دور المحکمة الجنائیة الدولیة فی حمایة النساء من العنف الجنسی | ||
الرافدین للحقوق | ||
Article 1, Volume 14, Issue 39, March 2009, Pages 191-213 PDF (0 K) | ||
Document Type: بحث | ||
DOI: 10.33899/alaw.2009.160576 | ||
Authors | ||
رضوان الحاف; جاسم زور | ||
کلیة الحقوق، جامعة حلب، سوریا | ||
Abstract | ||
جاء فی دیباجة النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة أنه " وإذ تضع فی اعتبارها أن ملایین الأطفال والنساء والرجال قد وقعوا خلال القرن الحالی ضحایا لفظائع لا یمکن تصورها هزت ضمیر الإنسانیة بقوة"، لاشک أن فی ذکر عبارة الأطفال والنساء إشارة واضحة وصریحة إلى أن المحکمة لیست محکمة تعنى بالعقاب بل هی محکمة قانون إنسانی أیضا | ||
Keywords | ||
حمایة; النساء; العنف; الجنسی | ||
Full Text | ||
دور المحکمة الجنائیة الدولیة فی حمایة النساء من العنف الجنسی -(*)- -The role of the International Criminal Court in protecting women from sexual violence
(*) أستلم البحث فی 18/11/2008*** قبل للنشر فی 24/12/2008. (*) Received on 18/11/2008 *** 24/12/2008 accepted for publishing on . Doi: 10.33899/alaw.2009.160576 © Authors, 2009, College of Law, University of Mosul This is an open access articl under the CC BY 4.0 license (http://creativecommons.org/licenses/by/4.0).
الملخص جاء فی دیباجة النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة أنه " وإذ تضع فی اعتبارها أن ملایین الأطفال والنساء والرجال قد وقعوا خلال القرن الحالی ضحایا لفظائع لا یمکن تصورها هزت ضمیر الإنسانیة بقوة"، لاشک أن فی ذکر عبارة الأطفال والنساء إشارة واضحة وصریحة إلى أن المحکمة لیست محکمة تعنى بالعقاب بل هی محکمة قانون إنسانی أیضا الکلمات الرئیسة: حمایة النساء العنف الجنسی الموضوعات: القانون الدولی العام
Abstract The Preamble to the Statute of the International Criminal Court states that “Bearing in mind that during the current century millions of children, women and men have been victims of unimaginable atrocities that have shaken the conscience of humanity”. There is no doubt that the mention of children and women is a clear and explicit reference to the fact that the Court is not a court dealing with punishment but also a court of humanitarian law. Keywords: protection Women Violence Sexual Main Subjects: international public law
المقدمة : جاء فی دیباجة النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة أنه " وإذ تضع فی اعتبارها أن ملایین الأطفال والنساء والرجال قد وقعوا خلال القرن الحالی ضحایا لفظائع لا یمکن تصورها هزت ضمیر الإنسانیة بقوة"، لاشک أن فی ذکر عبارة الأطفال والنساء إشارة واضحة وصریحة إلى أن المحکمة لیست محکمة تعنى بالعقاب بل هی محکمة قانون إنسانی أیضاً. ومما یلاحظ على النظام الأساسی أنه لم یفرق فی أحکامه بین الجنسیین بل اتسم بالشمولیة إلا فی بعض المواد حیث أفرد عنایة خاصة بالجرائم التی ترتکب بحق النساء، إلا أنه رغم ذلک ففی کلا الحالتین تستفید النساء من الضمانات المقررة فی أحکام النظام الأساسی بحیث تخضع الجرائم التی ترتکب بحقهن لاختصاص المحکمة الجنائیة الدولیة بصفتها جرائم دولیة ولاشک إن فی ذلک ضمانة قانونیة لحمایة النساء ضد الجرائم الدولیة إذ یفترض أن المحکمة الجنائیة الدولیة تکون على قدر من النزاهة والحیاد والکفاءة، ومن جهة أخرى قرر النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة المسؤولیة الجنائیة الفردیة إلى جانب مسؤولیة الدول ومن جهة ثالثة أقر النظام الأساسی مبدأ عدم تقادم الجرائم الدولیة الذی یعد حجر الزاویة فی بناء العدالة الجنائیة الدولیة.
أهمیة البحثو أهدافه: أصبحت الجرائم الدولیة تترکب على نطاق واسع فی العصر الراهن، وهی وإن کانت قدیمة فإن أسالیبها وغایتها الیوم مختلفة عن الأمس، لذلک فإن فاتورة لهذه الجرائم یجب أن تدفع، وإنه لمن المؤسف أن تدفع النساء القسط الأکبر من هذه الفاتورة، فبالإضافة للجرائم الدولیة التی یمکن أن ترتکب بحق الجمیع دون تمییز بین ذکر وأنثى فإن جرائم العنف الجنسی بحق النساء أصبحت ترتکب على وفق سیناریوهات بربریة تقشعر لها النفوس قبل الأبدان، وفی الحقیقة أهتم القانون الدولی بهذه الظاهرة وکان لاتفاقیة جنیف دور فعال فی حمایة النساء ضد الجرائم الدولیة، ولقد جاء النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة لیعبر عن القلق الدولی إزاء تصاعد نسبة الجرائم الدولیة بحق النساء ولاسیما جرائم العنف الجنسی ولذلک قرر العدید من الضمانات القانونیة لحمایتهن ضد هذه الجرائم، وعلى هذا سنحاول من خلال هذا البحث بیان أهم هذه الضمانات مع محاولة بیان أوجه القصور فی هذا النظام. خطة البحث: المبحث الأول : اختصاص المحکمة الجنائیة الدولیة بالنظر بالجرائم الدولیة ضد النساء. المطلب الأول : اختصاص المحکمة الجنائیة الدولیة المطلب الثانی : اختصاص المحکمة بالنظر بجرائم العنف الجنسی ضد النساء المبحث الثانی : عدم تقادم الجرائم الدولیة المرتکبة بحق النساء. المطلب الأول : اتفاقیة عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانیة المطلب الثانی : عدم تقادم جرائم العنف الجنسی ضد النساء المبحث الثالث :المسؤولیة الدولیة عن جرائم العنف الجنسی المطلب الأول : مسؤولیة الدول المطلب الثانی :مسؤولیة القادة عما یرتکبه الجنود من جرائم العنف الجنسی المطلب الثالث :المسؤولیة الجنائیة للأفراد عن جرائم العنف الجنسی
المبحث الأول اختصاص المحکمة الجنائیة الدولیة بالنظر بالجرائم الدولیة ضد النساء: قبل الولوج فی الحدیث عن اختصاص المحکمة الجنائیة الدولیة بالنظر فی االجرائم الجنسیة التی ترتکب بحق النساء ابان النزاعات السلحة لابد من عرض مقتضب لاختصاص المحکمة الجنائیة الدولیة بالنظر فی جرائم ضد الانسانیة وجرائم الحرب التی ترتکب ابان النزاعات السلحة , وسیکون على وفق المطالب الاتیة : المطلب الأول اختصاص المحکمة الجنائیة الدولیة: عالجت المادة الخامسة من النظام الأساسی مسألة الجرائم التی تدخل فی اختصاص المحکمة الجنائیة الدولیة إذ یقتصر اختصاصها على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولی بأسره حیث عددت وعلى سبیل الحصر الجرائم التی تدخل فی اختصاصها، وهی جریمة الإبادة الجماعیة والجرائم ضد الإنسانیة وجرائم الحرب وجریمة العدوان ولکن الجریمة الأخیرة تخرج من اختصاص المحکمة مؤقتاً ریثما یتم وضع تعریف محدد لها . إن ما سبق ذکره یطلق علیه الاختصاص الموضوعی للمحکمة ویوجد إلى جانبه نوع آخر من الاختصاص یسمى الاختصاص الشخصی أی الأشخاص الذین یطبق علیهم النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة ومن ثم هناک نوع ثالث هو الاختصاص الزمنی الذی یحکم سریان النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة من حیث الزمان ،وفی الحقیقة لا نرید التوسع فی دراسة اختصاص المحکمة لأنه من المواضیع التی قد أشبعت بحثاً،وأن ما یهمنا هو اختصاص المحکمة بنظر جرائم العنف الجنسی ضد النساء. المطلب الثانی اختصاص المحکمة بنظر جرائم العنف الجنسی ضد النساء: للإحاطة بموضوع اختصاص المحکمة الجنائیة الدولیة فی النظر بجرائم العنف الجنسی ضد النساء تجدر الإشارة أولا بالحدیث عن طبیعة هذه الجرائم وموقف المحکمة منها , ومن ثم التطرق لجرائم العنف الجنسی التی ترتکب بحق النساء وأنواعها وأرکانها اولا :طبیعة جریمة العنف الجنسی ضد النساء أولى النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة النساء اهتماماً خاصاً فی بعض مواده،فبالإضافة للجرائم الدولیة التی ترتکب دون تمییز بین النساء والرجال فهناک جرائم ترتکب بحق النساء وهی ما تسمى بجرائم العنف الجنسی إذ عدها النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة جرائم ضد الإنسانیة إذا ما توافرت مفترضات هذه الجریمة بحسب المادة السابعة کما أنه عدها جرائم حرب إذا توافرت مفترضات جرائم الحرب الواردة فی المادة الثامنة. ثانیا : جرائم العنف الجنسی ضد النساء وأهم الأفعال التی تدخل فی نطاق العنف الجنسی: 1ـ الاغتصاب: یعد الاغتصاب انتهاکاً لکرامة وشرف الضحیة، ولابد أن نشیر بدایة إلى أن جریمة الاغتصاب یمکن أن ترتکب بحق الرجل والمرأة ولکن غالباً ما تکون المرأة ضحیتها، وأصبح الاغتصاب فی الآونة الأخیرة من أشد الجرائم خطورة حیث أصبح یتم عبر سیاسة منظمة یکون الهدف منها التطهیر العرقی وهذا ما شهدناه فی النزاع المسلح فی یوغسلافیا السابقة. ولذلک نص النظام الأساسی صراحة على تجریم الاغتصاب بصفته جریمة ضد الإنسانیة فی المادة السابعة الفقرة /1- ز/ وبصفته جریمة حرب فی المادة الثامنة الفقرة /2- ب-22/ وبالرجوع إلى أعمال اللجنة التحضیریة لمیثاق روما نرى أنها حددت أرکان الجریمة على الشکل التالی: الرکن المادی لجریمة الاغتصاب: ویتمثل فی الصورتین التالیتین: أ ـ إیلاج عضو جنسی بإحدى الحالتین التالیتین: (ـ إیلاج عضو جنسی فی أی جزء من جسد الضحیة سواء أکان هذا الجزء عضواً جنسیاً أم لاـ إیلاج عضو جنسی للضحیة فی جسد الفاعل). ب ـ إیلاج أی عضو آخر فی الجهاز التناسلی أو فی شرج الضحیة. 1-2- انتفاء الرضا: حیث یعد عدم رضا الضحیة مفتاح عدم الشرعیة فی جریمة الاغتصاب. الرکن المعنوی: أی توافر العلم والإرادة لدى مرتکب الجریمة، وفی الحقیقة لقد أظهرت الجرائم المرتکبة فی یوغسلافیا السابقة عدم ضرورة اتجاه إرادة الجانی فی هذا الاعتداء إلى إشباع رغبة جنسیة ذلک أن کثیراً من الجرائم المرتکبة کانت تدخل فی إطار جریمة التعذیب الجسدی والنفسی والإساءة للضحیة وکانت تعد وسیلة لتحقیق غایة أخرى تمثلت فی إرهاب السکان والتطهیر العرقی للمنطقة. 2 ـ الاستعباد الجنسی: تعد هذه المرة الأولى التی تذکر فیها هذه الجریمة فی وثیقة دولیة فلقد ورد النص على جریمة الاستعباد الجنسی فی الفقرة ( /1ز) من المادة السابعة بصفتها جریمة ضد الإنسانیة کما نصت علیها الفقرة ( /2ب/22/) من المادة الثامنة بصفتها جریمة حرب. 3 ـ الإکراه على البغاء: تعد هذه الجریمة من الجرائم التی تحط من کرامة الشخص حیث یصبح محل للاغتصاب مقابل فائدة تعود على من یوظفه فی ذلک، ومما یثیر الاستغراب أن هذه الجریمة لم ترد فی مواثیق المحاکم الدولیة السابقة، ولکن النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة تدارک هذا النقص ونص على جریمة الإکراه على البغاء نتیجة الارتکاب المتکرر والمتزاید لمثل هذه الجریمة الخطیرة، وبالفعل جاءت هذه الجریمة فی الفقرة (1) (ز) من المادة السابعة کجریمة ضد الإنسانیة وفی الفقرة 2 (ب/22) من المادة الثامنة کجریمة حرب. 4ـ جریمة الحمل ألقسری: عرفت المادة السابعة فی الفقرة (2) (و) الحمل ألقسری بأنه إکراه المرأة على الحمل قسراً وعلى الولادة غیر المشروعة بقصد التأثیر على التکوین العرقی لأیة مجموعة من السکان أو ارتکاب انتهاکات خطیرة أخرى للقانون الدولی. کما نصت المادة الثامنة على هذه الجریمة واعتبرتها من جرائم الحرب، وعلى أیة حال فإن الحمل ألقسری استخدم فی أوقات النزاعات المسلحة کوسیلة وأداة للتطهیر العرقی وذلک من خلال إجبار النساء على الحمل قسراً من رجال ینتمون إلى عرق آخر وذلک کوسیلة للإذلال وإیقاع أقصى درجات الألم النفسی على الطائفة المستضعفة بالإضافة إلى عملیة التطهیر العرقی نفسها. 5ـ التعقیم ألقسری: تعد هذه الجریمة أیضاً جریمة ضد الإنسانیة وجریمة حرب بحسب النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة، حیث تقع جریمة التعقیم القسری إذا ما قام الجانی باستئصال الأعضاء البیولوجیة المسؤولة عن التناسل دون أن یکون هناک ضرورة طبیة أو ضرورة ناتجة عن مرض سریری أو غیره على أن یتم ذلک بدون رضاء المجنی علیه، أو فی حالة کون هذا الرضاء ناتج عن التعرض للخداع والاحتیال ولابد من الإشارة إلى أن هذه الجریمة قد ترتکب بحق الرجل والمرأة على السواء، وقد ارتکبت فی نطاق سیاسة التطهیر العرقی فی البوسنة والهرسک . 6ـ جرائم العنف الجنسی الأخرى: حیث ترک النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة سلطة تقدیر فیما إذا کان أی فعل مرتکب یدخل فی نطاق الجرائم الجنسیة التی تدخل فی اختصاص المحکمة أم لا ویبدو أن المعیار هو مدى تأثیر هذا الفعل على شرف وکرامة الضحیة ولاشک فی أن ذلک یشکل حمایة أوسع لضحایا العنف الجنسی. المبحث الثانی عدم تقادم جرائم العنف الجنسی ضد النساء: قبل التطرق لموضوع عدم تقادم جرائم العنف الجنسی المرتکبة بحق النساء ,والتی ضمتها النظام الاساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة , نرى من الضروری التعرض الى الاتفاقیة الخاصة بعدم تقادم جرائم الحرب و الجرائم المرتکبة بحق الانسانیة لتسلیط الضوء علی هذه الجرائم لعدها من اخطر الجرائم التی عالجها القانون الدولی ,والتی یترتب على مخالفتها انتهاک واضح لقواعد القانون الدولی مما یستدعی اثارة المسؤولیة الدولیة . کما ان ممارسة العنف الجنسی ضد النساء تعد بطبیعتها جرائم حرب وجرائم ضد الانسانیة والتی حددتها المحکمة الجنائیة الدولیة من صمیم اختصاصها . وعلیه سیتم تناول هذه المسائل کما یاتی : المطلب الاول ً اتفاقیة عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانیة: تم إعداد اتفاقیة دولیة تنص على عدم خضوع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانیة للتقادم المنصوص علیه فی القوانین الداخلیة وقد عرضت هذه الاتفاقیة للتوقیع والتصدیق والانضمام إلیها بموجب قرار الجمعیة العامة للأمم المتحدة رقم 2391 (د ـ 23) المؤرخ بتاریخ 26 نوفمبر سنة 1968 ، تتکون هذه الاتفاقیة من دیباجة وإحدى عشرة مادة، حیث أکدت الدیباجة على أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانیة هی من أخطر الجرائم فی القانون الدولی، ومن خلال نصوص الاتفاقیة نستطیع أن ندرسها على وفق مایأتی: أولاًـ السریان الزمانی للاتفاقیة: قررت المادة الأولى أنه لا یسری أی تقادم على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانیة بصرف النظر عن وقت ارتکابها أی سواء فی السلم أم فی الحرب ولاشک أن ذلک یشکل ضمانة حقیقیة لضحایا الجرائم الدولیة لأن عدم سریان التقادم علیها یحقق فاعلیة أکثر للنصوص القانونیة من جهة والعمل على تحقیق وقایة أکیدة تحول دون ارتکابها من جهة أخرى. ثانیاًـ السریان الموضوعی للاتفاقیة: حددت الاتفاقیة فی مادتها الأولى الجرائم التی لا یسری علیها أی تقادم وهی:
1ـ جرائم الحرب الوارد تعریفها فی النظام الأساسی لمحکمة نورمبرغ العسکریة الدولیة الصادر فی 8 آب عام 1945، والوارد تأکیدها فی قراری الجمعیة العامة للأمم المتحدة 3(د ـ 1) تاریخ 13 شباط عام 1946 و95 (د ـ 1) تاریخ11 کانون الأول عام 1946 ولاسیما " الجرائم الخطیرة "المعددة فی اتفاقیة جنیف المعقودة فی 12 آب عام 1949 لحمایة ضحایا الحرب. 2ـ الجرائم المرتکبة ضد الإنسانیة سواء فی زمن الحرب أو فی زمن السلم والوارد تعریفها فی النظام الأساسی لمحکمة نورمبرغ العسکریة الدولیة، والطرد بالاعتداء المسلح أو الاحتلال، والأفعال المنافیة للإنسانیة والناجمة عن سیاسة الفصل العنصری وجریمة الإبادة الجماعیة الوارد تعریفها فی اتفاقیة عام 1948 بشأن منع جریمة الإبادة الجماعیة والمعاقبة علیها حتى ولو کانت الأفعال المذکورة تشکل إخلالاً بالقانون الداخلی للبلد الذی ارتکبت فیه. ومن خلال ما تقدم فإن الاتفاقیة أخذت بمفهوم جرائم الحرب على وفق ماهو قائم فی میثاق نورمبرغ، إلا أنه یلاحظ علیها أنها وسعت من نطاق الجرائم ضد الإنسانیة على النحو المذکور فی مبادئ محکمة نورمبرغ التی قننتها لجنة القانون الدولی إذ أضافت إلیها جریمتی الفصل العنصری وإبادة الجنس. ثالثاًـ السریان الشخصی للاتفاقیة: حددت المادة الثانیة نطاق السریان الشخصی حیث نصت على أنه فی حالة ارتکاب إحدى الجرائم المذکورة فی المادة الأولى فإن أحکام الاتفاقیة تسری على:
1ـ ممثلی سلطة الدولة. 2ـ الأفراد الذین یقومون بوصفهم فاعلین أصلیین أو شرکاء بالمساهمة فی ارتکاب أیة جریمة من تلک الجرائم أو بتحریض الغیر تحریضاً مباشراً على ارتکابها أو الذین یتآمرون لارتکابها بصرف النظر عن درجة التنفیذ. 3ـ ممثلو سلطة الدولة الذین یتسامحون فی ارتکاب تلک الجرائم .
المطلب الثانی عدم تقادم جرائم العنف الجنسی ضد النساء بالعودة للنظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة فإننا سنجد أنه قام على عدة مبادئ کان من أهمها مبدأ عدم تقادم الجرائم الدولیة الداخلة فی اختصاصها حیث نصت المادة 29 على أنه " لا تسقط الجرائم التی تدخل فی اختصاص المحکمة بالتقادم أیاً کانت أحکامه " واستناداً للعبارة الأخیرة من هذه المادة (أیاً کانت أحکامه) لن تستطیع الدول الأطراف وضع قید زمانی لتحمی الشخص من العقاب. إذاً فالمادة 29 تنص بشکل ضمنی على عدم تقادم جرائم العنف الجنسی طالما أن هذه الجرائم تدخل فی اختصاص المحکمة، علماً أن جرائم العنف الجنسی إما أن تکون جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانیة کما ذکرنا سابقاً. ولعل التطور الأحدث فی هذا المجال هو قرار مجلس الأمن رقم 1820 تاریخ 19/6/2008 والذی عد جرائم العنف الجنسی ضد المدنیین وبصفة خاصة ضد النساء والتی تتم خلال النزاعات المسلحة،جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانیة،وطالما عدها القرار کذلک فإنه یعترف بعدم قابلیة هذه الجرائم للتقادم طبقاً لاتفاقیة عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانیة لعام 1968 من جهة،وعدم قابلیتها للتقادم أیضاً بمنطوق المادة 29 من النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة. ومما یسجل للنظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة أنه کان السباق من بین مواثیق المحاکم الجنائیة الدولیة فی النص على مبدأ عدم تقادم جرائم العنف الجنسی على الرغم من أن القانون رقم (10) لمجلس الرقابة على ألمانیا قد تضمن قید زمانی ضمنی بإشارته إلى عقاب الجرائم المرتکبة بین 31/1/ 1933 و1/7/1945 ، کما یسجل للنظام أنه وسع من نطاق مبدأ عدم التقادم وبالتالی فإنه یعد بحق من الضمانات القانونیة لضحایا جرائم العنف الجنسی، ولکن بالمقابل لابد أن نشیر إلى أن مبدأ عدم التقادم یسری اعتباراً من بدء نفاذ النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة وبالتالی فإن جرائم العنف الجنسی السابقة على هذا التاریخ لن تخضع لاختصاص المحکمة الجنائیة الدولیة لتبینها مبدأ عدم رجعیة القانون وبالتالی سیبقى مبدأ عدم التقادم بالنسبة لها حبراً على ورق
المبحث الثالث المسؤولیة الدولیة عن جرائم العنف ضد النساء لاشک أن مجرد تقریر أرکان جرائم العنف ضد النساء یبقى بدون جدوى إذا لم یتم تقریر قیام المسؤولیة الدولیة عند ارتکاب هذه الجرائم، وفی هذا المبحث سنناقش المسؤولیة الدولیة للدول،ومن ثم سنناقش مسؤولیة القادة عما یرتکبه الجنود من جرائم بحق النساء،ومن ثم سندرس المسؤولیة الجنائیة للفرد عن هذه الجرائم بموجب النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة: المطلب الأول مسؤولیة الدول تعنی المسؤولیة فی مفهومها العام الالتزام باحترام مصلحة مشروعة لشخص من أشخاص القانون وبالتالی تحمل نتائج وآثار انتهاک هذه المصلحة،والواقع أننا لا نرید الدخول بالخلافات الفقهیة حول تعریف المسؤولیة الدولیة،و لا نرید أن ندخل فی تفاصیل المسؤولیة الدولیة لوجود مؤلفات کثیرة تتکلم عنها ،وما یهمنا هنا بیان فیما إذا کان بالإمکان قیام مسؤولیة الدول عما یرتکبه الأفراد من جرائم العنف الجنسی بحق النساء،وبیان الأساس الذی تقوم علیه،فالأصل أن الدولة لا تسأل عن التصرفات المخالفة للقانون الدولی والتی تقع من الأفراد العادیین سواء کانوا من مواطنیها أو من الأجانب المقیمین فوق إقلیمها،فالقانون الدولی یحمی الفرد من تعسف السلطة باعتبار أن الفرد غایته، ولکنه یواجه هذا الفرد الذی یخرج عن القانون تحت ما یسمى بالجرائم الدولیة أو الجرائم ذات الصفة الدولیة ویسأل دولته إذا ما بان إهمالها أو تقصیرها.وفیما یتعلق بجرائم العنف الجنسی التی ترتکب أثناء النزاعات المسلحة،فقد کان المجتمع الدولی قدیماً یعتبرها مسألة خاصة لا تتعلق بالقانون العام أو القانون الدولی الجنائی،لأنها لم تکن مرتبطة ارتباطاً وثیقاً بحقوق الإنسان،وهو ما أدى إلى حدوث تجاوزات فی هذا الصدد على المستوى الدولی،وبصفة خاصة ضد النساء المحتجزات أو المعتقلات فی معسکرات الاعتقال أو معسکرات اللاجئین،کذلک بالنسبة لما یقوم به الجنود فی القوات الحکومیة ضد النساء فی مناطق المتمردین کما حدث فی تیمور الشرقیة من جانب القوات الحکومیة الأندونسیة،وکما حدث بالنسبة للعدید من الحالات لعل أشهرها المآسی التی ارتکبت من القوات الیابانیة إبان الحرب العالمیة الثانیة ضد الفیلیبینیات،وما ارتکبه صرب البوسنة ضد المسلمات . و یمکن أن تتحمل الدولة المسئولیة الدولیة عن ارتکاب جرائم العنف الجنسی إذا فشلت فی إجراء تحقیق مناسب فی الوقائع المدعاة أو تغاضت عن تقدیم مرتکبی هذه الأعمال للمحاکمة أو لم تقم بتعویض الضحایا عما لا قوه من معاناة،ویمکن أن تتحقق مسئولیة الدولة عن الأفراد الذین لا یصدق علیهم وصف الموظفین الرسمیین بشأن ما یرتکبوه من أعمال بشرط أن یثبت وجود رابطة ظاهرة بین هؤلاء الأفراد والدولة، ومن أمثلة ذلک فرق فرض النظام الأهلیة التی یکونّها الأهالی لفرض القانون عند عجز القوات الحکومیة فی ذلک،وبذلک فإنه على الرغم من إدعاء الدولة بأن هؤلاء لیسوا موظفین حکومیین إلا أنها تتحمل المسئولیة عن أعمالهم بشرط أن تتوافر علاقة ظاهرة بین هذه الفرق أو المجموعات وبین الدولة،ویمکن أن تکون هذه الرابطة فی صورة دعم الدولة لهذه المجموعات أو تقاعسها عن التحقیق فیما یرتکبوه من أفعال أو تقدیم غطاء مناسب لأعمالهم،کما تتحمل الدولة المسؤولیة عن جرائم العنف الجنسی فی حال ثبوت تقصیرها فی توفیر الحمایة اللازمة للضحایا على وفق المعاییر المعتادة لسلوک الدول فی مثل هذه الأحوال،أو فی حال عدم قیام الدولة بتجریم مثل هذه الأفعال. وأخیرا قررت المادة 25 من النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة مسؤولیة الدول عن الجرائم التی تدخل فی اختصاصها، ومنها جرائم العنف الجنسی حیث قررت أن قیام المسؤولیة الجنائیة الفردیة لا یؤثر على قیام مسؤولیة الدول.
المطلب الثانی مسئولیة القادة عما یرتکبه الجنود من جرائم العنف الجنسی تعد محاکمة الجنرال Tomoyuki Yamashita، القائد الأعلى للقوات الیابانیة فی الفلبین إبان احتلال الیابان للفلبین فی الفترة من عام 1942 إلى عام 1944،أول محاکمة وإدانة یشهدها التاریخ الحدیث لقائد بهذه الرتبة على أساس مسؤولیته عما ارتکبه الجنود الخاضعون لقیادته من فظائع قتل وتعذیب واغتصاب، وقد استندت إدانته على أساس فشله فی السیطرة على جنوده ومنعهم من ارتکاب مثل هذه الأعمال. وقد قامت محاکم مجرمو الحرب فی یوغوسلافیا السابقة ورواندا بمحاکمة بعض القادة لمسئولیتهم عن الجرائم التی ارتکبها الجنود الخاضعون لقیادتهم،وکان أول حکم تصدره محکمة مجرمی الحرب فی یوغوسلافیا السابقة بشأن مسؤولیة القادة عن ارتکاب جرائم عنف جنسی هو حکمها فی قضیة : The prosecutor v. Delalic , Mucic, Landzo and Delic ( the Celebici case ) وقد صدر الحکم فی 16 نوفمبر 1998، کما أدین العدید من قادة المعسکرات الصربیة من قبل المحکمة، ومنهم Zeljko Meakic قائد معسکر أومارسکا Omarska camp الذی کان یضم أکثر من ثلاثة آلاف من مسلمی وکروات البوسنة. وقد تضمنت عریضة الاتهام فی هذه القضیة أنه خلال عمل هذا المعسکر وتعذیب وضرب السجناء من الرجال والنساء وتعریضهم لأحوال ومعاملة مهینة وحاطة بالکرامة وجعلهم فی خوف دائم من الموت،کما اتهم فی هذه القضیة عدد من قواد المعسکر الآخرین. ومما سبق یمکن القول أن القانون الدولی یقر بمسئولیة القادة عن أعمال جنودهم التی تتم بالمخالفة لقواعد القانون الدولی الإنسانی،وهو ما یتأکد من خلال أحکام المحاکم الجنائیة الدولیة فی هذا الخصوص،وتجد مسؤولیة القادة عن أعمال الجنود الخاضعین لهم جذورها فیما شهده القانون الدولی الإنسانی من تطور،ویعد تحمل القادة المسؤولیة عما یقوم به الجنود نتیجة للطبیعة المتغیرة للحرب وقیام الدول بالاستئثار بامتلاک قوات مسلحة بجانب الحق فی استخدام هذه القوات،وقد اقترن ذلک بوضع قواعد القانون الدولی الإنسانی التی بدأت منذ زمن طویل فی وضع قیود على حق الأطراف فی استخدام الأسلحة وغیرها من التطورات التی حدثت فی تنظیم وهیکل القوات المسلحة والتی أدت إلى أن یصبح القادة مسئولین عما یقوم به الجنود لیس فقط تنفیذاًُ لما یصدر إلیهم من أوامر،وإنما أیضاً عما یرتکبه الجنود من جرائم. کما تأکد مبدأ مسئولیة القادة عن أعمال الجنود الخاضعین لهم من خلال أحکام المحاکم الجنائیة الدولیة التی أعقبت الحرب العالمیة الثانیة،ومن أهمها فی هذا الصدد محاکمة الجنرال یاماشیتا القائد الأعلى للقوات الیابانیة فی الفلبین والذی حوکم من قبل محکمة مشکلة من خمسة رجال عرفت باسم Five – man United States Military Commission، وقد احتج دفاع المتهم بأن المتهم لم یکن یعلم بما ارتکب من أفعال وأن عدم علمه راجع إلى ظروف الحرب التی منعته من فرض سیطرته على الجنود،إلا أن لجنة المحاکمة ردت على ذلک بأن على المتهم أنه یثبت ما إذا کان قد قام ببذل أی جهد یتناسب مع موقعه القیادی ووظیفته أم لا،وأنه إذا کان لم یعلم بهذه الأعمال المریعة واسعة الانتشار والمتکررة فإن ذلک لأنه قرر ألا یعلم،وقد حکمت علیه اللجنة بالإعدام. وقد اتبعت محکمة طوکیو المبدأ الذی أقر فی محاکمة یاماشیتا بشأن مسؤولیة القواد عن أعمال الجنود الخاضعین لهم، وأقر المبدأ نفسه البروتوکول الأول الإضافی الملحق باتفاقیات جنیف لسنة 1949 حین قرر فی المادة 87 أنه یتعین على القادة العسکریین التأکد من أن أفراد القوات المسلحة الذین یعملون تحت إمرتهم یعرفون التزاماتهم بمقتضى الاتفاقیات والبروتوکول،ویتعین علیهم- أی على هؤلاء القواد- منع أی انتهاک لهذه الأحکام، وإذا لزم الأمر قمع الانتهاکات وإبلاغها إلى السلطات المختصة. وتعد الأحکام التی أصدرتها محکمة مجرمی الحرب فی کل من یوغوسلافیا السابقة ورواندا إقراراً لهذا المبدأ القاضی بمسؤولیة القواد عن أعمال الجنود التابعین لهم،وبالعودة للنظام الاساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة نرى انه قرر مسؤولیة القادة والرؤساء الآخرین فی المادة 28 ،حیث یکون القائد مسؤولاً عما یرتکبه الجنود الخاضعین لسلطته الفعلیة من جرائم تدخل فی اختصاص المحکمة ومنها جرائم العنف الجنسی ضد النساء.
المطلب الثالث المسئولیة الجنائیة للأفراد عن جرائم العنف الجنسی کانت قضیة العنف الجنسی وما یخضع له من أحکام فی القانون الدولی موضعاً لمستجدات مهمة فی السنوات الأخیرة فأفعال العنف الجنسی لم ترد صراحة ضمن قائمة المخالفات الجسیمة فی بروتوکولات جنیف والبروتوکول الإضافی الأول، وذلک على الرغم من أنها تندرج دون شک، بطبیعة الحال، فی نطاق " تعمد إحداث آلام شدیدة أو الإضرار الخطیر بالسلامة البدنیة أو الصحة "، والتعذیب أو المعاملة اللاإنسانیة، والتی تعد جمیعاً مخالفات جسیمة. على أن أفعال العنف الجنسی قد وردت صراحة کجرائم قائمة بذاتها فی الأنظمة الأساسیة للمحاکم المخصصة وللمحکمة الجنائیة الدولیة. على هذا النحو، نجد النظامین الأساسیین للمحکمة الجنائیة الدولیة لیوغوسلافیا السابقة والمحکمة الجنائیة الدولیة لرواندا یعدان الاغتصاب جریمة ضد الإنسانیة،ویورد النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة لرواندا " انتهاک الکرامة الشخصیة وبوجه خاص الاغتصاب والإکراه على الدعارة وأیة صورة من صور خدش الحیاء،بوصفها انتهاکات للمادة الثالثة المشترکة والبروتوکول الإضافی الثانی تملک المحکمة ولایة النظر فیه ". کذلک أقرت الأحکام الصادرة عن المحکمة الجنائیة الدولیة لیوغسلافیا السابقة بأن الاغتصاب وغیره من أفعال العنف الجنسی یمکن أن تندرج ضمن أفعال التعذیب أو انتهاک الکرامة الشخصیة،وبصفة خالة المعاملة المهینة والحاطة بالکرامة،التی ترتکب أثناء النزاعات المسلحة، دولیة کانت أم غیر دولیة، وتشکّل انتهاکات لقوانین الحرب وأعرافها ( أی للمادة الثالثة المشترکة بین اتفاقیات جنیف)، هی انتهاکات تملک المحکمة أیضاً ولایة النظر فیها. وقد کان الحکم الصادر عن المحکمة الجنائیة الدولیة لرواندا فی قضیة " أکایسو" هو المرة الأولى التی تحاکم فیها محکمة دولیة وتدین شخصاً متهماً بجرائم دولیة للعنف الجنسی. وکان من الأهمیة بمکان أن یعرّف الاغتصاب فی القانون الدولی لأول مرة بأنه " غزو بدنی ذو طبیعة جنسیة یرتکب ضد شخص فی ظروف قسریة".ویؤکد هذا النهج أن ضحایا الاغتصاب یمکن أن یشملوا رجالاً ونساءً على السواء،ومما له أهمیة أیضاً الحکم الصادر من المحکمة الجنائیة الدولیة لیوغوسلافیا السابقة فی قضیة " فوکا" المتعلقة باحتجاز نساء فی " معسکرات للاغتصاب" فی عامی 1992 – 1993،وکانت تلک هی المحاکمة الأولى التی ترکز،على وجه الحصر، على جرائم عنف جنسی مطّرد یرتکب ضد نساء أثناء نزاع مسلح،وفی هذه القضیة ارتأت المحکمة أن القوات المسلحة قد استخدمت الاغتصاب کأداة لبث الرعب، وأدانت المتهمین الثلاثة بالاغتصاب والتعذیب کجریمتی حرب وجریمتین ضد الإنسانیة، وبالاستعباد کجریمة ضد الإنسانیة. ویتوسع النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة توسعاً کبیراً فی عدد ما یورده من جرائم جنسیة محددة. ففضلاً عن إضافة " التدابیر التی تستهدف منع الإنجاب داخل جماعة" باعتبارها صورة من صور الإبادة الجماعیة على وفق اتفاقیة عام 1948 لمنع الإبادة الجماعیة، تحدد المادة السابعة والثامنة من النظام الأساسی " الاغتصاب، أو الاستعباد الجنسی، أو الإکراه على البغاء، أو الحمل(...) أو التعقیم القسری، أو أی شکل آخر من أشکال العنف الجنسی، کجرائم ضد الإنسانیة وجرائم حرب،سواء ارتکبت هذه الأفعال فی نزاعات مسلحة دولیة أم غیر دولیة. وفی الحقیقة تشکل المحاکم الجنائیة الدولیة ثورة کبیرة فی عالم القضاء الدولی حیث أنها أکدت فی مواثیقها اختصاصها بمحاکمة الأشخاص الطبیعیین وهذا بحد ذاته تطور کبیر فی مجال صلاحیة الفرد لیکون محلاً لخطاب القواعد القانونیة الدولیة،حیث أکدت المادة السادسة من النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة لرواندا على هذا المبدأ، ومن ثم جاء النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة لیؤکد فی المادة 25 منه على المسؤولیة الجنائیة الفردیة حیث یکون الشخص الذی یرتکب جریمة تدخل فی اختصاص المحکمة مسئولا عنها بصفته الفردیة وعرضة للعقاب وفقاً لهذا النظام الأساسی /م 25/ف/ 2/. إن تقریر المسؤولیة الجنائیة الفردیة عن ارتکاب جرائم العنف الجنسی یشکل ضمانة قانونیة کبیرة لحمایة النساء ضد هذه الجرائم،علماً أن الفقرة الرابعة من المادة 25 قررت أن تقریر المسؤولیة الجنائیة الفردیة لا یؤثر فی قیام مسؤولیة الدول بموجب القانون الدولی. ولقد کان النظام الأساسی دقیقاً نوعاً ما فی معالجته للمسؤولیة الجنائیة الفردیة حیث وضع لها ضوابط کما أنه قرر بعض الموانع التی تمنع قیام المسؤولیة: 1ـ ضوابط المسؤولیة الجنائیة الفردیة عن جرائم العنف الجنسی: 1 -الصفة الرسمیة للشخص لا تعفیه من العقاب ولا تعد سبباً لتخفیف العقوبة: إذ قررت المادة 27 من النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة ذلک، علماً أن هذا المبدأ قد قررته محکمة نورمبرغ من قبل فی المادة السابعة کما قرره النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة لیوغسلافیا السابقة فی المادة السابعة أیضاً. 2ـ الحصانة الدولیة أو الداخلیة لا تمنع من قیام المسؤولیة عن ارتکاب الجرائم الواردة فی اختصاص المحکمة م 27 /2. 3ـ ارتکاب أحد الأشخاص للفعل لا یعفی رئیسه القائد العسکری أو الشخص القائم فعلاً بأعماله من المسؤولیة الجنائیة إذا علم أو کانت لدیه أسباب معقولة للعلم م(28). 4ـ یسأل الرئیس جنائیاً عن الجرائم التی قد تدخل فی اختصاص المحکمة من جانب والمرتکبین لهذه الجرائم من جانب آخر والذین یخضعون لسلطته وسیطرته نتیجة لعدم ممارسة سیطرته على هؤلاء المرؤوسین ممارسة سلیمة. 5ـ نصت المادة 33 من النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة على أنه فی حالة ارتکاب أی شخص لجریمة من الجرائم التی تدخل فی اختصاص المحکمة لا یعفی من المسؤولیة الجنائیة إذا کان ارتکابه لتلک الجریمة قد تم امتثالاً لأمر حکومة أو رئیساً عسکریاً أو مدنیاً عدا الحالات التالیة: أـ إذا کان على الشخص التزام قانونی بإطاعة أوامر الحکومة أو الرئیس المعنی. ب ـ إذا لم یکن الشخص على علم بأن الأمر غیر مشروع. ج ـ إذا لم تکن عدم مشروعیة الأمر ظاهرة. ولکننا نرى ان ما نصت علیه المادة 33 قد لا ینطبق على جرائم العنف الجنسی لأن عدم مشروعیتها تکون ظاهرة للجمیع ،فهی مجرمة أولاً من الناحیة الأخلاقیة فی أغلب المجتمعات ،کما أنها مجرمة فی معظم القوانین الجزائیة الداخلیة ثانیاً. 2 ـ موانع المسؤولیة الجنائیة: عالجت المادة 31 موانع المسؤولیة الجنائیة مع تحفظنا حول حالة الدفاع الشرعی إذ یعد من أسباب التبریر فی أغلب القوانین الجنائیة لأنه ینفی وقوع الجریمة أصلاً، على أیة حال یمکن أن نذکر أهم الموانع التی ذکرتها المادة 31 : أـ إذا کان الشخص یعانی مرضاً أو قصوراً عقلیاً یعدم قدرته على إدراک عدم مشروعیة أو طبیعة سلوکه أو قدرته على التحکم فی سلوکه بما یتماشى مع مقتضیات القانون. ب ـ إذا کان الشخص فی حالة سکر مما یفقده قدرته على إدراک عدم مشروعیة أو طبیعة سلوکه. ج ـ إذا کان الشخص یتصرف على نحو معقول للدفاع عن نفسه أو عن شخص آخر أو یدافع فی حالة جرائم الحرب عن ممتلکات لا غنى عنها لبقائه. دـ إذا کان السلوک المدعى أنه یشکل جریمة تدخل فی اختصاص المحکمة قد حدث تحت تأثیر إکراه ناتج عن تهدید بالموت الوشیک أو بحدوث ضرر بدنی جسیم مستمر أو وشیک ضد ذلک الشخص وتصرف تصرفاً لازماً ومعقولاً لتجنب هذا التهدید ویکون هذا التهدید: ـ صادراً عن أشخاص آخرین. ـ تشکل بفعل ظروف أخرى خارجة عن إرادة الشخص. کما أن النظام الأساسی لم یعترف بالغلط بالوقائع أو القانون کمانع من موانع المسؤولیة الجنائیة إلا إذا نجم عنه أو ترتب علیه غیاب العنصر المعنوی /م32/.
الخاتمة : 1- یظهر لنا مما سبق مدى اهتمام النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة بالفئات الضعیفة التی تقع ضحایا للجرائم الدولیة ومن بینها بالطبع النساء، ولا غرابة فی ذلک طالما أن الهدف من النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة تحقیق العدالة الجنائیة. 2- على الرغم من ذلک فإننا لا نستطیع أن ننکر القصور فی بعض جوانب النظام الأساسی والتی یأتی على رأسها مبدأ عدم الرجعیة إذ یؤدی إلى إفلات الکثیر من مرتکبی جرائم العنف الجنسی بحق النساء قبل بدء سریان أحکام النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة، ولعل ما یخفف من ذلک وجود بعض المحاکم الجنائیة الدولیة الخاصة لبعض المناطق فی العالم کمحکمة یوغسلافیا السابقة التی لا تزال تباشر عملها وهی الآن بانتظار مجرم کبیر لیخضع لاختصاصها وهو مجرم الحرب فی یوغسلافیا السابقة رادوفان کاردجیتش.
التوصیات: 1- لا یستطیع أحد أن ینکر أن الوقایة خیراً من العلاج لذلک یجب نشر الوعی بقضایا النساء وحقوقهن أثناء قیام النزاعات المسلحة على وجه الخصوص. 2-نقترح عقد اتفاقیة متکاملة الجوانب خاصة بحمایة النساء ضد الجرائم الدولیة والتوسع فی الأفعال التی تشکل جرائم عنف جنسی،ذلک على غرار اتفاقیة جنیف الرابعة الخاصة بحمایة المدنیین، لأن ذلک یوفر حمایة أکبر للنساء. 3- نتمنى قیام محکمة جنائیة دولیة دائمة مختصة بالنظر بجرائم العنف الجنسی المرتکبة بحق النساء،وذلک لا یقلل من شأن المحکمة الجنائیة الدولیة لأن الهدف من الاقتراح تأمین حمایة اکبر للنساء ولاشک أن قیام قضاء دولی متخصص هو الأقدر على تحقیق ذلک.
The Authors declare That there is no conflict of interest
References (Arabic Translated to English) Arabic References:
| ||
References | ||
المراجع العربیة : 1. إبراهیم الدراجی ، المسؤولیة الشخصیة عن جریمة العدوان.ندوة المحکمة الجنائیة الدولیة فی کلیة الحقوق جامعة دمشق، اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر , 2003. 2. احمد أبو الوفا ،الملامح الأساسیة للمحکمة الجنائیة الدولیة.ندوة تحدی الحصانة فی جامعة دمشق ،منشورات اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر2001. 3. تغرید حکمت ، مسؤولیة الأفراد ومسؤولیة الدول فی المحاکم الجنائیة الدولیة، ندوة المحکمة الجنائیة الدولیة وتوسیع نطاق القانون الدولی الإنسانی، کلیة الحقوق، جامعة دمشق، منشورات اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر2003. 4. جمعة شباط ، حمایة المدنیین والأعیان المدنیة وقت الحرب.رسالة دکتوراه، کلیة الحقوق، جامعة القاهرة2003 . 5. حسام عبد الخالق الشیخة ، المسؤولیة والعقاب على جرائم الحرب. دار الجامعة الجدیدة، الإسکندریة ,2004 . 6. رضا فرح ، - شرح قانون العقوبات الجزائری، الطبعة الثانیة، الشرکة الوطنیة للنشر والتوزیع، الجزائر1976. 7. رضا همیسی، - المسؤولیة الدولیة. الطبعة الأولى، دار القافلة، الجزائر1999 . 8. سند حسن سعد سند ، الحمایة الدولیة لحقوق الإنسان فی السلامة الجسدیة. الطبعة الثانیة، دار النهضة العربیة، القاهرة2004. 9. سوسن تمر خان بکة ، الجرائم ضد الإنسانیة فی ضوء أحکام النظام الأساسی للمحکمة الجنائیة الدولیة. رسالة دکتوراه، کلیة الحقوق، جامعة القاهرة ,2004 . 10. صلاح عبد البدیع شلبی ، - التدخل الدولی ومأساة البوسنة والهرسک. الطبعة الأولى، دار النهضة العربیة، القاهرة. 1995. 11. طه زکی صافی ، المبادئ الأساسیة لقانون العقوبات اللبنانی (القسم العام). المؤسسة الحدیثة للکتاب، طرابلس، لبنان1993 . 12. عبد الرحیم صدقی ، القانون الدولی الجنائی .د.ن، القاهرة1986 . 13. عبد الواحد الفار ، الجرائم الدولیة وسلطة العقاب علیها دار النهضة العربیة، القاهرة 1996 . 14. لیندسی شارلوت ،-نساء یواجهن الحرب.منشورات اللجنة الدولیة للصلیب الأحمر2002. 15. محمد طلعت الغنیمی، الغنیمی فی قانون السلام. منشأة المعارف، الإسکندریة ,1973 . 16. محمود حجازی محمود, العنف الجنسی ضد المرأة فی أوقات النزاعات المسلحة. دار النهضة العربیة، القاهرة , 2007 . 17. محمود شریف بسیونی ، المحکمة الجنائیة الدولیة نشأتها ونظامها الأساسی. الطبعة الثالثة، دار النهضة العربیة، القاهرة , 2002.
القرارات : | ||
Statistics Article View: 426 PDF Download: 516 |