراء النظام المالی والاقتصادی الوضعی ان من اسباب الازمة المالیة توقف المدین عن السداد وقیام الدائن برفع سعر الفائدة او تدویر القرض بفائدة اعلى او تنفیذ الرهن على المدین وتشریده وطرده ولا یرقب فیه الا ولا ذمة وهذا یقود الى ازمة اجتماعیة وانسانیة تسبب العدید من المشکلات النقدیة والاجتماعیة والاقتصادیة وغیر ذلک. ثالثاً: ان جوهر ازمة الرهن العقاری هی بیع الدیون واعادة بیعها وهذا التمویل الذی یقوم على الفائدة اسلوب غیر مجد فهو یزعزع استقرار النظام المالی ویعمق تفاوت الدخل ویؤدی الى هدر موارد المجتمع وان الدین الاسلامی قد شرع صیغاً استثماریة کالمضاربة والمشارکة وغیرها من الادوات الاستثماریة التی تقوم على قاعدة (الغنم بالغرم) وترکز على الاقتصاد الفعلی وتبعده عن حمى المراهنات والمتاجرة بالنقود . وبمقارنة سریعة بین المصرف الربوی والمصرف الاسلامی حتى تتضح جوانب الاستقرار والکفاءة والعدالة التی تتصف بها ادوات الاستثمار الاسلامی فالمصرف الربوی یتسلم ودائعه ویحولها الى المستثمرین على اساس الفائدة المثبتة أی ان المودعین والمساهمین فی هذا المصرف یضمنون ومنذ البدایة رؤوس اموالهم والفوائد المتراکمة علیها وحیث ان المشروعات التی تستثمر فیها هذه الاموال عرضة للربح والخسارة فعندما تحدث خسائر فی هذه المشروعات أی فی اصول المصرف فإنها تقع بأکملها على المقترضین أی اصحاب المشروعات واذا لم یتمکنوا من تسدیدها فان هذا یعنی ان اصول المصرف اصبحت اقل من خصومه وبالتالی فانه یتعرض للإفلاس اما المصرف الاسلامی فان العائد الذی یحققه للمودعین والمساهمین یکون مرتبطاً دائماً بنتیجة المشروع الذی استثمرت فیه الاموال فاذا حقق اصحاب المشروع ارباحاً یتم تقاسمها مع المساهمین والمودعین على اساس نسبة متفق علیها سلفاً اما فی حالة الخسارة التی تنتج من تقصیر من جانب رجال الاعمال فان هذه الخسارة تقع على المساهمین والمودعین وحدهم بینما یخسر رجال الاعمال جهدهم الذی بذلوه خلال تنفیذهم للمشروعات ومن هنا نرى انه اذا خسرت المشروعات فان عوائد المودعین تتراجع مع هذه الخسارة أی ان خصوم المصرف تتراجع مع تراجع الاصول مما یحقق استقراراً للمصرف ولا یکون عرضة للانهیار، والمصرف الاسلامی هو کذلک اکثر عدالة وکفاءة فی استغلال الموارد لان عوائده لا تقوم على بیع النقود وانما على المشارکة فی الربح والخسارة فی مشروعات فعلیة یتم تنفیذها فی الاقتصاد الفعلی فهو اقرب الى البنک الاستثماری الذی یساهم فی تنمیة المجتمع . والمصرف الاسلامی اذا وجد بیئته العقائدیة والاخلاقیة أی اذا کان المتعاملون معه على مستوى من الثقة لا یشترط على المقترضین الضمانات والرهونات التی یشترطها المصرف الربوی والتی تقصم ظهور اصحاب الحرف والمهارات وتحرمهم من فرصة اقامة مشروعاتهم الصغیرة والمتوسطة وهی المشروعات التی تعتبر العمود الفقری لأیة تنمیة جادة لانهم لا یملکون ما یرهنونه مقابل القرض. رابعاً: ایجاد هیئة رقابیة تتولى القیام بمهامها الادارة بنفسها او بتکلیف غیرها وذلک للتأکید من ان ما یجری علیه العمل داخل الوحدة الاداریة او الاقتصادیة یتم وفقا ًللشریعة الاسلامیة وقواعدها وطبقاً للخطط الموضوعة والسیاسات المرسومة والبرامج المعدة وضمن الحدود المعمول بها لتحقیق اهداف معینة ارادتها الشریعة وقصدتها لتحقیق مفهوم خلافة الانسان فی الارض. ویخلص المفکرون المالیون الاسلامیون من خلال تحلیل الازمة المالیة المعاصرة الى انها ترتکز حول النظم الوضعیة الاتیة: نظام الفائدة (الربا) على الودائع ونظام الفائدة على القروض. نظام التجارة بالدین اخذاً وعطاءً. نظام جدولة الدیون مع رفع سعر الفائدة مقابل زیادة الاجل. نظام بیع الدیون. وکما یتبین من مفاهیم وقواعد وضوابط النظام المالی والاقتصادی الاسلامی والمصارف الاسلامیة انها تحرم کل هذه النظم التی کانت سبباً فی حدوث الازمة المالیة العالمیة فقد حرمت الشریعة الاسلامیة نظام الفائدة الربویة على القروض والائتمان واحلت نظم التمویل والاستثمار القائمة على المشارکة وتفاعل راس المال والعمل فی اطار قاعدة الغنم بالغرم، کما حرمت الشریعة الاسلامیة کل صور الغرر والجهالة والتدلیس والمقامرة والغش والکذب واکل اموال الناس بالباطل واکدت الالتزام بالصدق والامانة والشفافیة. ویخلص دعاة النهج الاسلامی الى القول انه عند الالتزام بقواعد وضوابط الاقتصاد الاسلامی یمکننا من الخروج من الازمة مرتکزین على قول الله عز وجل (( فإما یأتینک منی هدى فمن اتبع هدای فلا یضل ولا یشقى ومن اعرض عن ذکری فان له معیشة ضنکا ونحشره یوم القیامة اعمى وقال تعالى ((یمحق الله الربا ویربى الصدقات والله لا یحب کل کفار اثیم)).
الخاتمـة الان، وبعد ان انتهینا من بحث ودراسة التصور الاسلامی لتجنب وعلاج الازمات المالیة العالمیة من المناسب عرض نتائج هذا البحث، والمقترحات التی نراها فی هذا الشأن.
أولاً : نتائج البحث من استعراض موضوع البحث وتحلیله ، یمکن ان نستخلص النتائج الاتیة :- 1- أظهرت الازمة المالیة العالمیة حقائق لا یمکن اغفالها تتجسد بـ أ- الاحساس بخطورة الدور الذی یؤدیه سعر الفائدة فی الاقتصاد العالمی کونه المحرک الاساسی للنظام الرأسمالی، وهو ما جعل التفکیر یتجه الى البحث عن بدائل تمویلیة اخرى، من ابرزها الصیرفة الاسلامیة التی ما فتئ دورها یتعاظم، بحیث انتقل عدد المؤسسات المالیة الاسلامیة من مؤسسة واحدة سنة 1975 الى (390) مؤسسة تعمل فی اکثر من(75) بلداً بأصول تفوق (700) ملیار دولار . وتتمیز البنوک الاسلامیة باستبعادها للفائدة وتحریم المضاربة فی النقود ، لیس هذا فحسب بل تتمیز بارتباط التمویل فیها بالاقتصاد العینی ، مما یؤدی الى حساب دقیق لمخاطر الائتمان، وقد تکون هذه المزایا هی التی دفعت (بوفیس فینست) رئیس تحریر مجلة Ghallenges الى الکتابة فی افتتاحیة الجریدة فی 11 ایلول / سبتمبر 2008 مقالاً بعنوان ( البابا او القران ) جاء فیه اظن اننا بحاجة اکثر فی هذه الازمة الى قراءة القران، لفهم ما یحدث بنا وبمصارفنا، لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد فی القران من احکام وتعالیم وطبقوها، ماحل بنا ماحل من کوارث وازمات، وما وصل بنا الحال الى هذا الوضع المزری، لان النقود لاتلد نقوداً)) ب- الشعور بالحاجة الى ضرورة مراجعة مؤشرات مخاطر البلدان والاسواق بإدخال عناصر جدیدة من غیر العناصر التقلیدیة ، التی تجعل من الدول النامیة فقط دولاً ذات مناخ اعمال غیر مناسب ، متجاهلة المخاطر الکبیرة القائمة فی اسواق الدول الصناعیة. ت- شکلت الازمة المالیة العالمیة الاخیرة ، مؤشراً على انتهاء مرحلة العولمة المالیة لتلکأ وفشل رکائزها فی تجنب او معالجة هذه الازمة المالیة قبل وبعد حدوثها.
ثانیاً : التوصیات 1- ضرورة اجراء اصلاحات للمؤسسات المالیة الدولیة (صندوق النقد الدولی، والبنک الدولی، ومنظمة التجارة العالمیة) فیجب ان لا ینحصر سماعنا لأصوات وزراء المالیة والخزانة فی صندوق النقد الدولی ووزراء التجارة فی منظمة التجارة العالمیة بحیث یتم سماع ممثلو البلدان النامیة الذین یتوجب ان یکونوا حسنی الاطلاع حیث ان هذه الدول لیس بوسعها تحمل انواع الموظفین الذین یمکن ان تحشدهم الولایات المتحدة الامریکیة لدعم مواقفها فی هذه المؤسسات. 2- یقتضی العمل على توجیه الاهتمامات الى قضایا تنظیم الرقابة على البنوک ونظم المحاسبة والمراجعة، وشفافیة المعلومات المالیة، والادارة السلیمة للمؤسسات. 3- تبین الازمة المالیة الراهنة ان معالجة القضایا العالمیة هی اکبر من ان تترک لدولة او مجموعة محدودة من الدول، وإنما تتطلب تحرکاً جماعیاً سیعمل على استلهام الحلول والبدائل من مختلف التجارب . وعلى الدول النامیة عدم الانسیاق الاعمى امام الدعوات المنادیة باعتماد أی اجراء ما لم یتم تشخیصه، وتحدید مدى ملاءمته وانسجامه مع اوضاعها الاقتصادیة والثقافیة والدینیة.
فی قناعتنا ان اصلاح النظام النقدی الدولی یجب ان یتم عبر استبدال صندوق النقد الدولی الحالی بمؤسسة دولیة جدیدة شبیهة بما کان اقترحه کینز سنة 1943، أی اتحاد المقاصة الدولی (nternational Clearing Union) الذی تم تجاوزه لمصلحة الاقتراح الامریکی بإنشاء صندوق النقد الدولی، ویفترض بالمؤسسة الجدیدة ان تعمل استناداً الى اسس العمل المصرفی الاسلامی، خصتاً بعد ان اثبتت الصیرفة الاسلامیة کفأتها وقدرتها على مواجهة الازمات المالیة، ولابد ان یکون المبدأ الاساسی فی عملها هو تعاملها المتساوی او المتماثل مع الدول العاجزة والدول ذات الوفر، أی ان الدولة التی تکون عاجزة تستعین بالمؤسسة الجدیدة لتأمین السیولة الدولیة المطلوبة مع دفع کلفة هذه الاستعانة، وکذلک الدولة ذات الوفر (لن ندخل هنا فی تقنیات وتفصیل عمل المؤسسة لان ذلک یقع خارج نطاق هذه البحث، ولان هنالک اکثر من طریقة لتأمین مبدأ المعاملة المتساویة (Symmetrical).
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) and References (English) References in Arabic Messages :- Research: - Periodicals: - Foreign References: International information network :- | ||
References | ||
الکتب باللغة العربیة 1- د. سامر مظهر قنطقجی، ضوابط الاقتصاد الاسلامی فی معالجة الازمات المالیة العالمیة، دار النهضة العربیة، دمشق، 2008. 2- شاهین عکاب سالم، الصیرفة (بحوث وتطبیقات) ط1، مطبعة نون، سوریا، 2008. 3- صادق راشد الشمری، اساسیات الصناعة المصرفیة الاسلامیة، مطبعة الفرح، ط2، بغداد، 2006. 4- صادق راشد الشمری، عملیات التمویل والاستثمار فی الصناعة المصرفیة الاسلامیة، مطبعة الفرح، ط1، بغداد، 2008. 5- د. صلاح الدین حسن السیسی، قضایا اقتصادیة معاصرة (الازمات المالیة والاقتصادیة العالمیة) ط1، مطبعة ابناء وهبة محمد حسان، القاهرة، 2009. 6- طارق طه، ادارة البنوک ونظم المعلومات المصرفیة، 2000. 7- فؤاد مرسی، الرأسمالیة تجدد نفسها، عالم المعرفة، 147، المجلس الوطنی للثقافة والفنون والآداب، الکویت، 1990. 8- د. محمد بن سعید بن سهو ابو زعرور، العولمة (الخیار البدیل)، دار البیارق، عمان، الاردن، بدون طبعة. الرسائل :- 1- اسراء یوسف ذنون النعیمی، تصمیم نظام تکالیف للمصرف العراقی الاسلامی، رسالة ماجستیر، کلیة الادارة والاقتصاد، جامعة الموصل، 2001. 2- سراء سالم داؤود الجرجوسی، الازمات المالیة العالمیة ، قیاس ومحاکاة لازمات مالیة فی بلدان عربیة مختارة، اطروحة دکتوراه، کلیة الادارة والاقتصاد، جامعة الموصل، 2006. 3- شیماء ولید عبد الهادی البواب، مخاطر العمل المصرفی، دراسة مقارنة بین المصارف الاسلامیة والمصارف التقلیدیة، رسالة ماجستیر، کلیة الادارة والاقتصاد، جامعة الموصل، 2007. 4- وسام کلاکش، صندوق النقد الدولی والازمة النقدیة فی جنوب شرق اسیا، رسالة دبلوم الدراسات العلیا فی العلوم السیاسیة، کلیة الحقوق والعلوم السیاسیة والاداریة، الفرع الثانی، الجامعة اللبنانیة، بیروت، لبنان، 2001. البحوث :- 1- ادارة البحوث والدراسات الاقتصادیة، الازمة المالیة العالمیة وتداعیاتها على الاقتصاد السعودی، مجلس الغرف السعودیة، 2008. الدوریات :- 1- الیاس سابا، الازمة المالیة العالمیة، اسبابها وانعکاساتها، مجلة المستقبل العربی، السنة ( 31 )، العدد (360 )، مرکز دراسات الوحدة العربیة، بیروت ، 2009. 2- د. عبد المجید قدی، الازمة الاقتصادیة الامریکیة وتداعیاتها العالمیة، مجلة بحوث اقتصادیة عربیة، العدد ( 46)، 2006. 3- غالب ابو مصلح، امریکا وازمة النظام الاقتصادی العالمی، مجلة شؤون الاوسط، السنة (18)، العدد (130)، مرکز الدراسات الاستراتیجیة، بیروت، 2008. 4- منیر الحمش، الازمة المالیة والاقتصادیة الراهنة، بین التفسیر المالی والاقتصادی والتحلیل السیاسی والثقافی، مجلة شؤون الاوسط، العدد (130)، مرکز الدراسات الاستراتیجیة، حمرا، بیروت، لبنان، 2008. 5- د. منیر الحمش، الازمة المالیة العالمیة ومصیر النظام الرأسمالی، مجلة المستقبل العربی، السنة (32)، العدد (364)، مرکز دراسات الوحدة العربیة، بیروت، 2009. 6- د. هیل عجمی جمیل، الازمات المالیة (مفهومها ومؤشراتها وامکانیة التنبؤ بها فی بلدان عربیة مختارة)، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادیة والقانونیة، المجلد (19) العدد (1)، جامعة دمشق، مطابع دار البعث، سوریا، 2003. 7- یوسف خلیفة الیوسف، الازمة المالیة والاقتصادیة الحالیة، مجلة المستقبل العربی، العدد (358)، مرکز دراسات الوحدة العربیة، بیروت، 2008. الأجنبیة :- شبکة المعلومات الدولیة :- 1- ادارة البحوث والدراسات الاقتصادیة، مجلس الغرف السعودیة، الازمة المالیة العالمیة وتداعیاتها على الاقتصاد السعودی، على الرابط التالی: www .al Riyad .com 2- اشرف محمد دوابة، الازمة الاقتصادیة العالمیة ،على الرابط التالی: www . Kantakji .com 3- حسین شحاته، ازمة النظام المالی العالمی فی میزان الاقتصاد الاسلامی، على الرابط التالی: www .Islam house .com 4- صلاح بن فهد الشلهوب، المصرفیة الاسلامیة ومواجهة الازمات، على الرابط التالی: www . aljazera .com 5- عبدالرحیم حمدی، الازمة المالیة العالمیة واثرها على الفکر الاقتصادی الاسلامی، بحث منشور على الرابط التالی، www .fibsudam .com 6- عبد اللطیف الهمیم، الازمة المالیة العالمیة والبدیل الثالث سقوط الرأسمالیة، على الرابط التالی: www .Iraqisg .org 7- نورة عبد الرحمن الیوسف اسباب الازمة المالیة العالمیة على الرابط التالی: www .aiaswaq .net | ||
Statistics Article View: 438 PDF Download: 343 |